دقّت المفوضية الأوروبية ناقوس الخطر المناخي في التقرير الذي يصدر اليوم الاثنين حول وضع المناخ في أوروبا لعام 2022، والذي يعدّه سنوياً «مركز كوبرنيك لرصد التغيرات المناخية»، حيث حذّر من أن درجات الحرارة في القارة الأوروبية ترتفع بوتيرة أسرع مرتين من أي قارة أخرى في العالم. ومن أسباب هذا الارتفاع السريع أن أوروبا تقع تحت القطب المتجمد الشمالي، الذي يعد من أشد المناطق احتراراً منذ أواخر القرن الماضي، فضلاً عن أن المساحة الأوروبية معظمها ترابي، وبالتالي فهي ترتفع حرارتها أكثر من المساحات المائية.
وتنبّه المفوضية من التداعيات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي بدأت تنشأ عن هذه الظاهرة، ومن «تراجع مثير للقلق» في مستويات الإنتاج الزراعي والمواد الغذائية الأساسية على المدى المتوسط، خصوصاً أن أوروبا تشهد منذ سنوات موجات غير مسبوقة من الحر بلغت ذروتها العام الماضي، حيث كان فصل الصيف الثاني الأكثر حرارة في سجل المناخ الأوروبي، ما يدلّ على أن القارة الأوروبية هي الأكثر تعرضاً لتداعيات التغيّر المناخي.
ويفيد تقرير «مركز كوبرنيك» بأن متوسط ارتفاع درجات الحرارة في العالم خلال السنوات الخمس المنصرمة بلغ 1.2 درجة مئوية مقارنة بالفترة السابقة للمرحلة الصناعية، أي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بينما بلغ في أوروبا 2.2 درجة قياساً بتلك المرحلة التي بدأ العالم يستخدم فيها الوقود الأحفوري بكميات كبيرة تلبية لاحتياجاته الصناعية.
ويعود خبراء المفوضية إلى التنبيه بأن التغيّر المناخي لا يتسبب بارتفاع معدلات درجات الحرارة، فحسب، بل يؤدي إلى تعاقب موجات الحر والجفاف كتلك التي شهدتها أوروبا في العام الماضي، وما زالت الاقتصادات الأوروبية تعاني من عواقبها، خصوصاً القطاع الزراعي والمنتوجات الغذائية التي سجلت ارتفاعاً غير مسبوق في أسعارها. ويفيد التقرير بأن مياه الأنهر الأوروبية سجلت العام الماضي ثاني أدنى منسوب في تاريخها، وذلك للسنة السادسة على التوالي.
وكانت بلدان الجنوب الأوروبي التي تشكّل عماد القطاع الزراعي في الاتحاد الأكثر تعرضاً لموجات الجفاف المتتالية، والتي يتوقع الخبراء أن تستمر لعدة سنوات، وأن هذه البلدان ستواجه شحاً في المياه إذا لم يتغير الوضع بشكل جذري قريباً، وأن مستويات الإنتاج الزراعي سوف تتدنى، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية.
ويقول كارلو بونتمبو المسؤول عن التغير المناخي في «مركز كوبرنيك»، ومعنى اسمه «الطقس الجميل»، إن السبيل لمنع وقوع كارثة مناخية قد حدده العلماء بوضوح، وهي خفض انبعاثات غازات الدفيئة، والإسراع في اتخاذ تدابير التكيّف لاستباق الآثار السلبية التي ستؤدي إلى المزيد من الحالات المناخية القصوى التي ستكون لها تبعات خطيرة جداً على النظم الأيكولوجية، والمجتمعات، والاقتصاد.
ويذكّر الخبراء بأن الصيف الماضي لم يكن الصيف الأكثر حرارة في أوروبا، فحسب، بل إن عام 2021 كان قد سجل أيضاً رقماً قياسياً تاريخياً من حيث متوسط درجات الحرارة، أي أن هذه الظاهرة لم تعد مجرد حدث عابر، بل هي في طريقها لأن تصبح من الثوابت المناخية في أوروبا. ويحذّر التقرير بشكل خاص من الازدياد القياسي الذي تشهده بلدان الجنوب الأوروبي منذ سنوات في عدد الأيام التي تسجل ما يسمّى «الوطأة الحرارية الشديدة»، والتي تنشأ عنها تداعيات صحية واقتصادية تزداد خطورة بقدر ما تتكرر هذه الظاهرة.
ومن الآثار الإيجابية النادرة لظاهرة ارتفاع درجات الحرارة في أوروبا، تأثيرها على إنتاج الطاقات المتجددة، تحديداً الطاقة الشمسية، الذي سجّل ارتفاعاً قياسياً العام الماضي.
ويتوقع العلماء أن تعود ظاهرة «النينيو» اعتباراً من الصيف المقبل، ما سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في بعض المناطق المشاطئة للمحيط الهادئ، وبالتالي إلى ارتفاع عالمي في درجات الحرارة وتفاقم الظواهر المناخية القصوى. ويقول بونتمبو إن آثار ظاهرة «النينيو» تشمل مناطق العالم بأسرها كما تبيّن خلال السنوات العشر المنصرمة، حيث شهدت الكرة الأرضية العام الأكثر حرارة، 2016، منذ أواسط القرن التاسع عشر عندما بدأ توثيق التطورات المناخية.
وتنبّه المفوضية بأن صحة الأوروبيين سوف تتأثر بشكل ملحوظ إذا استمرت هذه الظواهر المناخية في السنوات المقبلة، وأن عدد الوفيات المبكرة جراء الارتفاع الشديد في درجات الحرارة سيزداد بنسبة تناهز 140 حالة وفاة سنوياً، ما يشكل عبئاً مالياً على المنظومات الصحية يصل إلى 350 مليار يورو. ويحذّر المكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية من أن الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة يزيد من سريان الأمراض الحيوانية المنشأ، أو تلك التي تتفشّى عن طريق الأغذية والمياه، فضلاً عن تأثيره المباشر على الصحة العقلية عند المسنين. ويلاحظ المكتب الأوروبي ارتفاعاً مطرداً منذ سنوات في نسبة الإصابة بأمراض الحساسية لدى البالغين والأطفال، التي وصلت إلى 40 في المائة في بعض البلدان. وتقول منظمة «يونيسف» إن 125 طفلاً في القارة الأوروبية يواجهون مخاطر صحية عديدة بسبب من الظواهر المناخية القصوى.
وكانت المفوضية الأوروبية قد شددت مؤخراً على ضرورة الإسراع في تطوير منظومات مكافحة الحرائق التي تزداد سنوياً وتلحق أضراراً فادحة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، التي تعاني معظم بلدان الاتحاد الأوروبي من العجز في الموارد اللازمة للتصدي لها.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي كان قد وضع في عام 2021 هدف تصفير انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عام 2050 وجعله ملزماً قانونياً، على أن يصل الخفض إلى 55 في المائة في عام 2030، لكن الحرب التي نشبت في أوكرانيا مطالع العام الماضي، وما نشأ عنها من أزمات على صعيد إمدادات الطاقة، دفعت بالعديد من بلدان الاتحاد إلى تجميد البرامج والخطط التي كانت وضعتها لتحقيق هذا الهدف ريثما تتمكن من تأمين مصادر جديدة لاحتياجاتها من الطاقة.
تقرير يرصد مخاطر تزايد الاحترار في أوروبا
حذر من تكرار سيناريو الصيف الماضي و«تداعيات مقلقة» على المنتجات الزراعية
تقرير يرصد مخاطر تزايد الاحترار في أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة