الاقتصاد الروسي يواجه صعوبات اعترف بها بوتين بعد عام من العقوبات

يرى مراقبون أن التحدي الحقيقي سيأتي في الأشهر المقبلة... وقد يخسر عقداً آخر من النمو

وزير الدفاع الروسي في زيارة لمصنع ذخيرة... في وقت تخصص روسيا حوالي ثلث الميزانية الفيدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الروسي في زيارة لمصنع ذخيرة... في وقت تخصص روسيا حوالي ثلث الميزانية الفيدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد الروسي يواجه صعوبات اعترف بها بوتين بعد عام من العقوبات

وزير الدفاع الروسي في زيارة لمصنع ذخيرة... في وقت تخصص روسيا حوالي ثلث الميزانية الفيدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الروسي في زيارة لمصنع ذخيرة... في وقت تخصص روسيا حوالي ثلث الميزانية الفيدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية (أ.ف.ب)

فرضت عواصم غربية عقوبات غير مسبوقة على موسكو بعدما قامت قواتها باجتياح أوكرانيا قبل أكثر من عام. وكثيرا ما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا تتصدى لتداعيات العقوبات التي تستهدف بشكل خاص صادرات النفط والغاز. وردد بوتين أن العقوبات الدولية غير مجدية، وتنعكس سلبا على الغربيين أكثر منها على بلاده، مشددا على «تعزيز السيادة الاقتصادية»، واستحداث «مزيد من الفرص» لروسيا. غير أنه بدل نبرته فجأة في نهاية مارس (آذار)، محذرا من العواقب «السلبية» للعقوبات «على المدى المتوسط»، في أول موقف من نوعه منذ شن الهجوم على أوكرانيا أواخر فبراير (شباط) 2022، وقال بوتين إن «العودة إلى مسار النمو يجب ألّا تجعلنا نتهاون»، مقرا بأنه لا تزال هناك «مشكلات» ينبغي «حلها». وقال: «علينا أن ندعم ونقوي المسارات الإيجابية في اقتصادنا وزيادة فاعليتها، وضمان سيادتنا في المجالات التكنولوجية والوظيفية والمالية». ودعا بوتين الحكومة إلى «التصرف بسرعة وتفادي أي بيروقراطية وأي تأخير لا ضرورة لهما».
هل تكون هذه التصريحات مؤشرا إلى تدهور الوضع الاقتصادي أم مجرد تحذير موجه إلى الشركات بعدما حضها في منتصف مارس على «عدم تفويت فرص النمو» الجديدة؟
ورأى أرنو دوبيان مدير المرصد الفرنسي الروسي في موسكو أن موقف بوتين «هو بكل بساطة واقعي». وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية «هي رسالة تعبئة موجهة إلى الشركات والوزارات المعنية: الوضع أفضل مما كان متوقعا لكن لا تتهاونوا، واصلوا البحث عن (حلول) بديلة».
وقالت ألكسندرا بروكوبنكو الباحثة التي كانت تعمل سابقا في البنك المركزي الروسي: «يقول لهم ما معناه: أنتم وأعمالكم في أمان في روسيا فقط تحت سلطتي، لا عودة إلى ما قبل فبراير 2022». ويواجه الاقتصاد الروسي مشكلات عدة حاليا، مع التراجع الشديد في صادرات الغاز، وتقلص القوة العاملة، والنقص في بعض سلاسل الإنتاج، وهبوط قيمة الروبل، وتوقف قطاع السياحة وغير ذلك. وأشار دوبيان إلى أن «القطاعات الأكثر تضررا جراء العقوبات مثل قطاع السيارات، هي تلك التي كانت الأكثر انفتاحا على الاستثمارات والتعاونات الدولية».
وفي آخر مثال على ذلك، أعلنت شركة «أفتوفاز» للسيارات توقف الإمدادات من بعض مزوديها الأجانب، ما سيجعل «من المستحيل... مواصلة إنتاج سيارات متكاملة اعتبارا من النصف الثاني من شهر مايو (أيار)». ولم يعد بوسع روسيا عمليا الحصول على التكنولوجيات الغربية، وهي مضطرة إلى التوجه نحو آسيا، ما يحتم مهل انتظار إضافية. ولفتت بروكوبنكو إلى أن الشركات المرتبطة بقطاع الصناعات العسكرية هي التي «تدبر أمرها بصورة أفضل»، مشيرة إلى قطاعات «البصريات والأدوية والمعدات المعدنية إلى ما هنالك».
وتقر الحكومة باختلال التوازن هذا، مؤكدة عزمها على تعزيز المبادلات مع الدول الآسيوية وفي طليعتها الصين والهند، للتعويض عن خسارة السوق الأوروبية. غير أن «الوضع يبقى صعبا» بحسب ما أوضح سيرغي تسيبلاكوف أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد العليا في موسكو لوكالة الصحافة الفرنسية، مشيرا إلى «البنى التحتية المالية» بين ضحايا العقوبات. وأعلن بنك «في تي بي»، ثاني أكبر مصرف روسي، الأربعاء عن خسائر تبلغ سبعة مليارات يورو في 2022 بسبب العقوبات، ولا سيما الاستبعاد من نظام الدفع الدولي «سويفت». ويرى كثير من المراقبين في ظل الوضع الراهن أن التحدي الحقيقي بوجه الاقتصاد الروسي سيأتي في الأشهر المقبلة.
وقالت بروكوبنكو لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليس هناك أي مؤشر إلى أن روسيا تحظى في 2023 بعائدات إضافية كما في العام الماضي من خلال عائدات النفط والغاز» التي حققت زيادة كبيرة في 2022 مع ارتفاع أسعار الطاقة.
وتفيد وكالة الطاقة الدولية بأن العائدات النفطية الروسية تدهورت بنسبة 42 في المائة في فبراير بوتيرة سنوية، كما أن إعادة توجيه سوق الغاز إلى منطقة آسيا تستغرق وقتا طويلا لأسباب لوجيستية.
إلا أن موسكو بحاجة ماسة إلى إبقاء عائداتها من المحروقات بمستوى مرتفع لمواصلة تمويل هجومها في أوكرانيا، في وقت تخصص نحو ثلث الميزانية الفيدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية، وفق الأرقام الرسمية. وحذر بوتين الثلاثاء من أن «العقوبات ستدوم طويلا». ورأت بروكوبنكو أن «الأمر يتطلب وقتا طويلا للتكيف وإيجاد شركاء جدد وإقامة علاقات جيدة»، معتبرة أن المستقبل «ضبابي».
من جهته، رأى دوبيان أن «العقوبات لا تخلو من الألم، لكن توازنات الاقتصاد الكلّي ليست في خطر في الوقت الحاضر»، مضيفا أن «بإمكان روسيا تمويل مجهودها الحربي لثلاث أو أربع سنوات إضافية... لكنها خسرت ما يوازي عقدا من التطور منذ 2014، والآن قد تخسر عقدا ثانيا».


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز)

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

«النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)
«النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)
TT

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

«النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)
«النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك مؤشرات على أنه ربما تتشكل ظاهرة «النينا» المناخية، ولكن بشكل ضعيف للغاية.

وأضافت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في جنيف، اليوم (الأربعاء)، إن فرص تطورها خلال الشهرين ونصف الشهر المقبلة تبلغ 55 في المائة. ويكون لظاهرة «النينا عادة تأثير تبريد على المناخ العالمي».

و«النينا»، وتعني بالإسبانية «الفتاة»، هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات. وهي عكس ظاهرة «النينو» التي تعني «الصبي» بالإسبانية، حيث ترتفع درجة حرارة المحيط الهادئ الاستوائي بشكل كبير.

وهذا يؤثر على الرياح والضغط الجوي وهطول الأمطار، وبالتالي الطقس في كثير من أجزاء العالم. وترفع ظاهرة «النينو» متوسط درجة الحرارة العالمية، في حين أن ظاهرة «النينا» تفعل العكس تماماً.

كانت ظاهرة «النينو» لا تزال قابلة للرصد في بداية هذا العام، لكن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقول إن الظروف المحايدة تسود منذ شهر مايو (أيار) تقريباً، ولا يزال هذا الحال مستمراً. ومن المؤكد بالفعل أن عام 2024 سيكون الأكثر سخونة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة.

وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن ظاهرة «النينا» لم تتطور بعد بسبب الرياح الغربية القوية غير المعتادة التي تهب بين شهري سبتمبر (أيلول) وأوائل نوفمبر (تشرين الثاني).