أين يختفي البرهان و«حميدتي»؟

قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) والدعم السريع محمد حمدان دقلو {حميدتي} عام 2019 (أ.ف.ب)
قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) والدعم السريع محمد حمدان دقلو {حميدتي} عام 2019 (أ.ف.ب)
TT

أين يختفي البرهان و«حميدتي»؟

قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) والدعم السريع محمد حمدان دقلو {حميدتي} عام 2019 (أ.ف.ب)
قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) والدعم السريع محمد حمدان دقلو {حميدتي} عام 2019 (أ.ف.ب)

سياج عالٍ من السرية يُضرب حول أماكن وجود رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، اللذين لم يظهرا ميدانياً منذ بداية الاشتباكات السبت (الماضي)، باستثناء سماع صوتيهما في تصريحات أدليا بها عبر الهاتف للفضائيات في الأيام الأولى من اندلاع الحرب بينهما.
وإذا استندنا إلى الأنباء والمعلومات الصادرة عن إعلام الطرفين، فإنها تشير إلى وجود القادة العسكريين للقوتين المتقاتلتين في المقر الرئيسي للقيادة العامة للجيش في وسط العاصمة الخرطوم، إذ يؤكد كل طرف سيطرته الكاملة على المقر، وأن قيادته تدير المعارك الدائرة حالياً على الأرض من هذا المقر.
وفي اليوم الثاني من الاشتباكات، ظهر البرهان في مقطع فيديو لمدة ثوانٍ قليلة داخل غرفة، ويجلس إلى جانبه عضو مجلس السيادة، شمس الدين الكباشي، وقادة عسكريون آخرون، ويظهر الفيديو القصير قادة الجيش وهم يتابعون العمليات العسكرية من خلال شاشة تلفزيونية ضخمة تظهر مناطق العمليات في الخرطوم وبعض الولايات.
وجاء الظهور الثاني للبرهان، أمس الجمعة، في خطاب مسجل بالصورة والصوت، توجه فيه بالتهنئة للشعب السوداني بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك.

وتذهب الترجيحات إلى أن تكون الغرفة ملجأ مخصصاً للعمليات السرية في إحدى الوحدات العسكرية التابعة للجيش في مقر القيادة العامة، أو أي منطقة عسكرية أخرى في البلاد، قد تكون في العاصمة أو خارجها. ومنذ بدء العمليات العسكرية لم يظهر قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، على الإطلاق، إلا أنه أكد، في مقابلات تلفزيونية عبر الهاتف، أنه يخوض ويقود بنفسه المعارك العسكرية مع قواته على الأرض. وكشف حميدتي في إحدى المقابلات معرفته باختباء البرهان تحت الأرض في «بدروم»، من دون أن يحدد مكانه بالضبط، وتوعد بالقبض عليه وعلى القادة العسكريين الآخرين ومحاكمتهم، وفي المقابل أعلن الجيش أن حميدتي وشقيقه عبد الرحيم دقلو متمردان مطلوبان للعدالة.
وخلال الاشتباكات التي دخلت أمس يومها السادس بين الجيش وقوات الدعم السريع، تعرض محيط ومقر القيادة العامة لهجمات وقصف جوي مكثف أحدثا دماراً كبيراً لبعض مبانيه، ما يثير الكثير من الأسئلة حول سلامة ومصير القادة من الطرفين، وفق ترجيحات وجودهم ومحاصرتهم لبعضهم البعض في تلك المناطق.
ويقول مصدر عسكري «متقاعد»، فضل حجب هويته، في إفادة قصيرة لـ«الشرق الأوسط»، إن القادة العسكريين والسياسيين؛ خصوصاً إذا كانوا من قادة الدولة والبلاد، يتم التعامل معهم كهدف رئيسي في الحرب والعمليات العسكرية، لذلك تجري حمايتهم وفق إجراءات تأمين عالية جداً في الظروف العادية، وتزداد أكثر في وقت الحرب والاضطراب الأمني. ويضيف أنه لا بد من الحد من ظهورهم في الميدان بقدر الإمكان، إلا بما تقتضيه الضرورة على الأرض وفقاً لسير العمليات العسكرية.
وطيلة فترة الاشتباكات التي اقتربت من دخول أسبوعها الثاني، لم يسجل القائد الثاني لقوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، الأخ غير الشقيق لحميدتي، ظهوراً في الميدان، أو متحدثاً عبر وسائل الإعلام، لكن قوات الدعم السريع أكدت أكثر من مرة، من خلال البيانات والمقابلات المباشرة مع أفرادها، أن جميع قياداتها العليا بخير ويقودون العمليات العسكرية على الأرض.
ويرى مراقبون، حسب ما يُتداول، أن قادة الدعم السريع يتخوفون من سيطرة قادة الجيش على أجهزة الاتصالات في البلاد، وأن ظهورهم أو اتصالاتهم عبر الشبكات تسهلان تحديد أماكن وجودهم.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
TT

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال، بحسب ما أفاد مسؤول محلي «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد.

وقال عصام الدين السيد، الرئيس التنفيذي لوحدة كلوقي الإدارية، للوكالة الفرنسية في اتصال عبر «ستارلينك» إن المسيّرة قصفت 3 مرات، الخميس، «الأولى في روضة الأطفال، ثم المستشفى، وعادت للمرة الثالثة لتقصف والناس يحاولون إنقاذ الأطفال».

وحمّل «قوات الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبدالعزيز الحلو، مسؤولية الهجوم.

وقالت «قوات الدعم السريع»، السبت، إن الجيش قصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان بوسط البلاد.

وذكرت، في بيان، أن الجيش استهدف قافلة المساعدات بطائرة مسيّرة في منطقة جبرة الشيخ بشمال كردفان، مشيرة إلى أن القافلة مكونة من 39 شاحنة تحمل مساعدات غذائية.

كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد حذر يوم الخميس من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع، مع تصاعد القتال في إقليم كردفان بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».


تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
TT

تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

تصاعدت حدة القتال مجدداً بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في ولايات كردفان؛ حيث شنت مسيّرات الجانبين هجمات طالت قافلات مساعدات وروضة أطفال، وسط تحذيرات أممية من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع.

وبينما أفادت تقارير بأن مسيّرة تابعة لـ«الدعم السريع» قصفت «روضة أطفال» في بلدة كلوقي بولاية جنوب كردفان، أدت إلى مقتل 114 شخصاً، بينهم 20 طفلاً، وإصابة العشرات، قالت «قوات الدعم السريع» إن مسيّرة تابعة للجيش قصفت قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان، وذكرت في بيان أن القافلة مكونة من 39 شاحنة «تحمل مساعدات غذائية عاجلة للأسر النازحة التي تعاني انعدام الأمن الغذائي»، وعدّته استمراراً لما أطلقت عليه «الاستهداف الممنهج» للقوافل الإنسانية، ونهجاً خطيراً لتعطيل إيصال المساعدات الضرورية، والاعتداءات المتكررة على المنظمات الدولية العاملة في الإقليم، الأمر الذي يفاقم الأزمة الإنسانية ويضاعف معاناة المدنيين.


كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
TT

كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

يواجه مشروع الجزيرة في السودان (أكبر مشروع زراعي يعمل بالري الانسيابي في العالم، تحت إدارة واحدة) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة التي خرّبته، والحرب التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) 2023، ودمّرت بنيته التحتية من قنوات الري والسكك الحديدية ونهب الآليات والمعدات الزراعية والمخازن ومحالج القطن والمصانع.

والمشروع الذي أنشأه الإنجليز عام 1925 على مساحة تبلغ 2.2 مليون فدان (نحو مليون هكتار)، ويعمل فيه نحو 140 ألف مزارع، يُعدّ شرياناً حيوياً للإنتاج الزراعي في البلاد، لكنه بات يعاني إهمالاً واضحاً، ما أدّى إلى التوقف الكامل لبعض المواسم الزراعية فيه، وتكبّد المزارعين المرتبطين به خسائر فادحة.

وقدَّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي داخل المشروع، وأنه يشكّل مصدر دخل أساسياً لها.

المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

وفي ظل الحرب بات المزارعون يجدون صعوبة في الوصول إلى مزارعهم لأسباب أمنية، أو الحصول على المواد الأولية للزراعة.

خسائر بالمليارات

ووفقاً لوزير الزراعة السوداني، البروفسور عصمت قرشي عبد الله، فإن خسائر القطاع الزراعي تتجاوز 100 مليار دولار، وهي أرقام أولية، وأنهم ماضون في عمل إحصاءات دقيقة مصحوبة بدراسات متخصصة لتقديمها للجهات الداعمة.

وشكا المزارع عمر يوسف من الانهيار الكامل جرّاء تدمير البنية التحتية للري ونهب المؤسسات الحكومية والآليات الزراعية والمخازن والمصانع وخطوط السكك الحديدية ما أدّى إلى خسائر مالية كبيرة.

وقال يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غياب كامل لمؤسسات الدولة، ونحن نشاهد مسؤولي الإدارة والري في أيام الحصاد فقط، وليس لديهم أي دور سوى جمع الضرائب (الجبايات) وتحصيل الأموال الهائلة دون معرفة أوجه صرفها».

أحد المزارعين يقوم بإصلاح مساحات شاسعة في أرضه يدوياً (الشرق الأوسط)

وأوضح يوسف أن «المزارعين يعتمدون على الجهد الذاتي دون دعم أو عون من الدولة أو من إدارة المشروع».

وأضاف: «التجار والبنوك الزراعية يتحكمون في المزارع البسيط... نتمنى أن تنعكس الضرائب التي تجبى على المزارعين في تطهير قنوات الري وإنشاء الكباري». لافتاً إلى أن «80 في المائة من سكان ولاية الجزيرة يعتمدون على الزراعة، لكن ولاية الجزيرة تعاني استشراء الفساد، ونريد وضع حدٍّ للفساد والنهوض بالزراعة».

فشل حكومي

من جهته، يقول المزارع، فخر الدين يوسف، إن تدمير مشروع الجزيرة ليس مجرد فشل حكومي أو خطأ إداري، بل جريمة منظمة تسببت في فقدان البلاد ثروة اقتصادية كبيرة.

وأوضح يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن كبرى المشكلات التي تواجه المزارعين «تتمثّل في توزيع التقاوي والأسمدة منتهية الصلاحية، فيما يعاني الذين يموّلون زراعتهم على نفقتهم الخاصة غلاء الأسعار وجشع التجار، إلى درجة انعدام التوافق بين التكلفة والإنتاج».

وشدّد يوسف على ضرورة تأهيل قنوات الري وعودة السكك الحديدية وتأهيل المخازن والمصانع، ومحاسبة الفاسدين، وإعادة نظام التمويل الحكومي بكل عدالة ومساواة وشفافية للمزارعين، وإرجاع المهندسين والخبراء الزراعيين الذين هجروا المشروع، وتعيين إدارة جديدة مستقلة بعيداً عن السياسة.

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

بدوره، أوضح المزارع أحمد علي أن المشروع، الذي يتمدّد على مساحة شاسعة بوصفه أكبر مشروع ريّ انسيابي تحت إدارة واحدة، ويضم 18 قسماً، ويعتمد على صغار المزارعين الذين يُقدّر عددهم بنحو 140 ألف مزارع، قد تعرّض لأكبر نكسة منذ إنشائه بسبب انهياره كلياً، وأصبح ساحة للنهب والدمار.

وقال علي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب دمّرت المشروع، وأصبح ساحة للفوضى، ونُهبت مؤسسات المشروع الإدارية والخدمية والسكنية، واحترق بعضها إبّان سيطرة (قوات الدعم السريع) على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة». لافتاً إلى أن عملية التخريب شملت خطوط السكك الحديدية التي كانت تسير عليها القاطرات لمسافة تزيد على 1200 كيلومتر، لتغطي كامل منطقة الجزيرة والمناقل بطاقة 34 قاطرة و1100 عربة ترحيل تعمل أساساً في نقل السلع والحبوب، وتبلغ قيمة البنية الأساسية للسكك الحديدية التي بيعت خردة ما يقارب 200 مليون دولار.

امتصاص الصدمة

محافظ مشروع الجزيرة، المهندس إبراهيم مصطفى، سبق أن أقرّ في تصريحات إعلامية بمواجهة مشكلات في عملية الري، فضلاً عن وجود الحشائش والطمي وقنوات الري التي تحتاج إلى الصيانة، وتمثّل هاجساً كبيراً. وأكّد أن إدارة المشروع تسعى، بالتنسيق مع وزارة الري، إلى تجاوز المشكلة، وتوفير كلّ الإمكانات لإصلاح عملية الري.

المزارع علي أحمد في حقله (الشرق الأوسط)

وأوضح المحافظ أن المساحة المزروعة في الموسم الصيفي الماضي بلغت 500 ألف فدان، وأن إدارة المشروع تبذل قصارى جهدها لدعم المزارعين والإسهام في امتصاص الصدمة والعودة إلى العملية الإنتاجية، رغم الضربات القوية الموجعة التي تلقّاها المشروع. وأشار مصطفى إلى سريان حالة من الخوف في المشروع، لكنه أوضح أن الأمور مضت بسلام بفضل مساعي الإدارة والمزارعين.

الخبير الاقتصادي د. محمد الناير يقول إن مشروع الجزيرة يُعد ركيزة أساسية للاقتصاد السوداني، ويُعتبر من أكبر المشروعات على مستوى العالم، ويمتلك مساحة كبيرة، ويُروى انسيابياً عبر أنظمة الري المعتمدة. وأوضح الناير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع يضم 2.2 مليون فدان، ما يعادل 900 ألف هكتار، الأمر الذي يجعله من أكبر المشروعات الزراعية على مستوى العالم، إذ يمتلك رقعة زراعية في مكان واحد ويُروى انسيابياً، وهي ميزة كبيرة لهذا المشروع الضخم الذي ظل يدعم الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة من خلال زراعة محصولات مهمة مثل محاصيل القطن والقمح والذرة وغيرها من المحاصيل الأخرى.

المزارع فخر الدين يوسف وسط مزرعته (الشرق الأوسط)

وأضاف الناير: «هذا المشروع تراجع أداؤه بصورة كبيرة بسبب قانون 2005، الذي أعطى المزارع حرية مطلقة في زراعة أرضه بما يشاء، وقد أثّر ذلك سلباً بصورة كبيرة. ففي السابق كانت هناك رؤية زراعية متكاملة من قبل الدولة، يتم من خلالها تحديد المساحات المزروعة من القطن والقمح والمحاصيل الأخرى، ما يسهّل مكافحة الآفات الزراعية».

وتابع: «المزارع الآن يقوم بتنويع المحاصيل في رقعة زراعية واحدة، وبالتالي يصعب مكافحة الآفات. وعندما حاولت الدولة التدخل لإصلاحات لم تنجح بسبب فقدان المشروع للسكك الحديدية، ومحالج القطن ومصانع الزيوت التي كانت مكملة له بصورة كبيرة. وتعرض المشروع للنهب والتدمير الممنهج».

وأضاف: «هناك عقبات تواجه المشروع في استزراع المساحات الكبيرة، مثل نظافة قنوات الري، وعمليات تمويل المزارعين، وتوفير التقاوي والأسمدة، وإعادة مؤسسة الأقطان السودانية التي كانت تشتري محصول القطن بأسعار مجزية، وإعادة صيانة المحالج ومعاصر الزيوت الملحقة بالمشروع، لتضيف قيمة مضافة له حتى يعود أفضل مما كان عليه في السابق».