إنها الحرب... السودانيون تحت رحمة الرصاص والقذائف

معارك طاحنة بين الجيش و«الدعم السريع» في الخرطوم ومدن أخرى وحرق طائرات وخسائر بين المدنيين

الدخان يتصاعد في أحد أحياء العاصمة السودانية نتيجة للمعارك (أ.ب)
الدخان يتصاعد في أحد أحياء العاصمة السودانية نتيجة للمعارك (أ.ب)
TT

إنها الحرب... السودانيون تحت رحمة الرصاص والقذائف

الدخان يتصاعد في أحد أحياء العاصمة السودانية نتيجة للمعارك (أ.ب)
الدخان يتصاعد في أحد أحياء العاصمة السودانية نتيجة للمعارك (أ.ب)

روع صفير الدانات وانفجارات القذائف وأزيز الطائرات الحربية سكان العاصمة السودانية، الخرطوم، وبعض مدن البلاد الأخرى، إثر اندلاع قتال عنيف بين القوات المسلحة (الجيش) وقوات «الدعم السريع»، وادعى كلا الجانبين أنه حقق انتصارات تكتيكية على الآخر، مطلقاً حرباً إعلامية.
وقالت «الدعم السريع»، في بيان، إنها سيطرت على عدة مناطق استراتيجية، بينها مسكن قائد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم والقائد الأعلى للجيش، مع بقية القادة، والقصر الرئاسي وعدد من المطارات، بينها مطار مروي الذي اندلعت الاشتباكات بسببه.

أشخاص يمرون من أمام مركبة عسكرية في الخرطوم وسط اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع (ا.ف.ب)

كما أكد الجيش سيطرته على «جميع المواقع الاستراتيجية من بينها القصر الرئاسي ومقر القيادة العامة والمطار».
وشهدت العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث معارك كر وفر بالأسلحة الثقيلة، والدبابات، والطيران الحربي، وقتل 3 أشخاص في مدينة الأبيض، حاضرة ولاية كردفان.
انطلقت أولى الرصاصات قرب التاسعة صباحاً في جنوب الخرطوم، حيث تتمركز قوات من الدعم السريع في «المدينة الرياضية». وقالت قوات الدعم السريع، في بيان، إن قوات الجيش هاجمت مواقعها، وإنها اضطرت للدفاع عن النفس، فيما قال الجيش، في بيان صادر عن الناطق الرسمي باسمه، بأنه تصدى لهجوم «غادر» من قوات الدعم بالتزامن على كل مواقعه ومقاره في أنحاء البلاد، أحدث بها خسائر فادحة.

واستبقت «قوات الدعم السريع» التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، الجيش بسلسلة بيانات أعلن فيها سيطرته على عدد من المناطق الحيوية في البلاد، بينها القصر الجمهوري، وبيت الضيافة حيث يقيم كل من قائدي الجيش والدعم السريع، ومطارات الخرطوم ومروي والأبيض، فضلاً عن القبض على القوة التي هاجمت موقعها جنوب الخرطوم. ورد الجيش ببيان صادر عن المتحدث باسمه، العقيد نبيل عبد الله، وصف فيه قوات الدعم بـ«الغدر والخيانة»، قائلاً إنها هاجمت قواته في المدينة الرياضية ومناطق أخرى، لكن الجيش يتصدى لها.
وقالت «الدعم السريع»، في البيان الذي يحمل الرقم 3 من سلسلة بياناتها التي صدرت عقب اندلاع القتال، إنها طردت من أطلقت عليهم «المعتدين» على مقراتها بأرض المعارض، جنوب الخرطوم. فيما تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي فيديوهات تزعم أن «الدعم» سيطرت أيضاً على مطار جبل أولياء الحربي، لكن لم يؤكد أي من الطرفين صحة هذه المعلومة.

مركبة عسكرية في أحد شوارع الخرطوم يوم أمس (رويترز) 

واستمرت الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة والثقيلة بين «الجيش» و«الدعم» في مدن العاصمة الخرطوم وبحري وأم درمان، وبعض ولايات البلاد الأخرى، بما في ذلك الفاشر ونيالا، فيما قال شهود إنهم شاهدوا قوات بأزياء «الدعم» في مدرج مطار الخرطوم. وتناقلت وسائل التواصل فيديوهات لجنود جالسين كأنهم «أسرى» أمامهم أشخاص بأزياء «الدعم» في مطار مروي.
وفقاً للشهود، فإن القوتين خاضتا معارك «كسر عظم» حول مقرات «الدعم» في حي الخرطوم 2 السكني العريق، ما اضطر بعض الأسر لمغادرته تحسباً لقتال شوارع، وسُمعت أصوات الرصاص تتردد في منطقة «بيت الضيافة» وحول القيادة العامة للجيش والقصر الرئاسي وشارعي النيل والبلدية، حيث توجد عادة قوات تابعة لكلا الفريقين. وقال شهود إن أعداداً كبيرة من قوات «الدعم» شوهدت في شارع النيل، قبالة القصر الرئاسي ومعظم الوزارات والهيئات الاستراتيجية في البلاد.
وكشف الجيش أن طيرانه الحربي نفذ ضربات جوية على معسكرين تابعين لـ«الدعم» في الخرطوم. وقال في بيان: «القوات الجوية تقوم بتدمير معسكر طيبة ومعسكر سوبا التابعين لميليشيا الدعم السريع في الخرطوم».
وسُمعت أصوات المقاتلات الحربية وهي تحلق على ارتفاعات منخفضة في سماء الخرطوم، تعقبها انفجارات، يرجح أنها نتيجة للقذائف الصاروخية التي أطلقتها على أهدافها، بيد أن أصوات الطائرات تراجع، ولا أحد يدري ما إن كانت معلومات «حميدتي» عن أن قواته سيطرت على المطارات، ما حال دون استخدام سلاح الجو مجدداً.

طائرة مقاتلة تحلق في سماء الخرطوم خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش في العاصمة (رويترز) 

وواصلت دائرة الاشتباكات اتساعها إلى مدن أم درمان والخرطوم بحري. ويسمع المواطنون باستمرار أصوات القذائف والرصاصات المنطلقة بالقرب من المناطق العسكرية، لا سيما حول المناطق التي تسيطر عليها «الدعم السريع». ويذكر مراسل «الصحيفة» أنه لا يزال يسمع أصوات إطلاق النار المتزايدة والقوية في الناحية الشرقية لمقر قيادة الجيش ومطار الخرطوم.
ولم تصدر إحصاءات رسمية عن الجانبين بحجم الخسائر المادية والبشرية، لكن نقابة أطباء السودان ذكرت في تعميم أن ثلاثة مدنيين على الأقل لقوا مصرعهم برصاصات عشوائية بسبب القتال، فضلاً عن عشرات الجرحى، فيما تداول النشطاء تقارير عن مقتل طبيبة وبنت أحد نجوم الكرة السودانية، إضافة لصور لعدد من الأبنية المهدمة، أو المصابة بقذائف.
وتناقلت التقارير معلومات عن تدمير عدد من الطائرات في مطار الخرطوم الدولي، بعد إغلاقه وإجبار المسافرين على مغادرته. ونُشرت صور لطائرات مدمرة تحمل علامات شركة طيران محلية وشركة طيران تركية، فيما أعلنت الخطوط السعودية عن إصابة إحدى طائراتها هناك.
وإلى جانب إغلاق الجسور والطرق الرئيسية، انقطع على نحو مفاجئ التيار الكهربائي في مناطق واسعة في الخرطوم، وسط خشية من قطع الاتصالات وخدمة الإنترنت، لا سيما أن العديد من الأسر تقطعت بها السبل؛ إما في مناطق العمل وإما في مدن العاصمة الثلاث، بسبب إغلاق الجسور.

دخان يتصاعد وسط العاصمة السودانية بعد اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع (رويترز) 

وتتداول وسائل التواصل الاجتماعي، وتقارير صحافية، معلومات عن نشوب قتال بين «الدعم» والجيش في مدن نيالا والفاشر بإقليم كردفان. ويزعم شهود أن «الدعم» سيطرت على بعض المرافق الحيوية في تلك المدن بما في ذلك مطاراتها.
وذكرت تقارير صحافية أن «حميدتي»، أكد المعلومات عن سيطرة قواته على قصر الضيافة والقصر الجمهوري وعلى جميع المطارات.
واتهم حميدتي صراحة البرهان بالرضوخ لمؤامرة دبرها «أنصار الرئيس المخلوع عمر البشير»، وقال إن قواته استطاعت تحييد كل المطارات التي يعتمد عليها الجيش في ضرب قواته، ووصفه بأنه «مجرم وكاذب سيدمر السودان»، وتعهد بتسليمه للعدالة، وفقاً لما نقلت عنه فضائية «الجزيرة».
وجدد حميدتي التأكيد على عدم وجود عداء بين قواته والجيش، وقال: «نحن لم نهاجم أحداً، وقتالنا كان رد فعل على حصارنا والاعتداء علينا... فوجئنا بقوات كبيرة حاصرت قواتنا في أرض المعسكرات». وأسف حميدتي لنشوب القتال، وقال: «المجرم هو من أجبرنا عليه»، مطالباً «شرفاء القوات المسلحة بالانضمام إلى خيار الشعب». بيد أن البرهان قال في تصريحات لوسائل إعلام عربية، إن القتال الذي يؤكد أهمية منع تكوين أي قوات خارج رحم القوات المسلحة، واتهم قوات الدعم بالهجوم على مقرات الجيش في بيت الضيافة حيث يقيم.
وقال البرهان إنه تفاجأ بهجوم قوات الدعم على منزله في الساعة التاسعة صباحاً، وأضاف: «قوات الدعم السريع تحرشت بالجيش في منطقة المدينة الرياضية جنوب العاصمة الخرطوم، وهي التي انطلقت منها شرارة اشتباكات اليوم».
وذكر البرهان أن قوات الدعم تسللت إلى مطار الخرطوم عبر صالة الحج والعمرة، وأحرقت بعض الطائرات، وأن القوات المسلحة تعاملت مع عناصر داخل المطار، وقال: «لم يستطيعوا دخول القيادة العامة للجيش»، مؤكداً أن المرافق الاستراتيجية كافة بما في ذلك القصر الجمهوري والقيادة العامة تحت السيطرة.
ودعا البرهان إلى إعادة قوات الدعم التي دخلت الخرطوم إلى أماكنها، وقال: «إذا استمرت حالة الحرب، فإن الجيش سيُدخل قواته للخرطوم من مناطق مختلفة... للجيش احتياطات جيدة، وقواعد لم يقم بتحريكها حتى الآن».
وشنت مجموعات موالية لنظام الرئيس المعزول عمر البشير حملات إعلامية تحريضية ضد قوات الدعم، لدفع الجيش للاصطدام بها، سيما بعد تأكيد «حميدتي» دعم عملية الانتقال المدني الديمقراطي، التي ستأتي بخصومهم في «الحرية والتغيير» للسلطة مجدداً، كما للحؤول دون التوقيع على اتفاق نهائي تنتقل بموجبه السلطة للمدنيين.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

رئيس الوزراء السوداني يطرح «مبادرة سلام» أمام مجلس الأمن

رئيس وزراء السودان كامل إدريس (إ.ب.أ)
رئيس وزراء السودان كامل إدريس (إ.ب.أ)
TT

رئيس الوزراء السوداني يطرح «مبادرة سلام» أمام مجلس الأمن

رئيس وزراء السودان كامل إدريس (إ.ب.أ)
رئيس وزراء السودان كامل إدريس (إ.ب.أ)

قال رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمام مجلس الأمن الدولي الليلة الماضية إن السودان يواجه «أزمة وجودية» بسبب الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، مشيراً إلى أنها تسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة، وزعزعة الأمن الإقليمي.

وعرض إدريس أمام مجلس الأمن مبادرة الحكومة السودانية للسلام، قائلاً إنها تستند إلى المبادئ الدولية، وتتكامل مع المبادرة السعودية-المصرية.

نازحون يستقلون عربات تجرها حيوانات عقب هجمات من «الدعم السريع» على مخيم زمزم ببلدة طويلة شمال دارفور يوم 15 أبريل 2025 (أرشيفية - رويترز)

وقال إدريس في كلمته أمام مجلس الأمن إن المبادرة السودانية تتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار تحت رقابة مشتركة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، مع انسحاب «قوات الدعم السريع» من كافة المناطق التي تحتلها.

كما تتضمن المبادرة تجميع مقاتلي «الدعم السريع» في «معسكرات محددة» تحت إشراف أممي، وعربي، وأفريقي، وتسهيل عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، والعودة الطوعية للاجئين، فضلاً عن نزع سلاح «الدعم السريع» بمراقبة دولية، مع ضمانات بعدم إعادة تدوير الأسلحة، وفقاً لرئيس الوزراء السوداني.

عائلات سودانية نازحة من الفاشر تتواصل مع عمال الإغاثة خلال توزيعهم الإمدادات الغذائية بمخيم العفد في الضبعة بولاية شمال السودان الشهر الماضي (أ.ب)

وأوضح إدريس أن مبادرة الحكومة السودانية تتضمن أيضاً تدابير بشأن مساءلة عناصر «الدعم السريع» غير المتورطة في ارتكاب جرائم حرب، أو إبادة جماعية، أو انتهاكات لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى دمج أفرادها المستوفين للمعايير المحددة في القوات النظامية للحكومة السودانية.

وقال رئيس الوزراء السوداني إن المبادرة تشمل أيضاً عملية سياسية تشهد حواراً سودانياً خالصاً «تتفق فيه القوى السياسية على كيفية إدارة الدولة، وحكم البلاد»، تليها انتخابات بمراقبة دولية.


تباين مصري إزاء مقترح تشريعي جديد يُغلّظ عقوبة «سرقة الكهرباء»

تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)
تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)
TT

تباين مصري إزاء مقترح تشريعي جديد يُغلّظ عقوبة «سرقة الكهرباء»

تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)
تعديلات قانونية لمواجهة سرقة التيار الكهربائي في مصر (الشركة القابضة للكهرباء)

تسبّب مقترح تشريعي لتغليظ عقوبة سرقة التيار الكهربائي في مصر، في حالة جدل واسعة، بين من يصف التعديل التشريعي الذي قدمته الحكومة وأقره مجلس الشيوخ بـ«الرادع»، وآخرين يرون العقوبات «غير مناسبة لكل الحالات».

وسرقة الكهرباء تعني الحصول على وصلات غير شرعية من المصدر الرئيسي للطاقة في الحي الذي يقطن فيه سارق التيار، أو باستهلاك الكهرباء دون عداد، أو أن يُركب المواطن عداداً ثم يتلاعب فيه بحيث لا يحسب قيمة استهلاكه الفعلي.

وكان مجلس الشيوخ (الغرفة البرلمانية الثانية) قد وافق، الأحد، على مشروع القانون الذي أحاله مجلس النواب إليه في وقت سابق. وينتظر المشروع مجلس النواب (البرلمان) الجديد، المفترض انعقاده في يناير (كانون الثاني) المقبل، للنظر فيه بعد مناقشته في مجلس الشيوخ، والأخير رأيه استشاري.

مجلس الشيوخ المصري يقر تعديلات لتغليظ عقوبة سرقة التيار الكهربائي في مصر (وزارة الشؤون النيابية)

وبموجب التعديلات المقترحة على القانون رقم 87 لسنة 2015، تُغلّظ عقوبة تسهيل سرقة التيار الكهربائي أو التستر عليها للعاملين في الكهرباء من «الحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر، وغرامة لا تزيد على 50 ألف جنيه (الدولار يساوي نحو 48 جنيهاً)، أو إحدى هاتَين العقوبتَين» إلى «الحبس مدة لا تقل عن عام، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، أو إحدى هاتَين العقوبتَين».

وتغلّظ التعديلات عقوبة سرقة التيار إلى «الحبس مدة لا تقل عن عام وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه أو إحدى هاتَين العقوبتَين»، بديلاً عن «الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على سنتَين، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو إحدى هاتَين العقوبتَين».

وانتقد عضو مجلس الشيوخ، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، ناجي الشهابي، التعديلات الأخيرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «التعديل يساوي بين من يصل التيار الكهربائي إليه مضطراً في منزله، لعدم وصول الخطوط الشرعية مثلاً إلى منطقته، ومن يستولي عليه في مصنع أو نشاط تجاري، وهو أمر يفتقر إلى العدالة العقابية».

وأضاف الشهابي أنه طالب خلال الجلسة بالتميز في العقوبة بين المخالفة وما إذا كانت تقع في نطاق سكني أم تجاري أم صناعي، لكن الأغلبية وافقت على التعديلات.

وسجل عدد من النواب الاعتراض ذاته خلال الجلسة، الأحد. وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب «المصري الديمقراطي» في مجلس الشيوخ، محمد طه عليوة، إن «المشروع قد يفتح الباب لفرض غرامات مالية مبالغ فيها، على مواطن بسيط في قرية أو عزبة لا يملك سوى مصباحين وثلاجة»، وفق بيان للحزب، الاثنين.

وأشار عليوة إلى أن «العدالة التشريعية تقتضي التفرقة بين سرقة التيار على نطاق واسع، وحالات الاستهلاك المحدود أو غير المقصود».

في المقابل، تدافع الحكومة عن التعديلات مع استحداث مادة خاصة بالتصالح مقابل دفع ضعفَي قيمة الاستهلاك إذا تم التصالح قبل رفع الدعوى القضائية، وثلاثة أضعافه بعد رفعها، و4 أضعاف بعد صدور الحكم.

واستناداً إلى هذه المادة أكد وزير الشؤون النيابية، محمود فوزي، أن هدف الحكومة ليس توقيع العقوبة على المخالفين، قائلاً خلال مداخلة مع برنامج «الصورة» مع الإعلامية لميس الحديدي، مساء الأحد: «لا نريد أن يذهب أحد إلى المحكمة ولا توقيع عقوبات، نريد التصالح فهو الأسرع والأفضل والأكثر تحقيقاً للعدالة».

وزير الشؤون النيابية خلال جلسة مناقشة تعديلات قانون الكهرباء في مجلس الشيوخ (وزارة الشؤون النيابية والتواصل السياسي)

الأمر نفسه كرره عضو مجلس الشيوخ عن حزب «مستقبل وطن»، عصام هلال عفيفي، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «التعديلات قُدمت بصورة ذهنية سلبية، في حين أنها تأتي في صالح المواطن الملتزم»، لافتاً إلى ما كان يحدث في السنوات الماضية من انقطاعات مستمرة في التيار، واستطاعت الحكومة التغلب عليه، فالقانون يهدف إلى «الحفاظ على هذا المرفق بدوامه واستدامته، خصوصاً أنه يرتبط بأي تنمية».

وكثيراً ما ربطت الحكومة بين أزمة انقطاعات التيار الكهربي وسرقة التيار. وسبق أن علّق رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، على السرقات المضبوطة، قائلاً، في سبتمبر (أيلول) 2024: «لو نصف هذه السرقات لم تكن موجودة، فلن تكون هناك مشكلة في أي شيء، ولن نحتاج إلى تدبير موارد إضافية للكهرباء».

وأضاف عفيفي: «نتحدث عن العقوبة وننسى أنها مرحلة تالية، لا نريد لأحد أن يُعاقب وإنما أن يكون الكل ملتزماً، ومن يأتي بهذا الجرم توجد فرصة له أن يتصالح»، مشدداً على أهمية هذا القانون في ظل الفقد الكبير في الكهرباء نتيجة السرقة.

وتبلغ نسبة الفقد في الكهرباء «20 في المائة من إجمالي الإنتاج، وينقسم إلى جزء فني طبيعي، وآخر ناتج عن السرقات يتخطى تأثيره المالي حاجز 22 مليار جنيه»، وفق نائبة وزير الكهرباء، صباح مشالي، قائلة خلال جلسة «الشيوخ» الأحد، إن «مشروع القانون الجديد لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة متابعة دقيقة للممارسات الميدانية الضارة بالشبكة القومية»، لافتة إلى تحرير نحو 3.4 مليون محضر سرقة للتيار، وفق بيان لوزارة الشؤون النيابية.

ورغم ذلك، ينتقد عضو مجلس النواب (البرلمان) إيهاب منصور، توجه الحكومة إلى «تغليظ العقوبات دون العمل على التوعية»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «البعض لا يعلم أن ما يقوم به مخالف أو تقع بناء عليه هذه العقوبات، والحكومة لا يوجد في قاموسها فكرة التوعية وإنما تهدف إلى تحصيل الأموال».

وخلافه تؤيد عضوة مجلس النواب (البرلمان) فريدة الشوباشي، سياسة «الردع»، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنه «من المُخجل أن نكون دولة تعمل على تنمية مواردها وما زلنا نتحدث عن سرقة الكهرباء... من يرتكب جُرم فعليه أن يُحاسب عليه».


حوادث التحرش في مصر... زيادة مقلقة أم وقائع فردية؟

وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)
TT

حوادث التحرش في مصر... زيادة مقلقة أم وقائع فردية؟

وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية (وزارة التربية والتعليم)

شغلت حوادث «تحرش مدرسي» الرأي العام في مصر خلال الفترة الماضية بعد ضبط «انتهاكات» في أكثر من مدرسة، وأحدثت صدمة لأولياء الأمور الذين تخوفوا على سلامة أبنائهم، في ظل فضاء تعليمي ضخم يضم 25 مليون طالب مسجلين بالمدارس على مختلف أنواعها، وفق إحصاءات رسمية.

وطرحت الحوادث التي جرى التركيز عليها بوسائل الإعلام تساؤلات حول ما إذا كانت تشكل «زيادة مقلقة» يمكن أن تصبح ظاهرة عامة، أم «وقائع فردية» مثلما ذكر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في تعليقه على الأمر، خلال مؤتمر صحافي قبل أيام، نافياً أن تكون قد تحولت إلى «ظاهرة عامة».

لكن مدبولي في الوقت نفسه أشار إلى أن توالي الوقائع يمثل «ناقوس خطر» يستوجب الاهتمام والأخذ في الحسبان، وأكد توجيه «الوزارات المعنية للعمل المشترك في هذا الملف، وتبني نظام استباقي يضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

ومنذ بداية العام الدراسي الحالي، برزت إعلامياً نحو 15 واقعة تحرش بالمدارس أبرزها في أبريل (نيسان) الماضي، وكان ضحيتها طفل في محافظة البحيرة بدلتا مصر، إلى جانب واقعة مدرسة «سيدز» الدولية بالقاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والمتهم فيها 7 عاملين، وواقعة أخرى بإحدى المدارس الدولية بالإسكندرية متهم فيها عامل بالتعدي على 5 أطفال بمرحلة رياض الأطفال، وأصدر فيها القضاء حكماً بإحالة أوراق المتهم إلى المفتي لتنفيذ حكم الإعدام.

ولا توجد إحصاءات رسمية بمتوسط حوادث التحرش التي تقع سنوياً داخل المدارس أو حوادث التحرش التي تقع بوجه عام، غير أن «المجلس القومي للأمومة والطفولة في مصر» أصدر تقريراً عام 2020 أشار فيه إلى أن حوادث العنف الجنسي تشكل نسبة 6 في المائة من إجمالي حوادث العنف المرتكبة ضد الأطفال.

وبالنظر إلى ما تم نشره بوسائل الإعلام المحلية فإن وقائع التحرش التي تم الإبلاغ عنها، هذا العام، وصلت إلى 15 حالة، مقابل 7 حالات عام 2024؛ ما يشير لمضاعفة عدد الحالات التي كان أغلبها بحق طلاب في مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية ثم طالبات المرحلة الثانوية.

وبحسب متابعة ما تم نشره، فإن الجزء الأكبر من الوقائع كان الاتهام فيه لعمال ومعلمين من الذكور، كما أن غالبية الوقائع كانت في أماكن بعيدة عن أعين الرقابة داخل المدرسة سواء كان ذلك في دورات المياه أم غرف مغلقة أم بعيدة عن الفصول، وواقعة واحدة كانت من جانب معلم أحد الدروس الخصوصية؛ حيث اعتدى على طالبة داخل المنزل خارج جدران المدرسة، بينما تورطت معلمة واحدة في الاعتداء على طالب بالمرحلة الثانوية.

وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف في أثناء متابعته اليوم الدراسي في إحدى مدارس الإسكندرية (وزارة التربية والتعليم)

وقال مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد رصد رسمي بعدد حالات التحرش، هذا العام أو الأعوام السابقة، لكن المؤكد أن هذه الوقائع تبقى في طور الحالات الفردية، ولم تصل لأن تصبح ظاهرة جماعية مع وجود 25 مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة، لكن يوجد تسليط إعلامي مكثف على الوقائع الأخيرة جعلها تتصدر اهتمامات الرأي العام».

وفي المقابل، تشير أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، هالة منصور، إلى «أن قلة الدراسات الاجتماعية والأكاديمية التي تتناول التحرش كأسلوب عنف منفصل دون حصره مع باقي أنواع العنف تجعل هناك صعوبة في تحديد ما إذا كنا أمام وقائع فردية أم ظاهرة عامة، لكن المؤكد أن هناك زيادة عددية كبيرة في الوقائع المرتكبة داخل المدارس».

وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من الوضع في الحسبان أن المسكوت عنه يفوق كثيراً ما يتم الإبلاغ عنه، والأمر بحاجة لدراسات توضح حجم الحوادث حتى لا يقتصر الأمر على ما يحدث ضد الأطفال داخل المدرسة، ويطول أيضاً النوادي والتمارين ووسائل المواصلات، ويبقى الوضع الحالي في مصر بحاجة إلى ردع بشأن إعلان العقوبة وسرعتها».

وأشارت إلى أن «تعدد الوقائع المرتكبة من جانب معلمين أو أفراد أمن بحق الصغار في مراحل رياض الأطفال أو الابتدائية يجعلنا أمام ظاهرة عددية متكررة ما دامت قد وقعت بنفس الطريقة في توقيتات متقاربة وداخل أماكن واحدة وهي المدرسة، لكن إذا نظرنا إلى الحوادث بوجه عام فلا يمكن الجزم بأننا أمام ظاهرة ما دامت لا توجد دراسات توضح أعداد الحالات بشكل تفصيلي، وتحدد العوامل المحيطة بها».

ويتفق خبراء الإعلام على أن بعض الحوادث تعالَج إعلامياَ بدرجة من الكثافة يفوق حجمها الطبيعي بما يُعطي انطباعاً بانتشارها كونها ظاهرة عامة، ويرجع ذلك إلى أسلوب التناول والتفاعل معها من جانب فئات عديدة دائماً ما تبدي اهتماماً بهذا النوع من حوادث العنف وبينها التحرش.

خبير الإعلام الرقمي، خالد برماوي، يرى أن المنصات الرقمية تسببت في زيادة التركيز على وقائع التحرش، سواء كان ذلك من خلال طبيعة استخدامها وسيلةً يمكن من خلالها إثبات «التحرش الإلكتروني» والإبلاغ عن تلك الوقائع أم من خلال التفاعل الواسع من جانب المواطنين عليها، وإبداء الآراء المختلفة، أم نشر وقائع جديدة عليها.

وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الإعلام التقليدي في المقابل لا يقوم بكل أدواره المطلوبة منه للمساعدة في توصيف الوقائع سواء كانت فردية أم ظاهرة؛ لأنه يتعامل مع ما يتم الإبلاغ عنه دون أن يلعب دوره في التحقيق مما يجري على أرض الواقع، أو إبراز ما هو مسكوت عنه».