قناة السويس الجديدة في الإعلام.. المياه تكذب الغطاس

إجراءات لمواجهة مروجي الشائعات وسط مخاوف على حرية النشر

الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)
الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)
TT

قناة السويس الجديدة في الإعلام.. المياه تكذب الغطاس

الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)
الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة له مع ضيوفه داخل المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس (الرئاسة المصرية)

يدقق المعد التلفزيوني المصري، خالد حسنين، في الأخبار التي تتدفق من الإنترنت قبل التعامل معها للتأكد من مصداقيتها. وبالنسبة لكثير من الإعلاميين والمعدين الآخرين أصبحت مسألة التحري عن الأحداث تزداد صعوبة في بلد غارق في «الشائعات الإلكترونية»، وهو يحارب عدة تنظيمات متطرفة في عموم البلاد، خاصة في شبه جزيرة سيناء.
أبرز وآخر مثال على معضلة الشائعات تلك التي تخص قناة السويس الجديدة، كانت مع ظهور تقارير، يستند معظمها إلى مصادر مجهولة، تقلل من جدوى مشروع المجرى الملاحي. ويقف خلفها عادة خصوم النظام المصري. وما بين وسائل الإعلام التي تتحدث عن مزايا المشروع القومي الكبير، والأخرى التي تصفه بـ«الطشت (حوض غسل الملابس)» أو «الترعة (مجرى نهري صغير)»، انتظر الرأي العام ليرى بنفسه الحقيقة على أرض الواقع، ولسان حاله يقول إن المياه تكذّب الغطاس.
وبينما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يلقي كلمة الافتتاح للمشروع الذي تكلف نحو ثمانية مليارات دولار، مرت من خلفه، في المجرى الملاحي، سفن عملاقة في أول عبور لها في قناة السويس الجديدة. كانت لحظة فارقة أظهرت إلى حد كبير مشكلة ترديد الشائعات التي انجرفت فيها كثير من الصحف والمواقع الإخبارية ليس بشأن قناة السويس الجديدة فقط، ولكن في قضية أخرى لا تقل خطورة وهي قضية الإرهاب. وبدأت السلطات في اتخاذ إجراءات لمواجهة مروجي الشائعات وسط مخاوف على حرية الصحافة.
يقول حسنين الذي يُعدُ برامج حوارية وسياسية في قناة للتلفزيون الرسمي، وهي «قناة النيل للأخبار»، إن أصول الإعلام معروفة، وهي تحري الدقة.. «خاصة في الأخبار التي تتعلق بالأمن القومي والقوات المسلحة، ويمكن أن تؤثر على استقرار المؤسسة العسكرية». وهو لا ينسى الحدث الذي أربك ملايين المصريين والعرب وحتى الأجانب، وذلك حين سارعت وسائل الإعلام في تصوير وقائع بدا منها أن الإرهابيين استولوا على سيناء قبل نحو شهر من الآن.
فجأة، ومع ساعات الصباح الأولى، امتلأت صفحات الوكالات والمواقع الإخبارية، المفترض أنها رصينة، بأنباء عن قتل «داعش» سبعين من أفراد الجيش المصري، واحتلال التنظيم المتطرف لمدينة الشيخ زويد في شبه جزيرة سيناء. ومع نهاية النهار ثبت لدى غالبية المتابعين أن هذه المعلومات لم تكن صحيحة، وسط حالة من الذهول والتعجب.
وتسعى الحكومة لاتخاذ إجراءات تحد من تدفق «الأخبار المضروبة» التي يصفها البعض بأنها أصبحت مثل «شبح يطارد وسائل الإعلام المصرية»، فحتى مشروع قناة السويس، الذي أطلقه السيسي في أغسطس (آب) 2014 وافتتحه قبل أيام، لم يسلم من التشكيك فيه، رغم وقوف ألوف العمال تحت الحر والشمس لشق قناة بطول عشرات الكيلومترات، من أجل تيسير حركة الملاحة في القناة والتأسيس لمشروعات كبرى في هذه المنطقة.
ومن بين الإجراءات الحكومية المزمعة تغليظ العقوبة على مروجي الشائعات التي تضر بالأمن القومي. إلا أن أوساطا إعلامية وسياسية أخذت تعرب عن مخاوفها على حرية الصحافة وحرية التعبير. لكن البعض يرى أن الجدية في العمل الإعلامي والتزام معايير المهنة، كفيلة بحل المشكلة بين السلطة التنفيذية والصحافة، وأن الرغبة في تحقيق السبق الصحافي لا ينبغي لها أن تضرب القواعد المتعارف عليها في العمل الإعلامي، كما يقول حسنين.
ويضيف أنه من المعتاد التعامل مع الأخبار التي تتعلق بنجوم الرياضة والفن والسياسة، وغيرها من الأخبار الأخرى، ومن المحتم، بطبيعة الحال، تحقيق سبق صحافي، لكن في القضايا التي تتعلق بالأمن القومي لا بد من الحرص قبل النشر. والمشكلة التي يعاني منها الإعلامي حسنين، مثل كثير من الإعلاميين الآخرين، تتعلق بتيار الشائعات والأخبار المنقوصة التي تبثها مواقع لا أول لها ولا آخر على الإنترنت.
ونقلت قنوات التلفزيون صورا من كاميرات محمولة على الطائرات وأخرى متحركة فوق مراكب وثالثة مثبتة على الأرض، مشاهد من زوايا مختلفة للمشروع أثناء افتتاحه بمشاركة المئات من ممثلي حكومات ووسائل إعلام من دول العالم. ومنذ الصباح الباكر كان من يراقب يضع يده على قلبه لكسب الرهان. وكما خسر أصحاب مواقع الشائعات المصداقية بسبب «الأخبار المضروبة» عن «داعش سيناء»، تكبدوا خسارة جديدة حين شاهد ملايين المصريين السفن العملاقة وهي تضرب المياه على جانبي القناة الجديدة. أو كما قال أحد الصحافيين مازحًا: هذه سفن ضخمة.. هذا ليس طشت. إنه مشروع كبير.
وحظي افتتاح القناة بتغطية إعلامية عربية ودولية واسعة. واستمرت وقائع بث الحفل على القنوات المحلية أكثر من خمس عشرة ساعة في يوم واحد. يقول سعيد عبد الله المعد في إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة، إن عملية بث وقائع افتتاح مشروع قناة السويس، يوم الخميس الماضي، ومشاهدة السفن وهي تعبر في المجرى الجديد، كان بمثابة رد عملي على كل من شكك في المشروع.. «في كل لحظة كنت أشاهد فيها وقائع الافتتاح، ونحن في الاستوديو، أتذكر حملة التشويه التي كان يروجها البعض ومنها قول أحد الدعاة الهاربين ومن المعادين للحكومة في تسجيل جرى نشره على «يوتيوب» وقنوات موالية لجماعة الإخوان المسلمين تبث من خارج البلاد، إن القناة مجرد «طشت» أو «ترعة».
تجول الرئيس السيسي في المجرى الملاحي، وتأمين السلطات للضيوف، كان ردا عمليا آخر على أن مصر ليست كما يصورها البعض. وسبق للرئيس القيام بخطوة مماثلة عقب أحداث الشيخ زويد بعدة أيام. فقد توجه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتفقد مسرح الأحداث. وفي مثل هذه الزيارات الخطرة يبقى وزير الدفاع، وهو الفريق أول صدقي صبحي، في مكان آخر لمتابعة تأمين زيارة الرئيس، تحسبا لوقوع أي طارئ، كما يقول مصدر أمني.
لكن ظهرت في نفس وسائل الإعلام تقارير تزعم وجود خلافات بين الرجلين، اعتمادا على «تكهنات». ويضيف أن عدة مواقع إعلامية على الإنترنت تعاملت، للأسف، مع هذه الشائعة باعتبارها حقيقة، مشيرًا إلى أن الصفحات والمواقع المحسوبة على المتطرفين روجت لهذا النبأ الوهمي. كما انتقل سريعا لصفحات المواقع الصحافية الكبيرة.
يقول أحد الإعلاميين ممن بثوا هذا الحدث كخبر إنه اضطر للإشارة إلى الموضوع على موقع صحيفته الإلكتروني، بعد أن انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وقام بنسبته إلى حسابات على «تويتر» و«فيسبوك». ويضيف أنه حاول الحصول على تعليق من الجهات الرسمية، لكن لم يتلق أي رد. وفي نهاية المطاف، وبحثا عن السبق الصحافي، كتب «تردد على مواقع التواصل كذا وكذا». وجرى حذف الخبر بعد أن تدخل رئيس التحرير. لم يكن من المناسب التعامل مع «كلام» و«تكهنات» لمجهولين في الفضاء الإلكتروني، في قضية تشكك في استقرار سلطة الحكم في دولة تخوض حربا على الإرهاب وتحاول أن تثبت للعالم أن كل شيء على ما يرام. ويضيف أن الحدث الخاص بالشيخ زويد وما كان فيه من ملابسات خطيرة، جعله يتعامل بحرص مع المصادر الإخبارية التي تقلل من أهمية مشروع في حجم المجرى الملاحي الجديد.
يقول مسؤول أمني يشرف في القاهرة على جهاز لمراقبة الإنترنت، إن المصادر الأساسية لكل ما جرى بثه من شائعات تقلل من أهمية مشروع قناة السويس الذي وضع فيه المصريون أكثر من ستين مليار جنيه من مدخراتهم، وعن حوادث الشيخ زويد الإرهابية في ذلك اليوم، كانت مصادر غير موجودة لا في القاهرة ولا في قناة السويس ولا في الشيخ زويد ولا في سيناء.
ويضيف: «مثلا، وفيما يتعلق بسيناء، وببساطة، كانت اتصالات الهواتف والإنترنت مقطوعة هناك بشكل كامل طيلة النهار. كنا نرى مواقع لوكالات وصحفًا كبرى تبث عن مصادر في المدينة وتقول إنه جرى الاتصال بها عبر الهاتف. كان هذا مثيرا للسخرية بالنسبة لنا. حتى الاتصال بالهواتف المربوطة بالأقمار الصناعية ليس متاحا بذلك الشكل الواسع في سيناء».
ولم تتوقف الشائعات لكن وقعها أصبح أقل من السابق. مثلا.. نشرت إحدى صفحات التواصل على «فيسبوك» أن «داعش يهدد باحتلال الساحل الشمالي خلال أسابيع». ومعروف أن هذه المنطقة الواقعة شمال غربي القاهرة على البحر المتوسط تعد مصيفا لملايين المصريين. وانتشر الخبر «الشائعة» في الصحف الكبرى سريعا وفي محطات تلفزيون أيضا. لكن الرد العملي جاء من الساحل الشمالي نفسه حين امتلأ بالمصطافين عقب عيد الفطر حتى وصل متوسط تأجير شقة مصيفية لليلة واحدة إلى نحو 500 دولار.
لكن مقاومة الشائعات ليست بالأمر الهين كما يقول خالد عبد البر المشرف على موقع إخباري متخصص في الشؤون النيابية. ففي بلدان يصعب فيها التواصل مع المسؤولين على مدار الساعة وتعاني من حالة تشبه التربص في مسألة تدفق المعلومات، يعتمد كثير من المراسلين والمحررين والمعدين على ما تحت أيديهم من بيانات غير مكتملة التفاصيل، أو على «أخبار تبثها صفحات وحسابات مجهولة وغامضة»، كما يقول.
ومن جانبه، يوضح المعد حسنين: «لو قلت إن الإرهابيين استطاعوا الاستيلاء على ثكنة عسكرية، فهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية للجنود الآخرين، فما بالك إذا كان الموضوع برمته لم يكن صحيحا. أو لم يكن على ذلك النحو المبالغ فيه. يوجد نوعان من الأخبار، كما يرى حسنين.. الأخبار التي يمكن أن يكون فيها مساحة من التكهنات، مثل تغطية الانتخابات البرلمانية والرئاسية وترجيحات من يمكن أن يفوز فيها، من خلال تقارير من المندوبين، حتى قبل أن يصدر بيان رسمي بنتيجة هذه الانتخابات.. وهناك نوع آخر يتعلق بالأمن القومي وهذا لا مجال فيه للتكهنات أو التأويل».
الرئيس السيسي، وخلال مشاركته في حفل حضره عدد من أسر شهداء الجيش والشرطة وقطاع من الشباب ومن أطياف المجتمع أيضا، تحدث عن مساع وإجراءات من أجل «تحصين الدولة والحفاظ على كيانها ومؤسساتها، والحيلولة دون نجاح المخططات التي تستهدف تثبيط عزيمة المواطنين وزعزعة أمن واستقرار البلاد». كما دعا الرئيس وسائل الإعلام إلى «الالتزام بالموضوعية وتحري الدقة في نقل ونشر المعلومات، حفاظًا على الروح المعنوية لأبناء الشعب ورجال القوات المسلحة والشرطة في مواجهة حروب الجيل الرابع التي تستغل وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة في شن حرب نفسية تستهدف تحطيم معنويات الشعوب وبث الإحباط في نفوس مواطنيها».
العقبة التي تواجه خطط ملاحقة الشائعات التي تنطلق من الإنترنت، تكمن في وجود إمكانية لإخفاء هوية المستخدم الإلكتروني، وبالتالي لا يخشى من العقاب أو من احتمال الوصول إليه إلا عبر إجراءات طويلة ومعقدة. كما أنه في كثير من الأحيان يكون موجودا في دولة أخرى. والأمر لا يتعلق بمصر فقط، كما يقول مسؤول أمني في القاهرة، ولكن هناك الكثير من الحكومات الأخرى، من الصين إلى أوروبا، تشكو من ظاهرة «الأخبار المكذوبة»، وبدأت كثير من الدول في البحث عن إجراءات لمواجهة هذه المشكلة، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تعتزم اعتماد سياسة تواجه بها «هذه الحرب الإعلامية».
وفي المقابل اعترض إعلاميون ونشطاء على مثل هذه التدابير الحكومية المزمعة. ويبدو أن العشرات من الأحزاب والمنظمات الحقوقية والشخصيات العامة رأت أنه يمكن الوصول لحل وسط، خاصة فيما يتعلق بالشائعات التي تهدد الأمن القومي وتشجع المتطرفين، فقامت بإصدار بيان يحمل عنوانا مزدوجا لإرضاء الطرفين، وهو «ضد الإرهاب.. وضد تقييد الحريات». وقع على البيان سبعة أحزاب و23 منظمة حقوقية و26 شخصية عامة.
لا يوجد تعمد لعرقلة العمل الإعلامي من جانب الحكومة كما يزعم البعض وسط الجدل الدائر هنا. الموضوع، في النهاية، يتعلق بمدى الالتزام بالمعايير المهنية. يقول حسنين: «مسألة تحري الحقيقة لا يقف ضدها أحد، لكن لا بد من مراعاة تحقيق المصالح العليا للدولة، خاصة ونحن في معركة مع الإرهاب». ويضيف أن «التواصل مع المصادر الرئيسية للخبر يؤدي إلى أمرين.. أولا تقوية الخبر نفسه بنسبته إلى مصادره، وثانيا الحصول على تفاصيل إضافية تخدم القارئ».



مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.