خلافات الجيش و«الدعم السريع» تؤجل توقيع الاتفاق السياسي السوداني

البرهان: نسعى لوضع الأطر المتينة لحفظ زخم الثورة

البرهان و{حميدتي} (أ.ف.ب)
البرهان و{حميدتي} (أ.ف.ب)
TT

خلافات الجيش و«الدعم السريع» تؤجل توقيع الاتفاق السياسي السوداني

البرهان و{حميدتي} (أ.ف.ب)
البرهان و{حميدتي} (أ.ف.ب)

أدى تعثر مباحثات إصلاح القطاع الأمني والعسكري بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» شبه المستقلة، بشأن ملفي القيادة والسيطرة، إلى تأجيل الاتفاق السياسي للمرة الثانية، بعد أن كان مقرراً توقيعه بالتزامن مع ذكرى الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق جعفر النميري، وتسبب التأجيل بحالة «إحباط» عامة، رفعت منسوب القلق على مستقبل البلاد.
ولم يقلل من حالتي الإحباط و«القلق» هاتين تجديد قائد الجيش التزامه بالعملية السياسية والعمل على إنهاء الخلافات بينه وبين نائبه، قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتطمينات التي أعلنتها القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية، فيما دعت لجان المقاومة إلى تظاهرات حاشدة بمناسبة ذكرى الانتفاضة، التي تتوافق مع ذكرى وصول المتظاهرين إلى ساحة القيادة العامة في 6 أبريل (نيسان) 2019، والاعتصام هناك، ما أدى لإطاحة حكم الرئيس السابق عمر البشير في الحادي عشر من الشهر ذاته.
وزاد من القلق مظاهر التحشيد العسكري ونشر قوات، بما في ذلك المدرعات، في عدد من شوارع العاصمة الخرطوم، وذيوع معلومات عن استجلاب عشرات الآلاف من الجنود التابعين لكل من الجيش من جهة، و«الدعم السريع» من جهة أخرى، ونشر مفارز تفتيش كثيفة في معظم الطرق الرئيسية.
وقال قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في نشرة صحافية بمناسبة ذكرى ثورة أبريل 1985 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق جعفر النميري، إن «بلادنا تتقدم على الطريق ذاتها التي رسمها الشهداء واستكمل سفره ثوار بلادي في عام 2019، باذلين أغلى ما عندهم، ساعين نحو التغيير الجذري لأنماط الحكم القمعية والاستبدادية وتأسيس عهد جديد قوامه الحرية والسلام والعدالة».
وتعهد البرهان مجدداً بالمضي قدماً في استكمال العملية السياسية بالسرعة المطلوبة، «بما يوصد الأبواب على كل محاولات الردة»، واعتبر أن التأجيل الذي طال مواعيد توقيع الاتفاق السياسي القصد منه «وضع الأطر المتينة التي تحافظ على زخم الثورة وعنفوانها»، مؤكداً أن «الأطراف تعمل الآن بجد لإكمال النقاش حول الموضوعات المتبقية».
وأجهضت الخلافات بين العسكريين توقيع الاتفاق النهائي، والجدول الزمني المتفق عليه مع المدنيين بشكل كامل. فبعد أن كان مقرراً توقيع الاتفاق مطلع الشهر الجاري، تأجل بسبب «انسحاب» الجيش في اللحظة الأخيرة، إلى السادس من الشهر ذاته، ولا يعرف متى سيتم التوقيع بعد التأجيل الثاني بسبب استمرار الخلافات بين الجيش وقوات «الدعم السريع» على القيادة والسيطرة.
من جهته، أعلن تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» تأجيل توقيع الاتفاق النهائي، ونسب التأجيل إلى تعثر مباحثات إصلاح القطاع الأمني والعسكري، الجارية داخل لجان فنية بين القوتين، التي ظلت منعقدة منذ مطلع الشهر الجاري، دون التوصل لحل لمشكلتي القيادة والسيطرة، ومن ثم أعلنت التأجيل لأجل غير محدد.
وكانت مصادر متطابقة أبلغت «الشرق الأوسط»، أول من أمس، أن اللجنة الفنية المشتركة المسؤولة عن مشاورات دمج «الدعم السريع» في الجيش، اقترحت تشكيل هيئة قيادة مشتركة من 6 قادة: 4 من الجيش و2 من «الدعم السريع». غير أن الطرفين لم يتفقا على رئاسة هذه الهيئة؛ إذ يرى الجيش أن القائد العام ينبغي أن يرأسها، بينما يطالب «الدعم السريع» بأن يرأسها رئيس الدولة المدني.
وقال المتحدث باسم «الحرية والتغيير» ياسر عرمان، في تغريدة على «تويتر»: «غداً لن نوقع على الاتفاق، ولن تتمكن الفلول من تدمير العملية السياسية»، مضيفاً أن «لجنة الصياغة، المكونة من مدنيين وعسكريين، أحكمت الوثيقة، وحلت قضية (المجلسين) التشريعي والسيادي، وتبقت للجان الفنية العسكرية نقطة واحدة في القيادة والسيطرة، وسيتم إطلاع الرأي العام على المجريات خلال ساعات».
وسادت حالة من التوتر العاصمة السودانية الخرطوم، خلال اليومين الماضيين، بانتشار كبير لقوات وآليات عسكرية، ووضع الأجهزة الأمنية كافة في حالة استعداد، بما في ذلك استنفار الشرطة لإعداد ونصب نقاط «ارتكاز وتفتيش» عديدة.
وذكرت مصادر، أن الجيش وضع قواته على أهبة الاستعداد القصوى وأوقف «إجازات أفراده»، وشاهد المارة نشر عربات مسلحة ومدرعات وعليها جنود بكامل عتادهم العسكري في عدد من المناطق، في حين أعادت قوات «الدعم السريع» هي الأخرى نشر نحو 60 ألف جندي من قواتها في الخرطوم.
ووقع العسكريون الحاكمون في 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتفاقية إطارية مع قوى مدنية وحزبية، على رأسها «ائتلاف الحرية والتغيير»، قضت بتسليم السلطة للمدنيين، بعد عقد خمس ورش عمل ناقشت مواضيع العدالة والعدالة الانتقالية، واتفاقية جوبا لسلام السودان، وتفكيك النظام السابق، وقضايا شرق السودان، إلى جانب ورشة «إصلاح قطاع الأمن والدفاع» التي فشلت الأطراف المشاركة فيها في التوصل لاتفاق بشأن قضايا دمج قوات «الدعم السريع» في الجيش وتكوين جيش موحد، ما أدى لعرقلة العملية السياسية برمتها.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تخفيف سجن معارضة تونسية بعد تردي صحتها

عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
TT

تخفيف سجن معارضة تونسية بعد تردي صحتها

عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)
عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعتقلة في السجن (الشرق الأوسط)

قضت محكمة تونسية، مساء أمس (الجمعة)، بتخفيف حكم قضائي استئنافي في حق المعارضة عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، من السجن سنتين إلى سنة و4 أشهر في قضية تتعلق بانتقادها لهيئة الانتخابات، بحسب ما أكد محاميها نافع العريبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». ومطلع أغسطس (آب) الماضي، أصدرت محكمة ابتدائية حكماً بالسجن لمدّة عامين بحقّ موسي لانتقادها أداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مطلع عام 2023.

وأصدرت المحكمة حُكمها بموجب «المرسوم 54»، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد عام 2022 لمكافحة «الأخبار الكاذبة»، والذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة ونقابة الصحافيين. وأوقفت موسي، النائبة السابقة البالغة 49 عاماً، في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أمام القصر الرئاسي في قرطاج. وأعلنت بعد ذلك ترشحها للانتخابات الرئاسية، لكن هيئة الانتخابات رفضت ملفها لعدم استكمال الوثائق وجمع تواقيع التزكيات اللازمة. وتواجه موسي تهماً خطيرة في قضايا أخرى، من بينها «الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة».

وجاء هذا القرار، بعد أن قال علي البجاوي، المحامي ورئيس هيئة الدفاع عن رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن وضعها الصحي في السجن «متدهور ولا يبشر بخير»، وذلك بعد أن قام بزيارتها في السجن الخميس، مشيراً إلى أنها «تعاني من ضعف وحالة إنهاك شديد».

مظاهرة نظمها مؤيدون لعبير موسي ضد المرسوم 54 الذي أصدره الرئيس سعيد (أ.ف.ب)

وتابع البجاوي موضحاً: «وزنها يتراجع بسبب النقص في التغذية، كما تعاني من أوجاع في الكتف والرقبة»، مبرزاً أن رئيسة «الحزب الدستوري الحر» أجرت تحاليل وخضعت لكشوفات طبية لم يتم الاطلاع على نتائجها بعد. وتواجه موسي، وهي من بين المعارضين الرئيسيين للرئيس الحالي قيس سعيد، تهمة «الاعتداء القصد منه تبديل هيئة الدولة»، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

وتعود هذه التهمة إلى قضية «مكتب الضبط» للقصر الرئاسي، حين توجهت موسى إليه لإيداع تظلم ضد مراسيم أصدرها الرئيس قيس سعيد، وأصرت على إيداعه لدى المكتب، قبل أن يتم إيقافها من قبل الأمن وإيداعها لاحقاً السجن.

وعلى أثر ذلك، تقدمت هيئة الدفاع بطعن ضد قرار قضاة التحقيق. وقال المحامي البجاوي إنه «لا توجد جريمة، ورئيسة الحزب قدمت تظلمها وفق الإجراءات القانونية». وعلاوة على ذلك، تلاحق موسي أيضاً في قضايا أخرى، من بينها قضية قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتحريكها ضدها بتهمة نشر «معلومات مضللة» عن الانتخابات التشريعية لعام 2022، بعد إطاحة الرئيس سعيد بالنظام السياسي السابق في 2021، وصدر حكم ضدها بالسجن لسنتين في هذه القضية، لكن هيئة الدفاع تقدمت بطعن ضده.

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (إ.ب.أ)

وخلف القضبان تقبع شخصيات معارضة أخرى، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وعصام الشابي وغازي الشواشي، المتهمين بالتآمر على أمن الدولة، واللذين سبقا أن أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة قبل أن يتراجعا عن ذلك. وتنتقد المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات دولية وتونسية الرئيس التونسي، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي بأكثر من 90 في المائة من الأصوات، وتتهمه بـ«التضييق على الحريات».