خيرية المنصور لـ«الشرق الأوسط»: ما زلت أسيرة أفكار يوسف شاهين

المخرجة العراقية تنتقد «سيطرة الرجال» على صناعة السينما في بلادها

خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)
خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)
TT

خيرية المنصور لـ«الشرق الأوسط»: ما زلت أسيرة أفكار يوسف شاهين

خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)
خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)

المخرجة العراقية خيرية المنصور (الشرق الأوسط)

انتقدت المخرجة العراقية خيرية المنصور «سيطرة الرجال» في بلادها على صناعة السينما، وذكرت أنها تواجه كثيراً من العراقيل التي تتمثل في الأفكار البالية، التي تعوق تقدم المرأة في مجال الإخراج، وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، على هامش زيارتها للقاهرة، لتوقيع عقد كتابها «شرنقة شاهين»، الذي قصت فيه كثيراً من الحكايات عن مسيرتها مع كثير من المخرجين المصريين، خصوصاً يوسف شاهين، قالت: «نعم كنت محظوظة جداً بالعمل مع مخرجين كبار، فلكل مخرج منهم أسلوبه الخاص به في إخراج عمله، وفي تكوين ورسم كادراته السينمائية، والتعامل مع الممثلين، وقد استفدت قطعاً من عملي معهم، ولكن يوسف شاهين، الذي ما زلت (أسيرة لأفكاره وشرنقته)، له مدرسته وأسلوبه اللذان يتميز بهما، وهو يختلف عن بقية المدارس الأخرى في كل شيء، فلديه عالم ساحر وراقٍ ومعرفي، اشتغلت معه في 4 أفلام، وكانت فرصة ذهبية لي لا تعوضها أي دراسة أكاديمية، وواكبت العمل في (حدوتة مصرية) بداية من كتابة السيناريو، ثم السيناريو التنفيذي والتصوير والمونتاج والموسيقى التصويرية، ووسائل الدعاية حتى ظهور النسخة النهائية للفيلم وعرضه للجمهور، وهذا الفيلم كان له صدى رائع في العراق حين عُرض هناك، وهو ما أثلج قلب شاهين».

خيرية المنصور وسهير البابلي وسيف عبد الرحمن

واعترفت خيرية المنصور التي شاركت في كثير من المهرجانات الدولية، وحصلت على جوائز مهمة، واختيرت عضواً في كثير من لجان التحكيم السينمائية، بفضل شاهين في مسيرتها الفنية فيما بعد، وقالت: «هو الذي نهلت من مدرسته أبجديات السينما، ووضع قدمي في هذا العالم، وقادني بكل اعتزاز وإصرار، وكان لا يبخل علي بأي جواب لأسئلتي المتلاحقة ويشرح لي، وحينما شاهد فيلمي الروائي الأول (6 - 6)، كان سعيداً بما شاهده، ونقلت رأيه وقتها الصحافة العراقية، وقال لي: (لا تتوقفي، ستكونين مخرجة ذات شأن في الساحة السينمائية، ولا تتنازلي عن حقك أبداً، ونفذي ما تؤمنين به)، وهذه الوصية التي أعتز بها سببت لي كثيراً من المشاكل مع الإدارة الحكومية للسينما، فليس لدينا قطاع خاص يقوم بدور في الإنتاج، والقطاع العام الممول من الحكومة يضطلع بالمهمة وحده».
وذكرت خيرية المنصور التي تعدّ أول مخرجة سينمائية في العراق، أن «هناك مخرجات ظهرن حديثاً في الساحة الفنية في مواجهة مجتمع ذكوري لا يؤمن بقدرات وإبداعات المرأة، ويظن أن الإبداع في الإخراج حكر على الرجال، لكنني أرى أن المرأة أكثر قدرة على فهم الواقع لأنها تمسك بالكاميرا مثل معول لتهدم كل فكر بالٍ، ولا تهمها الأعراف السائدة».
ويمر العراق -حسبما قالت خيرية المنصور- بحالة مخاض وإثبات وجود، «فمن يتحكم فيه ميليشيات دموية، ولكن هناك شذرات فنية متوهجة على يد شباب واعد يؤمن بالسينما أداةَ تغيير، وهم في صراع بين ما يريدون وبين السائد من قيم بالية عفّى عليها الزمن».

خيرية المنصور مع سعاد حسني أثناء زيارتها للعراق

وبدأت خيرية المنصور تجربة العمل في مجال السينما مساعدة مخرج مع مخرجين مصريين مهمين، مثل توفيق صالح في فيلمه «الأيام الطويلة»، وصلاح أبو سيف في فيلم «القادسية»، ومع يوسف شاهين في 4 أفلام، هي: «حدوتة مصرية»، و«إسكندرية كمان وكمان»، و«المصير»، و«كلها خطوة»، ومحمد راضي في فيلم «حائط البطولات»، أما المخرجة إيناس الدغيدي فقد عملت معها مخرجة منفذة في فيلم «الوردة الحمراء».
وعن رأيها في دخول القطاع العام والحكومة على خط صناعة «الفن السابع» في العراق، فذكرت أنه يعرقل تقدمها وتطور أفكارها، «هم يرون أن الأفلام يجب أن تعكس ما تريده الحكومة، ولكني بالكوميديا اخترقت هذه السياسة التي فرضوها على العمل السينمائي، وقدمت فيلم (6- 6) بطولة الفنان قاسم الملاك، وليلى محمد، ويعد نقلة نوعية في تاريخ السينما الكوميدية العراقية، وقد حصل على جائزة الإبداع السنوية من وزارة الثقافة العراقية، وعُرض في مهرجان معهد العالم العربي بباريس. هذا بالإضافة لفيلم (100- 100) من تأليفي وإخراجي، ويعود لعام 1992. وقد أخرجت منذ عام 1980 وحتى عام 2003 أكثر من 80 فيلماً روائياً وتسجيلياً وتلفزيونياً، ورغم كثير من العراقيل التي واجهتني، لم يكن طريقي سهلاً، وكل فيلم قدمته كانت تصاحبه المشاكل والمشادات والصراعات».

يوسف شاهين وخيرية المنصور والمخرج علاء كريم (الشرق الأوسط)

وذكرت خيرية المنصور أن ما يزيل كل المتاعب التي يتعرض لها أي فنان، هو أن تحظى أعماله بالتقدير، «وقد حصد فيلمي (انظروا) عام 1991 الجائزة الأولى في المغرب، وأحسن فيلم تسجيلي في العراق، وشهادة تقدير من مهرجان المبدعات العربيات بتونس، وعن فيلم (أحلام بيضاء) حصلت على الجائزة الذهبية في مهرجان الأفلام التسجيلية في العراق، وجائزة الإبداع السنوية التي تقدمها وزارة الثقافة، وشهادة تقدير من جمعية نقاد السينما في مصر، وفاز (عاشق السينما) بالجائزة الأولى من مهرجان معهد الفنون الجميلة بالعراق».
وعن كتاب «شرنقة شاهين»، الذي صدر حديثاً عن دار «أطياف» المصرية، ذكرت أن «الهدف منه هو أن يعرف محبو (الفن السابع) سينما يوسف شاهين، وأن يجد طلبة السينما ودارسوها ما يفيدهم بين طياته، وهو اعتراف بفضل شاهين الذي نهلت من مدرسته السينمائية وتأثرت بها».

خيرية المنصور مع المخرج يوسف شاهين (الشرق الأوسط)

 


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
TT

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)

كثيراً ما كان اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة، لكنه اضطُر لترك التعليم عندما كان في الثانية عشرة من عمره لمساعدة والده في العمل بالحقل.

ويقول بانايوتاروبولوس: «كل شيء أتعلمه مثير للاهتمام، ووجودي هنا أمر ينير العقل».

وفي تمام الساعة 7:45 مساءً، رن الجرس في فصل آخر، وها هو عالَم اليونان الكلاسيكي يستدعي الرجل المتقاعد الذي وضع حقيبته المدرسية وكتبه على مكتب خشبي صغير.

وببدلته الداكنة وحذائه اللامع، لا يبدو بانايوتاروبولوس أنيقاً فحسب في الغرفة التي تزين جدرانها رسومات الجرافيتي، بل هو أيضاً أكبر طالب يحضر في المدرسة الليلية الثانية في وسط أثينا.

فعلى الأقل نصف زملائه في الصف هم في عمر أحفاده، وقد مر ما يقرب من 70 عاماً منذ آخر مرة ذهب فيها الرجل الثمانيني إلى المدرسة.

ويقول التلميذ الكبير وهو يسترجع ذكريات طفولته في إحدى قرى بيلوبونيز: «تركت المدرسة في سن الثانية عشرة لمساعدة والدي في الحقل، لكن كان لدي دائماً في عقلي وروحي رغبة في العودة، وتلك الرغبة لم تتلاشَ قط».

وعندما بلغ الثمانين، أخبر التلميذ الحالي وصاحب المطعم السابق زوجته ماريا، وهي خياطة متقاعدة، بأنه أخيراً سيحقق رغبته، فبعد ما يقرب من 5 عقود من العمل طاهياً وفي إدارة مطعم وعمل شاق وحياة شاقة في العاصمة اليونانية، دخل من بوابات المدرسة الليلية الثانية في العام الماضي.

واليوم هو مُسجَّل في صف من المفترض أن يحضره المراهقون في سن الخامسة عشرة من عمرهم، وهي الفكرة التي جعله يبتسم قبل أن يضحك بشدة ويقول: «آه، لو عاد بي الزمن للخامسة عشرة مرة أخرى، كثيراً ما كان لديَّ هذا الحلم بأن أنهل من نبع المعرفة، لكنني لم أتخيل أن يأتي اليوم الذي أعيش الحلم بالفعل».