السلام في أفغانستان لا يزال بعيدًا

القيادة الجديدة في طالبان تصر على مواصلة القتال

السلام في أفغانستان لا يزال بعيدًا
TT

السلام في أفغانستان لا يزال بعيدًا

السلام في أفغانستان لا يزال بعيدًا

رحل زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر في أوضاع وظروف غامضة، لكن الحرب لم تنته، فبعد التأكد من وفاة الرجل قبل نحو سنتين ونصف السنة في مدينة كراتشي الباكستانية، وفقا للرواية الحكومية في أفغانستان (والتي قالت في بيان إن زعيم الجماعة توفي أو قتل في شهر أبريل/ نيسان، من عام 2013)، ودفنه في مكان مجهول، عولت حكومة الوحدة الوطنية في كابل على حدوث انشقاقات كبيرة في داخل الحركة بعد وفاة مؤسس الجماعة والتي من المقرر أن تؤثر إيجابا على سير المعارك في هذا البلد، غير أن التفجيرات الدموية الأخيرة التي استهدفت العاصمة كابل وبعض مقارها الأمنية وراح ضحيتها المئات من المدنيين ووصفها الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي عاد فورا إلى البلاد من رحلة علاجية في ألمانيا بأنها هجمات غير مسبوقة وأنها لن تبقى بلا رد، أثبتت هذه الحوادث من جديد أن الطريق إلى تحقيق مصالحة شاملة ليس مفروشا بالورود، وأن عقبات كثيرة لا تزال على طريق تحقيق السلام والأمن في هذا البلد الذي يشهد حربا منذ أكثر من أربعين عاما.
سارعت حركة طالبان رغم وجود خلافات شديدة على تعيين خليفة زعيمها الروحي إلى التوحد حول قيادة جديدة على الأقل في المرحلة الراهنة، إلى أن يتبين نزاع حقيقي على القيادة لاحقا. كما أرادت القيادة الجديدة فرض نفسها عبر التصعيد في عمليات الحركة في مختلف المناطق الأفغانية لطمأنة مقاتلي الجماعة بأن قيادتها الجديدة مصرة على مواصلة درب مؤسس الحركة الذي كان يقول دائما إن الحرب ستستمر حتى إقامة النظام الإسلامي في كل ربوع البلاد وطرد المحتلين من الأراضي الأفغانية.. فمن هو الزعيم الجديد لحركة طالبان؟
لا تتوافر معلومات كثيرة عن الملا أختر منصور، زعيم حركة طالبان الجديد، ولكن يعتقد أن الرجل في الخمسينات من العمر، وكان قد التحق بعدد من المدارس الدينية «الديوبندية» في باكستان عقب انفصالها عن الهند خصوصا المدرسة الحقانية في مدينة بيشاور، وهي المدرسة نفسها التي تخرج فيها جميع قادة طالبان.
و«أمير المؤمنين الجديد»، الذي اختير من بين ثلاثة مرشحين هم الملا يعقوب نجل الملا عمر، والقائد العسكري الميداني في طالبان الملا ذاكر قيوم المعتقل السابق في سجن غوانتانامو ومدير العمليات العسكرية الحالية في أفغانستان، والملا منصور وهو من أوائل قادة الحركة منذ تأسيسها في قندهار عام 1994.
وبعد سيطرة الحركة على قندهار أصبح الملا أختر منصور مسؤولا عن قاعدة المدينة الجوية، ثم شغل منصب وزير الطيران المدني والنقل، كما عينته حركة طالبان حاكما لمدينة قندهار، حيث شغل هذا المنصب حتى مايو (أيار) 2007.
وتولى أختر منصور منصب نائب رئيس مجلس الشورى الأعلى لطالبان حتى منتصف عام 2009. وكان في الوقت نفسه عضوًا في مجلس قيادة الحركة لشورى كويتا، وقبل تعيينه نائبا للملا عمر في عام 2010 كان يتولي رئاسة الشؤون العسكرية في المجلس العسكري التابع للحركة.
وكان أختر مسؤولا عن أنشطة حركة طالبان في أربعة أقاليم في جنوب أفغانستان بشكل مباشر حتى عام 2010، قبل أن يتم تعيينه رئيسا لمجلس الشورى المدني للحركة في أوائل عام 2010.
وتقلد أختر أيضا منصب نائب الملا عبد الغني برادر، وهو أحد قادة طالبان الكبار ومعتقل حاليا في باكستان، في المجلس الأعلى لطالبان حتى عام 2009، ليصبح لاحقا مسؤولا عن المجلس الأعلى لطالبان بشكل مؤقت بعد اعتقال الملا برادر في فبراير (شباط) 2010.
ومن مواقف الملا منصور التي أثارت الاهتمام دعوته للحوار السلمي مع الحكومة الأفغانية، إلى جانب موقفه المناهض لتنظيم داعش، بعد إعلان الأخير قيام «دولة الخلافة الإسلامية». وتذكر مصادر إسلامية عدة أن أختر كان قد كتب بنفسه الخطاب الشهير الذي وجهته طالبان رسميا إلى تنظيم داعش، وزعيمه البغدادي، تحذره فيه من عواقب زرع مجموعة تابعة له في أفغانستان.
وكانت الرسالة تمزج بين التهديد والدبلوماسية، واشترطت على تنظيم داعش إذا رغب في وجود عناصر له في مناطق سيطرة طالبان أن يكون هؤلاء تحت قيادة طالبان طيلة فترة وجودهم في أفغانستان.
الجدير بالذكر أن أختر منصور امتدح في الخطاب نفسه تنظيم داعش، مشيرا إلى أن «الذين يثيرون الاضطرابات في قيادة المجاهدين ليسوا قادة التنظيم أنفسهم». وخاطب قادة تنظيم داعش بالقول «لكن نتيجة لابتعادكم عن مكان الأحداث فإن أولئك الأنانيين يسيئون استخدام اسمكم في تبرير مثل تلك التصرفات من جانبهم». كما طلب من تنظيم داعش العمل على تضييق الخناق على «أولئك الذين يناوئون سلطة طالبان في أفغانستان تحت راية» التنظيم، ونصح قادة التنظيم بـ«الإصرار على البقاء يقظين تماما في السيطرة» على أولئك التابعين لهم.
وذكرت أخبار في مواقع إسلامية أن أختر منصور كان على رأس وفد رفيع المستوى لطالبان مؤلف من 11 شخصا كان قد زار إيران مؤخرا لكن الحركة لم تؤكد ذلك رسميا. وتفيد تقارير بأن للملا أختر دورا كبيرا في المحادثات التي تجريها الحركة سواء مع الحكومة الأفغانية أو مع منظمات وقوى دولية أخرى.
وتقول الأمم المتحدة إن الملا أختر الذي كان قد اعتقل في باكستان «أعيد إلى أفغانستان في سبتمبر (أيلول) من عام 2006»، أي بعد خمس سنوات من سقوط حكم طالبان في أفغانستان. وتتهمه المنظمة الأممية بأنه ضالع في أنشطة الاتجار بالمخدرات، وكان ناشطا في ولايات خوست وبكتيا وبكتيكا في شرق أفغانستان حتى مايو من عام 2007.
وينظر إلى التعيين السريع للملا أختر منصور «المعتدل» خليفة للملا عمر على رأس حركة طالبان الأفغانية باعتباره انتصارا لباكستان «العرابة» التاريخية للحركة التي تشجعها على خوض مفاوضات السلام في المرحلة الحالية مع كابل، رغم خطر تقسيمها.
«انتصرت باكستان» وفق القادة الطالبانيين المعارضين لأختر منصور، وهم لا يزالون تحت الصدمة بعد التأكد من إعلان الحركة المتشددة وفاة زعيمها التاريخي الملا عمر، ومن ثم وعلى عجل تعيين خليفة له. وكان مجلس شورى كويتا الذي يدير شؤون طالبان قد عين أختر منصور أميرا جديدا لها.
كما تم تعيين مساعدين له هما «الملا هيبة الله أخوندزاده» الوجيه الديني المتنفذ و«سراج الدين حقاني» الزعيم الشهير لشبكة حقاني والمعروف بقربه من تنظيم القاعدة ومن باكستان.
وأكد عدد من قادة طالبان، في اتصال مع قنوات أفغانية محلية، أن الملا منصور ومساعديه يعتبرون «مقربين» لا بل «مقربين جدا» من باكستان
وتقبلت باكستان تعيين الملا أختر منصور دون اعتراض. وقالت إسلام آباد إنها ستعمل على استمرار مساعي الحوار بين طالبان وكابل.
ويقود سراج الدين حقاني شبكة تعتبر مقربة من باكستان إلى درجة أن الجيش الأميركي وصفها في 2011 بأنها «الذراع المسلحة لجهاز الاستخبارات الباكستاني» القوي. أما هيبة الله أخوندزاده فأوقفته القوات الباكستانية «للصدفة المحرجة» لفترة وجيزة قبل عشرة أيام في مخبئه في كويتا جنوب غربي باكستان.
وقال كادر من طالبان يتخذ موقفا متشددا من باكستان تعليقا على ذلك «نعتقد أن باكستان واستباقا منها لخلافة الملا عمر، أوقفته لإعطائه توجيهات حول الوضع لاحقا». والوضع اللاحق هو مفاوضات السلام المنتظرة منذ فترة طويلة بين طالبان وكابل بعد نزاع مستمر منذ 14 سنة. وشهدت هذه المفاوضات تقدما بداية يوليو (تموز) مع أول اتصال رسمي مباشر بين الجانبين في مدينة مري قرب إسلام آباد في باكستان، بحضور ممثلين عن الصين والولايات المتحدة.
هل باكستان صادقة في مساعيها لإحلال السلام في أفغانستان الجارة؟
دعمت باكستان ولفترة طويلة في السر الحروب التي خاضتها طالبان في أفغانستان حتى بعد تحالفها مع الولايات المتحدة بعد 2001، في سياسة مزدوجة أقر بها رئيسها السابق برويز مشرف السنة الماضية. لكن المعطيات الجغرافية السياسية في المنطقة تغيرت خلال الأشهر الماضية، وازدادت الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة التي تستعد لسحب آخر قواتها من أفغانستان في 2016، والصين المستعدة لاستثمار مليارات الدولارات في أفغانستان وباكستان مع فتح منفذ على بحر العرب. فواشنطن وبكين تريدان دفع إسلام آباد لجلب طالبان إلى طاولة الحوار.
وفي أفغانستان، أسهم في ذلك انتخاب الرئيس أشرف غني، المستعد لقبول مساعدة باكستان للتفاوض مع طالبان، والقلق الدولي من تقدم طالبان وظهور فصائل محلية لتنظيم داعش، وبالتالي فليس أمام إسلام آباد خيارات أخرى سوى بذلها كل الجهود لإقناع طالبان وقيادتها الجديدة بقبول الحوار لتحقيق السلام.
وتدعم هذه المعطيات الاعتقاد بأن باكستان قامت بترتيب كل شيء، وهذا الأمر لا يروق لبعض قادة طالبان المعارضين للملا أختر منصور. ويقول سيد طيب أغا، وهو رئيس مكتب طالبان السياسي في قطر، والذي استقال من منصبه فور وفاة مؤسس الجماعة: «لقد كتمت القيادة نبأ وفاة زعيمنا منذ سنتين، وقامت بنشر بيانات باسمه. بعضنا يشعر بأنه خدع وهذا يعزز الشكوك بأن باكستان تتلاعب بالحركة».
لكن هل يعني هذا أن الحركة مهددة بالانقسام؟ الأمر غير مطروح في الوقت الحالي، كما يقول أحد المسؤولين في طالبان مبديا أسفه لدور باكستان النافذ. ويضيف «الولايات المتحدة والصين وحتى السعودية، أحد حلفائنا التاريخيين، تؤيد عملية السلام التي أطلقتها باكستان. حتى الطالبان المعارضون لهذه العملية سينتهون بقبولها، لأنهم لا يريدون أن يجدوا أنفسهم في عزلة تامة».
ومنذ وفاة الملا عمر بدأت تعلو أصوات داخل طالبان ضد عملية الخلافة التي اعتبرت متسرعة ومنحازة وغير متماشية مع العرف المتبع. ولا شك أن تنظيم داعش خصم طالبان الجديد سيسعى إلى استغلال حالة عدم الرضا مع بدء انتشاره في المنطقة، وسيكون هو المستفيد الأول من حدوث أي انشقاقات جديدة للحركة. رغم ذلك فإن التفجيرات الأخيرة وحالة الغضب التي يعيشها سكان كابل تعيد الوضع إلى المربع الأول من فقدان الثقة بين الحكومة وطالبان من جهة، وكذلك الاستياء الشديد لدى الأفغان من فشل حكومتهم في القضاء على جيوب الإرهابيين. كما أن القوات الأفغانية التي تسلمت المهام الأمنية من القوات الدولية تواجه تحديات كبيرة، فهي تعاني من ضعف التسليح والتدريب، كما تواجه هروبا جماعيا لعناصرها من الخدمة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».