دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

المرشح الجمهوري في سباق البيت الأبيض.. ظاهرة تحير علماء السياسة

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص
TT

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

يوم الأحد الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» (العدد الأسبوعي)، وفي عدد واحد ثمانية تقارير عن دونالد ترامب، ملياردير العقارات الذي ترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. هذه عناوين التقارير: «آلام النمو لرجل ظهر فجأة في المقدمة» و«قادة الحزب الجمهوري قلقون من إساءات ترامب، لكنه لا يهتم» و«تاريخ تصرفات ترامب الخرقاء» و«منافسو ترامب ينتقدونه لإساءة المشرفة على المناظرة» و«ما لم يقل ترامب عن إفلاسه، أربع مرات» و«ترامب شاور بيل كلينتون قبل أن يترشح»، و«ترامب: نجحت في العقارات، وسأنجح في السياسة» و«فكاهيات: هل سيشتري ترامب البيت الأبيض؟». وفي مناظرة يوم الأربعاء الماضي، فاز ترامب على بقية المرشحين بفروقات كبيرة.. فمن هو هذا الرجل الذي يقيم الأرض ولا يقعدها في الولايات المتحدة؟

في العام القادم، سيكون عمر ترامب سبعين عاما، قضاها كلها، تقريبا، في بيع وشراء عقارات، منذ أن كان صبيا يزور مكتب والده، الذي كان من كبار مستثمري العقارات في نيويورك. هاجر جده من أبيه إلى أميركا من اسكوتلندا، وهاجر جده من والدته إلى أميركا من ألمانيا. عن هذا كتبت مجلة «تايم»، في سرد لسيرة حياته، أنه جمع بين «تشدد الألمان ومغامرات مرتفعات اسكوتلندا». عندما كان في المدرسة الابتدائية، قدم محاضرات عن أنواع العقارات. وعندما كان في المدرسة الثانوية، كان، فعلا، يبيع ويشترى عقارات (بمساعدة والده). وعندما جاء وقت الدراسة الجامعية، أرسله والده إلى ربما أشهر كلية إدارة الأعمال في الولايات المتحدة.. وارتون (جامعة بنسلفانيا).
في عام 1968 وكان عمره 22 عاما، تخرج بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد، وكان عنوان رسالته: «استهداف الطبقة الوسطي في شراء وبيع العقارات». بعد تخرجه، تبع القول بالفعل.
أكمل مشروعا كان بدأه وهو في الجامعة: شراء وتحسين ثم بيع شقق «سويفتون» في سنساتي (ولاية أوهايو). واصطاد عصفورين بحجر واحد: الأول: كتب رسالة البكالوريوس عن المشروع. الثاني: استفاد من الدراسة في تنفيذ المشروع. وهكذا، بدا في طريق جعله واحدا من أشهر ملوك العقارات في أميركا، وفي العالم. حتى صار اسم «ترامب» مطابقا لاسم عقارات ناجحة. بدأ يكرر تجربة شقق «سويفتون» اشتراها بسبعة ملايين دولار، ثم صرف مليون دولار لتحسينها، ثم باعها بعشرة ملايين دولار. عندما اشتراها كانت نسبة الشقق المؤجرة 60 في المائة. وعندما باعها، كانت النسبة 100 في المائة.

صفقات نيويورك
خلال السنوات القليلة التالية، وقبل أن يصل عمره إلى ثلاثين عاما، عقد سلسلة صفقات مع بلدية نيويورك: أولا: اشترى «بن سنترال» (مركز المواصلات في نيويورك) بستين مليون دولار، من دون أي مقدم نقدي. وطوره لتصير قيمته، خلال خمس سنوات، ضعف قيمته الأولى.
ثانيا: اشترى فندق «كومودور» الذي كان أعلن إفلاسه، وحوله إلى فندق «غراند حياة»، واحد من أرقى فنادق نيويورك. ثالثا: في عام 1986 كانت ترميمات شقق «وولمان» استغرقت أربع سنوات أكثر من المدة المقررة. ومن دون دعم مالي من بلدية نيويورك، تبرع ترامب، وأكمل الترميمات، خلال ثلاثة أشهر فقط، وبتكاليف تقل مليون دولار عن ما كانت قررت البلدية. بعد نجاحاته في نيويورك، انطلق إلى مدن أميركية أخرى. ودخل عالم كازينوهات وفنادق القمار. في عام 1988، اشترى كازينو وفندق «تاج محل» من نجم برامج التلفزيون ميرف غريفين.
لكن، عندما دخل دنيا الكازينوهات والقمار. زاد طمعه. وفجأة، في عام 1990 واجهت شركاته إفلاسا شاملا. ولم تستطع إكمال ثالث فنادق وكازينوهات «تاج محل» بقيمة مليار دولار. واضطر لإعلان إفلاس شركاته (وليس إفلاسه هو شخصيا). خلال العشر سنوات التالية، خرج من الكارثة بعد أن ركز على ناطحات السحاب في نيويورك: أولا: «برج ترامب العالمي» السكني، الذي يتكون من 72 طابقا، بالقرب من مبنى الأمم المتحدة. ثانيا: «ترامب بالاس» السكني على نهر هدسون. ثالثا: «فندق ترامب العالمي»، قرب سنترال بارك.

منافسة بلومبيرغ
هكذا، ربط اسمه باسم عقاراته. اليوم، يملك أكثر من خمسين عقارا عملاقا باسمه في الولايات المتحدة، ومثل هذا العدد خارج الولايات المتحدة. منها: فندق «ترامب إنترناشيونال» في هاواي: «برج ترامب» في شيكاغو: «برج ترامب» في فورت لوترديل (ولاية فلوريدا): «كازيون ترامب» في أتلانتيك سيتي (ولاية نيوجيرسي)، الخ..
في بداية هذا العام، قالت مجلة «فوربز» (لرجال الأعمال) إن ثروة ترامب وصلت إلى أربعة مليارات دولار. وقال نفس الشيء تلفزيون «بلومبيرغ» (الذي يملكه مايكل بلومبيرغ، ملياردير الإعلام، وسابقا عمدة نيويورك). لكن، غضب ترامب، وزمجر، وقال إن ثروته ثمانية مليارات دولار، وهي أكثر من ثروة بلومبيرغ. وقال: «يحسدني بلومبيرغ، وجند تلفزيوناته وإذاعاته ليحتقرني». في وقت لاحق، تأكد أن ثروة بلومبيرغ عشرة مليارات دولار (أغنى من ترامب). وأن ثروة ترامب الإجمالية هي، نعم، ثمانية مليارات دولار، لكن، نصفها ديون، مما يخفضها إلى أربعة مليارات دولار.
لكن، يظل ترامب يتفوق على بلومبيرغ، وعلى غيره من المليارديرات الأميركيين، بمزيد من المغامرات. خلال العشر سنوات الماضية، دخل مجالات جديدة: «مطاعم ترامب» و«بوفيهات ترامب» و«آيس كريم ترامب» و«سفريات ترامب» و«إكسسوارات ترامب» و«عطور ترامب» و«ساعات ترامب» و«شيكولاته ترامب» و«فودكا ترامب» و«ويسكي ترامب» و«ستيك ترامب» و«مجلة ترامب» و«إذاعة ترامب» (ربما الأخيرتان لمنافسة عدوه اللدود بلومبيرغ).

الألماني الاسكوتلندي
في العام الماضي أثار ترامب النقد (والإعجاب، وأيضا الغيرة) عندما اشترى نادي غولف «دونبيغ» في آيرلندا، واحدا من أشهر أندية الغولف في العالم. ويراه كثير من الآيرلنديين جزءا من تراثهم التاريخي. (لعنت صحيفة آيرلندية ترامب. ووصفته بأنه «هذا الاسكوتلندي المغامر»).
في الشهر الماضي، عندما انتقد ترامب المهاجرين غير القانونيين من المكسيك، وأساء إليهم، ووصفهم بالكسل، والفساد، واغتصاب النساء، قاطع تلفزيون «إن بي سي» منافسات ملكة جمال العالم، التي كان ينقلها كل عام. ولم يكن كثير من الناس يعرفون أن ترامب هو صاحب شركة منافسات ملكة جمال العالم، وأيضا صاحب شركة منافسات ملكة جمال الولايات المتحدة (اشترى الشركتين عام 1996).
في عام 1983. اشترت ترامب فريق «الجنرالات» (ولاية نيوجيرسي) لكرة القدم. وبعد خمسة أعوام، باعه إلى وولتر دنكان، ملياردير النفط في ولاية أوكلاهوها. وبعد خمسة أعوام أخرى، اشتراه مرة أخرى. وفي كل مرة، زادت أرباحه. وهكذا، يشتري الفاشل، ويحسنه، ويبيعه، ويربح. وهكذا، على خطى والده. لكن، بينما كان الوالد يشترى ويبيع عمارات سكنية يعيش فيها فقراء (مثلا: عمارات سكنية في حي «هارلم» في نيويورك)، صار الابن يشتري ويبيع الفنادق الراقية وكازينوهات القمار.

إساءات
في تقرير عن «إساءات ترامب، خاصة ضد النساء والأنثويات (قادة منظمات مساواة المرأة بالرجل)، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن الإساءات ليست جديدة على ترامب. بل اشتهر بها خلال مناورات، ومساومات، ومراهنات، ومراوغات، شراء وبيع العقارات، فقط، لم يكن الناس يعرفونها إلا عندما ترشيح لرئاسة الجمهورية. وصارت التلفزيونات والصحف ومواقع الإنترنت تتابعه خطوة بخطوة. من بين هذه: أولا: في الشهر الماضي، قال عن المهاجرين غير القانونيين من المكسيك: «صارت الولايات المتحدة مقلب زبالة لمشاكل الدول الأخرى. انتهت هجرة العباقرة والأذكياء إلينا. صارت المكسيك ترسل إلينا أصحاب المشاكل. جاءوا إلينا مع مخدراتهم، وجرائمهم، واغتصاباتهم». وأضاف: «لكن، بعضهم طيبون».
ثانيا: في مناظرة المرشحين من الحزب الجمهوري يوم الأربعاء، شن ترامب هجوما شخصيا على ميغان كيلي، التي اشتركت في تقديم الأسئلة خلال المناظرة. قال إنها تعودت على أن تسأله أسئلة حرجة. وإنها غاضبة عليه، وإن غضبها «يسيل منها كالدم، من فمها، ومن أماكن أخرى (العادة الشهرية؟)..». وفي الحال، احتجت كيلي، واحتج تلفزيون «فوكس» الذي قدم المناظرة، وانتقد ترامب حتى بقية المرشحين الذين اشتركوا معه في المناظرة. يوم الاثنين، في تلفزيون «سي إن إن» قال ترامب: «ليست إساءة الناس من عاداتي». ولم يعترف. ولم يعتذر.

طموحات سياسية
في عام 1997، أصدر ترامب كتاب «ترامب: فن الانتصار بعد الفشل» (بعد أن أعلن إفلاس شركاته أربع مرات). وكتب فيه عن صديقه الرئيس بيل كلينتون: «فشل ثم نجح (في مناصب سياسية في ولاية أركنساس). وها هو الآن رئيس أميركا.. اقدر على أن افعل أكثر ذلك».
كان ذلك ثالث كتاب أصدره، كلها، طبعا، عنه هو، وفيها اسمه في كل عنوان كتاب: «ترامب: فن الصفقات» و«ترامب: الحياة في القمة».
في ذلك الوقت، تحدث ترامب عن طموحاته السياسية. كان يميل نحو الحزب الديمقراطي. لكن، كان كلينتون (وزوجته) يسيطر على المسرح الديمقراطي. لم يكن هذا هو السبب الرئيسي الذي جعله يتحول إلى الحزب الجمهوري. كانت الأسباب الرئيسية هي: أولا: صفقاته، ومناوراته، ومساوماته التجارية، واستغلاله قوانين الضرائب والعقارات.
ثانيا: فلسفة «السوق المفتوحة» التي تطلق عنان الرأسماليين، وتقلل سيطرة الحكومات.
ثالثا: «عادات اجتماعية» تربى عليها.
في أكثر من كتاب، قال إنه «رجل تقليدي»، وانتقد النساء، وانتقد المهاجرين، وانتقد دول العالم الثالث. وها هو، بعد عشرين عاما، يثير المشاكل بسبب ذلك.
كتب عن ثلاث نساء تزوجهن، واحدة بعد الأخرى (على الأقل، فشل مرتين). وعن «طمع النساء» (لجوء زوجات وصديقات سابقات إلى المحاكم للحصول على تعويضات بملايين الدولارات).
في الجانب الآخر، صار واضحا أن النساء لا يرتحن له: في الماضي، بسبب مشاكله الزوجية وغرامياته. وفي الحاضر، خلال الحملة الانتخابية (وإساءة مذيعة التلفزيون كيلي). وأوضح استطلاع نشرت نتيجته في الأسبوع الماضي (قبل إساءة كيلي)، أن النساء يكرهن ترامب بنسبة ضعف كراهية الرجال له.
في الحقيقة، أساء ترامب إلى كيلي بعد أن سألته سؤالا لا يخلو من إساءة: «لماذا تحتقر النساء؟ لماذا تنتقدهن في حسابك في (تويتر)؟ لماذا كتبت في كتبك أنك تحتقرهن؟ لماذا تصف النساء بأنهن كلاب وخنازير سمينة؟ ما هو رأيك فيما قالت هيلاري كلينتون بأنك تقود حربا ضد النساء؟».

إلى أين؟
يوم الاثنين، كتب ليون هادار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ماريلاند: «تحير علماء السياسة واحدة من مفارقات المعارك الانتخابية الأميركية: يميل أبناء الطبقة الوسطى والدنيا من البيض نحو انتخاب مرشحين جمهوريين لرئاسة أميركا يسعون إلى إضعاف دولة الرفاهية، ويريدون خفض الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية والاقتصادية والحد من سلطة النقابات العمالية».
وأضاف: «يبدو غريبا أن الغالبية العظمى من الناخبين البيض في اثنتين من أفقر الولايات الأميركية، تينيسي وويست فرجينيا، يدعمون المليونير الجمهوري والمرشح المؤيد لقطاع الأعمال، دونالد ترامب. بينما يؤيد الناخبون في أغنى منطقتين في البلاد، بيفرلي هيلز ومقاطعة مارين (لوس أنجليس) باراك أوباما الذي وعد بزيادة الضرائب المفروضة عليهم».
وأضاف هادار: يصف ناقدون ترامب بأنه «مسخرة» أو «مجنون». لكنه يظل يفوز ويفوز: 10 في المائة، 20 في المائة، والآن ما يقرب من 30 في المائة من أصوات الجمهوريين. لهذا، أتوقع أن يصل إلى نهائي المنافسات، رغم أنه وصف مرشحين معارضين له بأن واحدا «غبي»، وواحدا «أبله»، وواحدا «خاسر»، والمذيعة كيلي «دموية»، والمهاجرين المكسيكيين «مغتصبون». وانتقد وسخر من بطل حرب فيتنام، جون ماكين.
وقال هادار: «الحقيقة هي أن كل تنابز جديد يساعده في الحصول على مزيد من الزخم السياسي.. هذا ما يحير علماء السياسة الأميركيين».



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.