تصاعد القتال وسط خرق ثالث للهدنة

البرهان يؤكد أن البلاد ستتجاوز المحنة أكثر تماسكاً

أعمدة الدخان الناتج على الاقتتال تغطي سماء الخرطوم أمس (أ.ب)
أعمدة الدخان الناتج على الاقتتال تغطي سماء الخرطوم أمس (أ.ب)
TT

تصاعد القتال وسط خرق ثالث للهدنة

أعمدة الدخان الناتج على الاقتتال تغطي سماء الخرطوم أمس (أ.ب)
أعمدة الدخان الناتج على الاقتتال تغطي سماء الخرطوم أمس (أ.ب)

استمرت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم في أول أيام عيد الفطر، ما دفع المواطنين لأداء الصلاة في المساجد والساحات العامة والعودة على عجل إلى منازلهم، خشية وقوعهم في مرمى تبادل النيران بين جنود الطرفين. ومنذ اندلاع الاشتباكات السبت الماضي في الخرطوم حوصرت الآلاف من الأسر في ظل ظروف إنسانية صعبة جراء انقطاع التيار الكهربائي ونقص الطعام والشح الكبير في المياه.
وأعلنت لجنة نقابة أطباء السودان «غير حكومية» توقف أكثر من 40 مستشفى رئيسياً في الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى وخروجها عن العمل تماماً جراء انقطاع الكهرباء ونقص الأدوية وتعرضها للقصف والإخلاء القسري خلال الاشتباكات الجارية حالياً. وتراوحت أعداد القتلى ما بين 400 إلى 600 وسط المدنيين، حسب تقارير وإحصائيات المنظمات العاملة في المجال الإنساني والصحي. وكانت لجنة الأطباء قد أوردت إحصائيات حتى أول من أمس عن مقتل 198 شخصاً من المدنيين، وإصابة أكثر من 1400 آخرين منذ بدء الاشتباكات الأسبوع الماضي، كإحصائية أولية، وسط توقعات بارتفاع حصيلة الضحايا.
ورصدت «الشرق الأوسط» في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة أصوات قصف مكثف وانفجار دوي القذائف، تزامنت مع إعلان الجيش عن تحرك واسع لمواجهة قوات الدعم السريع المنتشرة في ضواحي المدينة، على الرغم من الدعوات للتهدئة لمدة 3 أيام. وشوهدت قوات كبيرة من الجيش تجوب الأحياء شرق وجنوب الخرطوم، واشتباك الرصاص مع قوات الدعم السريع. وقال رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في خطاب مسجل للشعب السوداني بمناسبة عيد الفطر: «إن البلاد أصابها جرح بالغ، وسقط القتلى والجرحى، وتشردت الأسر».

وأضاف الخراب والدمار وأصوات الرصاص ما تركت مجالاً لفرح يستحقه أهلنا في كل ربوع بلادنا الحبيبة. وقال البرهان: «سنتجاوز هذه المحن، وسنخرج منها أكثر قوة وتماسكاً، بما يحافظ على أمن ووحدة البلاد بما يمكننا من الانتقال الآمن للحكم المدني. وفي وقت سابق تلقى البرهان اتصالات من رؤساء دول بالمنطقة ووزراء خارجية بعض الدول الشقيقة لوقف إطلاق النار والذهاب إلى التهدئة، معلناً رفضه التام لأي اتجاه سياسي للحل.
وبدورها، قالت قوات الدعم السريع، بناءً على تفاهمات دولية وإقليمية وافقنا على هدنة إنسانية لمدة 72 ساعة تزامناً مع عيد الفطر لفتح ممرات إنسانية لإجلاء المواطنين، وإتاحة الفرصة لمعايدة ذويهم. وأضافت في بيان في هذا اليوم نعزي السودانيين في الأرواح البريئة التي فقدت في هذه الأوضاع التي أجبرنا على اختيارها دفاعاً عن النفس للتصدي لانقلاب قيادة القوات المسلحة المدعوم من قبل المتطرفين من الإسلاميين. وأكدت قوات الدعم السريع التزامها بفترة الهدنة المعلنة بالوقف الكامل لإطلاق النار، محذرة من تجاوزات الطرف الآخر المستمرة في عدم الالتزام بالهدنة.
ومن اندلاع الاشتباكات ظل قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي» يوجه الاتهام إلى قادة الجيش السوداني بتنفيذ مخطط مرسوم من قبل قادة النظام المعزول للانقلاب على الحل السياسي.
وفي موازاة ذلك كرر رئيس البعثة الأممية في السودان «يونتامس»، فولكر بيرتس، الدعوة التي تقدم بها الأمين العام للأمم المتحدة أنتوني غوتيريش، لجميع الأطراف السودانية لتنفيذ وقف إطلاق النار خلال العيد لفتح ممرات آمنة للمحاصرين في مناطق الصراع. وأعلن بيرتس في بيان عن تضامنه العميق مع الشعب السوداني في هذه الظروف الصعبة، وقال: «نأمل أن يتغلب على هذه التحديات نحو مستقبل يسوده السلام والاستقرار». وسبق أن أعلن «بيرتس» عدم التزام الجيش وقوات الدعم السريع بالهدنة التي جرى إقرارها خلال الأيام الماضية بغرض تيسير الاحتياجات الإنسانية للعالقين في الأحياء التي تشتد فيها الاشتباكات.
وحسب مصادر محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» لا تزال قوات الدعم السريع موجودة في أحياء العاصمة، وتقيم ارتكازات بعدد من الطرق الرئيسية. واستمر فرار المواطنين من العاصمة إلى ولاية الجزيرة بوسط البلاد، تبعد نحو 180 كيلومتراً عن الخرطوم، وشوهد المئات من المواطنين في جسر «سوبا» يتدافعون نحو سيارات النقل العامة والشاحنات. وكشفت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري أمس عن مقترح تفصيلي حول وقف عدائيات إنساني خلال فترة العيد لقيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وجد ترحيباً مبدئياً من الطرفين. وأضافت سنواصل العمل على بقية التفاصيل لإكمالها بالشكل الأمثل.
ورحبت القوى بالموقف الإيجابي لقيادة القوات المسلحة والدعم السريع لإسكات صوت البندقية وترجيح الخيارات السلمية. وحسب بيانات الجيش السوداني، أنه يسعى لخوض معارك في مواجهة قوات الدعم السريع التي تتحدث عن أحكام سيطرتها على واقع عسكرية استراتيجية للجيش السوداني بالخرطوم، الذي بدوره يؤكد سيطرته على معظم المقار العسكرية بما في ذلك القيادة والقصر الرئاسي.

ومن جهة ثانية، بددت الحرب الدائرة في السودان الفرحة بعيد الفطر المبارك في عموم البلاد، خصوصاً سكان العاصمة المحاصرين في منازلهم منذ أكثر من أسبوع. وقالت نجاة أحمد، 54 عاماً ربة منزل، لم نستطع الخروج من المنزل لشراء احتياجات العيد بسبب ضرب الرصاص الشديد بالخارج، مضيفة أن كثيراً من طقوس العيد غابت هذا العام، والأسر لم تصنع الخبائز لتقديمها للمعايدين. وتابعت لا نستطيع زيارة أقاربنا خوفاً من مهاجمتنا في الطريق، لقد سمعنا الكثير من القصص عن مقتل أشخاص، ورأينا ذلك في «فيسبوك». فارس علي 34 عاما، اضطر إلى الفرار من الخرطوم، للحاق بأهله في إحدى قرى الجزيرة، يقول عشنا أياماً صعبة، توقعت ألا أنجو من الموت، وأضاف كل جيراننا في الحي غادروه، لم يكن أمامي سوى أن أغادر الخرطوم.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

TT

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

عاش سكان العاصمة السوداني الخرطوم شللاً مفاجئاً، فيما قال شهود ومصادر عسكرية إن الجيش السوداني شن قصفاً مدفعياً وجوياً في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الخميس، في أكبر عملية لاستعادة العاصمة منذ بداية الحرب المستمرة لنحو17 شهراً بينه وبين «قوات الدعم السريع». وتركز الصراع، يوم الخميس، على ثلاثة جسور استراتيجية في العاصمة المثلثة، وهي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا». وجاء هجوم الجيش، الذي فقد السيطرة على معظم أنحاء العاصمة في بداية الصراع، قبل كلمة من المقرر أن يلقيها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ومنذ اندلاع الحرب في البلاد أبريل (نيسان) 2023 تسيطر «قوات الدعم السريع» بالكامل على مدينة الخرطوم، بما في ذلك المواقع العسكرية والسيادية، وتحاصر مقر القيادة العامة للجيش الواقع شرق المدينة. وذكر شهود أن قصفاً عنيفاً واشتباكات اندلعت عندما حاولت قوات من الجيش عبور جسور فوق نهر النيل تربط المدن الثلاث المتجاورة التي تشكل منطقة العاصمة الكبرى، وهي الخرطوم وأم درمان وبحري. والجسور الثلاثة التي تركز حولها القصف هي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا».

تحليق الطيران

وقال سكان إن الجيش يقوم بقصف مدفعي عنيف وقصف جوي على منطقتَي الحلفايا وشمبات، في حين يحلق الطيران بكثافة، خاصة في مناطق المزارع المحيطة بجسر الحلفايا من جهة بحري. كما أظهرت مقاطع فيديو دخاناً أسود اللون يتصاعد في سماء العاصمة، وسط دوي أصوات المعارك في الخلفية. وقالت مصادر عسكرية لوكالة «رويترز» إن قوات الجيش عبرت جسوراً في الخرطوم وبحري، في حين قالت «قوات الدعم السريع» إنها أحبطت محاولة الجيش عبور جسرين إلى الخرطوم.

وتأتي الاشتباكات المتجددة في وقت يحتل ملف النزاع المتواصل في السودان مرتبة متقدمة على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وأزمة اللاجئين.

واستعاد الجيش بعض الأراضي في أم درمان في وقت سابق من هذا العام، لكنه يعتمد في الغالب على المدفعية والغارات الجوية، ولم يتمكن من طرد «قوات الدعم السريع» التي هي أكثر كفاءة على الأرض، من مناطق أخرى من العاصمة.

مستشفى الفاشر من الخارج (صفحة حاكم إقليم دارفور في «فيسبوك»)

مخاوف في دارفور

في غضون ذلك، واصلت «قوات الدعم السريع» إحراز تقدم في أجزاء أخرى من السودان في الأشهر القليلة الماضية في صراع تسبب في أزمة إنسانية واسعة النطاق، ونزوح أكثر من 10 ملايين شخص، ودفع مناطق من البلاد إلى الجوع الشديد أو المجاعة. وتعثرت جهود دبلوماسية تبذلها الولايات المتحدة وقوى أخرى، ورفض الجيش حضور محادثات كانت مقررة الشهر الماضي في سويسرا.

واشتدت المعركة هذا الشهر للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان. وتحاول «قوات الدعم السريع» التقدم من مواقع تحيط بالمدينة لمواجهة الجيش وجماعات متمردة سابقاً متحالفة معه. والفاشر هي آخر معاقل الجيش في دارفور حيث تقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إن الوضع الإنساني حرج جداً، وهي واحدة من 5 عواصم ولايات في إقليم دارفور والوحيدة التي لم تسقط في أيدي «قوات الدعم السريع». وطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للمنظمة أيضاً بإنهاء حصار الفاشر، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون من السكان والنازحين. وفي سبتمبر (أيلول) أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى لا يقل عن 20 ألف شخص منذ بداية الصراع، لكن بعض التقديرات تصل إلى 150 ألف ضحية، وفقاً للمبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو. كما نزح أكثر من 10 ملايين شخص؛ أي نحو 20 في المائة من السكان، بسبب القتال، أو أُجبروا على اللجوء إلى دول مجاورة. وتسبّب النزاع في أزمة إنسانية هي من الأسوأ في التاريخ الحديث، بحسب الأمم المتحدة.

الدخان يتصاعد قرب جسر الحلفايا في العاصمة السودانية (أرشيفية -رويترز)

جسور العاصمة المثلثة

يقسّم نهر النيل ورافداه؛ النيل الأزرق والنيل الأبيض، العاصمة السودانية الخرطوم إلى ثلاث مدن؛ الخرطوم وتقع إلى الجنوب بين نهرَي النيل الأزرق والنيل الأبيض، وملتقى النهرين عند منطقة المقرن، ليكونا بداية نهر النيل، وهي العاصمة الإدارية ومقر الحكومة والمركز التجاري والاستثماري، بينما تنحصر مدينة أم درمان بين نهر النيل والنيل الأبيض من جهتَي الشرق والغرب، وتمثل العاصمة الوطنية القديمة، أما مدينة الخرطوم بحري فتنحصر بين نهر النيل ونهر النيل الأزرق من جهتي الجنوب والخرطوم، وهي المدينة الصناعية. وترتبط مدن الخرطوم الثلاث بعشرة جسور، تَعبر الأنهر الثلاثة وتشكل وسائط التواصل؛ ليس بين مدن العاصمة فحسب، بل ببقية أنحاء السودان.

ومنذ بدأت الحرب تَقاسم كل من الجيش وقوات «الدعم السريع» السيطرة على الجسور والتحكم فيها، كلياً أو جزئياً. وفقَدَ الجيش السيطرة من الجهتين على كل جسور المدينة، ما عدا جسر النيل الأزرق، الذي يربط بين الخرطوم والخرطوم بحري، بينما سيطرت قوات «الدعم السريع» على جسور سوبا، والمنشية، والمك نمر، وخزان جبل أولياء، وتوتي.

ويتقاسم الطرفان السيطرة على جسور الفتيحاب والنيل الأبيض، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم. وأيضاً جسر الحلفايا، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم بحري. أما جسر شمبات فقد خرج من الخدمة على أثر تفجيره في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وكان وقتها تحت سيطرة قوات «الدعم السريع»، وتبادل الطرفان الاتهامات بتفجيره.

كذلك جسر خزان جبل أولياء، الذي قصفه طيران الجيش، لكن قوات «الدعم السريع» أفلحت في إعادته للخدمة مجدداً، وهو الجسر الوحيد الذي يربط بين قواتها من أم درمان حتى دارفور، وهو بطبيعته جسراً على السد، فإن تدميره كلياً قد يتطلب تدمير السد الذي يُنظم جريان المياه لصالح السد العالي في مصر.