حرب السودان... مناطق ساخنة حول العاصمة

النار تشتعل وتنطفئ من موقع إلى آخر

يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)
يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)
TT

حرب السودان... مناطق ساخنة حول العاصمة

يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)
يتأمل أعمدة الدخان تتصاعد في الخرطوم (أ.ب)

فوجئ السودانيون بإطلاق نار كثيف حول مباني «المدينة الرياضية» في منطقة سوبا جنوب الخرطوم، ليكتشفوا أنها بداية معركة بين القوات المسلحة، وقوات «الدعم السريع»، ثم انتقل القتال سريعاً إلى «حي المطار» المتاخم لمقر القيادة العامة للجيش، حيث يوجد بيت الضيافة الذي يقيم فيه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وكبار القادة العسكريين، في وسط الخرطوم.
وسريعاً، تداولت وسائط الإعلام عن «الدعم السريع»، «سيطرته على مطار مروي، والقاعدة الجوية»، والإعلان عن احتجاز عدد من الضباط، وبعدها تم تداول معلومات عن استيلاء قوات «الدعم السريع» على القصر الجمهوري في قلب الخرطوم أيضاً، والإعلان عن سيطرته على أجزاء واسعة من مقر القيادة العامة للجيش، ثم امتدت نيران الحريق خارج العاصمة الخرطوم إلى عدد من المدن والولايات، وعلى وجه الخصوص ولاية دارفور وولاية كردفان في غرب ووسط السودان.
ويرجع اندلاع القتال بين القوتين المكونتين للجيش السوداني، إلى خلاف بين قادة الجيش وقادة «الدعم السريع»، على ما أقره «الاتفاق الإطاري» السياسي الموقع من قبلهما مع القادة المدنيين في 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويقضي بدمج قوات «الدعم السريع» في الجيش. ورغم موافقة كلا القائدين على القرار، فإن «شيطان التفاصيل» أدى لقطيعة بين قادة القوتين، فالجيش يرى أن تتم عملية الدمج خلال ثلاث سنوات، في حين يرى «الدعم السريع» أن تستغرق عشر سنوات. كما اختلف الطرفان على قيادة الجيش الموحد؛ إذ يرى الجيش أن قائده العام هو الذي سيكون قائداً للجيش الموحد، في حين يتمسك «الدعم السريع» بأن تؤول قيادة الجيش الموحد لرئيس الدولة المدني الذي يتم التوافق عليه.
- اتهامات متبادلة
ويزعم كلا الطرفين أن الآخر أشعل فتيل الحرب، فبينما يقول الجيش إن قوات «الدعم السريع» هي التي بدأت الحرب، تقول هي الأخرى إن قوات الجيش المدعومة من أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير والإسلاميين، هاجموا معسكرها في «المدينة الرياضية»، لكن تاجر خضر وفاكهة يعمل في السوق المحلية القريبة من المكان أبلغ الصحيفة، أنه أتى لمتجره في الصباح الباكر فوجد قوات بأزياء الجيش النظامي تحاصر المكان، ولم تمر ساعات، فإذا بأصوات القتال تصل إليهم في محلاتهم، فسارعوا إلى إغلاقها.
وصل القتال المستمر ليومه التاسع من دون توقف، رغم إعلان الهدنة أكثر من مرة، لكن دون التزام يذكر من الطرفين، ووزع كل منهما بياناً لوسائل الإعلام يتهم فيه الآخر بخرق الهدنة، ولا توجد جهة مستقلة يمكن الركون إليها في تحديد من الذي بدأ بخرق إطلاق النار، بل من بدأ الحرب أصلاً، أو التحقق من مزاعم الطرفين حول الأوضاع الميدانية. وامتدت النيران إلى مدن نيالا والفاشر والجنية في ولايات دارفور، ومدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان، وفي عدد من عواصم الولايات حول مراكز قيادة الجيش و«الدعم السريع»، لكن معظمها توقف بعد سحب كلا الطرفين أعداداً من جنودهما ليتوجهوا إلى العاصمة الخرطوم حيث المعركة الرئيسية، عدا مدينة الأبيض التي دارت فيها معارك شرسة قدرت الخسائر فيها بين المدنيين بالعشرات.
- انتشار بقع القتال
ومنذ اندلاع الحرب يدور قتال عنيف حول قيادة الجيش وسط الخرطوم، وفي القاعدة الجوية في مطار مروي الدولي، وحول مقرات «الدعم السريع» في شارع «عبيد ختم»، ومقر «الدعم السريع» في حي كافوري بمدينة بحري، وموقع قوات «الدعم السريع» في منطقة شمبات ببحري، وحول سلاح المهندسين في أم درمان، و«الإذاعة والتلفزيون» بأم درمان، إضافة إلى قواعد الجيش وبعض مراكزه المهمة، إلى جانب المعارك التي تدور حول العاصمة الخرطوم، ومن الجنوب والغرب والشرق على شكل مواجهات بين القوات القادمة من خارج العاصمة لنصرة الطرف الذي تواليه في الخرطوم، بما يمكن القول إن ما يشهده السودان يعد «حرباً شاملة».
تزعم قوات «الدعم السريع»، أنها تسيطر على وسط الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي، وأجزاء واسعة من القيادة العامة للجيش، وعدد من المناطق العسكرية في الخرطوم وبعض الولايات، لكن الجيش يرد بأنه استعاد السيطرة عليها بعمليات نوعية، لكن شهوداً يقولون إن قوات «الدعم السريع» ما تزال تشاهَد في المناطق المذكورة، وإنها تحكم المداخل والمخارج حول المنطقة. ويستخدم الجيش عادة طيرانه الحربي في قصف تجمعات قوات «الدعم السريع». ويعلن الجيش أنه طرد قوات «الدعم السريع» من عدد من مقراته، بما في ذلك القيادة العامة، لكنه يواصل قصفها بالطيران الحربي والمسيّرات القتالية، في حين قال شهود إن قوات «الدعم السريع» عادة ما تمتص الهجمة، لتعود من جديد للأماكن التي تخلت عنها مؤقتاً.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قد ذكر في تصريحات صحافية، أن قواته دحرت «الدعم السريع»، ما عدا بعض الجيوب، وذكر من بين هذه الجيوب حول القيادة العامة ومباني مجلس الوزراء ووزارة الداخلية وغيرها، في حين ذكر قائد قوات «الدعم السريع»، أن قواته ما تزال تسيطر على معظم المناطق التي بحوزتها.
- تصريحات متضاربة
وتنتشر قوات «الدعم السريع» على مداخل الطرق في عدد من مناطق شرق مدينة الخرطوم بحري، بارتكازات راجلة ومحروسة بعربات مسلحة، تقوم بالتدقيق في هويات المواطنين قبل السماح لهم بالمغادرة أو القبض عليهم. وقال شهود، وبينهم صحافيون احتُجزوا في مكاتبهم أثناء القتال، إن المنطقة إلى الجنوب من مركز المدينة وشرقها تنتشر فيها ارتكازات تابعة لقوات «الدعم السريع». ووفقاً لصحافيين، فإن القتال يدور في عدد من المناطق غير العسكرية حول كل من أحياء «جبرة، والعشرة، والصحافة» في جنوب الخرطوم، ومناطق «اللاماب، والشجرة» جنوب غربي الخرطوم، وفي مناطق «الجرافة، والمنارة، وود البخيت»، إضافة إلى مباني «الإذاعة والتلفزيون» في أم درمان.
أما المناطق العسكرية، فإن القتال فيها يدور حول مقر قيادة هيئة العمليات التابع لجهاز الأمن، واستولى عليه «الدعم السريع» بعد حل الهيئة في منطقة الخرطوم بحري، ومنطقة شمبات العسكرية قرب قيادة سلاح المظلات، وحول سلاح المهندسين بأم درمان، وعدد من المناطق العسكرية حول العاصمة، إلى جانب القيادة العامة للجيش والقصر الرئاسي. وتتداول وسائط التواصل العديد من الفيديوهات القصيرة التي درج الطرفان على بثها، معلنين فيها الاستيلاء على مكان محدد، لكن لا أحد يستطيع التحقق من صحتها.
ميدانياً، ورغم أن كلا الطرفين يزعم أنه «حسم القتال» لصالحه، وأنه قريباً سيعلن انتهاء الحرب، فإن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قال في تصريحات نقلتها فضائية «العربية» إنه لا يعرف متى تنتهي الحرب، وبالمقابل فإن «الدعم السريع» أعلن على لسان قائده لذات القناة، أن حسم الحرب بالنسبة له مسألة وقت قريب، لكن لا أحد يستطيع الجزم بمتى ستنتهي تلك الحرب.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.