«النقد الدولي» يخفض توقعات النمو العالمي إلى 2.8 %

خبراء الصندوق يحذرون من تداعيات خطيرة للتشديدات النقدية الجارية بما يرشح هبوطاً حاداً في الاقتصاد

يير جورنشاس مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي يرد على وسائل الإعلام في المؤتمر الصحفي لآفاق الاقتصاد العالمي (إ.ب.أ)
يير جورنشاس مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي يرد على وسائل الإعلام في المؤتمر الصحفي لآفاق الاقتصاد العالمي (إ.ب.أ)
TT

«النقد الدولي» يخفض توقعات النمو العالمي إلى 2.8 %

يير جورنشاس مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي يرد على وسائل الإعلام في المؤتمر الصحفي لآفاق الاقتصاد العالمي (إ.ب.أ)
يير جورنشاس مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي يرد على وسائل الإعلام في المؤتمر الصحفي لآفاق الاقتصاد العالمي (إ.ب.أ)

خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2023، مشيرا إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه المزيد من المخاطر المالية والاضطرابات المصرفية، إضافة إلى الضغوط الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة والحرب الروسية الأوكرانية، محذرا في الوقت ذاته من حالة عدم اليقين وزيادة ضغط القطاع المالي الناجمة عن تشديد السياسة النقدية.
وفي تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر الثلاثاء، رجح خبراء صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد العالمي نمواً عالمياً بنسبة 2.8 في المائة في 2023، بانخفاض طفيف عن تقديراته السابقة في يناير (كانون الثاني) (- 0. 1 نقطة مئوية)، كما توقع نمواً بنسبة 3. 0 في المائة في 2024 (- 0، 1 نقطة مئوية أيضاً).

- انخفاض النمو العالمي
وتنخفض توقعات الصندوق لمعدلات النمو لهذا العام إلى 2.8 في المائة مقارنة بالعام السابق البالغ 3.4 في المائة في عام 2022. وحذر الصندوق في تقرير يوم الثلاثاء من أن الاقتصاد العالمي «يدخل مرحلة محفوفة بالمخاطر يظل خلالها النمو الاقتصادي منخفضاً بالمعايير التاريخية مع ارتفاع المخاطر المالية، لكن التضخم لم ينخفض بعد بشكل حاسم».
وقال بيير أوليفيه جورنشاس كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في إفادة صحافية الثلاثاء، إن الوضع الاقتصادي لا يزال هشا وهناك مخاطر لهبوط حاد إذا استمرت معدلات الفائدة في الارتفاع، ما قد يضعف النمو بقدر ما يمكن أن يؤكد على ركود اقتصادي خاصة في الدول الغنية. وأشار إلى أن التشديد النقدي الحاد من قبل البنوك المركزية خلال العام الماضي «بدأ يكون له آثار جانبية خطيرة على القطاع المالي».
وأضاف كبير الاقتصاديين بالصندوق أنه «بعد فترة طويلة من التضخم الخافت وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، أدى التشديد السريع للسياسة النقدية في العام الماضي إلى خسائر كبيرة في الأصول طويلة الأجل ذات الدخل الثابت. إن استقرار أي نظام مالي يتوقف على قدرته على استيعاب الخسائر دون اللجوء إلى أموال دافعي الضرائب».
ويوجه كثيرون أصابع اللوم إلى البنوك المركزية بعد عقد ونصف من أسعار الفائدة القريبة من الصفر، تلاها تشديد نقدي قوي، ويقولون إن الرفع المتكرر لأسعار الفائدة ساعد في تأجيج الاضطرابات المالية في الولايات المتحدة، ما أدى إلى انهيار ثلاثة بنوك متوسطة الحجم.

- التضخم
وتوقع صندوق النقد الدولي، تضخماً عالمياً بنسبة 7 في المائة هذا العام، انخفاضا من 8.7 في المائة في عام 2022، لكنه مرتفع عن توقعاته في يناير عند 6.6 في المائة لعام 2023. وقال جورنشاس في التقرير إن «التضخم سيكون أكثر ثباتاً مما كان متوقعاً حتى قبل بضعة أشهر». من المتوقع أن ينخفض نمو التجارة العالمية هذا العام إلى 2.4 في المائة، على الرغم من تخفيف اختناقات العرض، قبل أن يرتفع إلى 3.5 في المائة في عام 2024، بعد أن ينمو بنسبة 5.1 في المائة في عام 2022. وسينخفض التضخم العالمي إلى 7 في المائة هذا العام و4.9 في المائة في عام 2024، من 8.7 في المائة في عام 2022. ولا يزال هذا أعلى من الهدف المفضل البالغ 2 في المائة للبنوك المركزية.
من المتوقع أن تجبر معدلات التضخم المرتفعة باستمرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى على الاستمرار في رفع أسعار الفائدة والاحتفاظ بها عند أو بالقرب من الذروة لفترة أطول لمكافحة ارتفاع الأسعار. ومن المتوقع أن تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة هذه إلى إضعاف النمو الاقتصادي وربما زعزعة استقرار البنوك التي أصبحت تعتمد على معدلات منخفضة تاريخياً. وحذر غورينشاس بالفعل من أن المعدلات المرتفعة «بدأت في إحداث آثار جانبية خطيرة على القطاع المالي».
يتوقع الصندوق احتمالاً بنسبة 25 في المائة أن ينخفض النمو العالمي إلى أقل من 2 في المائة لعام 2023. لقد حدث ذلك خمس مرات فقط منذ عام 1970، وآخرها عندما أدى فيروس كورونا COVID - 19 إلى خروج التجارة العالمية عن مسارها في عام 2020. ويتصور صندوق النقد الدولي أيضاً احتمالاً بنسبة 15 في المائة «لسيناريو هبوط حاد، غالباً ما يرتبط بالركود العالمي؛ حيث يتقلص الناتج الاقتصادي العالمي للفرد».

- الاقتصادات النامية
في توقعاته للنمو الاقتصادي في الدول النامية، خفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو للهند وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لكنه توقع أن تنمو الأسواق الناشئة والنامية في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 3.9 في المائة خلال العام الحالي بدلاً من 3.2 في المائة كما كان متوقعاً سابقاً، بعد التوسع بنسبة 5.3 في المائة في عام 2022، قبل أن ترتفع بنسبة 3.5 في المائة في عام 2024.

- الاقتصاد الأميركي
وأصدر صندوق النقد الدولي توقعات متواضعة لاقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا، التي أثبتت أنها أكثر مرونة مما كان متوقعاً حتى مع أسعار الفائدة الأعلى بكثير وصدمة الغزو الروسي لأوكرانيا.
يتوقع الصندوق الآن أن تنمو الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 1.6 في المائة هذا العام، انخفاضا من 2.1 في المائة في عام 2022، ولكن ارتفاعاً من 1.4 في المائة الذي توقعه صندوق النقد الدولي في يناير الماضي. وأشار الصندوق إلى دعم سوق العمل القوية في الولايات المتحدة للإنفاق الاستهلاكي الثابت على الرغم من ارتفاع معدلات الاقتراض للمنازل والسيارات والمشتريات الرئيسية الأخرى.
من جانبها، أكدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في خطاب متفائل يوم الثلاثاء حول حالة الاقتصاد الأميركي والنظام المصرفي، أن الاقتصاد الأميركي لا يزال قويا، وقالت إن «الاقتصاد العالمي كان في وضع أفضل مما توقعه كثيرون في الخريف الماضي. هذه الصورة الأساسية لم تتغير إلى حد كبير. ومع ذلك، ما زلنا يقظين من مخاطر الهبوط».

- البلدان الأوروبية
بالنسبة للبلدان الأوروبية العشرين التي تشترك في عملة اليورو، توقع صندوق النقد الدولي نمواً ضعيفاً بنسبة 0.8 في المائة، في عام 2023 بما يمثل ارتفاعا طفيفا عن توقعات شهر يناير بنسبة 0.1 في المائة. على الرغم من أن أوروبا عانت من قطع الغاز الطبيعي الروسي في زمن الحرب، فإن الطقس الحار بشكل مفاجئ قلل من الطلب على الطاقة. وكانت دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، أكثر ذكاء مما كان متوقعا في توصيل الغاز الطبيعي إلى أوروبا محل روسيا.
من المقرر أن ينكمش اقتصاد ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، بنسبة 0.1 في المائة هذا العام؛ حيث يستمر التضخم المرتفع في التأثير على الاستهلاك. وكان الصندوق قد توقع العام الماضي أن يحقق الاقتصاد الألماني نموا بنحو 1.8 في المائة، فيما بقيت فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، دون تغيير، مع توقعات نموها عند 0.7 في المائة في عام 2023، بعد نمو بنسبة 2.6 في المائة في عام 2022.

- سادس أكبر اقتصاد
أما المملكة المتحدة التي تراجعت درجة لتصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بسبب الأزمة الاقتصادية العام الماضي التي دفعت الجنيه إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأميركي، من المتوقع أن تنكمش بنسبة 0.3 في المائة في عام 2023، بدلاً من التقدير السابق من انكماش بنسبة 0.6 في المائة.
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد البريطاني قد نما بنسبة 4 في المائة في عام 2022، لكن قفز التضخم في المملكة المتحدة بشكل غير متوقع في فبراير (شباط) إلى 10.4 في المائة مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة والتأثير على النمو.

- الاقتصاد الصيني
وتوقع الصندوق أن تحقق الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، نموا بنسبة 5.2 في المائة هذا العام، دون تغيير عن توقعات صندوق النقد الدولي لشهر يناير الماضي. وقال الخبراء إن الصين تتعافي من نهاية سياسة صارمة لمكافحة فيروس كورونا المستجد، التي أبقت الناس في منازلهم وأعاقت النشاط الاقتصادي.
من المتوقع أن يكون نمو اقتصاد اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 1.3 في المائة في عام 2023، مقارنة بالتقدير السابق البالغ 1.8 في المائة، بعد النمو بنحو 1.1 في المائة في عام 2022. من المتوقع أن تتفوق الهند، التي تفوقت على المملكة المتحدة لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم في عام 2022، على اقتصادات العالم بتوسع بنسبة 5.9 في المائة في عام 2023، بعد نموها بنسبة 6.8 في المائة العام الماضي.

- توقع نمو الاقتصاد السعودي 3.1% لعامين
> وفي خضم تقديرات صندوق النقد الدولي، أعلن عن نمو توقعاته للاقتصاد السعودي خلال عام 2023، في إطار تعافي الاقتصاد العالمي التدريجي من أزمة الجائحة، وعودة الاقتصاد الصيني للتعافي بقوة، وهدوء الاضطرابات في سلاسل الإمداد واستقرار الاختلالات في أسواق الطاقة والغذاء الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية.
وكان الاقتصاد السعودي سجل رقما بارزا في معدلات النمو ليتصدر منظومة دول العشرين ودول العالم بمعدل يتخطى 8 في المائة عن أداء العام المنصرم 2022 سجل معها وفورات مالية عالية.
وتوقع خبراء صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد السعودية، أكبر اقتصاد في العالم العربي، بنسبة 3.1 في المائة هذا العام والعام المقبل، بدلاً من تقديرات بنسبة 2.6 في المائة كما كان متوقعاً سابقاً، بعد توسع بنسبة 8.7 في المائة في عام 2022.
وأشار خبراء الصندوق إلى أن المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، قد استفادت بشكل كبير من ارتفاع أسعار الخام العام الماضي.
وتوقع الخبراء أن تنخفض أسعار النفط بنحو 17.3 في المائة في عام 2023، بمتوسط سعر مفترض للبرميل، بناءً على أسواق العقود الآجلة، عند 73.13 دولار في عام 2023 و68.90 دولار في عام 2024، مقارنة بـ96.36 دولار في عام 2022، حسبما قال صندوق النقد الدولي.


مقالات ذات صلة

«السوق المالية» السعودية في مأمن من الأعطال التقنية العالمية

الاقتصاد مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)

«السوق المالية» السعودية في مأمن من الأعطال التقنية العالمية

أكدت هيئة السوق المالية السعودية سلامة الأنظمة التشغيلية من الأعطال التقنية التي تأثرت بها معظم الجهات حول العالم، وجاهزيتها لتقديم الخدمات لكل المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مسافرون في مطار «دالاس فورت وورث الدولي» في تكساس (أ.ب)

شركات الطيران تستأنف عملياتها بعد أكبر عطل تقني في التاريخ

يعود الوضع تدريجياً إلى طبيعته، السبت، عقب عطل تقني هو الأكبر في التاريخ، أدى إلى اضطرابات لدى شركات طيران عالمية ومصارف ومؤسسات مالية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا ألغت شركة «الخطوط الجوية التركية» 84 رحلة بسبب العطل التقني (الخطوط التركية)

الخطوط الجوية التركية تلغي 84 رحلة وتعوّض الركاب

ألغت شركة «الخطوط الجوية التركية» 84 رحلة بسبب العطل التقني في نظام «كراود سترايك» للأمن السيبراني نتيجة أعمال التحديث الفني.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)

تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

كشفت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان، إلى النيجر عن استمرار التركيز من جانب أنقرة على ترسيخ حضورها في أفريقيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص تراجع التضخم إلى 2.4 في المائة مع انخفاض الزيادات بتكلفة البقالة والزيادات الإجمالية بالأسعار لأكبر اقتصادين ألمانيا وفرنسا (رويترز) play-circle 00:49

خاص كيف أنهكت حربان اقتصاد العالم وغذاءه؟

أضافت الحرب الروسية الأوكرانية مزيداً من الأعباء على الاقتصاد العالمي المنهك منذ وباء كورونا، فيما أثرت حرب غزة سلباً على ميزانيات الدول والتجارة العالمية.

مالك القعقور (لندن)

تايلاند تستكشف التعاون مع السعودية في قطاعات الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وصناعة السيارات الكهربائية

وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
TT

تايلاند تستكشف التعاون مع السعودية في قطاعات الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وصناعة السيارات الكهربائية

وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)

 

 

شدّد ماريس سانجيامبونسا، وزير الخارجية التايلاندي، على أن العلاقات بين الرياض وبانكوك تتجاوز التعاون الثنائي إلى التعاون الإقليمي والدولي، مركّزاً على 3 مجالات للتعاون مع السعودية، تشمل: الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن البشري، لتوظيف الخبرات وتعزيز التكامل الاقتصادي، مع العمل على توأمة «رؤية المملكة 2030»، ومبادرة «أشعل تايلاند».

وأكّد سانجيامبونسا لـ«الشرق الأوسط»، أن الطاقة المتجدّدة والهيدروجين الأخضر، والمفاعلات المعيارية الصغيرة (SMRs)، فضلاً عن التعاون في صناعة السيارات، وخصوصاً الكهربائية (EV)، مجالاتُ تعاون محتملة «ينبغي لنا استكشافها بشكل أكبر».

وكشف عن اعتزام بلاده إقامة المعرض التايلاندي الدولي (2024THAILAND MEGA FAIR) بالرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لعرض فرص كبيرة حول الصناعات المبتكَرة، ومواد البناء، والضيافة، وتكنولوجيا الدفاع.

وقال سانجيامبونسا: «في مجال الأمن البشري يمكننا تعزيز التواصل، من خلال التعاون في مجالات الطب والتكنولوجيا الحيوية والصحة، فضلاً عن السياحة والسفر؛ لتعزيز مفهوم القوة الناعمة».

وعدّ سانجيامبونسا السياحة الطبية مجالاً رئيسياً للتعاون الثنائي الوثيق، في ظل ترحيب المستشفيات الخاصة في تايلاند بأعداد كبيرة من السياح الطبيين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك السعودية ودول الشرق الأوسط، مبيناً أن السعودية يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في الترويج لصناعة الصحة في المملكة، بالاستفادة من الخبرات التايلاندية القوية بالقطاع.

مباحثات ومبادرات

وقال سانجيامبونسا: «علاقاتنا تتجاوز التعاون الثنائي، يمكن للمملكة الاستفادة من وضع تايلاند بوصفها منشئ الجسور على الساحة العالمية. ومع تولّي تايلاند رئاسة حوار التعاون الآسيوي (ACD) عام 2025، فإننا على استعداد لربط حوار التعاون الآسيوي مع التجمعات الإقليمية الأخرى، مثل مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات (BIMSTEC)، التي من شأنها أن تغطي 4 مليارات شخص، وهو ما يمكن أن يشكّل تعاوناً مهماً يعود بالنفع على الجميع».

وشدّد على أن بلاده والمملكة تتمتعان بمؤهلات للعمل معاً، حيث يمكن للشركات التايلاندية الاستفادة من التعاون مع السعودية؛ المركز الاقتصادي في الشرق الأوسط، لتوسيع أسواقها إلى منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ووفق سانجيامبونسا، فإن المملكة تفكّر في استخدام تايلاند قاعدةً استثمارية لتوسيع أعمالها في منطقة آسيان، أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، والاستفادة من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. مشيراً إلى أهمية تشجيع مشاركة القطاع الخاص في هذا الصدد.

مستقبل التعاون الثنائي

أوضح سانجيامبونسا أن «سريثا تافيسين رئيس وزراء تايلاند، الذي قام بزيارة رسمية إلى السعودية مؤخراً، وجّه مجلس الاستثمار بفتح مكتب بالرياض في أقرب وقت ممكن، وهذا يعكس الأهمية التي تُولِيها الحكومة التايلاندية لتعزيز التعاون مع المملكة في المجالات كافة، وخصوصاً التجارة والاستثمار».

وأضاف: «أتطلّع إلى المشاركة في رئاسة الاجتماع الأول للجنة الفنية المتخصصة للاتصالات السلكية واللاسلكية في وقت لاحق من هذا العام، في بانكوك، مع الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية السعودي».

واللجنة الفنية تُوكَل إليها مهمة تشمل 5 ركائز للتعاون، تغطي جميع جوانب العلاقات الثنائية، وتركز في جانبها الاقتصادي على: السياحة والتجارة والاقتصاد والاستثمار.

فرص تجارية واستثمارية

ولفت الوزير التايلاندي إلى أنه زار مؤخراً السعودية، بدعوة من الأمين العام لمجلس الاستثمار التايلاندي بتايلاند (BOI)، ليترأس حفل افتتاح مكتب مجلس الاستثمار التايلاندي في الرياض، وهو المكتب الخارجي الـ17 لمجلس الاستثمار، الذي يُعدّ أول مكتب لاقتصاديات الاستثمار الخارجي في الشرق الأوسط، وسيغطي 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط.

وتابع سانجيامبونسا: «ترأّست حفل افتتاح (منتدى الاستثمار التايلاندي السعودي) الثاني، مع المهندس خالد الفالح وزير الاستثمار السعودي، وشهد المنتدى توقيع 11 مذكرة تفاهم بين الشركات التايلاندية والسعودية، وحضره مسؤولون تنفيذيون وممثّلون رفيعو المستوى من الوكالات الحكومية والمؤسسات المالية، والغرفة التجارية التايلاندية، واتحاد الصناعات التايلاندية، والشركات التايلاندية الخاصة، للحصول على توافقات تجارية مثمرة مع نظرائهم السعوديين».

وحول أهمية منتدى الاستثمار السعودي التايلاندي في نسخته الثانية، قال سانجيامبونسا: «المنتدى يُظهر الإرادة القوية لدى الجانبين لتعميق التعاون، خصوصاً فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار؛ إذ إن عدد ومستوى المشاركين الذين يمثّلون قطاعات الأعمال في البلدين منحَنا الثقة في جنْي نتائج مثمرة، وستظل في الأذهان، بوصفها خطوةً مهمة في تطوير التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين».

وبنى سانجيامبونسا نجاح المنتدى على النجاح الذي حقّقه معرض تايلاند الدولي الضخم العام الماضي، بقيادة غرفة التجارة التايلاندية، والذي شهد عرض أكثر من 30 قطاع أعمال تايلاندي، وأكثر من 1000 منتَج من 200 علامة تجارية، ما يمثّل إنجازاً كبيراً في الترويج لتايلاند بالسعودية.

وتابع: «تُظهر هذه الأحداث والمبادرات توفُّر فرص وإمكانات غير مستغَلة لبلدَينا، ويحتاج الجانبان إلى العمل معاً بشكل أكثر جدّية لتحقيق هذه الإمكانات، وضمان نتائج ملموسة، لذلك يُسعدنا أن نعلن عن اعتزامنا إقامة المعرض الدولي الضخم (2024THAILAND MEGA FAIR) بالرياض، في نوفمبر (تشرين الثاني)».

ووفق سانجيامبونسا، سيركّز المعرض على تعزيز التجارة في مجموعة من القطاعات ذات الإمكانات العالية، وسيعرض الصناعات المتنوعة والمبتكَرة في تايلاند، بدءاً من مواد البناء، والضيافة، إلى تكنولوجيا الدفاع.

آفاق أرحب

ووفق سانجيامبونسا، سيكون مجلس التنسيق السعودي التايلاندي، «قوة دافعة مهمة في دفع علاقاتنا إلى الأمام، عبر 5 ركائز، تشمل التعاون؛ من التجارة والاستثمار إلى التعاون السياسي والقنصلي، إلى التعاون الاجتماعي والثقافي والعسكري والأمني».

وعلى الصعيد الاقتصادي قال سانجيامبونسا: «في العام الماضي وحده بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 8.8 مليار دولار، ما يمثّل حوالي 22 في المائة من إجمالي تجارة تايلاند مع منطقة الشرق الأوسط».

وشدّد على أن هذه الأرقام المثيرة للإعجاب سيتم تعزيزها بشكل أكبر، من خلال مذكرة التفاهم الثنائية الأخيرة بين وزارة التجارة التايلاندية والهيئة العامة للتجارة الخارجية في المملكة، بالإضافة إلى «التزامنا تجاه استكشاف إمكانية إبرام اتفاقية تجارة حرة إقليمية، واتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي».

وتابع سانجيامبونسا: «في زيارتي الأخيرة للرياض اقترحت تعزيز تعاون البلدين، من خلال التركيز على 3 مجالات رئيسية، والتكامل بين اقتصادَينا، وأوجه التوافق مع الرؤية السعودية 2030، وسياسات مبادرة (أشعل تايلاند)، وهي: الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن البشري».

وبالنسبة للأمن الغذائي قال سانجيامبونسا: «قمنا بالفعل بتحديد كثير من المبادرات الاستثمارية في مجال إنتاج وتصنيع الأغذية، بين الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني (سالك)، وعديد من الشركات التايلاندية ذات الصلة». وأضاف: «نستهدف البدء في تصدير الماشية الحية حيث تم منح الضوء الأخضر أخيراً من قِبل السلطات السعودية، ونعتقد أن هناك إمكانات قوية في مجال الزراعة والأغذية المصنّعة، خصوصاً عندما نأخذ في الاعتبار أن تايلاند تُعدّ بالفعل منتِجاً ومُصدّراً رئيسياً للأغذية الحلال».

استراتيجية تحفيز الاقتصاد التايلاندي

وعن حجم الاقتصاد التايلاندي، ومعدّل نموه المتوقّع خلال عام 2024، قال سانجيامبونسا: «تقع تايلاند في قلب رابطة دول جنوب شرقي آسيا (ASEAN)، حيث تأتي تايلاند ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا... وتمثّل بوابةً للاقتصادات الكبرى مثل الصين والهند».

وأضاف: «تعمل تايلاند بنشاط لتوسيع علاقاتها التجارية، من خلال 15 اتفاقية تجارة حرة مع 19 دولة، والعديد منها قيد التنفيذ... وبفضل موقعها الاستراتيجي تُعدّ تايلاند بمثابة مركز للشركات متعدّدة الجنسيات، التي تسعى إلى إنشاء مقر إقليمي في منطقة آسيا».

وقال سانجيامبونسا: «وفقاً لرؤية (أشعل تايلاند)، يُولِي رئيس وزراء تايلاند الأولوية لجعل البلاد مركزاً لـ8 صناعات رئيسية، تشمل: الزراعة، والغذاء، والطب، والسياحة، والنقل المستقبلي، والاستثمار المالي، والاقتصاد الرقمي، والخدمات اللوجستية، والطيران. مشيراً إلى أن السياحة كانت، ولا تزال، المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في تايلاند.

وزاد: «في الآونة الأخيرة، ومن أجل تعزيز قطاع السياحة في البلاد، وافقت تايلاند على نظام الإعفاء من التأشيرة لمدة 60 يوماً، ما يسمح للمسافرين من 93 دولة، بما في ذلك السعودية، بزيارة تايلاند؛ للقيام بمهام عمل قصيرة الأجل، بالإضافة إلى السفر الترفيهي».