مساعٍ أميركية للحد من تمدد الإرهاب في غرب أفريقيا

واشنطن أعلنت عن مساعدات لـ3 دول

لاجئون من مالي هربوا من العنف والإرهاب (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
لاجئون من مالي هربوا من العنف والإرهاب (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
TT

مساعٍ أميركية للحد من تمدد الإرهاب في غرب أفريقيا

لاجئون من مالي هربوا من العنف والإرهاب (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
لاجئون من مالي هربوا من العنف والإرهاب (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)

تستمر واشنطن في مساعيها لترسيخ نفوذها في القارة الأفريقية لمجابهة تصاعد النفوذ الروسي والصيني، بما يشمل مكافحة «الإرهاب»، والتعاون في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية.
في هذا السياق، أعلنت واشنطن عن تقديم مساعدات طويلة الأجل لكوت ديفوار وبنين وتوغو، بهدف «الحد من امتداد نفوذ (الإرهاب)، ونفوذ شركة (فاغنر) العسكرية الروسية في المنطقة من الساحل جنوب الصحراء إلى المناطق الساحلية في غرب أفريقيا»، بحسب تقرير أوردته وكالة الصحافة الفرنسية (الثلاثاء)، وهو ما رآه خبراء «مقاربة تفتقد لمخاطبة العوامل الجذرية التي تخلق بيئة مواتية لتنامي (الإرهاب) في القارة».
ووصف مايكل هيث، مساعد وزير الخارجية الأميركي لغرب أفريقيا، خطر تمدد «الإرهاب» في الدول بأنه «مصدر قلق لواشنطن بسبب قدرات الحكومات القائمة التي لم تواجه مثل هذا التهديد من قبل».
وفيما يتعلق بـ«فاغنر»، قال هيث، الذي عاد مؤخراً من رحلة إلى المنطقة، إنهم «لم يوجدوا بعد في دول غرب أفريقيا الساحلية، لكن واشنطن تعلم أنهم يبحثون عن فرص للاستفادة من عدم الاستقرار أينما وجدت».
وبحسب التقرير، يعتقد المسؤولون الأميركيون أن المناطق الساحلية في غرب أفريقيا «لا يمكن أن يجتاحها العنف إلا إذا حدث تدفق من الشمال إلى قطاع الساحل»، لكنهم في الوقت نفسه يرون أن «عدم الاستقرار يمكن أن تغذيه العوامل المحلية والمنافسة على الموارد الشحيحة».
والشهر الماضي، تعهدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، التي زارت غانا ضمن جولة أفريقية، بتقديم 100 مليون دولار على مدى 10 سنوات لـ«بناء القدرة على الصمود في سواحل أفريقيا».
وفي الشهر نفسه، قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة إلى النيجر أعلن خلالها «تقديم مساعدات بقيمة 150 مليون دولار لمنطقة الساحل». كما أجرت الولايات المتحدة برنامجها التدريبي السنوي (فلينتلوك)، وكانت غانا هي الدولة المضيفة للمناورات بمشاركة 30 دولة.
وقالت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في بيان، إن التدريبات تهدف إلى «تعزيز قدرة الدول الشريكة الرئيسية في المنطقة على مواجهة المنظمات المتطرفة والتعاون عبر الحدود وتوفير الأمن لشعوبها».
وتتهم واشنطن موسكو بمحاولة «زيادة نفوذها في أفريقيا»، لاسيما في مالي وبوركينا فاسو، عبر وجود مكثف ونفوذ لمجموعة «فاغنر»، التي تتهمها أميركا بـ«انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان»، وصنفتها أخيراً «منظمة جريمة دولية عابرة للقارات».
ويحكم مالي وبوركينا فاسو، اللتين تشهدان تمدداً للإرهاب، نظامان عسكريان جاءا بعد انقلابين. وقام القادة العسكريون بطرد القوات الفرنسية من البلدين، وأقروا بالتعاون والتقارب مع روسيا. ونتيجة لذلك، فعّلت السلطات الأميركية المادة 7008 من قانون المساعدات الخارجية، الذي يحظر تقديم الدعم العسكري للأنظمة التي تصل إلى السلطة من خلال الانقلابات.
وعلى الرغم من ذلك، قال تقرير أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن «تسعى لمساعدة المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو في محاربة تنظيمي (القاعدة)، و(داعش)، دون أن تتعارض خطواتها مع القوانين الأميركية التي تحظر تقديم مساعدات أمنية للأنظمة العسكرية».
وكانت الولايات المتحدة كشفت، في أغسطس (آب) الماضي، عن إعادة صياغة شاملة لسياستها في أفريقيا جنوبي الصحراء، بحيث تعتزم «مواجهة الوجود الروسي والصيني، وتطوير أساليب غير عسكرية ضد (الإرهاب)». واعتبرت إدارة بايدن ساحل غرب أفريقيا «أولوية للعقد المقبل».
ورأى محمد الأمين ولد الداه، الخبير في شؤون الساحل وغرب أفريقيا، أنه «رغم أن الجماعات (الإرهابية) لم تبسط نفوذاً كبيراً في تلك الدول التي تستهدفها المساعدات، لكنها مؤهلة تماماً للاختراق (الإرهابي)».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بنين وتوغو تشهدان ظروفاً مواتية لتمدد (الإرهاب)، شبيهة بالظروف في مالي وبوركينا فاسو، ومن بينها النزاعات العرقية والإثنية، والفقر، وخطر المجاعات، إضافة إلى الفساد السياسي والحكم الهش الذي لا يسيطر أمنياً على الأرض».
ورأى الأمين ولد الداه أن الإعلان عن «مساعدات مالية لأنظمة هشة لن يحدث فارقاً في مقاربة مواجهة (الإرهاب) في أفريقيا»، مشيراً إلى أن «أي جهود أو استراتيجية لا تشمل معالجة جذور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتهيئة البيئة لحوكمة ديمقراطية رشيدة ستفشل في النهاية».
ومن بداية عام 2017 حتى العام الماضي، قتلت عناصر تابعة لـ«القاعدة» و«داعش»، أكثر من 21 ألف شخص في منطقة الساحل، معظمهم في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، علاوة على تهجير ونزوح الآلاف، بحسب بيانات حللها المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، التابع للبنتاغون.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال أحمد سلطان، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية إن «الدعم الأميركي يأتي في وقت يسعى فيه تنظيم (داعش) غرب أفريقيا للتمدد في المنطقة». وأضاف أن «(داعش) وتنظيمات أخرى نفذوا عملياته في بنين أواخر العام الماضي، ووسعوا عملياتهم في توغو وشمال الكاميرون ليمدد نفوذه في غرب أفريقيا خارج حدود حوض بحيرة تشاد، مستفيداً من الأوضاع الاقتصادية السيئة وضعف نظم الحكم والهشاشة الأمنية».
ولفت سلطان إلى أن «كوت ديفوار تعد جزءاً أساسياً في طرق التهريب، التي تعمل فيها المنظمات (الإرهابية)».


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش الموريتاني يدخل سباق التسلح ويقتني مسيّرات

قادة من الجيش يشرحون للرئيس الموريتاني الترسانة التي اقتنوها لتحديث معدات الجيش
قادة من الجيش يشرحون للرئيس الموريتاني الترسانة التي اقتنوها لتحديث معدات الجيش
TT

الجيش الموريتاني يدخل سباق التسلح ويقتني مسيّرات

قادة من الجيش يشرحون للرئيس الموريتاني الترسانة التي اقتنوها لتحديث معدات الجيش
قادة من الجيش يشرحون للرئيس الموريتاني الترسانة التي اقتنوها لتحديث معدات الجيش

أطلق الجيش الموريتاني (الأربعاء) مناورات عسكرية في منطقة بالقرب من العاصمة نواكشوط، استخدمت فيها صواريخ مضادة للطائرات وأخرى مضادة للدروع، في وقت تعيش البلاد انقطاعاً جزئياً لخدمة الإنترنت إثر احتجاجات سقط فيها أربعة قتلى، كانوا يحتجون على نتائج انتخابات رئاسية نظمت نهاية يونيو (حزيران) الماضي وفاز بها الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.

جنود موريتانيون على حدود مالي يشاركون في مناورات عسكرية (الجيش الموريتاني)

وقال الجيش الموريتاني في بيان صحافي إن المناورات ستجري في منطقة «الطويلة»، على بعد ثلاثين كيلومتراً إلى الشمال من العاصمة نواكشوط، وستكون على شكل «رمايات تدريبية» تبدأ بإطلاق صواريخ مضادة للطائرات، وتليها صواريخ مضادة للدروع.

وأكد الجيش أنه «اتخذ التدابير الأمنية كافة، لتنفيذ هذه الرمايات التدريبية»، ولكنه في المقابل طلب من «سكان مدينة نواكشوط، وسالكي طريق نواكشوط – أكجوجت الحيطة والحذر، وتجنب عبور منطقة الرماية».

أسلحة جديدة

تأتي هذه المناورات الجديدة، بعد عدة مناورات عسكرية أجراها الجيش الموريتاني خلال الأشهر الأخيرة، كانت أهمها على الحدود مع دولة مالي، حيث تنشط مجموعات مسلحة إرهابية يحاول الجيش المالي القضاء عليها، بدعم من مجموعة «فاغنر» الروسية.

دبابات حديثة عرضها الجيش الموريتاني قبل أسابيع

كما أعلن الجيش الموريتاني قبل شهر أنه اقتنى مجموعة من المسيّرات المقاتلة والأسلحة الجديدة، وأجرى تحديثاً للهيكلة، وهي المرة الأولى التي يعلنُ فيها الجيش الموريتاني امتلاك مسيرات مقاتلة، منذ أن اقتنتها عدة دول مجاورة.

وعرض الجيش الأسلحة الجديدة أمام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، قبلَ أن يجري الجيشُ مناورات وتدريبات في منطقة في كبريات مدن البلاد، بما فيها العاصمة نواكشوط.

مناورات المدفعية الثقيلة التابعة للجيش الموريتاني على الحدود مع مالي (الجيش الموريتاني)

وقال الجيش إن «اقتناء العتاد الجديد سيمكنُ من رفع المستوى العملياتي والجاهزية القتالية لمختلف الجيوش برية كانت أو جوية أو بحرية»، مشيراً إلى أن «الترسانة تتكون من وحدات مدرعة مجهزة بأحدث الأسلحة، وأنظمة اتصالات متطورة وأسلحة مدفعية ميدانية ووحدات مضادة للدروع وراجمات صواريخ وأخرى مضادة للطائرات».

وأضاف الجيش الموريتاني أن اقتنى أيضاً «طائرات ومحطات رادار ومسيّرات استطلاع قادرة على القيام بمهام المراقبة والرصد والتوجيه الدقيق للصواريخ، كما تضم هذه المسيّرات طائرات من دون طيار هجومية ذات فاعلية عالية جداً، قادرة على تغطية الحوزة الترابية للوطن، بما في ذلك المياه الإقليمية على مدار الساعة».

رسالة طمأنة

مناورات الجيش الموريتاني واقتناؤه لأسلحة جديدة، أثارت النقاش في البلاد، فيما قال العقيد المتقاعد ورئيس مركز أم التونسي للدراسات الاستراتيجية البخاري محمد مؤمل في حديث مع «الشرق الأوسط» إنها خطوة يجب أن تفهم خارج سياقها الطبيعي.

وأضاف العقيد المتقاعد أن ما يقوم به الجيش الموريتاني من خطوات في هذا الوقت بالتحديد «يخضع للمعايير التقليدية، لأن الجيوش وأنظمة الدفاع على العموم يجب أن تُطلع المواطنين على بعض الأمور، وإن بمستوى معين ومحدود».

وأوضح العقيد المتقاعدُ أن ذلك يفرضه سببان رئيسيان «أولهما من أجل أن يطمئن المواطن وتتعزز ثقته في الجيش، وثانيهما أن المواطن هو ممول سياسات الدفاع، من خلال دفع الضرائب، لذلك يجب أن تنال سياسة الدفاع ولاءه وثقته، إذن الرسالة الأولى موجهة للمواطن الموريتاني».

أما الرسالة الثانية، فيعتقد العقيد المتقاعد من الجيش الموريتاني، أنها موجهة إلى «أعضاء قوات الأمن والدفاع، لأنهم ليسوا على علم بكل ما يجري، ويجب أن يكونوا معنيين بالرسالة، خاصة أنه كثر الحديث مؤخراً عن اقتناء دول مجاورة لأسلحة جديدة، وهو سباق تسلح يلقي بظلاله على العالم كله، وفي هذه الحالة يجب ألا تبقى موريتانيا بعيدة عن الركب».

وقال البخاري محمد مؤمل إن «سباق التسلح شهد طفرة جديدة منذ حرب أوكرانيا، شهدها في العالم الصناعي الذي يتسابق نحو السلاح التقليدي، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في فرنسا وأوروبا في روسيا والصين بسبب الحرب في أوكرانيا، وطبعا هذا السباق ستكون له تداعيات على العالم الآخر».

سباق تسلح محلي

أما فيما يتعلق بمنطقتي الساحل والمغرب العربي، فيعتقدُ العقيد المتقاعد ورئيس مركز أم التونسي للدراسات الاستراتيجية البخاري محمد مؤمل، في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن هنالك سباق تسلح واضحاً، ويضيف أن «مالي والنيجر وبوركينا فاسو غيرت من تحالفاتها العسكرية، بسبب رغبتها في الحصول على أسلحة جديدة لدى روسيا والصين وتركيا وإيران، وهذا كله يدخل في إطار سباق التسلح، وفي منطقة المغرب العربي هنالك سباق تسلح تقليدي بين المغرب والجزائر».

وأوضح البخاري محمد مؤمل أن «التطورات الجيوسياسية العالمية، تعطي لسباق التسلح في منطقتنا دفعاً جديداً، وموريتانيا لا ينبغي أن تتأخر عن الركب، ومن هذا المنطلق دخل الجيش الموريتاني هذا السباق، وليكون هذا الدخول له فاعلية وفائدة يجب أن يكون الآخرون على علم به».

وفي السياق، يشرح العقيد المتقاعد أن مناورات الجيش الموريتاني وعرض أسلحته «يتماشيان مع مبادئ سياسة الردع، أي أن تكون لديك أسلحة قادرة على منع الخصم من مهاجمتك أو على الأقل جزئياً، وأن يكون على علم بها في حدود معينة، وطبعاً المعلومة حول تلك الأسلحة تبقى دائماً ناقصة، بل يتعمد الضبابية حول معلومات، وهذا جزء من الردع لأن خصمك المتوقع أو المحتمل يعرف أن لديك أسلحة قادرة على إلحاق الضرر به، ولكن لا يعرف ما هي درجة الضرر».

مسيرات جديدة

وقال العقيد المتقاعد إن المعلومات التي عرضها الجيش الموريتاني حول أسلحته الجديدة «لم تكن دقيقة، فقد أعطى معلومات عامة حول وظائفها الأساسية، مثل الطيران والمسيّرات والمدفعية، ولم يقل ما نوعها بالضبط ولا عيارها ولا مصدرها».

وأشار في هذا السياق إلى أن «الجديد فيما أعلن هو المسيّرات، التي تعد الموضة العسكرية اليوم، والمسيّرات صارت في متناول الجميع، حتى طفل صغير بعمر الخمس سنوات يمكنه اقتناء مسيّرة، والمسيّرة وظيفتها تتوقف على نوع الجهاز الذي أضيف لها، عندما تضيف لها كاميرا تصبح مسيّرة استطلاع، وعندما تضيف لها مدفعاً أو صاروخاً تصبح مسيّرة قتالية ومسلحة».

وشرح العقيد المتقاعد أن «ما نعرفه هو أن موريتانيا اقتنت مسيرات، وأنا أعتقد أنها من أنواع مختلفة، بعضها للاستطلاع لجمع المعلومات وتحليلها، ونوع آخر عسكري للمهام القتالية، وقادرة على حمل صواريخ»، قبل أن يضيف أن فاعلية هذه المسيّرات «تقوم على أمور، يبدو أن موريتانيا أخذتها بعين الاعتبار، مثل عددها ومواقع تمركزها، بالنظر إلى أن موريتانيا مساحتها تزيد على المليون كيلومتر مربع، ولتغطيتها يجب أن تكون المسيّرات موزعة على نقاط مختلفة من أرجاء الأراضي الموريتانية، وذلك هو معنى قول الجيش إن هذه المسيّرات قادرة على تغطية جميع التراب الوطني برياً وبحرياً».

مناورات المدفعية الثقيلة التابعة للجيش الموريتاني على الحدود مع مالي (الجيش الموريتاني)

الأمر الثاني المهم، على حد تعبير العقيد المتقاعد، هو أن تكون هذه المسيرات «تمتلك استقلالية لوجيستية تسمح لها بمواصلة المناورة خلال ساعات دون توقف، وهذا يعتمد على مصادر الطاقة وقدرتها على البقاء أكثر وقت ممكن في الجو، وهذه المعطيات لم تتحدث عنها موريتانيا بدقة ولكنها تركت في المفهوم أن هذه الشروط الفنية متوفرة في هذه المسيّرات».