هل يتحول السودان إلى ساحة لـ«الاستقطاب الدولي»؟

مقر السفارة الأميركية في الخرطوم (أ.ف.ب)
مقر السفارة الأميركية في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

هل يتحول السودان إلى ساحة لـ«الاستقطاب الدولي»؟

مقر السفارة الأميركية في الخرطوم (أ.ف.ب)
مقر السفارة الأميركية في الخرطوم (أ.ف.ب)

تثير الأزمة السودانية الحالية والاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» مخاوف متصاعدة، لا تقتصر على الداخل السوداني بل تمتد إلى مستويات إقليمية ودولية، في ظل استقطاب دولي حاد في أفريقيا، ومساع من جانب القوى الدولية لتعزيز حضورها في منطقتي شرق أفريقيا والساحل والصحراء، حيث يمثل السودان حلقة استراتيجية مهمة تربط بينهما.
ورغم المواقف الدولية المعلنة التي تشدد على ضرورة إبقاء الأزمة في إطارها السوداني، ورفض التدخلات الخارجية، فإن مراقبين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن الأهمية الجيو - استراتيجية التي يتمتع بها السودان، وسعي الأطراف المتصارعة إلى توفير داعمين إقليميين ودوليين، قد يفتح ذلك المجال أمام تحول السودان إلى ساحة للاستقطاب الدولي.

اتهامات أميركية
كانت الولايات المتحدة أعربت عن قلقها إزاء الوضع في السودان، وأجرى وزير خارجيتها أنتوني بلينكن اتصالات هاتفية مع قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، ومع قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو المعروف باسم «حميدتي»، ودعاهما إلى وقف فوري للأعمال العدائية بين الطرفين.
وينطلق اهتمام الولايات المتحدة باستقرار السودان من أهداف استراتيجية يتعلق بعضها بـ«مكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية»، بينما يتعلق البعض الآخر بـ«تحجيم نفوذ الصين وروسيا في القارة السمراء».
وبثت شبكة «سي إن إن» الأميركية قبل أيام تقارير أفادت بأن قوات «فاغنر» الروسية عرضت تقديم أنظمة صواريخ مضادة للطائرات مخزنة في أفريقيا الوسطى، بهدف مساعدة قوات «الدعم السريع» في قتالها ضد الجيش السوداني، وهو ما نفته قيادة «الدعم السريع»، ووصفه يفغيني بريغوجين، رئيس المجموعة بأنه «محاولة استفزاز»، نافياً تورط المجموعة في النزاع الدائر حالياً في السودان.

توازن روسي - صيني
من جانب آخر، التزمت روسيا بتقديم المساعدة العسكرية والتدريب للجيش السوداني وفق اتفاقيات رسمية سابقة، فيما أشار مراقبون إلى أن هناك قنوات اتصال روسية مفتوحة مع قوات «الدعم السريع»، مستشهدين بزيارة «حميدتي» إلى موسكو في الأسبوع الأخير من فبراير (شباط) 2022، وهي زيارة استغرقت ثمانية أيام، وأثارت جدلاً واسعاً، وأعادت الحديث عن إمكانية منح موسكو قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على فرع «فاغنر» في السودان العام الماضي، بعد تحقيقات كشفت دور المجموعة في استغلال الذهب.
في المقابل، تبنت الصين نهجاً أكثر حذراً تجاه الصراع في السودان، إذ تسعى إلى الحفاظ على التوازن بين مصالحها الاقتصادية، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وتعد الصين الشريك الاقتصادي الأكبر للسودان، ولعدد كبير من الدول الأفريقية، وهو ما يثير مخاوف الولايات المتحدة من تحويل بكين لنفوذها الاقتصادي إلى حضور سياسي وعسكري في دول القارة السمراء.
ودعت الصين التي تمتلك استثمارات كبيرة في السودان، لا سيما في قطاع البناء والتشييد، إلى حل سلمي للصراع، وعرضت التوسط بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

صراع معلن
يشير الدكتور محمد يوسف الحسن، خبير الشؤون الأفريقية، إلى خطورة الموقف في الأزمة السودانية وانفتاحه على جميع الاحتمالات، لا سيما إذا طال أمد الأزمة، وهو ما سيدفع برأيه قوى إقليمية ودولية إلى التخلي عن تحفظاتها الراهنة، وربما «نشهد تدخلات خارجية أكبر في الأزمة وفق مصالح كل دولة»، وهذا من شأنه أن «يعقد الأمور أكثر»، وفق تعبيره.
وأوضح الحسن لـ«الشرق الأوسط» أن أفريقيا أصبحت ساحة للاستقطاب الدولي في السنوات الأخيرة، وأن صراعاً معلناً يدور بين الولايات المتحدة من جانب، وبين كلّ من روسيا والصين من جانب آخر، لافتاً إلى أن السودان ليس بعيداً عن مرمى تلك الاستقطابات، خصوصا في شرق أفريقيا ودول الساحل والصحراء.
وأضاف أن أي اضطرابات سياسية أو أمنية تفتح المجال أمام الاستقطابات الدولية، وهو ما حدث في تجارب سابقة مثل الصومال وتشاد ومالي وأفريقيا الوسطى وليبيا وغيرها، خصوصاً في ظل تعقد شبكة مصالح القوى الدولية في القارة الأفريقية.

تحفظ دولي
في المقابل، يرى الدكتور أحمد أمل، أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا، في «جامعة القاهرة»، العكس؛ إذ يشير إلى أن القوى الدولية في المرحلة الراهنة «تحاول النأي بنفسها عن التورط في هذا الصراع» الذي يصفه بـ«القبيح»، مشيراً إلى أن المواجهة الجارية حالياً بين القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» تعتبر «أكثر رعونة وسرعة وحِدّة» مما قدرته الحسابات الغربية والروسية على حد سواء.
وأوضح أمل لـ«الشرق الأوسط»، أن ردود الفعل الدولية تعكس «توافقاً جماعياً» بشأن عدم تقديم الدعم المباشر لأي من طرفي الصراع، وهو ما يمكن أن يدفع باتجاه إنهاء سريع للاقتتال، والحد من مخاطر اكتساب الصراع طابعاً إقليمياً أو دولياً، وفق رأيه.
وأضاف أن السودان كان في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير «مركز استقطابات دولية»، بالنظر إلى تقارب نظام البشير مع روسيا، وعقد صفقات كبيرة للتسلح، وحصول السودان على طائرات «ميغ» و«سوخوي» روسية الصنع. كما أعلن آنذاك عن ترتيبات لوجود البحرية الروسية في «بورتسودان»، ولفت إلى أن الإطاحة بالبشير «أربكت كثيراً من الحسابات الدولية».
وتابع الأكاديمي المتخصص في الشأن الأفريقي، أن نفوذ الولايات المتحدة ازداد في السودان في المرحلة الانتقالية، وكانت هناك محاولات أميركية لإحداث تقارب سوداني - إسرائيلي، وظهر تقارب بين المؤسسة العسكرية السودانية والأجندة الغربية، في مقابل مؤشرات على تقارب بين قوات «الدعم السريع» وروسيا.
ونوه أمل بأن «الدعم السريع» يرتبط بسياق جغرافي أكثر قرباً للأوضاع في دول الساحل، حيث يتمدد النفوذ الروسي على الجدار الغربي للحدود السودانية، في ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، إضافة إلى انتشار قوات «فاغنر» التي تشارك في حماية عمليات التنقيب غير النظامي عن الذهب والمعادن النفيسة بدول الساحل والصحراء، وهو ما يضطلع «حميدتي» بدور واضح فيه.
وأعرب أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا، عن توقعه بأن تشهد الفترة المقبلة «تريثاً» من جانب القوى الدولية بشأن الانخراط في الصراع.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد تتعامل «وفق سيناريو إدارتها للحرب الأهلية في إثيوبيا، كما ستسعى روسيا والصين للحفاظ على توازن معلن على الأقل، بينما يترقب الاتحاد الأوروبي الموقف خشية تصاعد موجات الهجرة غير الشرعية وتنامي مخاطر الإرهاب في بلد لا يبعد كثيراً عن جنوب أوروبا».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.