ألقت الأزمة الراهنة في السودان، بعد اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بثقل إضافي على كاهل «الاتحاد الأفريقي» الذي يواجه مزيداً من التحديات في قارة تنتشر فيها اضطرابات وصراعات مسلحة.
وبينما دخل الاتحاد الأفريقي سريعاً على خط الأزمة في السودان، إلا أن تقييم مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» حول قدرة التكتل الأفريقي على لعب دور محوري فيها تباين بوضوح.
ففي حين ركّز البعض على أهمية دور الاتحاد الأفريقي في توفير مظلة للحل، استند آخرون إلى «إخفاقات» سابقة عجز فيها عن «إسكات البنادق» في نحو نصف دول القارة.
وبعد ساعات من اندلاع الاشتباكات في السودان، عقد مجلس «الأمن والسلم» التابع للاتحاد الأفريقي اجتماعاً طارئاً أدان خلاله بشدة المواجهة المسلحة المستمرة بين القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع»، داعياً بحسب بيان رسمي، الطرفين إلى الوقف الفوري لإطلاق النار دون شروط.
وطالب المجلس، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، بمواصلة استخدام «مساعيه الحميدة للتعامل مع أطراف النزاع لتسهيل الحوار والحل السلمي للنزاع في السودان»، وأثنى على التزامه بالسفر الفوري إلى السودان لإشراك الأطراف في وقف إطلاق النار.
البرهان وحميدتي خلال توقيع اتفاق مبدئي في إطار حل الأزمة السودانية. (أ.ف.ب)
وسبق للاتحاد الأفريقي أن لعب دوراً من خلال عضويته في الآلية الثلاثية، التي تضم إلى جانبه، الأمم المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، في التوصل إلى اتفاق مبدئي للتقريب بين الفرقاء السودانيين بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، والذي تكلل بتوقيع الوثيقة الدستورية بين المكوّنَيْن العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019.
ورغم قرار الاتحاد الأفريقي في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بتعليق مشاركة السودان في جميع الأنشطة بالاتحاد حتى عودة السلطة التي يقودها المدنيون، فإنه حاول الإبقاء على دور له في الساحة السودانية.
وقدَّم موسى فقي، خطة إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان في يناير (كانون الثاني) 2022، تتضمن رؤية الاتحاد حول سبل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد.
وزار فقي، وبصحبته المبعوث الأفريقي مفوض السلم والأمن أديوي بانكولي، الخرطوم في فبراير (شباط) الماضي، حيث التقيا قادة ورموزاً للعملية الانتقالية في السودان، وتم التأكيد على الدور الذي تقوم به الآلية الثلاثية الدولية لدعم السودان في ظل ظروف وصفت في بيان رسمي، بـ«الحساسة والخطيرة جداً».
من جهته، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية إبراهيم إدريس، أهمية دور الاتحاد الأفريقي في إرساء آلية قارية فاعلة لمواجهة الأزمات، مشيراً إلى أن الاتحاد بذل جهوداً واضحة في المرحلة الانتقالية بالسودان؛ وهو ما يؤهله لاستكمال دوره عقب الاشتباكات الحالية بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».
وأوضح إدريس في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التحركات العاجلة التي قام بها الاتحاد الأفريقي، وكذلك منظمة «إيغاد» تدفع إلى التفاؤل بشأن توفير مظلة أفريقية للحل في السودان، عبر طرح مجموعة من البنود الأساسية كمنطلقات للحل، ومنها الإيقاف السريع لإطلاق النار، وتوفير المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين، والدفع بانسحاب القوات العسكرية من المدن، مشدداً على أن الاتحاد الأفريقي «سيكون له دور أساسي في المرحلة المقبلة عقب وقف الاشتباكات».
ويدلل الداعمون للاتحاد الأفريقي، بنجاح وساطته الأخيرة وبدعم أميركي وأوروبي، في تشجيع الحكومة الإثيوبية الفيدرالية وجبهة تحرير شعب تيغراي على توقيع اتفاق في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بمدينة بريتوريا، لوقف إطلاق النار بين الجانبين، بعد عامين من الاقتتال الذي أودى بحياة الآلاف، وتسبب في تشريد مئات الآلاف.
في المقابل، رصدت دراسات وتقارير دولية إخفاقات عدة للاتحاد الأفريقي في حسم نزاعات وأزمات بدول القارة؛ إذ يشير تقرير نشرته «مجموعة الأزمات الدولية للأبحاث» العام الماضي، إلى أن نحو 22 دولة أفريقية على الأقل تعاني نزاعات مسلحة بشكل أو بآخر، دون وجود لأدوار مؤثرة للاتحاد الأفريقي في حل تلك النزاعات.
المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي لا تزال متعثرة. (رويترز)
وأخفق الاتحاد في تحقيق الهدف الرئيسي، بإنهاء الصراعات في القارة بحلول 2020، كما أخفق في إحداث أي اختراق يُذكر بشأن أزمة «سد النهضة» الإثيوبي التي تواصلت المفاوضات بشأنه بين إثيوبيا ومصر والسودان لأكثر من 10 سنوات دون التوصل إلى اتفاق.
ورصدت الدراسة المنشورة باسم الدكتور باسم رزق، الباحث بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، إخفاقات أخرى مثل عدم القيام بأدوار فاعلة في أزمات بدول مثل مالي، التي تواجه اضطرابات وتحديات سياسية وأمنية لأكثر من عقد كامل، وينطبق الأمر على دول مثل ليبيا، وأفريقيا الوسطى، والكاميرون، ودول الساحل والصحراء، التي تواجه تحديات أمنية «بالغة التعقيد» بحسب الدراسة.
كما رصدت الدراسة عدم قدرة الاتحاد الأفريقي على إحداث تغيير نوعي في أزمات معيّنة، مثل الوضع في دارفور والتي تشكلت فيها منذ عام 2004 قوة أفريقية خاصة لحفظ الأمن، يُشار إليها اختصاراً باسم «AMIS»، وتكرر الأمر كذلك في الصومال التي واجهت تدهوراً أمنياً واقتصادياً، إضافة إلى سيطرة «حركة الشباب الإرهابية»، وانتشار أعمال القرصنة، رغم وجود بعثة تابعة للاتحاد منذ 2003.
ورصدت الدراسة بعضاً من أسباب إخفاق دور الاتحاد الأفريقي في حل المنازعات بدول القارة، من بينها ارتباط الاتحاد بإرادة من يموّل الحلول من الدول الكبرى، ووجود ازدواجية للمعايير في إدارة تلك الصراعات، وتنامي التدخلات الخارجية، فضلاً عن عدم فاعلية المنظمات والهيئات التابعة للاتحاد في كثير من الأحيان.
عناصر من الجيش المالي. (رويترز)
وفي هذا السياق، أبدى السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، توافقه مع ما خلصت إليه الدراسة، مشيراً إلى «عدم قيام الاتحاد الأفريقي بالدور المنشود في العديد من الأزمات القارية مثل انتشار الإرهاب، وتزايد أزمات النزوح واللجوء والهجرة غير الشرعية والصراعات المسلحة».
وأضاف حليمة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الاتحاد الأفريقي «ليس لديه الآليات الكافية في كثير من الأحيان لتنفيذ ما يتم التوصل إليه من قرارات أو مشاورات سياسية»، إضافة إلى تأثير التدخلات الإقليمية والدولية في العديد من الأزمات التي تشهدها دول القارة.
وأوضح، أن أي نجاحات يحققها الاتحاد الأفريقي دائماً ما تكون مرتبطة بتوافر الدعم الدولي، مشدداً على أن الموقف في السودان «لن يكون استثناء من تلك القاعدة»؛ إذ ينبغي أن تتوافر إرادة دولية وتنسيق مع الأمم المتحدة والقوى الكبرى المهتمة بالأزمة مثل الولايات المتحدة الأميركية؛ حتى يمكن للاتحاد الأفريقي القيام بدور فاعل على الأرض.