هل تواجه الصين أزمة شيخوخة بعد فقدانها صفة «الأكثر سكاناً»؟

مدن الهند الضخمة تعاني من انتشار أحياء الصفيح

ازدحام في إحدى محطات مومباي في 20 أبريل (إ.ب.أ)
ازدحام في إحدى محطات مومباي في 20 أبريل (إ.ب.أ)
TT

هل تواجه الصين أزمة شيخوخة بعد فقدانها صفة «الأكثر سكاناً»؟

ازدحام في إحدى محطات مومباي في 20 أبريل (إ.ب.أ)
ازدحام في إحدى محطات مومباي في 20 أبريل (إ.ب.أ)

طوال أكثر من مائة عام كانت الصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم، تليها الهند في المرتبة الثانية على مسافة راحت تتقلّص باطراد في العقود الثلاثة الأخيرة إلى أن انتزعت منها هذا الرقم القياسي مؤخراً، وفق بيانات «صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية». ويأتي ذلك رغم غياب إحصاءات رسمية لعدد السكان في الهند منذ أواخر القرن الماضي. لكن ما الأسباب التي أدّت إلى بلوغ الهند هذا المركز الأول على حساب جارتها العملاقة التي تتقدّم بثبات نحو صدارة القوى الاقتصادية في العالم؟
منذ سنوات، اعتمدت الأمم المتحدة مصطلح «المدن الضخمة (Megacities)» لتصنيف تلك الحواضر التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة، وتقتضي إدارتها مواجهة تحديات ومعالجة مشكلات تختلف جذرياً عن إدارة المدن الأخرى. من بين هذه المدن توجد 5 في الهند، هي: دلهي ومومباي وكولكاتا وبنغالور وتشيناي، وينتظر أن تنضم إليها قريباً مدينتان أخريان هما: أحمد آباد وحيدر آباد.
تشير أحدث التقديرات إلى أن عدد سكان دلهي أصبح يناهز 30 مليوناً، أي ما يعادل ثلثي سكان دولة مثل إسبانيا، يعيشون في مساحة لا تزيد على ربع مساحة العاصمة الإسبانية مدريد. وتتوقع الأمم المتحدة أن تصبح دلهي المدينة الأكثر سكاناً في العالم بحلول عام 2030 عندما يصل عدد سكانها إلى 39 مليوناً. وتبلغ الكثافة السكانية فيها 90 ألف ساكن في الكيلومتر المربع، أي ضعف كثافة سكان حي مانهاتن في نيويورك التي تعدّ من أكثر مدن العالم كثافة سكانية. ويعيش نصف سكان دلهي في أحياء الصفيح، أو ما تعرف بالعشوائيات، التي تزنّر أرباض المدينة من كل الجهات، كما في معظم مدن العالم الثالث الكبرى حيث يزيد عدد الذين يعيشون فيها على مائة مليون.
ويقدّر «المعهد الهندي للمستوطنات البشرية» أنه، بحلول منتصف هذا القرن، سيعيش نصف سكان الهند، أي 800 مليون نسمة، في المدن التي ليست مجهّزة لاستيعاب أكثر من ربع هذا العدد. وتعيش غالبية سكان الهند حالياً في المناطق الشمالية التي تعدّ من أخصب الأراضي في العالم، بفضل نهر الغانج والأمطار الوفيرة التي تهطل عليها نتيجة اصطدام الرياح البحرية بسلسلة جبال هملايا، مما يجعل من نحو نصف أراضي الهند صالحاً للزراعة، مقابل 13 في المائة فقط في الصين. وتشهد الهند منذ عقود نزوحاً سكانياً كثيفاً من الأرياف إلى المدن، هو ثاني أكبر نزوح في التاريخ البشري بعد النزوح الذي شهدته الصين في النصف الثاني من القرن الماضي.
وكانت الحكومة الهندية قررت في عام 2019 حزمة من التدابير للحد من التكاثر السكاني المتسارع الذي لم يتوقف منذ منتصف القرن الماضي، لكنها عادت وتراجعت عنها بعد أن لاحظت انخفاضاً في نسبة الإنجاب من 3.4 في عام 1992 إلى 2.1 عام 2020.
في المقابل، سجّل عدد سكان الصين العام الماضي أول تراجع في تاريخه منذ 6 عقود بسبب من ارتفاع معدل الشيخوخة بين السكان وتدني معلات الإنجاب، مما دفع بها إلى اتخاذ قرار في مايو (أيار) الماضي يسمح للمتزوجين بإنجاب 3 أطفال، وذلك بعد 30 عاماً من التدابير الصارمة للحد من النسل. وكانت الصين قد فرضت «سياسة الطفل الواحد» من عام 1980 إلى عام 2015 لوقف الانفجار الديموغرافي، بعد أن كان عدد سكانها قد ازداد بنسبة 160 في المائة منذ تأسيس الجمهورية الشعبية عام 1949. وفي العام الماضي، بعد 3 سنوات من تدابير الإغلاق والعزل التي فرضتها جائحة «كوفيد19» سجّلت الصين أبطأ نسبة نمو للناتج الإجمالي المحلي منذ عام 1976، أي عام وفاة ماو تسي تونغ مؤسس الجمهورية الشعبية، ونهاية «الثورة الثقافية» الشهيرة.
وإلى جانب ارتفاع معدل الشيخوخة بين سكان الصين، وتراجع عدد الولادات من 7.52 إلى 6.77 لكل مائة ألف مواطن، ثمة عوامل أخرى أدّت إلى هذا الانخفاض الديموغرافي، مثل صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للعائلة بسبب من تدني الدخل في مجتمع تزداد نزعته الاستهلاكية بسرعة، أو نزوع المواطن الصيني إلى البحث عن سعادته الفردية وعدم التعرّض لما ينشأ عن الاهتمام بالأسرة من مسؤوليات. يضاف إلى ذلك أن النمو الاقتصادي يترافق عادة مع تراجع الميل للإنجاب عند السكان، كما حدث في أوروبا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
ولا شك في أن التراجع السكاني في الصين هو أيضاً انعكاس مباشر لرغبتها في الانتقال إلى مجتمع حديث، ستكون له تداعيات واسعة خارج حدودها. ويقول الباحث دينغ إيفان، من «المركز العالمي للتنمية» في بكين، إن النموذج الإنمائي الصيني الجديد لم يعد يقوم على النمو الديموغرافي كما في السابق، وكما هي الحال اليوم في الهند. فالصين دخلت مرحلة جديدة بعد تجاوزها مرحلة التصنيع الأولية، وهي تركّز حالياً على نوعية النمو وجودته وتطوير وسائل الابتكار التكنولوجي، وهذه استراتيجية تختلف كلياً عن استراتيجية النمو السريع التي اعتمدتها الصين في السابق لأسباب بديهية. ويؤكد إيفان أن تراجع عدد سكان الصين لن ينال من تفوقها الديموغرافي الكبير على منافستها الرئيسية الولايات المتحدة لعقود طويلة، فضلاً عن أن الصينيين هم أكثر شعوب العالم تجانساً على الصعيد العرقي، حيث إن 92 في المائة منهم يتحدثون ويكتبون باللغة نفسها ويتشاطرون الأفكار الاجتماعية نفسها، وأن الصين لن تواجه مخاطر الركود الذي عانت منه اليابان؛ لأنها ستبقى أكبر سوق استهلاكية في العالم لفترة طويلة.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

شي لبايدن: بكين ستعمل من أجل «انتقال سلس» في العلاقات الصينية - الأميركية

الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح نظيره الصيني شي جينبينغ قبل لقائهما في ليما (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح نظيره الصيني شي جينبينغ قبل لقائهما في ليما (أ.ب)
TT

شي لبايدن: بكين ستعمل من أجل «انتقال سلس» في العلاقات الصينية - الأميركية

الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح نظيره الصيني شي جينبينغ قبل لقائهما في ليما (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح نظيره الصيني شي جينبينغ قبل لقائهما في ليما (أ.ب)

قال الرئيس الصيني شي جينبينغ لنظيره الأميركي جو بايدن، يوم السبت، خلال لقاء جمعهما في ليما عاصمة البيرو، قبل شهرين من عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، إن الصين «ستسعى جاهدة من أجل انتقال سلس» في العلاقات مع واشنطن، وفق وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).

وفي المحادثات التي عُقدت على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك)، قال الرئيس الصيني لنظيره الأميركي إنه يتعين على البلدين «مواصلة استكشاف الطريق الصحيح» للتفاهم و«تحقيق تعايش سلمي على المدى الطويل».

واللقاء بين رئيسي أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم يأتي قبل شهرين من تولي ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني)، وسط مخاوف من حروب تجارية جديدة واضطرابات دبلوماسية.

وفي ولايته الرئاسية الأولى، انخرط الرئيس الجمهوري في حرب تجارية مع الصين، وفرض رسوماً جمركية على مليارات الدولارات من المنتجات الصينية، في خطوات ردّت عليها بكين بتدابير انتقامية.

وفي حملته الانتخابية الأخيرة، تعهّد ترمب اتّباع سياسات تجارية حمائية بما في ذلك فرض رسوم على كل الواردات، خصوصاً على تلك الصينية.

وحذّر شي، السبت، من أن العلاقات بين البلدين قد «تشهد تقلبات وانعطافات أو حتى تراجعاً» إذا اعتبر أحد الجانبين الآخر خصماً أو عدواً.

وحضر المحادثات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومسؤولون آخرون.

وضم الوفد الصيني تساي تشي، المسؤول الرفيع في الحزب الشيوعي الصيني، ووزير الخارجية وانغ يي ووزير التجارة وانغ وينتاو.