في الدلالة التجريبية للعقل

من محدودية فعالية العقل مع جون لوك إلى انتفائها مع هيوم

الفيلسوف جون لوك
الفيلسوف جون لوك
TT

في الدلالة التجريبية للعقل

الفيلسوف جون لوك
الفيلسوف جون لوك

بمنهجه الأركيولوجي القائم على البحث والحفر في الأرشيفات يذكر فوكو في كتابه «المراقبة والعقاب»، الذي لدينا ترجمة له بالعربية من طرف: د. علي مقلد، ومراجعة د. مطاع صفدي، عن مركز الإنماء القومي سنة 1990، قصة ذلك الجندي الفرنسي «روبيرت فرنسوا داميان» في أواسط القرن الثامن عشر الذي هاجم الملك لويس الخامس عشر بسكين فأصابه بجرح خفيف، فتم القبض عليه وحكم عليه بالإعدام سنة1757 صحيح أن العقل الديكارتي هو نقلة هامة في تاريخية الفكر الفلسفي الأوروبي، نقلة إلى الذاتية. وهو انتقال هيأ شروط التحول من ميتافزيقا العقل - بمعناه الضيق - إلى إجرائيته وأداتيته. إلا أن ما سيتلو الديكارتية من توجهات فلسفية تجريبية، سينزع عن العقل ذلك السمو الإطلاقي، ويرهن تكوينه واشتغاله بالحواس في تعاطيها التجريبي مع الواقع. بل أفرغ العقل من محتواه البدهي الفطري، فاستحال إلى دفتر بيد التجربة، أي إلى مجرد صفحة بيضاء تخط عليها التجربة الحسية. ومن ثم إذا كان العقل واحدا وموزعا بقسمة عادلة بين الناس، كل منهم أوتي منه الكفاية، حسب الديكارتية، فإنه في الفلسفة التجريبية معطى مختلف، تبعا لاختلاف الواقع وخصوصيات التجربة وتباين المكتسب.
فالعقل، عند لوك، لوح فارغ تأتي التجربة لتخط عليه المبادئ والمعاني. وبما أن العقل لوح أردوازي فارغ ليس فيه أي أفكار فطرية، فإن السؤال المطروح في نظرية المعرفة هو: من أين يمنح العقل أفكاره؟ هو سؤال يقول عنه لوك: عن هذا أجيب بكلمة واحدة: من التجربة. ولما كانت التجربة هي مصدر الأفكار وجبت دراستها بإمعان، وفي سياق هذه الدراسة، ينتهي لوك إلى أن هناك نوعين من مصادر التجربة:
الأول: الإحساس الخارجي، وذلك بواسطة حواسنا التي تلتقط موضوعات خارجية.
والمصدر الثاني: الإحساس الداخلي الذي يتم به استشعار أفكار واعتمالات داخلية، كالتفكير والشك والاعتقاد والإرادة، وليس «هناك أي شيء في عقولنا لم يأت عن طريق أحد هذين السبيلين». غير أن لوك وإن نوّع في مصدر التجربة على النحو السابق، فهو، من جهة أخرى، حسم شأنه شأن الفلاسفة التجريبيين، كون المصدر الوحيد للمعرفة هو التجربة ذاتها؛ إذ بها يمتلئ العقل، بل يتكون ويتشكل. فـ«لا وجود لأي شيء في العقل - يقول لوك - إلا وقد سبق وجوده في الحس»، ناقدا بذلك العقلانية الديكارتية التي تزعم وجود أفكار فطرية بدهية في العقل، معتبرا ديكارت نفسه أخطأ في حق منهجه، وتناقض معه عند ما جاوز به إلى البت في شأن الجسم ووظائفه؛ ذلك لأن ديكارت، حسب لوك، يكون متناغما مع فلسفته القائلة بفطرية العقل واستبطانه بدهيات مطلقة، وذلك فقط عندما «يغمض عينيه ويسد أذنيه»! أما عندما يجاوز ذلك إلى البت في شأن الطب والتشريح، فإنه يتضاد مع مذهبه.
بل إن المبادئ البدهية التي يزعم ديكارت أنها غريزية وفطرية، هي لو كانت كذلك حقا لعرفها الناس جميعهم، بينما الحاصل هو أن أغلبهم يجهلونها، وحتى المثقفون منهم يجهل بعضهم معنى «الذاتية» و«عدم التناقض»، وعليه يستنتج جون لوك أن العقل ليس «شيئا آخر غير ملكة استخلاص القضايا غير المعروفة من المبادئ أو القضايا المعروفة بالفعل». ومن ثم، فإنك إذا قلت إن العقل يكتشف هذه الحقائق المنطبعة على هذا النحو، فإنك تكون قد ذكرت أن استخدام العقل يكشف للإنسان ما عرفه من قبل، ويتساوى هذا القول في واقع الأمر وقولك إن الناس يعرفونها ولا يعرفونها معا.
وينتهي إلى أنه ليس ثمة في العقل أي معان فطرية غريزية، فلو حللنا المعاني ودرسنا أصنافها فسنجدها صنفين لا غير: «معان بسيطة»، وهي مكتسبة من التجربة، و«معان مركبة»، ويرجعها لوك إلى التفكير، أي إلى فعالية العقل، إذ إن العقل يكون في حالة المعاني البسيطة منفعلا؛ أي يتلقى من التجربة، بينما في حالة المعاني المركبة يكون فاعلا.
لكن إذا كان العقل عند لوك ذا وظيفة وشيء من التقدير، فإن هذا التقدير لن يستمر مع الفلسفة التجريبية اللاحقة عليه، حيث إذا كان لوك يقول: «إن الفهم في معظم الأحيان سالب»، فإنه يجوز لي أن أقول إن هيوم سيعتبر العقل - الفهم سالبا في كل الأحيان، وذلك لأن الوظيفة المعطاة للعقل، عند لوك، ستسحب منه مع هيوم، بفعل أطروحته الموسومة بـ«قانون تداعي المعاني» الذي بلوره وخلص به إلى جعل العقل لا وظيفة له غير التلقي، بعد أن كانت له مع لوك وظيفة الربط والتركيب للمعاني. فوظائف المضاهاة والتركيب والتجريد في فلسفة لوك التي يقوم بها العقل، استبدل بها ديفيد هيوم قوانين التداعي، التي هي «التشابه والتقارن في المكان والزمان، والعلية»، «فالفكرة ترتبط بفكرة إما لتشابههما، وإما لأن الانطباعات التي هما نسختان عنها كانت متقارنة، وإما أخيرا لأن إحداهما تمثل علة والأخرى معلولها». وهذه القوانين لا يعتبرها هيوم من فعل العقل، بل هي مجرد عادات ذهنية انطبعت في العقل بفعل تكرارها في التجربة، ومن ثم فوظيفة العقل هي انفعال لا فعل.
إلا أن مفهوم العقل الذي صاغته الفلسفة التجريبية اصطدم هو الآخر بمآزق واستحالات. كما أن النموذج الثاوي داخل نظرية المعرفة التجريبية لم يستطع حسم الإشكالات الكبرى التي تصطدم بها مختلف التنظيرات الفلسفية التي تسعى إلى اختزال مفهوم العقل، واستدخاله - في تصورات وقوالب نظرية أحادية. وآية ذلك أنه إذا كان العقل صفحة بيضاء، وإذا كان حصيلة تكوين بفعل التربية والتفاعل مع الواقع الطبيعي والثقافي والاجتماعي، فإن هذا إن كان يفسر بسهولة اختلاف العقول والأفهام، فإنه يلقى حرجا كبيرا في تفسير اتفاق العقول وتطابقها في بعض مبادئ التفكير ونتائجه. وإذا كان العقل مجرد صفحة بيضاء، وإذا كانت الحواس هي التي تكونه وتصوغه، أو بتعبير آخر: إذا كان العقل «سلبي» الدور، كما هو الحال مع ديفيد هيوم، وإذا كانت الحواس هي وحدها ذات بعد وظيفي فاعل، حسب الفلسفة التجريبية، فكيف نفسر اقتدار العقل على تخطئة الحواس وتصحيح معطياتها وتنظيم شتاتها؟



معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
TT

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، 19 دولة عربية و12 أجنبية.

ويحلّ الأردن «ضيف شرف» على المعرض هذا العام. في حين أعلن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اختيار العالم الجغرافي والمحقق اللغوي والمترجم الكويتي عبد الله الغنيم ليكون «شخصية المعرض».

وقال مدير المعرض، خليفة الرباح، إن اختيار الغنيم «جاء تقديراً لإسهاماته الكبيرة في الثقافتين المحلية والعربية، وهو ما تَجسَّد في حصوله على (وسام الاستقلال من الدرجة الأولى) من الأردن عام 2013 لدوره في إثراء قاموس القرآن الكريم، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي».

شغل الغنيم منصب وزير التربية خلال الفترة بين 1990 و1991، ووزير التربية والتعليم العالي بين 1996 و1998، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية من 1992 حتى الآن، كما عمل أستاذاً ورئيس قسم الجغرافيا في جامعة الكويت بين 1976 و1985، وعضو مجمع اللغة العربية في سوريا ومصر، وعضو المجلس الأكاديمي الدولي لمركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد.

وذكرت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن المعرض يقام هذا العام تحت شعار «العالم في كتاب» ليكون تعبيراً عن أهمية الكتاب ودوره في تقديم الثقافة للمجتمع.

وأضافت أن النشاط الثقافي المصاحب للمعرض يقام عبر 3 منصات مختلفة، هي «الرواق الثقافي» التي تم استحداثها العام الماضي بطابع شبابي، ومنصة «المقهى الثقافي» التي تقدم أنشطة بالتعاون مع مؤسسات النفع العام والمؤسسات الأهلية والجهات الحكومية، و«زاوية كاتب وكتاب» التي استُحدثت هذا العام لربط القارئ بالكتاب بطريقة مباشرة، وتتضمّن أمسيات لعدد من الروائيين.

وأشارت إلى أن مجموع الأنشطة المصاحبة للمعرض، الممتد حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بأرض المعارض في منطقة مشرف، يتجاوز 90 نشاطاً بما فيها الاحتفاء بالرموز الثقافية الكويتية والعربية.

وعدّ وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة، أن مشاركة الأردن في معرض الكويت الدولي للكتاب «تُعدّ تتويجاً للعلاقات الثقافية بين البلدين».

وأعرب، في بيان، عن شكره لدولة الكويت بمناسبة اختيار الأردن «ضيف شرف» للمعرض، مؤكداً أن «دولة الكويت كانت ولا تزال منارةً للمثقف العربي بتجربتها في الإصدارات الرائدة».

وأوضح الرواشدة أن المشاركة الأردنية تتمثل في هذا المعرض من خلال الجناح الذي صُمِّم هندسياً ليعبِّر عن النمط المعماري الحضاري والتراثي الأردني، بما يضمه من مفردات تتصل بثقافة الإنسان، إضافة إلى الرموز التاريخية والثقافية المتنوعة.

وأضاف أن المشارَكة في معرض الكويت الدولي للكتاب «تمثل ثمرةً تشاركيةً بين المؤسسات الثقافية الأردنية؛ لتقديم صورة مشرقة للمشهد الثقافي الأردني في تعدده وتنوعه وثراء حقوله الإبداعية».