شعر سكان منطقة راقية في العاصمة السودانية الخرطوم بالخوف من الوقوع في ورطة حين اكتشفوا أن جارهم الجديد أحد قادة قوات «الدعم السريع» شبه العسكرية التي اتهمها محتجون بقمعهم في السابق.
وتبين أن لهذه المخاوف ما يسوّغها هذا الأسبوع حين اضطر الناس للتحصن بمنازلهم عندما وقع إطلاق نار وقصف وضربات جوية في أنحاء متفرقة من المدينة مع اشتعال فتيل حرب ضروس على السلطة بين الجيش وقوات «الدعم السريع».
وقال معتصم الذي يقيم على بُعد مبانٍ قليلة من عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات «الدعم السريع»، وهي القوة التي تقاتل الجيش منذ يوم السبت: «كنا عارفين إنه يوم زي دا حييجي (سيأتي)».
وقال معتصم الذي يقطن حي الرياض الواقع بالقرب من المطار: «الوضع خطر لأنه ساكن بيناتنا (وسطنا)».
وطلب معتصم الاكتفاء بذكر اسمه الأول.
والجار غير المرحّب به الذي وصل إلى الحي في عام 2020 هو شقيق محمد حمدان دقلو المشهور أيضاً باسم «حميدتي»، وهو قائد قوات «الدعم السريع» ومحور المنافسة الشرسة مع قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
وأودى القتال بالفعل بحياة 185 شخصاً على الأقل، وأجبر عشرات المستشفيات على إغلاق أبوابها، وعرقل اتفاقاً استهدف تشكيل حكومة مدنية بعد عقود من الحكم الاستبدادي والعسكري.
وتعهد الجانبان بالالتزام بوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة اعتباراً من مساء اليوم (الثلاثاء)، بعدما أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اتصالات مع القائدين. لكن إطلاق النار استمر بعد بدء سريان وقف إطلاق النار.
وقال معتصم إنه استطاع من موقع متميز في منزله أن يرى في وقت سابق أمس (الثلاثاء)، قوات «الدعم السريع» وهي تصوب صواريخ مضادة للطائرات في الشارع. وقال سكان مناطق أخرى إن متاجر تعرضت للنهب، وطرد مسلحون أشخاصاً من منازلهم.
صراع شامل
ولأول مرة يختبر الكثيرون في الخرطوم هذا النوع من الصراع الذي لم يكن ينشب إلا في مناطق نائية من الدولة كما كان الحال في دارفور بغرب البلاد، حيث برز اسم قوات «الدعم السريع»، أو في الجنوب عندما أدى قتال استمر عقوداً إلى انفصال جنوب السودان عام 2011.
وفي الماضي، كانت عاصمة هذه الدولة الفقيرة، التي ما زالت تعتمد بشدة على المساعدات الدولية، بمنأى عن الصراع رغم الانقلابات العسكرية والاحتجاجات الشعبية وإن كان بعض الاحتجاجات قد قوبل بالعنف. واتهم المحتجون قوات «الدعم السريع» بتنفيذ حملة دامية على اعتصام مناهض للجيش في عام 2019، وتنفي قوات «الدعم السريع» ذلك.
لكنّ العاصمة تعاني الآن. وفي حي «الخرطوم 2» الراقي الذي يضم سفارات ومكاتب لقوات «الدعم السريع»، قال سكان إن قوات «الدعم السريع» اقتحمت منازل ومتاجر كبيرة.
ولم يتسن الاتصال بمتحدث باسم قوات «الدعم السريع» للتعليق على هذا التقرير.
وقالت امرأة من حي «الخرطوم 2» لـ«رويترز» عبر الهاتف، فيما تسنى سماع دوي إطلاق نيران المدفعية في الخلفية: «بيطلعوا (يخرجون) الناس من بيوتهم».
وأضافت: «بيطلبوا مويه (ماء) وأكل من الناس، بس مرات بيقولوا ليهم يخلوا البيت عشان هم يرحلوا هناك (ينتقلون إليه)». وذكرت أنها تطفئ الإضاءة في منزلها معظم الوقت لتوفير وقود المولد ولتفادي لفت الانتباه.
وتنتشر مباني وقواعد قوات «الدعم السريع» في أنحاء متفرقة من العاصمة وتكون غالباً في مناطق مكتظة بالسكان أصبحت بؤراً للقتال.
ونشبت أيضاً معارك على مواقع استراتيجية، مثل المطار ومقر الجيش والتلفزيون الرسمي، والتي تقع في وسط المناطق السكنية.
وقال سكان وشاهد من «رويترز» إن القوات التي رأوها في الشوارع كانت في الغالب من مقاتلي قوات «الدعم السريع». ويعتمد الجيش فيما يبدو على المدفعية والضربات الجوية مثلما كان الحال في صراعات سابقة. وقال سكان إنهم سمعوا أصوات تحليق طائرات حربية فوقهم وأعقبتها نيران مضادة للطائرات هزت منازلهم.
«الفزع في كل مكان»
يعكس هذا نمط القتال المتّبع في صراع دارفور الذي اندلع في عام 2003 واستمر عدة أعوام. وفي ذلك الوقت، كان الجيش يقاتل جنباً إلى جنب مع قوات «الدعم السريع»، واعتمد الجيش على القوات الجوية لمهاجمة المتمردين ونشر الميليشيات على الأرض مثل ميليشيا «الجنجويد» التي وُلدت قوات «الدعم السريع» من رحمها.
وقالت سجدة جعفر الطيب مصطفى، المقيمة في مدينة بحري المجاورة للخرطوم: «الفزع في كل مكان، وأصوات المدفعية وإطلاق النار العشوائي الذي يُحدث إصابات بين المدنيين».
وتتألف ولاية الخرطوم من العاصمة الخرطوم وبحري وأم درمان، وهي مدن تقع على ضفاف متقابلة لرافدي النيل الأزرق والنيل الأبيض اللذين يلتقيان هناك لتشكيل نهر النيل.
وقال أحد الشهود لـ«رويترز» إن جثثاً لمدنيين وعسكريين رُصت خارج مستشفى ما زال يعمل في بحري وعلى أسرّة المستشفى، مع عدم قدرة الأطقم الطبية العاملة على إرسالها للدفن أو حفظها في مشرحة.
وقالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إن 34 مستشفى في العاصمة إما اضطرت للتوقف عن العمل أو ستضطر لذلك قريباً بسبب انقطاع الكهرباء ونقص المياه أو لتضررهم جراء إطلاق النيران أو القصف بالمدفعية.
وقال عدة أشخاص في أماكن أخرى في محيط العاصمة لـ«رويترز» إنهم رأوا جنود قوات «الدعم السريع» وهم يهرعون سريعاً إلى شوارع الأحياء السكنية عند بدء الهجمات الجوية.
وفي حي الديم بالخرطوم، أُصيبت إحدى الأسر بالهلع بعد أن ضرب صاروخ المبنى السكني الذي تعيش فيه. ونشرت أسرة أخرى تعيش بالقرب من مطار الخرطوم صوراً لمنزلها وهو يحترق نتيجة لتبادل لإطلاق النيران.
ويحاول بعض سكان المدينة الآن الفرار خارجها.
ويحتمي طبيب الأسنان معاذ سليمان (27 عاماً)، وهو مريض بالسكري ويواجه خطر نفاد الإنسولين لديه، مع جدته التي تبلغ من العمر 75 عاماً، ووالدته وشقيقه واثنين آخرين من أقاربه بعدما ضرب القصف المنازل المجاورة في الخرطوم. وتفكر أسرته فيما إذا كانت ستلجأ إلى الاحتماء عند أقارب خارج العاصمة.
وقال سليمان: «حتى البقاء في المنزل لم يعد آمناً بسبب الشظايا والطلقات الطائشة التي تضرب المنازل».
وفر محمود الأمين (38 عاماً)، وهو موظف إغاثة، إلى مسقط رأسه في ولاية الجزيرة، خشية أن يجعله نشاطه السياسي المؤيد للديمقراطية هدفاً في الصراع. وقال الأمين: «سمعت أصوات أطفال باكين وفزعين من أسر في بنايتي... كان ذلك محزناً للغاية».