تحرص راقصة «النقر» ومصممة الرقصات أيوديل كاسل على تقديم قصة معرفتها للمرة الأولى بالجذور الأفريقية - الأميركية لرقصة «النقر»، وذلك في معظم أعمالها.
ترعرعت على عشق الممثلة والراقصة جنجر روجرز. ومع ذلك، لم تتعرف إلى أسماء لامعة في عالم رقصة «النقر»، مثل جيمي سلايد وبيل روبنسون وغريغوري هاينز والإخوة نيكولاس، إلا خلال سنوات الجامعة بفضل صديق لها.
خلال محادثات جرت بعنوان «قصص الرقص الأسود» (بلاك دانس ستوريز) عام 2020، قالت كاسل «هذا الأمر فتح آفاق العالم بأكمله أمامي؛ لأنني أخيراً أدركت عشقي له رغم أنني لم أعرف الكثير عنه. جذوره تتعلق بعالم أجدادي والإرث الذي أنتمي إليه».
منذ ذلك الوقت، تعهدت كاسل بطرح رقص «النقر»، ونفسها، «بالقدر الأقصى من الصدق»، تكريماً لأجدادها وأسلافها الذين سبقوها إلى هذا الفن.
تفرض القصة نفسها على المتلقي لدى مشاهدة البرنامج السخي والمفعم بالحياة الذي تقدمه كاسل في «مركز مدينة نيويورك»، حيث افتتح عروضه الخميس، في إطار سلسلة ينظّمها المركز بعنوان «الفنانون».
العرض يتألف من فصلين، ويبدأ بخمسة أعمال جديدة قصيرة؛ كل منها بالاستعانة بزوج من مصممي الرقصات تختارهم كاسل. وبعد استراحة، يبدأ عرضها باسم «وير وي دويل 2»، الذي يمثل نسخة موسّعة من عرض سبق وقدّمته خلال مهرجان «فول فور دانس» عام 2021. وعلى مدار ساعات المساء، يتنقل المشاهدون بين صور متنوعة من جماليات الرقص التي بدت متناثرة، وبين شعور واعٍ بالتاريخ، يحضر بقوة ويُوجّه العرض.
أول ما تستمع إليه، صوت مسجل يقول «هذا ليس للمشاهدة، وإنما للإنصات إليه»، ليرتفع الستار على بريناي ألي مع صوت إيقاعات سريعة، بمثابة مقدّمة لعروض الأغاني والكلمات، مع موسيقى حية رائعة (أداء أنيبال سيزار على البيانو، وراؤول رايس على آلة الباس وسنفواب ستوني على الطبل).
تولّى تصميم الرقصات ألي وجيرسون لانزا بالتعاون مع سيرا إل. وارد، ليخرج عرض «هوفرز ديلايت» بصورة مَن ينظر إلى الخلف ليتطلّع نحو الأمام.
في هذا الصدد، تقول ألي «الذكريات تصوغ مَن نكون»، مشيرة إلى ذكريات مع أسرتها وراقص «النقر» الشهير بيب لورانس، الذي نسمع صوته في وقت مبكر من العرض.
وتظهر وارد حافية القدمين في ملابس بيضاء، ويهتزّ جسدها في حركات تشبه طقوس المعمودية، وتردّد رجفات جسدها صدى وقع قدمي لانزا.
أما بقية الأعمال القصيرة، فتبدو منبثقة من هذه القطعة الأولى، وتطرح نسخاً متميزة ومختلفة لما يمكن أن تكون عليه رقصة النقر. من بين العروض، «ليتل ثنغز» لكاليب تيتشر وناعومي فوناكي، حيث يعزف تيتشر على بيانو، فتتحرّك على وقع أنغامه فوناكي وجاريد ألكسندر وأماندا كاسترو، بخطوات واضحة وقصيرة، مع اصطفاف الثلاثة بدقة في خط واحد.
أما عرض «إنترليسد» لألكسندر وتوموي كار، راقصة النمط الحر، فيخلط بين أنماط مختلفة من الحركات في مزيج قوي من النقر.
في «إل كامينو» لكاسترو وكاسل، تبدو كاسترو فاتنة وهي ترقص حافية القدمين وترتدي تنورة بيضاء ضخمة، وتظهر كأنها عين عاصفة يتجمّع حولها ثلاثة من راقصي «النقر». في نهاية الجزء الأول، يأتي عرض «ذي مان آي لوف» لداريو ناتاريلي وميشيل دورانس، حيث ينطلق ناتاريلي منفرداً على أنغام ألحان غيرشوين الكلاسيكية (التي يؤدّيها بصورة حيّة عازف التشيلو ديريك لوي)، ويبدو جسده معبّراً عن الموسيقى بقدر تعبير قدميه.
عبر هذه القطع، تظهر كاسل بصورة عابرة مرات عدة، منها مشهد مع شريكتها المُخرجة توريا بيرد، داخل عرض «ليتل ثنغز». ومع أنّ حضورها أكبر في الجزء الثاني، فإنها تُشعل المسرح بحالة من النشاط مع أول ظهور لها، وتبدو عازمة على التشارك في بؤرة الضوء مع المتعاونين معها حالياً وسابقيها في رقص النقر.
رفعُ الستار عن عرض «وير وي دويل 2»، لا يشمل رفعه عن كاسل، إنما عن هانك سميث، أكبر الأعضاء سناً، والذي يظل حضوره محورياً في العرض بأكمله. وعلى شاشة كبيرة أمامه، يجري عرض مونتاج لصور توجز لحظات الفرح والألم في تاريخ الرقص بـ«النقر»، إلى وصلة الرقص تختزل أفريقيا وهوليوود والعبودية. تتصاعد سلسلة من الأصوات، منها صوت جيمس بالدوين وهو يقول «كم من الوقت تحتاج كي تتقدم؟».
وبدعم موسيقي من جانب كريستال موني هول، يستمر العمل في إثارة روح المقاومة والصخب عبر أرجاء المكان. وتستدعي هول، بالدوين من جديد عندما تغني «متى؟ وإلى متى؟»؛ أما الصوت الوحيد الآخر فهو نقر قدمي كاسل، فيما يبدو أنه تعبير خارجي لمشاعر عميقة.
عرض «وير وي دويل 2» المميز بكثير من المرح والتألق، يبرز نقاط قوة الراقصين الثمانية الآخرين المشاركين فيه، لتخرج من المسرح حاملاً وهجه في قلبك وملامحك.
* خدمة «نيويورك تايمز»