رواندا... 3 عقود على «إبادة جماعية» هزّت العالم

من محاكمات الإبادة في رواندا (المحكمة الدولية لرواندا)
من محاكمات الإبادة في رواندا (المحكمة الدولية لرواندا)
TT

رواندا... 3 عقود على «إبادة جماعية» هزّت العالم

من محاكمات الإبادة في رواندا (المحكمة الدولية لرواندا)
من محاكمات الإبادة في رواندا (المحكمة الدولية لرواندا)

ترتبط رواندا في ذاكرة العالم بأكبر «إبادة جماعية» في التاريخ الحديث، أدت إلى مقتل نحو مليون طفل وامرأة ورجل في 100 يوم، بحسب الأمم المتحدة، التي حددت يوم 7 أبريل (نيسان) في كل عام، كي يحيي العالم ذكرى المذبحة الجماعية، التي وقعت عام 1994 ضد أقلية التوتسي.
تقع رواندا، التي تعني باللغة المحلية «أرض الألف تل»، في شرق وسط أفريقيا، على مساحة لا تتعدى 25 ألف كيلومتر مربع، بتعداد سكان يُقدر بنحو 10 ملايين نسمة. ويعود النزاع الفئوي فيها إلى ستينات القرن الماضي، ويتهم الاستعمار الأجنبي بلعب الدور الأكبر في تأجيجه، بين أقلية التوتسي، الذين يمثلون (14 في المائة)، والهوتو (الذين يؤلفون ما يقرب من 85 في المائة من عدد السكان). ووفق وثائق تاريخية، فإن الاستعمار البلجيكي عمد إلى تقديم التوتسي على حساب غالبية الهوتو، في المناصب والتعليم، باعتبارهم «العرق الأنقى»، في حين استعبد الهوتو الذين عملوا مزارعين عند المستعمرين البلجيك إمعاناً في التفرقة، ما زاد الإحساس بالكراهية والمرارة عند الهوتو، الذين اغتنموا الفرصة بعد جلاء الاستعمار للانتقام من التوتسي.
برنامج التوعية، التابع للأمم المتحدة، المعنيّ بالإبادة الجماعية في رواندا، يفيد بأنه حتى قبل فترة الاستعمار، شكّل أبناء التوتسي الطبقات العليا في النظام الاجتماعي، في حين قبع معظم الهوتو في القاع، مع أن بعض الحراك الاجتماعي ظل ممكناً بين الجانبين، إذ كان الهوتو الغني مرحباً به في أوساط التوتسي، كما كان يُنظر إلى فقراء التوتسي على أنهم من الهوتو. ولكن في أواخر الخمسينات، أشعل أحداث عنف نيران ثورة للهوتو قتل مئات من التوتسي، وجرى تشريد آلاف منهم، وإجبارهم على الفرار للجوار. وكانت هذه بداية ما أطلق عليه مسمى «ثورة فلاحي الهوتو» التي استمرت من 1959 إلى 1961.
ومع استقلال رواندا عام 1962، لجأ 120 ألف توتسي إلى دول الجوار هرباً من العنف الذي صاحب مجيء الهوتو التدريجي للسلطة. واستؤنف العنف بحلقة جديدة من الصراع الطائفي بعد الاستقلال، وبدأ اللاجئون من التوتسي في تنزانيا والكونغو (عرفت حينها بزائير) ينظمون أنفسهم ويشنون الهجمات على حكومة الهوتو.
في عقد الثمانينات من القرن الماضي، كان نحو 480 ألف من الروانديين قد تحوّلوا إلى لاجئين، في بوروندي - التي فيها أيضاً غالبية من الهوتو وأقلية من التوتسي - وأوغندا وزائير وتنزانيا. وفي عام 1988، أسست «الجبهة الوطنية الرواندية» في أوغندا، بوصفها حركة تستهدف تأمين عودة الروانديين المنفيين. وفي أكتوبر 1990، شنّت الجبهة هجوماً كبيراً على رواندا. وبسبب هجمات «الجبهة» التي شرّدت الآلاف، ولجوء الحكومة لسياسة دعائية استهدافية، جرى وصم جميع أبناء التوتسي داخل البلد بأنهم شركاء لـ«الجبهة»، ما أدى إلى تفاقم المشكلات العرقية.
وفي أغسطس 1993، ومن خلال جهود تحقيق السلام الدولية، بدا وكأن التوقيع على اتفاقات السلام في أروشا (بجمهورية تنزانيا) قد وضع حداً للصراع، غير أن إرادة تحقيق السلام تعرّضت للتخريب من قِبل بعض الأحزاب الرواندية المشتركة في الاتفاق. ويوم 6 أبريل 1994، أشعل مقتل رئيسي رواندا وبوروندي في حادث إسقاط طائرة جذوة عدة أسابيع من المذابح المنهجية، وقدّر أن نحو مليون نسمة فقدوا أرواحهم فيها. وأشارت التقديرات أيضاً إلى اغتصاب ما بين 150 ألفاً و250 ألف امرأة.
في حينه، اعترفت الأمم المتحدة بعجزها على الحد من المعاناة في رواندا نظراً لتواضع قدرات الدول الأعضاء للاستجابة لتغير الظروف في رواندا، خصوصاً عبر تعزيز إمكانات البعثة والإسهام بقوات إضافية.
ويوم 22 يونيو، أذن مجلس الأمن لقوات تحت قيادة فرنسية بالقيام بمهمة إنسانية. وأنقذت هذه المهمة، التي أطلق عليها «عملية توركواز»، حياة مئات المدنيين في جنوب شرقي رواندا، ولكن يقال أيضاً إنها سمحت للميليشيات والجنود والمسؤولين الضالعين في جريمة القتل الجماعي بالهروب. واستمرت جرائم القتل في المناطق الأخرى حتى 4 يوليو (تموز) 1994 حين سيطرت «الجبهة الوطنية الرواندية» عسكرياً على أراضي رواندا بأكملها.
الحكومة الرواندية باشرت في نهاية عام 1996 إجراء المحاكمات على جريمة الإبادة الجماعية. وبحلول عام 2000، كان ثمة 100 ألف مشتبه ينتظرون المحاكمة. وفي 2001، بدأت الحكومة في تنفيذ نظام العدالة التشاركية، المعروف باسم «غاتشاتشا»، للتصدي للكم الهائل من القضايا المتأخرة. وأطلق سراح المتهمين في محاكم «غاتشاتشا» مؤقتاً رهن المحاكمة. ولكن سببت عمليات الإفراج قدراً كبيراً من الاستياء بين صفوف الناجين الذين رأوا فيها شكلاً من أشكال العفو العام.
أما على الصعيد الدولي، فأنشأ مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994 المحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وأصدرت المحكمة منذ ذلك الحين حكمها على جان كامباندا، رئيس الوزراء إبان جرائم الإبادة الجماعية، بعقوبة السجن مدى الحياة. وبحلول أبريل 2007، كانت قد أصدرت 27 حكماً على 33 متهماً.
وراهناً، في رواندا عطلتان رسميتان اعتمدتا حداداً على ضحايا الإبادة الجماعية. وتبدأ فترة الحداد الوطنية، التي يطلق عليها اسم «كويبوكا»، أو «تذكار» باللغة المحلية، على المستوى الوطني في 7 أبريل، وتختتم في يوم التحرير في 4 يوليو. وفي رسالته بمناسبة اليوم الدولي لتذكر المجذرة، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على ضرورة عدم نسيان ما حدث، وضمان أن تظل الأجيال القادمة تتذكر دوماً. وقال إن خطاب الكراهية، وهو أحد النُذر الرئيسية بخطر الإبادة الجماعية، من السهل أن يتحول إلى جرائم كراهية.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش الصومالي يقضي على أكثر من 40 عنصراً إرهابياً

ضباط الشرطة الصومالية يقومون بدوريات على طريق مكة المكرمة قبل زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإجراء محادثات مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في مقديشو 27 فبراير 2025 (رويترز)
ضباط الشرطة الصومالية يقومون بدوريات على طريق مكة المكرمة قبل زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإجراء محادثات مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في مقديشو 27 فبراير 2025 (رويترز)
TT

الجيش الصومالي يقضي على أكثر من 40 عنصراً إرهابياً

ضباط الشرطة الصومالية يقومون بدوريات على طريق مكة المكرمة قبل زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإجراء محادثات مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في مقديشو 27 فبراير 2025 (رويترز)
ضباط الشرطة الصومالية يقومون بدوريات على طريق مكة المكرمة قبل زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإجراء محادثات مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في مقديشو 27 فبراير 2025 (رويترز)

تمكن الجيش الصومالي والقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) من القضاء على أكثر من 40 عنصراً إرهابياً في عملية جوية مشتركة في منطقة عيل برف التابعة لمحافظة شبيلي الوسطى بولاية هيرشبيلي.

موكب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يسير قُبيل زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإجراء محادثات في مقديشو 27 فبراير 2025 (رويترز )

وقال الجيش في بيان إن العمليات التي نفذها الاثنين، تمكَّن الجيش خلالها من تدمير عدد من الآليات والمتفجرات التي تستعملها العناصر الإرهابية لتنفيذ الهجمات. وأشار إلى أن الجيش الصومالي والشركاء الدوليين ما زالوا يواصلون عملياتهم العسكرية ضد العناصر الإرهابية.

فيما أفادت مصادر عسكرية صومالية بإحباط هجوم شنته ميليشيا «حركة الشباب»، فجر الخميس، على مواقع عسكرية بمحافظة شبيلي الوسطى وسط البلاد.

ووفق وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، فقد «أحبطت القوات المسلحة الوطنية، فجر الخميس، هجوماً شنته ميليشيات (الخوارج) على مواقع عسكرية تابعة للجيش في ضواحي مدينة بلعد بمحافظة شبيلي الوسطى».

وتمكنت قوات الحكومة الصومالية والقوات المحلية المتحالفة معها من انتزاع السيطرة على بلدة «بعادوين» في جنوب الإقليم الواقع وسط البلاد من مقاتلي «حركة الشباب».

جاء ذلك بعد هجوم شنته القوات المتحالفة يوم الجمعة، مستهدفةً معاقل «حركة الشباب» في البلدة، وبعد اشتباكات عنيفة انسحب المقاتلون، حسب موقع «الصومال الجديد» الإخباري.

قوات أمن بونتلاند تسير باتجاه المستشفى الذي يعالج الجنود الجرحى في قرية بالي ديدين بمنطقة باري شرق خليج عدن بمدينة بوصاصو 26 يناير 2025 (رويترز)

وتقوم القوات الحكومية وحلفاؤها بعمليات أمنية تهدف إلى تثبيت الاستقرار. ويأتي هذا في الوقت الذي أحرزت فيه «حركة الشباب» تقدماً في إقليم شبيلي الأوسط المجاور للعاصمة، حيث تمكنت الأسبوع الماضي من السيطرة على بعض البلدات والقرى في الإقليم، ولم تنجح القوات الحكومية بعد في استعادتها. وكانت «حركة الشباب» قد شنَّت الشهر الماضي هجومين كبيرين استهدفا قواعد عسكرية وسط الصومال، مما أسفر عن مقتل 13 جندياً، فيما ذكرت وزارة الإعلام الصومالية مقتل نحو 200 من مقاتلي «الشباب».

جندي صومالي يسيطر على حشد بينما يحضر آلاف الناس مظاهرة احتجاجية في مقديشو بالصومال 3 يناير 2024 على الاتفاق بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال المنفصلة الذي يمنح إثيوبيا غير الساحلية إمكانية الوصول إلى ساحلها (أ.ب)

وتشن «حركة الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات للإطاحة بالحكومة الصومالية، وإقامة نظام متشدد.