واشنطن: معضلة نقل معتقلي غوانتانامو تهدد خطة إغلاق السجن

انقسامات داخلية وخريطة طريق للبيت الأبيض.. وسباق مع الزمن قبل نهاية ولاية أوباما

البوابة الأمامية لـ«الكامب السادس» في سجن غوانتانامو بكوبا (أ.ف.ب)
البوابة الأمامية لـ«الكامب السادس» في سجن غوانتانامو بكوبا (أ.ف.ب)
TT

واشنطن: معضلة نقل معتقلي غوانتانامو تهدد خطة إغلاق السجن

البوابة الأمامية لـ«الكامب السادس» في سجن غوانتانامو بكوبا (أ.ف.ب)
البوابة الأمامية لـ«الكامب السادس» في سجن غوانتانامو بكوبا (أ.ف.ب)

أخفقت محاولة جديدة من جانب البيت الأبيض لإغلاق سجن خليج غوانتانامو في كوبا، جراء انقسامات داخلية بين جمهوريين وديموقراطيين حول أكثر القضايا المتعلقة بهذا الملف الأكثر جدلا، موجهين سؤالا إلى أين ينبغي نقل المعتقلين الذين سيمثلون أمام المحاكم داخل الولايات المتحدة أو سيواجهون احتجازًا لأجل غير مسمى، تبعًا لما أفاد به مسؤولون أميركيون.
وكان البيت الأبيض ينوي إمداد أعضاء الكونغرس بخريطة طريق جديدة لإغلاق منشأة الاحتجاز هناك - وهي أولوية كبرى بالنسبة للفترة المتبقية من رئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وذلك قبل أن يشرع الأعضاء في إجازتهم خلال أغسطس (آب) الحالي. وكجزء من الخطة، فكرت الإدارة في إرسال بعض المحتجزين الـ116 المتبقيين داخل السجن إلى إما سجن يخضع لإجراءات أمنية مشددة في إلينوي أو منشأة بحرية في تشارلستون بساوث كارولينا. وبيد أنه خلال اجتماع عقد مؤخرًا عبر «فيديو كونفرانس» بين مسؤولين رفيعي المستوى بالإدارة، قال مستشار نائب وزير العدل، سكوت فيربر، إن «وزارة العدل ليس بمقدورها تأييد استغلال سجن فيدرالي في تومسون بإلينوي لهذا الغرض»، طبقًا لما أفاد به مسؤولون، رفضوا الكشف عن هويتهم لحديثهم عن مناقشات داخلية.
وقال فيربر، إن «الوزارة أعلنت التزامها بعدم السماح بنقل المحتجزين إلى تومسون»، عندما اشترت المنشأة من ولاية إلينوي عام 2012. وقد أعلن النائب العام حينها، إريك هولدر، أمام لجنة الشؤون القضائية بمجلس الشيوخ، أنه: «لن ننقل أفرادا من غوانتانامو، بغض النظر عما ينص عليه قانون الولاية، إلى تومسون. هذا تعهد مني كنائب عام». والواضح أن هذا التعهد، الذي أعلنه هولدر خلال إدلائه بيمين توليه منصب النائب العام، تغافل عنه مسؤولون عندما جرت صياغة أحدث خطط الإدارة بهذا الشأن. والآن، لم تعد منشأة تومسون ضمن الخيارات، وعاود مسؤولو البيت الأبيض البحث عن منشآت فيدرالية أخرى مناسبة. وقال مسؤول رفيع المستوى بالإدارة: «جرت الموافقة على التمويل الموجه لسجن تومسون بناءً على تفهم أنه لن يجري نقل مسجونين من غوانتانامو إلى هناك. وعليه، فإن سجن تومسون ليس جزءًا من هذه المناقشات».
ومن ناحية أخرى، يعد هذا الخلاف الذي اندلع في اللحظات الأخيرة مؤشرًا جديدًا على أن الكثير من المصاعب تعترض محاولات البيت الأبيض الالتزام بوعد أوباما بإغلاق منشأة الاحتجاز العسكرية في غوانتانامو قبل مغادرته منصبه الرئاسي عام 2017.
وحتى لو اتفق المسؤولون على موقع ما، فإن إمكانية نقل أي محتجزين إلى الأراضي الأميركية الرئيسة - سواء لمحاكمتهم أمام محكمة عسكرية أو لاحتجازهم لأمد غير مسمى من دون محاكمة في ظل قوانين الحرب - يبقى أمرًا بالغ الحساسية للكثيرين داخل الكونغرس. وقد أوضح أعضاء بالكونغرس أنه ما من مكان داخل الولايات المتحدة بإمكانه توفير مستوى الأمن المتوافر في غوانتانامو. في المقابل، ردت الإدارة بأن مكتب شؤون السجون يحتجز الكثير من الإرهابيين الخطرين المدانين من جانب محاكم فيدرالية.
ويذكر أنه على امتداد الشهور، بذل مسؤولو الإدارة جهودا حثيثة لوضع خطة بمقدورها الفوز بتأييد مجلس الشيوخ، حيث أعرب السيناتور الجمهوري لولاية أريزونا جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات المسلحة بالمجلس، عن تأييده المتردد لإغلاق المنشأة - إذا ما حصل على مقترح مفصل لكيفية تقليص الإدارة للمخاطر الأمنية المترتبة على ذلك.
ومن جهته، قال المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض مايلز كاغينز: «نرغب في الاستمرار في العمل مع السيناتور ماكين وأعضاء الكونغرس بهدف إغلاق المنشأة بأمان وأسلوب يتسم بالشعور بالمسؤولية».
وأنه منذ إعلان أوباما للمرة الأولى عزمه إغلاق غوانتانامو عام 2009، واجه البيت الأبيض معارضة شديدة داخل الكونغرس لمحاكمة أو احتجاز سجناء داخل الأجزاء الرئيسة من الأراضي الأميركية.
وجدير بالذكر أن القانون الأميركي الحالي يحظر على الإدارة إنفاق أموال على نقل محتجزين إلى داخل الولايات المتحدة.
وتبعًا لمشروع قانون تجري مناقشته داخل الكونغرس، يمكن لأعضاء الكونغرس التصويت على خطة إغلاق منشأة الاحتجاز في غوانتانامو، وحال الموافقة عليها سيجري رفع القيود المفروضة على نقل سجناء إلى الولايات المتحدة.
ولا يعلم المسؤولون على وجه التحديد عدد السجناء الذين سيجري نقلهم هنا، لكن ذلك «العدد الذي يتعذر إنقاصه»، حسب وصف البيت الأبيض، من المعتقد أنه بالعشرات.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي تثير فيها خطط نقل السجناء إلى تومسون جدالاً، ففي عام 2009، ظهر على السطح مقترحًا بأن تشتري الحكومة الفيدرالية السجن وتنقل سجناء غوانتانامو هناك. وخطط مسؤولون لتعديل المنشأة، لكن أعضاء جمهوريين بالكونغرس من الولاية انتقدوا الخطة.
يذكر أن السجن الذي يضم 1.600 زنزانة يضم حاليًا 79 سجينًا فقط، تبعًا لما أوضحه مكتب شؤون السجون.
ومن جهتهم، قال مسؤولون بوزارة العدل إنهم شعروا بالدهشة لدى علمهم بأن سجن تومسون يجري التفكير فيه لهذا الأمر.
ومن ناحية أخرى، أعلنت متحدثة رسمية باسم السيناتور الديمقراطي ريتشارد دربين أنه «لا يزال معارضًا لنقل سجناء غوانتانامو إلى تومسون».
إلا أن مسؤولين أميركيين ذكروا أن سجن تومسون ليس الخيار الوحيد في هذا الشأن. وذكر البعض أن مسؤولين ناقشوا نقل المحتجزين إلى سجن «كونسوليديتيد نافا بريغ» في تشارلستون، حيث احتجاز الإرهابيين المشتبه بهم فيما مضى.
وبيد أن هذا الموقع يواجه هو الآخر اعتراضات من قبل أعضاء بمجلس الشيوخ.
وعلى سبيل المثال، قال السيناتور ليندسي غراهام في بيان له: «لو صح ذلك، فأنا لا أؤيد نقل محتجزي خليج غوانتانامو إلى تشارلستون بساوث كارولينا. إذا كانت هناك ضرورة لنقل المحتجزين، يجب نقلهم إلى موقع يتميز بمستوى أقصى من الإجراءات الأمنية بمنطقة بعيدة للغاية عن المناطق مرتفعة الكثافة السكانية والتي تضم بنية تحتية حيوية. وتشارلستون لا تتفق مع هذه المعايير».
وكما يسعى أعضاء الكونغرس، بما في ذلك ماكين، للحصول على ضمانات بأن السجناء لن يتم منحهم حقوق قانونية إضافية بمجرد نقلهم إلى داخل الولايات المتحدة.
يذكر أن عشرة سجناء يواجهون اتهامات أمام محكمة عسكرية.
وذكر مسؤول آخر رفيع المستوى بالإدارة أن «وزارة العدل تقودا لجهود تحديد مواقع داخل الولايات المتحدة قادرة على استضافة محتجزي غوانتانامو بصورة آمنة وإنسانية. وهذا العمل جارٍ الآن».
وفي الوقت ذاته، تناضل الإدارة للحصول على تصاريح بنقل 52 محتجزًا من المقرر توجيههم إلى بلادهم أو دول ثالثة. وينص القانون على ضرورة موافقة وزير الدفاع على كل عملية نقل، والذي بدوره مطالب بتقديم ضمانات إلى الكونغرس بأن المخاطر الأمنية المرتبطة بنقل السجناء سيجري تقليصها بأقصى درجة.
ويذكر أن الضغوط التي مارسها البيت الأبيض للموافقة على إجراءات النقل بسرعة أكبر خلقت خلافًا مع وزير الدفاع السابق تشاك هيغل، ما أسهم في استقالته المبكرة العام الماضي. ومنذ توليه مهام منصبه، وافق خليفة هيغل، آشتون كارتر، على نقل ستة سجناء إلى عمان.
وشكل هذا الإجراء الجزء الثاني من اتفاق أكبر جرى العمل على صياغته على امتداد أكثر من عام لنقل 10 مواطنين يمنيين إلى عمان.
وقد وافق كارتر حاليًا على نقل محتجز آخر، لكن الإجراء لم ينفذ بعد، حسبما أفاد به مسؤولون. وأضاف المسؤولون أن اتفاقا جرى التوصل إليه منذ عامين مع عمان وافقت بمقتضاه الأخيرة على قبول استضافة المحتجز لديها.
وفي هذا الصدد، أكد مسؤول رفيع المستوى بوزارة الدفاع، أن «الوزير كارتر يدعم الخطة العامة التي وضعتها الإدارة لإغلاق غوانتانامو».
وأشار إلى أن كارتر وافق بالفعل على خطط لنقل المحتجزين، وأنه «يعمل على وضع خطة أطول أمدًا لإيجاد منشأة احتجاز بديلة لهؤلاء المحتجزين الذين نعلم أنه يتعذر نقلهم أو الإفراج عنهم».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.