لم تستطع المخرجة المصرية إنعام محمد علي، متابعة مسلسلات رمضان على النصف الأول من شهر رمضان الحالي، بسبب طول مدة الإعلانات التي تقطع تسلسل المشاهدة، ما أصابها بالضيق والملل، وجعلها تلجأ لضبط جهاز التلفزيون ليستقبل البث الإلكتروني، فتعاود مشاهدتها عبر المنصات بعيداً عما وصفته بـ«سطوة الإعلانات» على الدراما في القنوات التلفزيونية، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «الإعلانات تجاوزت كل الحدود، وتحولت الدراما لفواصل للإعلانات، وليس العكس، لتقضي على شغف المتابعة لدى أي من يقوده حظه العاثر للجلوس أمام جهاز التلفزيون».
ويشهد الموسم الرمضاني هذا العام «توحش» الإعلانات التلفزيونية التي باتت تلتهم المشاهد الدرامية، وقد تبارت في جذب النجوم، ومن بينهم عمرو دياب، وأحمد عز، وياسمين صبري، ومحمد منير، الذي يشارك بصوته في أربعة إعلانات، ويظهر محمود العسيلي مع الممثلة اللبنانية رزان جمال في إعلان آخر، ولفت إعلان الفنانة شيرين رضا الأنظار بعدما تواصل على مدى أيام بشكل غامض، ليكشف بعدها عن طبيعة الإعلان، كما شارك بإعلانات هذا العام كل من حسين فهمي، دنيا سمير غانم، روبي، خالد النبوي، وقد جمعت الإعلانات بين الغناء والاستعراض والتمثيل، واستحوذت شركات الاتصالات والعقارات على أكبر النجوم في إعلاناتها.
روبي في أحد الإعلانات (فيسبوك)
وتروي الدكتور سامية حبيب وكيل معهد النقد الفني أنها تعرضت لأزمة مماثلة لأزمة إنعام، لأنها من محبي مشاهدة الأعمال الدرامية على شاشة التلفزيون، لذا لجأت هذه الأيام إلى المنصات للهرب من مطاردة الإعلانات، وتضيف قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «أرى أنه قطع جائر للعمل الدرامي، واعتداء صارخ عليه، ويلغي الجهد الفني الذي يبذله صناع المسلسلات، وأن هذه قضية تطرح بلا حل، وأذكر أن الفنانة الكبيرة فاتن حمامة طالبت بعدم عرض إعلانات في آخر مسلسلاتها (وجه القمر)، لكن لا حياة لمن تنادي».
وتطالب حبيب بالاكتفاء بوضع المادة الإعلانية في بداية العمل أو نهايته احتراماً للمتفرج؛ لأن قطع العمل الدرامي بعد كل مشهد يسبب حالة تشويش للمتلقي، وحالة إرغام له لمتابعة الإعلان، كما ينطوي على عدم احترام له، وفي ظل طول الفترة الزمنية لأغلب الإعلانات مثل إعلان كريم عبد العزيز لصالح إحدى الشركات العقارية، والإلحاح المتكرر لعرض الإعلانات يترتب عليه رد فعل عكسي تجاه الإعلان، فيترك الجمهور المشاهدة، ما لا يحقق هدف المعلن، ولا هدف العمل الدرامي في الوقت نفسه، وبعضها إعلانات تستفز المشاهد مثل الملايين التي تدفعها شركات الاتصالات لجذب مشتركين جدد بدلاً من أن تنفقها في تحسين الخدمة لمشتركيها»، على حد تعبيرها.
وتحذر حبيب من أن تكرار هذه السياسة الإعلانية سيلغي وجود التلفزيون، بعدما استحوذت المنصات على الجمهور هرباً من الإعلانات، رغم أهمية جهاز التلفزيون ودوره المهم على كافة المستويات السياسية والاجتماعية.
ياسمين صبري في أحد الإعلانات (فيسبوك)
وأكد الدكتور حسن عماد مكاوي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «دول العالم توجد بها ضوابط معروفة ومقننة لوضع الإعلانات في البرامج والمسلسلات، والقاعدة الأساسية تحدد ست دقائق إعلانية لكل ساعة برامجية، من خلال فقرة واحدة في منتصف العمل أو فقرتين في البداية والنهاية، ويحدث ذلك في وقفات معينة يختارها المخرج والمؤلف حتى لا تقطع سياق المتابعة، لكن الأمر لدينا لا يخضع لأي ضوابط، ولا يؤخذ برأي صناع العمل، ولا برأي المشاهد بالطبع»، حسبما يقول.
ويرى مكاوي أن «التأثير السلبي الذي يتركه قطع التسلسل الدرامي بسبب الإعلانات يجعل من الأعمال الدرامية سلعة تباع وتشترى، ما يلغي دورها في التوجيه والتثقيف الذي تقدمه»، مؤكداً أن «استمرار هذا النهج سيؤدي إلى سيطرة المنصات، التي بدأ بعضها يطرح إعلانات بالفعل وفق شرائح مختلفة للاشتراكات بها، وبعد سنوات سوف تستحوذ تماماً على تورتة الإعلانات من التلفزيون، ما يفقده مصدراً مهماً يعتمد عليه في تمويل البرامج والأعمال الدرامية، منوهاً بأنه من الضروري أن تتصدى الجهات المعنية لذلك، وتتدخل لوضع ضوابط لهذه التجاوزات».