وثائقي «نتفليكس» يدخل إلى رأس شريكة القاتل الفرنسي الأشهر

استغلت طفلها لمساعدة زوجها في تنفيذ جرائمه المتسلسلة

وثائقي «نتفليكس» يدخل إلى رأس شريكة القاتل الفرنسي الأشهر
TT

وثائقي «نتفليكس» يدخل إلى رأس شريكة القاتل الفرنسي الأشهر

وثائقي «نتفليكس» يدخل إلى رأس شريكة القاتل الفرنسي الأشهر

يوماً بعد يوم تتّسع خانة «الجرائم الواقعيّة» على منصة «نتفليكس»، فقد أثبت هذا النوع جماهيريته خلال السنتين الماضيتين. وآخر المنضمّين إلى قائمة الأعمال التلفزيونية المتخصصة في حكايات القتلة المتسلسلين، وثائقي من 5 حلقات يحمل عنوان «قضية فورنيريه: في رأس مونيك أوليفييه» (L’Affaire Fourniret: dans la tête de Monique Olivier).
يعرض الوثائقي الفرنسي قضية أشهَر قاتل متسلسل في تاريخ فرنسا، ميشال فورنيريه، ويعالجها من زاوية زوجته مونيك أوليفييه. يحاول العمل الذي تبنّته «نتفليكس» من دون تردّد، أن يكشف الوجه الحقيقي لتلك المرأة التي لم تكن الزوجة الضحية والمغلوب على أمرها، بقدر ما كانت شريكة في الجرائم.
لطالما اهتمّ الإعلام والجمهور بشخص ميشال فورنيريه، ذاك الرجل الغامض الذي عندما ألقي القبض عليه عام 2003 وهو في الـ61، كان قد قتل أكثر من 10 شابات وفتيات قاصرات. أما ما يفعله هذا الوثائقي الجديد، فهو محاولة اختراق دماغ الزوجة التي وجدت في فورنيريه نصفها المجرم، والتي وجد فيها هو نصفه القاتل.
أمضى فورنيريه، الذي يلقّبه المجتمع الفرنسي بـ«الغول»، 16 عاماً ما بين 1987 و2003 وهو يختطف الفتيات ويعتدي عليهنّ جنسياً ومن ثم يقتلهنّ ويدفنهنّ. لم تكن مونيك تكتفي بالمراقبة، بل سهّلت الجريمة مستعينة بطفلهما أحياناً لاستدراج الفتيات إلى الشاحنة البيضاء الصغيرة الباحثة عن «طرائد». فالصعود إلى مركبة على متنها عائلة وطفل رضيع، ليس مثيراً للريبة. هكذا علِقت غالبية الضحايا في شرك ميشال ومونيك اللذين يكمّلان بعضهما البعض على المستويين النفسي والإجرامي.

يعود الوثائقي إلى بداية تلك العلاقة، ويروي كيف حصل التعارف بينهما. كان ميشال مسجوناً بتهم اغتصاب متعددة، يوم نشر إعلاناً في صحيفة طالباً التواصل مع شخص عبر الرسائل للتخفيف من وحدته. لبّت مونيك النداء فوراً، لتكون النتيجة مراسلات متبادلة فاق عددها الـ200. كانت تعلم منذ البداية أنه مغتصب، لكن ذلك لم يَحُل دون تطوّر العلاقة وانتهائها بالزواج فور الإفراج عن ميشال عام 1987.
عقد الطرفان اتفاقاً مريباً منذ أولى الرسائل بينهما، يقضي بأن يقتل ميشال زوج مونيك الأول ووالد طفليها، مقابل أن تساعده في إيجاد فتيات عذراوات. يتضح من خلال المقابلات الكثيرة التي يجريها فريق الوثائقي مع محللين نفسيين تابعوا القضية وقابلوا القاتل، أنه كان مهووساً بمبدأ العذرية. لم يفِ ميشال بوعده لزوجته، أما هي فشاركت في استدراج الضحايا واحتجزتهنّ في منزلها وسهّلت عمليات الاغتصاب والقتل.
مهما حاول الوثائقي الغوص في رأس مونيك، فإنه لا يفلح تماماً في معاينة الأعماق. المرأة ذات الشخصية المركّبة، والمحكومة بالسجن المؤبد منذ عام 2004 بتهمة التواطؤ، تبقى حتى الساعة لغزاً مقيماً خلف قضبان سجن «فلوري ميروجيس» الفرنسي. يُسمَع صوتها عبر الهاتف خلال الحلقات. يحاورها محاميها فتجيب بلا مبالاة، ولا تُظهر أي تعاطف مع الضحايا وعائلاتهن، بل تكترث فقط لمصيرها، وتصرّ على عدم البوح بالمزيد عن جرائم إضافية يُعتَقد بأن فورنيريه ارتكبها ولم تتّضح معالمها بعد.


مونيك أوليفييه خلال محاكمتها عام 2008 (أ ف ب)
مونيك التي اختبرت زواجَين فاشلَين قبل ميشال، لطالما شعرت بالوحدة ونظرت إلى نفسها على أنها عديمة الفائدة، وأن لا قيمة لها بنظر أحد. إلى جانب ميشال، وجدت فائدتها وسبباً لوجودها، بتحوّلها إلى شخص ضروري بالنسبة إليه وإلى ارتكاباته. قبل دخولها إلى حياته، لم تُسجّل أي جريمة قتل بحقّه أما بعد ارتباطهما فقد تحوّل إلى ذلك؛ «هي منحته رخصة قتل»، على حدّ قول أحد المحللين الذين يستضيفهم الوثائقي.
يُحسب لفريق الإعداد قيامه بعمل توثيقي ممتاز استغرق سنتَين من الأبحاث والمقابلات التي شملت 30 شخصاً، بين مدّعين عامين، ومحامين، وشرطيين، وأطباء نفسيين، ورفاق زنزانة، وأفراد من عائلات الضحايا. ولعلّ أكثر ما في الوثائقي تأثيراً وتحريكاً للمشاعر، تلك المساحة المعطاة للأهالي المفجوعين الذين لم ينسوا قضية بناتهنّ، رغم مرور أكثر من 35 عاماً على بعض الجرائم التي ارتكبها فورنيريه وأوليفييه بحقّهنّ.
في قلوب الأمهات والشقيقات والآباء حقدٌ كبيرٌ على فورنيريه، وفيها غضبٌ أكبر على شريكته. مونيك التي، حسب اعترافاتها، كانت الفتيات الصغيرات (منهنّ واحدة في الـ9 من العمر) يتوسّلنها لمساعدتهن في الفرار أو للحؤول دون اغتصابهنّ وقتلهنّ. تلك التي أبصرن فيها وجه الأمومة في لحظاتهنّ الأخيرة، وهي أمٌ لـ3 أولاد، لم تنجدهنّ، بل حافظت على برودتها وعدم اكتراثها. «أصبح الأمر عادياً بالنسبة لي»، تعترف مونيك.


القاتل المتسلسل ميشال فورنيريه وزوجته مونيك أوليفييه (نتفليكس)
تتخذ السلسلة الوثائقية بنية تحقيق تلفزيوني طويل. تعيد سرد الأحداث مع الحفاظ على المهنية، تركّز على الشهادات الصاعقة والزاخرة بالتفاصيل، غير أنها تتجنّب الغرق في الإثارة والاستفاضة في تفاصيل الجرائم. حتى فقرات إعادة التمثيل تمرّ بسلاسة ومهارة، فالممثلون صامتون ولا يظهرون سوى من الخلف، أما الإطلالات فقصيرة والحركة فيها معبّرة إنما سريعة. أما المؤثرات الدرامية الخاصة فغير مبالغ فيها، لكنها كافية لمجاراة الحكاية في فظاعتها.
بين دروب بلدة شارلفيل ميزيير الضبابية القريبة من الحدود مع بلجيكا، وبمحاذاة أشجار الغابة المعتمة، حيث دفن فورنيريه بعض جثث ضحاياه، تتنقّل شاحنة القاتل الباحث عن «طرائده». تأتي الموسيقى التصويرية لتضفي قشعريرة إلى الديكور المقلق. بالموازاة، تغتني السردية الدرامية بالمقابلات مع أصحاب الشأن، وباللقطات الأرشيفية لمحاكمة ميشال ومونيك ولإعادة تمثيلهما بعض الجرائم.


إستيل موزان (9 سنوات) أصغر ضحايا فورنيريه وزوجته (فايسبوك)
مونيك أوليفييه، وسط كل الفصول، لا تتبدّل بل تبقى على صقيعها. لا السجن ليّنها، ولا موت ميشال فورنيريه عام 2021. في زنزانتها، تقف شاهدة وحيدة على الفظائع المُعترف بها وتلك التي ما زالت مدفونة. بقدرتها على المناورة وبنسبة ذكاء فائقة حسب ما أثبت الاختبار الذي خضعت له في السجن، تكتم أسراراً ثمينة عن جرائم لم يكن أحدٌ ليصدّق أن تتمكّن ربة منزل وأم لـ3 أولاد أن تشارك في ارتكابها.


مقالات ذات صلة

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

العالم تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

العصابات الدولية تعيد تشكيل خريطة الجريمة باستخدام التكنولوجيا والمخدرات، في وقت تبدو فيه الحكومات متأخرة عن مواكبة هذا التطور.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة أصدرتها شرطة تشيستر للدرج التي خبأت به الأم طفلتها

حبس أم خبأت طفلتها في درج لمدة ثلاث سنوات

حكم على سيدة بريطانية خبأت ابنتها الرضيعة في درج أسفل سريرها حتى بلغت الثالثة من عمرها تقريباً بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الخليج عَلم الإمارات (رويترز)

الإمارات تعلن هوية الجناة في حادثة مقتل مقيم بجنسية مولدوفية

أعلنت وزارة الداخلية الإماراتية أن السلطات الأمنية المختصة بدأت إجراء التحقيقات الأولية مع ثلاثة جناة أُلقي القبض عليهم لاتهامهم بارتكاب جريمة قتل.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
أوروبا منظر عام لجزيرة صقلية (وسائل إعلام إيطالية)

«المافيا» تهدد على طريقة فيلم «العراب»... رأس حصان وبقرة ممزقة يرعبان صقلية

هزَّ العثور على رأس حصان مقطوع، وبقرة حامل ممزقة وعجلها الميت بداخلها ملطخين بالدماء، جزيرة صقلية، إذ تعاملت السلطات مع الحادث باعتباره تهديداً من قبل المافيا.

«الشرق الأوسط» (روما)
يوميات الشرق الشرطة ألقت القبض على سارات رانجسيوثابورن في بانكوك عام 2023 (إ.ب.أ)

مدينة لهم بالمال... الإعدام لتايلاندية متهمة بقتل 14 من أصدقائها بـ«السيانيد»

حُكم على امرأة في تايلاند بالإعدام، بعدما اتُّهمت بقتل 14 من أصدقائها بمادة السيانيد.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

بالتضامن مع القضية الفلسطينية والاحتفاء بتكريم عدد من السينمائيين، انطلقت فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان «القاهرة للسينما الفرانكفونية»، الخميس، وتستمر فعالياته حتى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعرض 75 فيلماً من 30 دولة فرانكفونية.

وشهد حفل الافتتاح تقديم فيلم قصير منفذ بالذكاء الاصطناعي، للتأكيد على أهمية تطويع التكنولوجيا والاستفادة منها في إطار تحكم العقل البشري بها، بجانب عرض راقص يمزج بين ألحان الموسيقار الفرنسي شارل أزنافور احتفالاً بمئويته، وموسيقى فريد الأطرش في ذكرى مرور 50 عاماً على رحيله.

وكرّم المهرجان المخرج المصري أحمد نادر جلال، والإعلامية المصرية سلمى الشماع، إلى جانب الممثلة إلهام شاهين التي تطرقت في كلمتها للتطور الذي يشهده المهرجان عاماً بعد الآخر، مشيدة بالأفلام التي يعرضها المهرجان كل عام من الدول الفرانكفونية.

وأكد رئيس المهرجان ياسر محب «دعم المهرجان للشعب الفلسطيني في الدورة الجديدة»، مشيراً إلى أن السينما ليست بمعزل عما يحدث في العالم من أحداث مختلفة.

وأوضح أنهم حرصوا على تقديم أفلام تعبر عن التغيرات الموجودة في الواقع الذي نعيشه على كافة المستويات، لافتاً إلى أن من بين الأفلام المعروضة أفلاماً تناقش الواقع السياسي.

جانب من الحضور في حفل الافتتاح (حساب إلهام شاهين على «فيسبوك»)

وشهد حفل الافتتاح كلمة للمستشار الثقافي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة ناجي الناجي، أكد فيها على دور الفن في دعم القضية الفلسطينية، مشيداً بدور الأعمال الفنية المتنوعة في التعبير عن القضية الفلسطينية وعرض 14 فيلماً عنها ضمن فعاليات الدورة الجديدة للمهرجان.

وتضمن حفل الافتتاح رسالة دعم ومساندة للشعب اللبناني من خلال عرض الفيلم التسجيلي «ثالث الرحبانية» عن حياة وإبداعات الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، وحظي بتفاعل كبير من الحضور.

وقال المنتج الفلسطيني حسين القلا الذي يترأس مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة لـ«الشرق الأوسط» إن «السينما ليست مجرد مشاهدة للأفلام فحسب، ولكن ربط بين الثقافات والحضارات المختلفة»، مشيراً إلى طغيان ما يحدث في غزة على كافة الفعاليات السينمائية.

ويترأس القلا لجنة التحكيم التي تضم في عضويتها الفنانة التونسية عائشة عطية، والفنان المصري تامر فرج الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المهرجان ليس منصة فقط لعرض الأفلام السينمائية للدول الفرانكفونية، ولكنه مساحة للتعبير عن المبادئ التي تجمع هذه الدول، والقائمة على المساواة والأخوة والسعي لتحقيق العدل، الأمر الذي ينعكس على اختيارات الأفلام».

وعدّ الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين، المهرجان «من الفعاليات السينمائية المهمة التي تهدف لتعزيز التبادل الثقافي مع 88 دولة حول العالم تنتمي للدول الفرانكفونية، الأمر الذي يعكس تنوعاً ثقافياً وسينمائياً كبيراً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المهرجان يركز على استقطاب وعروض أفلام متنوعة وليس (الشو الدعائي) الذي تلجأ إليه بعض المهرجانات الأخرى».

وعبر عن تفاؤله بالدورة الجديدة من المهرجان مع أسماء الأفلام المتميزة، والحرص على عرضها ومناقشتها ضمن الفعاليات التي تستهدف جانباً ثقافياً بشكل بارز ضمن الفعاليات المختلفة.