الخفض الطوعي النفطي توجه تأكيدي لاستقلالية قرار المنتجين

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: «أوبك بلس» تمتلك أدوات المبادرة الاستباقية لحفظ توازن الأسواق

التخفيض النفطي الطوعي يدعم استقرار الأسواق (رويترز)
التخفيض النفطي الطوعي يدعم استقرار الأسواق (رويترز)
TT

الخفض الطوعي النفطي توجه تأكيدي لاستقلالية قرار المنتجين

التخفيض النفطي الطوعي يدعم استقرار الأسواق (رويترز)
التخفيض النفطي الطوعي يدعم استقرار الأسواق (رويترز)

بينما رمى قرار 9 دول تنتمي لمنظمة «أوبك» ومنظومة «أوبك بلس»، بقرار خفض إنتاج الطاقة طوعياً، الأخير، سوق الطاقة العالمية بحجر، لاستكشاف معززات استقرار الأسعار، وطمأنة المنتجين والمستهلكين، على حدّ السواء، يرى اقتصاديون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن توجهات الخفض الأخيرة الطوعية للإنتاج النفطي بقيادة السعودية ومنتجين آخرين كبار داخل منظومة «أوبك بلس» ستعالج آثار الظروف الجيوسايسية والجيواقتصادية التي أفرزتها جملة من المستجدات، من بينها الحروب والنزاعات، ومتغيرات اللعبة السياسية، في خطوة استباقية احترازية تعزز أدوات استقرار الأسواق.

- مبادرة ضرورية
وأكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز «الخليج للأبحاث»، أن خفض إنتاج الطاقة الأخير يعد «إجراءً احترازياً» سيعيد الاستقرار لسعر البرميل، الذي شهد تقلبات عديدة في الأسابيع القليلة الماضية (أقل من 80 دولاراً)، التي غذّتها بوادر أزمة البنوك في الولايات المتحدة، حيث بدت وكأنها تأخذ منحى تصاعدياً بعد الإعلان عن إفلاس بنك «سيليكون فالي» ثم بنك «سيجنتشر» على التوالي، أعقبتهما أزمة بنك «كريدي سويس» السويسري.
وذهب بن صقر إلى أن فجائية القرار كان مرّدها لغياب أي بوادر توحي بصدور تخفيض بهذا الحجم في هذا التوقيت رغم تراجع الأسعار، بالنظر لتصاعد الضغوط الأميركية الراغبة في زيادة الإنتاج، وزيادة الاستهلاك المحتمل للاقتصاد الصيني، أكبر مستهلك للنفط في العالم، بعد رفع القيود المرتبطة بجائحة «كوفيد - 19».
ولفت بن صقر إلى أن التزام 9 دول بهذا القرار، الذي لطالما كان يُتخذ من طرف عضوين أو ثلاثة، يعكس حالة التوافق والتعاون المشترك داخل «أوبك بلس» على ضرورة ضبط معادلة العرض والطلب في أسواق الخام، فضلاً على مستويات التخزين، بما يحفظ مصالحها وينعكس إيجابياً في استقرار الأسواق العالمية.

- استراتيجية القرار
سياسياً، فإن اتخاذ قرار التخفيض الطوعي في ظل المعطيات الدولية الراهنة، وفق بن صقر، يوحي بقدرة كبار منتجي النفط داخل تحالف «أوبك بلس» على التحرّر من الضغوط الغربية - الأميركية، بما يعزز من الاستقلالية في صناعة القرار بالشكل الذي تُراعى فيها مصالحهم أولاً، رغم ما خلفه التخفيض السابق من موجة غضب أميركي.
أما اقتصادياً، وفق بن صقر، فإن القرار يحمل في طياته مؤشراً على زيادة قدرة تحالف «أوبك بلس» على مراقبة أداء أسواق الطاقة بفاعلية وصرامة، على النحو الذي يدعم استقرار الأسعار، حيث من المنتظر أن يستقر سعر البرميل - على حد تقديره - في مستوى 100 دولار للبرميل بعد القرار الاحترازي، ويُوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين.
ووفق بن صقر، فإن القرار استراتيجياً، لا يمكن فصل تداعياته عن باقي الملفات الطاغية على الساحة الدولية، في مقدمتها الصراع في أوكرانيا، مبيناً أن القرار وانعكاساته على سوق الطاقة العالمية، ربما يعززان موقف روسيا في مواجهة الغرب الراغب لتجفيف منابع دخلها القومي عبر التقليل من عوائد الطاقة عصب الاقتصاد الروسي.

- مواجهة المتغيرات
إلى ذلك، قال فضل بن سعد البوعينين، عضو مجلس الشورى السعودي، «فاجأ الخفض الطوعي الإضافي لإنتاج النفط الأسواق، خصوصاً في التنسيق الأمثل بين مجموعة دول (أوبك بلس) التي ما زالت تملك أدوات المبادرة لحفظ توازن الأسواق ومواجهة متغيرات الطلب بقرارات جماعية معززة لاستقرار أسواق النفط».
ووفق البوعينين، فإن الدول المعلنة عن الخفض الطوعي بما يقرب من 1.6 مليون برميل يومياً، تهدف إلى تحقيق الاستقرار في أسواق النفط، خصوصاً مع وجود تحديات تؤثر سلباً على حجم الطلب العالمي، إضافة إلى الضبابية التي تحيط بالاقتصاد العالمي، لا سيما ما يتسبب به البنك الفيدرالي الأميركي من ضغوط على الأسواق، لأسباب مرتبطة برفع أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية، ما انعكس سلباً على الأسواق.

- مسؤولية الاستقرار
ويرى البوعينين، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن ما قامت به دول مجموعة «أوبك بلس» وبعض الدول المنتجة من خارجها هو إجراء احترازي موجه لحفظ استقرار أسواق النفط، التي عانت من تذبذبات في الفترة الماضية، متوقعاً استمرارها إذا لم تتدخل دول «أوبك» بإجراءات احترازية، تحدّ من التذبذبات، وهو برأيه ما حمل الدول المنتجة لاتخاذ قرار الخفض الطوعي.
ويعتقد البوعينين أن اللجوء إلى الخفض الطوعي الشامل ربما خفف الضغط على مجموعة «أوبك بلس»، وجعل الدول المنتجة تتحمل مسؤولية قراراتها بشكل منفرد، مستطرداً: «ربما ذلك يحدّ من التأويلات غير المحمودة حول إجماع الدول المنتجة على قرارات المنظمة، ويحد أيضاً من انتقادها».

- رؤية متوازنة
الأكيد وفق البوعينين، فإن للسعودية دوراً مهماً في مثل هذا الخفض الطوعي، مبيناً أن قيادة المملكة للمنظمة وفق رؤية وسياسة نفطية متوازنة محققة لمصالح المنتجين وغير مضرة بمصالح المستهلكين، تجعلها أكثر قدرة على توحيد قرارات الإنتاج وتوجيهه للمصلحة العامة ومصلحة الاقتصاد العالمي.
وذكر عضو «الشورى السعودي» أن من مهام «أوبك بلس»، تحقيق الموازنة بين العرض والطلب، بما يحقق استقرار الأسواق ويحمي الدول المنتجة من المتغيرات الحادة، كما أنه يحمي في الوقت ذاته الصناعة النفطية، وبالتالي الاقتصاد العالمي، ما يعني بالضرورة النظر لقرار الخفض الجماعي على أنه موجه لاستقرار الأسواق وحمايتها من المتغيرات المؤثرة في الطلب العالمي.
وشدد البوعينين على أن الخفض الطوعي يعني تحمل جميع دول مجموعة «أوبك بلس» حصة من مجمل الخفض، بخلاف بعض قرارات الخفض الطوعية السابقة التي اقتصرت على عدد محدود من الدول المنتجة، في مقدمتها السعودية.
وأكد على أن إعلان روسيا تمديدها قرار الخفض الطوعي السابق بعد إعلان الدول الأخرى قرار الخفض، يجعل مجموعة «أوبك بلس» في منأى عن تلقي الاتهام بتسييس ملف النفط أو محاولة دعم روسيا في نزاعها الحالي.
مبيناً أن الأمر في غاية الأهمية، لأن «أوبك بلس» تتخذ قراراتها، وفق رؤية اقتصادية صرفة، مرتبطة ببيانات الطلب وتوقعاته المستقبلية.


مقالات ذات صلة

مصادر: «أوبك بلس» تعقد اجتماع «سياسة إنتاج النفط» في أوائل ديسمبر

الاقتصاد نموذج لحفار نفط وفي الخلفية شعار «أوبك»... (رويترز)

مصادر: «أوبك بلس» تعقد اجتماع «سياسة إنتاج النفط» في أوائل ديسمبر

قال مصدران في «أوبك بلس» إن التحالف سيعقد اجتماعه بشأن السياسة النفطية المقرر أوائل ديسمبر (كانون الأول) عبر الإنترنت؛ ويُنتظر تأجيل جديد لخطط زيادة الإنتاج.

الاقتصاد وزير الطاقة الكازاخستاني ألماسادام ساتكالييف يحضر اجتماعاً حكومياً في أستانا (رويترز)

كازاخستان تؤكد أهمية التزامات «أوبك بلس» لاستقرار السوق

تخطط كازاخستان لإنتاج 88.4 مليون طن من النفط في عام 2024 بدلاً من 90.3 مليون طن المعلن عنها سابقاً، حسبما قال وزير الطاقة ألماسادام ساتكالييف.

«الشرق الأوسط» (أستانا)
الاقتصاد وحدات تخزين في مزرعة خزانات النفط المركزية ميرو في قرية نيلاهوزيفيس في التشيك (رويترز)

النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية

حوَّمت أسعار النفط قرب أعلى مستوى في أسبوعين يوم الاثنين في أعقاب مكاسب بنسبة 6 % في الأسبوع الماضي

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

قال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ناقشا خلاله اتفاق «أوبك بلس» الخاص بإنتاج النفط.

«الشرق الأوسط» (بغداد) «الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)
الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)
TT

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)
الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

انطلقت أعمال النسخة الثالثة من «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه»، الاثنين، بحضور الأمير سعود بن مشعل، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، والمهندس عبد الرحمن الفضلي، وزير البيئة والمياه والزراعة، في المدينة الساحلية جدة (غرب السعودية)، بمشاركة أكثر من 480 خبيراً ومتحدثاً يمثلون نخبة من العلماء والمبتكرين يمثلون أكثر من 20 دولة في أنحاء العالم، حيث حقق 14 مبتكراً (فائزان في الجائزة الكبرى و12 فائزاً في جوائز الأثر) في 6 مسارات علمية جوائز النسخة الثانية من «جائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه».

الأمير سعود بن مشعل وم. عبد الرحمن الفضلي وم. عبد الله العبد الكريم في صورة جماعية مع الفائزين بالجوائز (إمارة منطقة مكة المكرمة)

وحصد الجائزة الكُبرى لي نوانغ سيم من جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة عن مشروعه «كشف قوة التناضح العكسي بالطرد»، وسو ميشام من شركة «NALA Membranes» الأميركية عن مشروعها «أغشية مركبة رقيقة من مادة البولي سلفون الجديدة لتحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف».

وشهد المؤتمر الإعلان عن 11 براءة اختراع عالمية جديدة تعزز الحلول المبتكرة لمعالجة التحديات في القطاع وذلك في كلمة للمهندس عبد الله العبد الكريم، رئيس الهيئة السعودية للمياه، خلال حفل الافتتاح، أكد خلالها أن الحدث يعكس التزام السعودية بتعزيز الابتكار العلمي والبحثي ركيزةً لتحقيق استدامة الموارد المائية وتأكيد مكانتها مرجعاً عالمياً في تطوير حلول مبتكرة لإدارة المياه وتحقيق الأمن المائي المستدام.

م. عبد الله العبد الكريم خلال إلقاء كلمته في حفل افتتاح مؤتمر الابتكار في استدامة المياه (الشرق الأوسط)

وتأتي مبادرة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، بإعلان تأسيس المنظمة العالمية للمياه لتحقيق الأمن المائي العالمي على رأس المبادرات التي تعزز أهداف الاستدامة وجودة الحياة والتعاون الدولي في هذا المجال، وفق العبد الكريم.

ودُشّن على هامش المؤتمر ولأول مرة، هاكاثون المياه «مياهثون»، الذي ينظمه مركز الابتكار السعودي لتقنيات المياه بالشراكة مع القطاعين الحكومي والخاص، ويهدف إلى تعزيز التنافسية الإبداعية عبر تطوير حلول عملية ومبتكرة للتحديات المائية.

وأعلن خلال الحفل عن الهوية الجديدة لجائزة الابتكار العالمية، لتكون انطلاقاً من الموسم المقبل باسم «الجائزة العالمية للابتكار في صناعة المياه»، بما يتماشى مع توسع أهداف الجائزة وتعزيز دورها في تطوير حلول مستدامة وإشراك العقول الشابة في الابتكار.

جانب من مشاركة الفرق في المرحلة الأخيرة من هاكاثون المياه «مياهثون» خلال انطلاقة أعمال المؤتمر (الشرق الأوسط)

من جهته، أوضح سلطان الراجحي، المدير التنفيذي للتواصل والتسويق في الهيئة السعودية للمياه، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تعديل اسم الجائزة العالمية للابتكار من «تحلية المياه» إلى «صناعة المياه» بنسختها القادمة لتكون أشمل وأوسع، مشيراً إلى أن هاكاثون المياه الذي سمي «مياهثون» تنافس خلاله 50 فريقاً مثّل الشباب السعودي أكثر من 60 في المائة من الفرق مقابل 40 في المائة لفرق من مختلف دول العالم.

وأكد أن تواجد الحضور الكبير من مختلف دول العالم في المؤتمر يؤكد المكانة الرائدة للسعودية بصفتها مركزاً رئيساً للابتكار والإبداع في صناعة المياه، التي بدأت من جدة بـ«الكندسة»، وأن الحدث سيشهد مناقشة الباحثين والمبتكرين عدداً من المجالات في القطاع، منها الإنتاج والنقل والتوزيع وإعادة الاستخدام، للخروج بتوصيات تساهم بشكل كبير في استدامة الموارد المالية وتعزيز الابتكار فيها.

من جانبه، قال فؤاد كميت، بإدارة المركز الابتكاري لتقنيات المياه، إن هاكاثون المياه «مياهثون»، يتيح للمبتكرين ورواد الأعمال في 5 مجالات رئيسة لتطوير حلول عملية ومبتكرة للتحديات المائية، لافتاً إلى تأهل 15 فريقاً إلى المرحلة النهائية بعد منافسة مع أكثر من 500 شخص شاركوا في المرحلة التمهيدية.

السعودية غدير البلوي عبّرت عن اعتزازها بالجائزة العالمية للابتكار في تحلية المياه (الشرق الأوسط)

وبيّن أن المرحلة الأخيرة تمتد طوال أيام المؤتمر الثلاثة، وستعكف الفرق المتأهلة على تحويل أفكارهم نماذج عمل أولية تؤسس لشركاتهم الناشئة.

الأميركية سو ميشام الفائزة بإحدى الجوائز الكبرى (الشرق الأوسط)

في المقابل، أفادت غدير البلوي، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء في جامعة تبوك وإحدى الفائزات بالجائزة العالمية، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن ابتكارها يتمثل في استخدام النانو «متيريل» في محطات معالجة المياه في السعودية.