«بوليكريسيس» أو زمن «الأزمات المتراكبة»

رجل يعبر حاملاً سلماً أمام جدارية لاجتماع قمة الـ20 بالهند في مارس الماضي (أ.ف.ب)
رجل يعبر حاملاً سلماً أمام جدارية لاجتماع قمة الـ20 بالهند في مارس الماضي (أ.ف.ب)
TT

«بوليكريسيس» أو زمن «الأزمات المتراكبة»

رجل يعبر حاملاً سلماً أمام جدارية لاجتماع قمة الـ20 بالهند في مارس الماضي (أ.ف.ب)
رجل يعبر حاملاً سلماً أمام جدارية لاجتماع قمة الـ20 بالهند في مارس الماضي (أ.ف.ب)

ظهر مفهوم «الأزمات المتراكبة» (polycises) تحت تأثير الأزمات التي اجتاحت العالم مؤخراً. صادف المفهوم قبولاً في أوساط عدة، وصل إلى ذروته عندما تم تبنيه في تقرير المخاطر العالمية لعام 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف بـ«منتدى دافوس».
«بوليكريسيس» أو «الأزمات المتراكبة»، هي حزمة مخاطر يغذي بعضها بعضاً، لها آثار مضاعفة؛ بحيث إن الأثر الإجمالي للحزمة يزيد على مجموع آثار المخاطر المكونة لها. وفقاً لهذا المفهوم، فإن العالم قد دخل مرحلة جديدة كفت فيها المخاطر عن أن تأتي فرادى متتابعة. فالتسارع في معدلات التطوير التكنولوجي والانتشار السريع لفنون الإنتاج والتكنولوجيا، وسلاسل التوريد المعقدة، والزيادة السريعة في حركة السفر، والثورة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، كل هذه عوامل تؤدي إلى تسارع توليد وانتقال المخاطر والتهديدات، مما جعلها تأتي في حزم شديدة الوطأة تستعصي على المواجهة.
ينطبق مفهوم «الأزمات المتراكبة» على الوضع الراهن الذي تتداخل فيه أزمة صحية ممثلة في وباء «كوفيد 19» مع أزمة جيوسياسية بسبب الحرب في أوكرانيا، وأزمة في النظام الدولي بسبب التوتر الناتج عن صعود الصين، وأزمة اقتصادية ناتجة عن كل هذا، وأزمة بيئية بسبب اقتراب أزمة التغير المناخي من نقطة اللاعودة، فيما يتواصل الإخفاق العالمي في اتخاذ الإجراءات الضرورية للمواجهة.
يبشرنا أنصار مفهوم «بوليكريسيس» بأن الأزمات المتلاحقة التي تضرب العالم الآن لا تمثل لحظة استثنائية في تطور البشرية والنظام الدولي، لكنها بداية لمرحلة جديدة، تكون فيها الأزمات المتراكبة هي القاعدة، حيث تتفاعل المخاطر المتعددة بعضها مع بعض، وتنتج أزمات مكبرة متعددة الأبعاد، تضرب بشكل متزامن في عدد من النظم العالمية في مجالات الاقتصاد والأمن والنظام السياسي الدولي والصحة العامة والبيئة. الأزمات المتعددة تضرب في المجالات المختلفة، وتضرب أيضاً في المساحات الموجودة بين هذه المجالات، ففي هذه المساحات البينية يوجد عدم وضوح للمسؤوليات، وتغيب استراتيجيات واضحة ومجربة للعمل، بما يحول المساحات البينية إلى مناطق غير محمية مفتوحة تنمو فيها الأزمات والتحديات. التحول الرقمي السريع يغير من طبيعة المجالات المختلفة، ويسهم في خلق مساحات بينية واسعة، تضعف فيها القواعد المنظمة، ولا توجد فيها هياكل واضحة للسلطة وصنع القرار، بما يضاعف من تحديات المخاطر المتعددة.
في مقال نشره في «فاينانشيال تايمز» العام الماضي، تتبع المؤرخ البريطاني آدم توز Adam Tooze تطور مفهوم «بوليكريسيس»، الذي ظهر لأول مرة في تسعينات القرن الماضي، على يد المفكر الفرنسي إدغار موران Edgar Morin، أحد أهم المنظرين لما يعرف بالأنظمة المعقدة (complex systems). يعد موران من رواد التفكير العابر للتخصصات الأكاديمية (multidisciplinary)، وهو ما أهله لصك مصطلح «بوليكريسيس» العابر بطبيعته للحدود الأكاديمية الصارمة. في عام 2016 استخدم جان كلود يونكر، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، هذا المفهوم لما وجده فيه من قدرة على شرح الحالة الدولية، مما أسهم في إخراج مفهوم «بوليكريسيس» من مجال التفكير والتحليل إلى مجال السياسة العملية.
يرى توز أن المشكلة تصبح أزمة عندما تستعصي على قدرتنا على المعالجة. وأنه بينما كان من الممكن حتى مطلع هذا القرن لكل منا، حسب توجهه الآيديولوجي، تحديد أزمة واحدة أو عوار واحد مسؤول عن المشكلات التي تواجهنا، وبالتالي اقتراح حل يمكننا من السيطرة على كل التحديات، فإن أحداً في عالم اليوم، بما في ذلك أصحاب العقائد الآيديولوجية الصماء، لا يمكنه الادعاء بأن هناك أزمة واحدة، وحلاً واحداً أحادي البعد يمكنه حل الأزمات التي تواجه العالم.
جذور فهم آدم توز لمفهوم «بوليكريسيس» نجدها في كتاب نشره في عام 2018 بعنوان «الانهيار: عقد الأزمات المالية التي غيرت العالم». لم يقف توز في هذا الكتاب عند حدود أزمة 2008 الاقتصادية، وإنما وسع نطاق اهتمامه ليشمل ما أسماه قوس التحول التاريخي الكبير ذا الأبعاد الثلاثة: بعد اقتصادي جسدته الأزمة الاقتصادية لعام 2008، وبعد جيوسياسي تمثل في الهجمات التي شنتها روسيا ضد دول مرشحة لعضوية حلف ناتو، والبعد السياسي المتمثل في الأزمة السياسية التي يمر بها النظام السياسي الأميركي، والتي عدَّ انتخاب الرئيس ترمب دليلاً عليها.
أنصار مفهوم «الأزمات المتراكبة»، أو «بوليكريسيس»، في تزايد، وفي كندا خصص «معهد كاسكاد» (cascade institute)، المتخصص في دراسة الأزمات الدولية، برنامجاً لدراسة «الأزمات المتراكبة»، لبحث آليات انتقال التأثير بين النظم المختلفة، وكيفية الاستفادة من ذلك لمعالجة الأزمات.
على الجانب الآخر، هناك نقاد يشكون في القيمة التحليلية لهذا المفهوم، وما إذا كان فعلاً قادراً على تحسين فهمنا للأزمات، وتحسين قدرتنا على معالجتها. في رأي هؤلاء فإنه ليس هناك جديد في القول بأن تغييراً في أحد النظم الإيكولوجية أو الاقتصادية يسبب تغييراً في نظم أخرى، سياسية أو اجتماعية. فهذا هو الأمر العادي الذي يحدث طوال التاريخ.
يتحفظ النقاد على ما يقع فيه البعض من المساواة بين اجتراح لفظ أو مصطلح جديد، وبين تطوير مفهوم يمسك بظاهرة اجتماعية. اللفظ هو مجرد تعبير جذاب، فيما المفهوم هو أداة تحليلية ذات قيمة معرفية وعلمية أصيلة. المؤرخ الأسكوتلندي الأميركي نيل فيرغسون، يعد «بوليكريسيس» مجرد بديل بلاغي لمصطلح بلاغي آخر هو «العاصفة الكاملة» (perfect storm). جيدون رايهن Gideon Raihen، محرر الشؤون الدولية في «الفاينانشيال تايمز»، التي ينشر فيها آدم توز مقالاته، يرى أننا إزاء أكليشيه لا مفهوم تحليلي ذي قيمة معرفية وعملية.
الأزمات المتراكبة التي تواجه العالم ليست ادعاء أو ظاهرة مفتعلة، لكن التحدي الذي يواجهه مفهوم «البوليكريسيس» هو تعيين الآليات التي تتكون وفقاً لها الظاهرة، وشروط وجودها حتى تتأكد قيمته النظرية والعملية. فالعولمة تزيد من مستوى الترابط والتشبيك، وبالتالي التعقيد، عبر العالم، وتجلب معها سهولة انتقال الأموال والمنتجات والأفكار، وأيضاً الأزمات. غير أن العولمة تأتي أيضاً بالمصالح المشتركة والتعاون بين الأطراف، بما يمكنهم من إدارة الأزمات المعقدة. لقد تشكلت مجموعة العشرين عام 1999 على مستوى وزراء المالية، ثم تحولت منذ عام 2008 إلى مؤسسة قمة تجتمع سنوياً. هكذا سهل التعاون إدارة أزمات العولمة، وعندما تعطل التعاون ظهرت الأزمات المتراكبة المستعصية على الحل.
«البوليكريسيس» هي نتيجة فشل القوى الدولية الرئيسية في مواصلة التعاون، فلا هي تعمق التعاون بينها، ولا هي قادرة على الإبقاء على نفس مستوى كفاءة أداء مؤسسات التعاون القائمة. فعندما أخذت العولمة في التراجع، وضعفت قدرة أطراف النظام الدولي على التعاون، انطلقت حزم الأزمات المتراكبة، واحتجنا لصك مفهوم ومصطلح جديدين لوصفها وتحليلها. الأزمات المتراكبة هي، إذن، نتيجة لاتجاه العولمة ناحية الانحسار. فشبكات الإمداد، والنظم المالية والمصرفية وحركة السياحة والسفر واندماج الأسواق، كل هذا ما زال يعمل على الأقل بقوة الدفع وكميراث وصل لنا من زمن ازدهرت فيه العولمة، في حين أصبحت القوى الدولية الرئيسية عاجزة عن مواصلة التعاون من أجل إدارة شبكات الاعتماد المتبادل المعقدة هذه، بل ساد بينها الشك وعدم الثقة، ودخلت في صراعات حادة (الحرب في أوكرانيا والتنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة نموذجاً)، أصبحت ضمن مكونات حزمة الأزمات «البوليكريسيس»، التي تضرب العالم.
غياب الثقة، زيادة الشكوك، التنافس الاستراتيجي، سباق التسلح، عسكرة العلاقات بين القوى الكبرى؛ هذه هي آليات تكوين الأزمات المتراكبة، ليس لأنها تخلق الأزمات، ولكن لأنها تعطل التعاون الضروري لإدارتها، بما يتيح لها الفرصة للاستمرار والتكاثر والتفاعل.
لكل مفهوم عائلة فكرية ينتمي لها، ومفهوم «البوليكريسيس» ينتمي لتيار التشاؤم الذي يرى الحضارة الإنسانية مقبلة على أزمة كبرى. يجد هذه التيار أصوله لدى الاقتصادي الإنجليزي توماس مالتوس (ت 1834) الذي صدمه الازدياد السكاني السريع الذي شهدته أوروبا في مطلع العصر الحديث، فنشر في عام 1798 كتاباً شهيراً قال فيه بأن عدد السكان يزيد بمتوالية هندسية، فيما تزيد الموارد بمتوالية حسابية، وعند نقطة معينة تعجز الموارد عن مجاراة الاحتياجات المتزايدة. الجذر الأقرب لمفهوم «بوليكريسيس» يرجع إلى مطلع السبعينات عندما صدر تقرير حدود النمو عن المجموعة المعروفة بنادي روما. كتب واضعو تقرير حدود النمو أن «المشكلات التي تواجه البشرية شديدة التعقيد والتداخل بحيث إن المؤسسات والسياسات التقليدية لم يعد بإمكانها التعامل معها ولا حتى فهمها، وأن فشل البشرية في مواجهة هذه الأزمة ناتج بالأساس عن أننا نواصل دراسة عناصر الإشكالية منفردة، دون أن نفهم أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء، وأن التغيير في أحد العناصر يعني تغييراً في العناصر الأخرى». إنه تقريباً المنطوق نفسه الذي استخدمه أصحاب مفهوم «بوليكريسيس»، بما يؤكد الصلة الفكرية مع الجذر الذي تم وضعه في عام 1972 في تقرير حدود النمو.
اللافت هو تبني منتدى دافوس لهذه الرؤية المتشائمة. لقد اشتهر «دافوس» بعقيدة متفائلة، بشرت بالعولمة والتوسع الاقتصادي والاعتماد المتبادل والتوسع غير المحدود للأسواق، وتشجيع الدول على الالتحاق بالمنظومة الاقتصادية العالمية؛ لكن يبدو أن عصر التفاؤل هذا قد انتهى، وأن التشاؤم أصبح له أنصار أقوياء حتى في مجال الأعمال.
حتى التشاؤم يأتي في أنواع. هناك تشاؤم وظيفي، يؤدي مهمة التنبيه للمخاطر وزيادة جاهزيتنا للتعامل معها. النبوءات المتشائمة التي يطلقها متشائمون وظيفياً هي من نوع النبوءات التي تهزم نفسها لأنها تزيد قدرتنا على التغلب على تحديات بادئة. هناك تشاؤم آيديولوجي، يرى أنصاره أن العالم مقبل على كارثة طالما استمرت أوضاع معينة سياسية واقتصادية. أغلب أنصار هذا التيار نجدهم بين نقاد الرأسمالية، الذين يرونها مصدراً لخراب الكوكب وضياع البشرية، التي لا أمل لها بغير تجاوز النظام الرأسمالي. هناك متشائمون ميتافيزيقيون يؤمنون بأن للكون نهاية، وأنها حادثة لا محالة، سواء كان هذا بسبب كارثة بيئية أو حرب نووية. فهل يكون تشاؤم «البوليكريسيس» من النوع الوظيفي الذي يساعدنا على الانتصار على المخاطر، أم أن هذا رأي متفائل بأكثر مما يسمح به الحال؟
* باحث مصري



فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».