معدل التضخم السعودي يواصل تراجعه

مختصون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن مؤشرات الأسعار ضبطت بـ«السياسات المالية» و«التنوع الاقتصادي»

مؤشر التضخم يسجل انخفاضاً شهرياً محققاً استقراراً في المعدل عند المقارنة السنوية (واس)
مؤشر التضخم يسجل انخفاضاً شهرياً محققاً استقراراً في المعدل عند المقارنة السنوية (واس)
TT

معدل التضخم السعودي يواصل تراجعه

مؤشر التضخم يسجل انخفاضاً شهرياً محققاً استقراراً في المعدل عند المقارنة السنوية (واس)
مؤشر التضخم يسجل انخفاضاً شهرياً محققاً استقراراً في المعدل عند المقارنة السنوية (واس)

حافظ معدل التضخم في السعودية على استقراره النسبي خلال الربع الأول من عام 2023، في وقت سجل فيه تراجعاً شهرياً منذ بداية العام، حيث بلغ 3.4 في المائة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل أن ينخفض في فبراير (شباط) إلى 3 في المائة، ليصل في شهر مارس (آذار) إلى 2.7 في المائة، محققاً بذلك استقراراً نسبياً في الربع الأول من العام، وذلك وفق نشرة الرقم القياسي لأسعار المستهلك، التي أعلنتها هيئة الإحصاء السعودية، أمس (الخميس).
وعزت النشرة التراجع الشهري إلى متانة الاقتصاد السعودي، والأثر الإيجابي الكبير الذي نتج عن التدابير والإجراءات التي سارعت المملكة باتخاذها منذ وقت مبكر لحل أزمة سلاسل الإمداد التي كانت مُتوقعة، وظهرت بوادرها عقب خروج العالم من جائحة «كورونا»، وما يزال يعاني من تبعاتها كثير من الدول حتى الآن.
وأشارت إلى أنه مقارنةً بمعظم دول العالم في معدلات التضخم فإن المملكة حافظت على بقائها عند مستوى منخفض خلال مارس، بينما سجل معدل التضخم ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 2.7 في المائة عند مقارنته بشهر مارس لعام 2022 البالغ 2 في المائة، حيث أسهمت الأوامر الحكومية بتثبيت السقف الأعلى لأسعار الطاقة في استقرار معدلات التضخم في المملكة بشكل واضح - رغم تصاعدها في عدد من دول العالم - في تحقيق الاستقرار النسبي في معدل التضخم، ما يدل على قوة الاقتصاد السعودي، ومرونته وقدرته الكبيرة على امتصاص الصدمات.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فيصل، الدكتور محمد بن دليم القحطاني، إن استقرار معدل التضخم في السعودية يعتبر مضرب مثل عالمياً في محاربة التضخم وكبح جماحه، مضيفاً أنه يثبت حقيقة استمرار الاقتصاد السعودي في النمو، ودليل واضح على نجاح سياسات المملكة المالية والنقدية في منع تغلغل التضخم في الاقتصاد بشكل عام، وتحجيم وجوده.
وعزا الدكتور القحطاني ضبط التضخم إلى تنوع الاقتصاد السعودي، وحالة التوازن التي يعيشها الاقتصاد السعودي، وعدم اعتماده على مصدر واحد كما في السابق باعتماده على النفط، مبيناً أن الاقتصاد السعودي بدأ يظهر وجهه الحقيقي بالاعتماد على القطاعات غير النفطية، وظهور عدة قطاعات اقتصادية خدمية، بالإضافة إلى الاستقرار الجيوسياسي الذي خلقته المملكة من حولها، وكذلك رفع وكالة فيتش تصنيف السعودية مؤخراً إلى «A» مع نظرة مستقبلية مستقرة، مشيراً إلى أن كل تلك المقومات أعطت المملكة احترام الجميع، بأنها دولة نموذجية استطاعت أن تكيف نفسها مع أصعب الظروف الاقتصادية.
من ناحيته، أوضح أسامة بن غانم العبيدي المستشار وأستاذ القانون التجاري الدولي بمعهد الإدارة العامة بالرياض، أن الحكومة السعودية نجحت في كبح جماح التضخم عبر تجنب اضطرابات سلسلة الإمدادات الغذائية المرتبطة بالنزاع الروسي - الأوكراني وتنويع مصادر استيراد المواد الغذائية واستقرار أسعار الوقود في المملكة.
وذهب العبيدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن انخفاض أسعار الإيجارات، التي تشكل أكثر من 20 في المائة من مؤشر أسعار المستهلكين، ساهم في انخفاض معدلات التضخم، فضلاً عن قيام البنك المركزي السعودي برفع أسعار الفائدة تمشياً مع قرار الفيدرالي الأميركي برفعها، ما أدى أيضاً إلى زيادة تكلفة الاقتراض، وبالتالي كبح معدلات التضخم.
وتوقع العبيدي أن يؤدي نمو الإيرادات النفطية نتيجةً ارتفاع أسعار النفط والإيرادات غير النفطية بشكل رئيسي إلى تعويض تكاليف مواجهة آثار التضخم التي تتكبدها الدولة، مرجحاً أن يقوم البنك المركزي السعودي بخطوات إضافية لرفع أسعار الفائدة في حالة قيام الفيدرالي الأميركي بذلك لكبح جماح التضخم.
من جهته، وصف عضو مجلس الشورى الخبير الاقتصادي، فضل البوعينين، محافظة معدل التضخم على استقراره النسبي خلال الربع الأول، بأنه مؤشر إيجابي ومهم للاقتصاد السعودي، ويثبت تعافيه التام وبدايته مرحلة جديدة من تحقيق أهداف رؤية 2030 قبل موعدها المحدد.
وأضاف أن السيطرة على التضخم ضمن معدلاته المنخفضة أحد أهداف الحكومة، ويظهر ذلك في اتخاذها تدابير عاجلة لمواجهة أزمة سلاسل الإمداد خلال جائحة «كورونا» وبعدها، وهو ما انعكس إيجاباً على معدل التضخم، وساهم في توفر سلاسل الإمدادات، بمخزون يفوق الحاجة، وهذا من أسباب السيطرة على معدل التضخم مقارنة بكثير من دول العالم التي ما زالت تعاني من تبعات تعثر سلاسل الإمداد.
وأشار البوعينين إلى أن متانة الاقتصاد السعودي من الأسباب المهمة لاستقرار معدلات التضخم، وإلى قدرته على تلبية احتياجات المستهلكين وضبط الأسعار المغذية للتضخم، لافتاً إلى أن قيام الحكومة بتمويل القطاع الخاص وتحفيزه لزيادة المخزون من السلع، إضافة إلى رفع حجم المخزون الاستراتيجي، ساعد في تحقيق ذلك الهدف، بالإضافة إلى انفتاح السوق السعودية وكفاءتها وارتفاع المنافسة فيها، ساهم في ضبط أسعار المستهلكين، واستقرارها، خاصة في أهم المواسم التجارية، وهو شهر رمضان المبارك.
وأكد البوعينين أن تثبيت الحكومة السقف الأعلى لأسعار الطاقة ساهم في استقرار معدلات التضخم رغم تصاعدها في عدد من دول العالم، مضيفاً أن أداء الحكومة وإصلاحاتها الشاملة وتدخلاتها الاستباقية لمواجهة الأزمات العالمية حمت الاقتصاد السعودي من تداعياتها التي يعاني منها كثير من دول العالم.
من جهته، شدد الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان السعودية على أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية وسياسات تنويع الاقتصاد أثمرت عن عدة مكاسب، ما انعكس إيجاباً على متانة الاقتصاد السعودي ومتانته ونموه خلال الفترة الماضية، متفوقاً على كثير من اقتصادات مجموعة العشرين، وعلى قدرته على امتصاص الصدمات الاقتصادية المتلاحقة أخيراً.
ويعتقد باعشن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن التجربة السعودية في إصلاحاتها الأخيرة مكّنتها من القدرة على ضبط استقرار التضخم رغم أزمة ارتفاع التضخم التي اجتاحت كبريات اقتصادات العالم، في ظل ظروف جيوسياسية تعكس ضبابية قاتمة للاقتصاد العالمي المتأثر بعدة أزمات وتحديات بسبب النزاعات والتوترات في أكثر من منطقة في العالم.
ويرى باعشن أن المملكة استطاعت أن تحقق معدلات نمو اقتصادي متصاعدة، في ظل تزايد معدلات التضخم لعدد من دول العالم، التي أصابها شيء من الركود الاقتصادي لأكثر من سبب، منها التحديات التي أفرزتها جائحة «كورونا»، وضعف سلاسل الإمداد، وأزمة الحبوب والإنتاج الزراعي والغذائي، فضلاً عن اضطراب أسواق الطاقة في أوروبا وأميركا.
ووفق باعشن، فإن التقارير الصادرة عن البنك الدولي والنشرات الاقتصادية السعودية أكدت قدرة الاقتصاد الوطني على المحافظة على معدل التضخم في المملكة، خلال الربع الأول من عام 2023، محققاً استقراراً نسبياً في الربع الأول من العام الحالي، إذ بلغ 3.4 في المائة في شهر يناير الماضي تلاه في فبراير الماضي؛ حيث بلغ 3.0 في المائة، فيما بلغ 2.7 في المائة في شهر مارس الماضي.


مقالات ذات صلة

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة تجمع المسؤولين السعوديين واليابانيين خلال إطلاق صندوق مؤشرات متداولة وإدراجه في بورصة طوكيو (الشرق الأوسط)

«الاستثمارات العامة السعودي» يستثمر بأكبر صندوق في بورصة طوكيو

أعلنت مجموعة «ميزوهو» المالية، الخميس، إطلاق صندوق مؤشرات متداولة، وإدراجه في بورصة طوكيو.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة).

عبير حمدي (الرياض)

تمديد مهلة ماسك للرد على عرض تسوية التحقيق في «تويتر»

الملياردير الأميركي إيلون ماسك (رويترز)
الملياردير الأميركي إيلون ماسك (رويترز)
TT

تمديد مهلة ماسك للرد على عرض تسوية التحقيق في «تويتر»

الملياردير الأميركي إيلون ماسك (رويترز)
الملياردير الأميركي إيلون ماسك (رويترز)

قال مصدر لوكالة «رويترز» للأنباء إن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية مددت مهلة حتى يوم الاثنين المقبل، أمام إيلون ماسك، للرد على عرضها لحسم تحقيق في استحواذ الملياردير على «تويتر»، مقابل 44 مليار دولار في عام 2022.

وغرد ماسك، أمس (الخميس)، بنسخة من رسالة أرسلها محاموه إلى رئيس الهيئة، جاء فيها أن موظفي الهيئة منحوه 48 ساعة للموافقة على دفع غرامة أو مواجهة اتهامات.

وقال المصدر إن الهيئة أرسلت إلى ماسك عرض تسوية، يوم الثلاثاء، سعياً للحصول على رد في 48 ساعة، لكنها مددت العرض إلى يوم الاثنين بعد طلب مزيد من الوقت.

وانخرطت الهيئة وهي أعلى سلطة في تنظيم الأسواق الأميركية وماسك في معركة قضائية، معلنة عن التحقيق الذي أجرته الوكالة في استحواذه على منصة التواصل الاجتماعي التي غيّر ماسك اسمها منذ ذلك الحين إلى «إكس».

ورفض متحدث باسم مكتب الشؤون العامة في هيئة الأوراق المالية والبورصات التعليق، ولم يرد محامي ماسك بعد على طلبات التعليق.

وكانت الهيئة تحقق فيما إذا كان ماسك قد انتهك قوانين الأوراق المالية في عام 2022 حين اشترى أسهماً في «تويتر»، بالإضافة إلى البيانات والملفات التي قدمها فيما يتعلق بالصفقة. وقد سعت إلى إنفاذ أمر استدعاء قضائي لإجبار ماسك على الإدلاء بشهادته بشأن هذه المسألة.

ويتعلق التحقيق بالملف الذي قدمه ماسك في الآونة الأخيرة إلى الهيئة بشأن مشترياته من أسهم «تويتر»، وما إذا كان أراد التربح أم لا.