الخفض الطوعي... قرار ضبط لتوازن الطلب ومستويات الإنتاج

مختصون يرون أن الحركة الاستباقية «جريئة وناجحة»

مصفاة نفط في كربلاء حيث يشارك العراق في خفض طوعي للإنتاج مع بلدان منظومة «أوبك بلس» بدءاً من مايو المقبل (رويترز)
مصفاة نفط في كربلاء حيث يشارك العراق في خفض طوعي للإنتاج مع بلدان منظومة «أوبك بلس» بدءاً من مايو المقبل (رويترز)
TT

الخفض الطوعي... قرار ضبط لتوازن الطلب ومستويات الإنتاج

مصفاة نفط في كربلاء حيث يشارك العراق في خفض طوعي للإنتاج مع بلدان منظومة «أوبك بلس» بدءاً من مايو المقبل (رويترز)
مصفاة نفط في كربلاء حيث يشارك العراق في خفض طوعي للإنتاج مع بلدان منظومة «أوبك بلس» بدءاً من مايو المقبل (رويترز)

أكد استطلاع لآراء خبراء ومتخصصين في النفط والاقتصاد أن قرارات خفض إنتاج النفط بشكل طوعي التي اتخذتها دول مصدرة للنفط ضمن تحالف «أوبك بلس»، بدءاً من مايو (أيار) المقبل، وحتى نهاية العام الحالي، تستهدف تحقيق التوازن في الأسواق النفطية.
وأوضح عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التكنولوجية الدكتور مبارك الهاجري، أن الإعلان كان «صدمة» وصل صداها إلى الأسواق العالمية في محاولة واضحة لكسر الحاجز السعري «والنفسي» لخام برنت عند مستوى 80 دولاراً بتعزيز التوازن بين الإنتاج والطلب.
وذكر الهاجري أن خفض الإنتاج كان غير متوقع وفق ما تردد عن قادة «أوبك بلس» في الأيام الماضية، عن عدم إجراء تغييرات في سياساتهم النفطية والإبقاء على خطة شهر مارس (آذار) – أبريل (نيسان) 2023، مبيناً أن هذا القرار قد تكون آثاره طفيفة إذا تباطأ الاقتصاد العالمي بسبب سياسات التشديد النقدي وارتفاع مؤشرات التضخم.
وبيّن أن هناك ضبابية في المشهد الاقتصادي النفطي لعدة أسباب؛ أبرزها التقارير الأولية التي تشير إلى إنتاج التحالف نحو مليوني برميل أقل من سقف الإمدادات المتفق عليه مع توقعات بأن يستمر النقص في الوصول إلى سقف الإنتاج.
وأفاد الهاجري بأن الأسباب تتضمن أيضاً المخاوف المتزايدة من حدوث ركود في وقت لاحق من العام الحالي، في أعقاب أزمة الإفلاس التي تواجه عدة بنوك أميركية وأوروبية، إضافة إلى الإضرابات التي تشهدها فرنسا بما في ذلك المصافي.
ورأى أن توقيت قرار الخفض كان «حرجاً» بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي تحاول إعادة ملء الخزانات الاستراتيجية، إذ وصلت مخزوناتها إلى مستويات منخفضة لم تشهدها منذ عام 1980 بعد قرار السحب التاريخي في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، الرامي لكبح ارتفاع أسعار الوقود.
من جانبه، شدد الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية في السعودية، على أن قرار الخفض الطوعي الإضافي لم يأتِ من فراغ، مبيناً أنه يلامس حاجة خلق حالة من توازن واستقرار الأسعار والأسواق.
ولفت إلى أن السعودية ومنتجين كباراً للنفط في منظومة «أوبك بلس»، اتخذوا خطوة طوعية بتخفيضات في إنتاج النفط، بأكثر من مليون برميل يومياً، وسط زيادة ضبابية المشهد الجيوسياسي والجيواقتصادي، ما سيعزز قدرة الاقتصاد العالمي الذي يعاني أزمات مصرفية ومالية جمة، من تجاوز تحديات آثار الحروب والنزاعات القائمة حالياً التي تسببت بشكل أو بآخر في اضطراب السوق العالمية للطاقة.
وأكد باعشن في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن القرار يعد استراتيجياً لدعم معالجة أزمة الطاقة في العالم، فضلاً عن أنه يدعم أسعار النفط ويعزز المنتجات النفطية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على قطاع الطاقة العالمي، وخلق حالة من توازن واستقرار السوق، حتى تبقى أسعار النفط العالمية في مستوى مقبول، يلائم متغيرات اللعبة السياسية على المستوى الدولي.
من ناحيته، قال أستاذ هندسة البترول بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب في الكويت، الدكتور أحمد الكوح، في تصريحات لوكالة الأنباء الكويتية، إن قرارات خفض الإنتاج الصادرة أول من أمس، كانت «مفاجئة» لجميع الأوساط النفطية، مبيناً أن الأنظار كانت تتجه لاجتماع «أوبك»، أمس، إذ تشير التوقعات إلى نجاح الاجتماع في تثبيت الإنتاج وعدم إحداث أي تغيير.
وأشاد «بالقراءة السريعة» من قبل «أوبك بلس» للساحة الاقتصادية والطلب العالمي على النفط، خصوصاً بعد إعلان مجموعة من البنوك العالمية إفلاسها وزيادة التوقعات حول حدوث انخفاض للاستهلاك النفطي العالمي خلال الفترة المقبلة.
ورأى أن الحركة الاستباقية بخفض الإنتاج «قرار جريء وناجح»، إذ يصب بمصلحة الدول المنتجة للنفط ويراعي الأسواق العالمية ويدعم أسعار النفط بشكل كبير، ومن شأنه تحقيق توازن بين معدلات الطلب ومستويات الإنتاج.
إلى ذلك، قال رئيس مجلس الأعمال الكويتي في دبي، فراس السالم، إن قرارات خفض الإنتاج تسعى للحفاظ على قوى العرض والطلب العالمية والحد من تراكم الفوائض عبر ضبط مستويات الإنتاج في ظل مخاوف من تراجع الطلب على النفط بسبب أداء الاقتصاد العالمي، لافتاً إلى أن «نسب الخفض هذه لا تتجاوز 3.7 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي».
وأكد السالم أهمية الحفاظ على توازن أسواق النفط ودعم الاستثمارات بالتنقيب والإنتاج لتغذية العالم بإمدادات مستدامة من النفط ومشتقاته وإبقائه بعيداً عن القرارات السياسية، لا سيما أن لجان منظمة «أوبك» ترفع توصياتها بالتقارير الفنية بشفافية عالية.
وذكر أن دول الخليج، تحديداً، تسعى منذ عقود لضمان ديمومة الصادرات النفطية لمختلف دول العالم، إذ تعمل على زيادة إنتاجها بالمستقبل لتلبية الزيادة العالمية المتوقعة على مشتقات النفط، ومن ضمنها دولة الكويت التي أعلنت عن رفع إنتاج البترول إلى مستوى 4 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2035، تفعيلاً لدورها كمزود رئيسي للطاقة عالمياً والتزاماً منها مع الشركاء الاستراتيجيين من مختلف دول العالم.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
TT

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)

قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يسعى لتغيير قواعد الديون التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس داخل الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بـ«الخطر الأمني» لأنها تمنع الإنفاق الضروري على الدفاع وغيرها من الأولويات.

وأضاف المرشح عن حزب «الخضر» لمنصب المستشار في مؤتمر صناعي في برلين يوم الثلاثاء: «هذه القواعد لا تتناسب مع متطلبات العصر»، وفق «رويترز».

وأشار هابيك إلى أن الحكومة الائتلافية تفاوضت بشكل غير صحيح على إصلاحات القواعد الأوروبية، دون أن يذكر كريستيان ليندنر، وزير المالية السابق المسؤول عن تلك المفاوضات.

وأدى نزاع حول الإنفاق إلى انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا في وقت سابق من هذا الشهر، بعدما قام المستشار أولاف شولتز بإقالة ليندنر، المعروف بتوجهاته المتشددة في مجال المالية العامة، ما فتح الباب لإجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) المقبل.

وفي إشارة إلى مطالبات بإعفاء الإنفاق الدفاعي من القيود المفروضة على الاقتراض بموجب الدستور، قال هابيك: «لا يمكننا التوقف عند مكابح الديون الألمانية». وأضاف أن ألمانيا قد تضطر إلى تحقيق مزيد من المدخرات في موازنتها لعام 2025 للامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي المالية، حتى إذا التزمت بالحد الأقصى للاقتراض بنسبة 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي كما ينص دستور البلاد.

وبعد أشهر من النقاشات، وافق الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2023 على مراجعة قواعده المالية. وتمنح القواعد الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل (نيسان) الدول أربع سنوات لترتيب شؤونها المالية قبل أن تواجه عقوبات قد تشمل غرامات أو فقدان التمويل الأوروبي. وإذا اقترن مسار خفض الديون بإصلاحات هيكلية، يمكن تمديد المهلة إلى سبع سنوات.

وأشار هابيك إلى أن القواعد الجديدة قد تسمح بزيادة الاقتراض إذا أسهم ذلك في زيادة النمو المحتمل.

وردّاً على انتقادات هابيك، قال ليندنر إن الدول الأوروبية بحاجة إلى الالتزام بحدود إنفاقها، مشيراً إلى «قلقه الشديد» بشأن مستويات الديون المرتفعة في فرنسا وإيطاليا. وأضاف ليندنر لـ«رويترز»: «الوزير هابيك يلعب باستقرار عملتنا». وأكد قائلاً: «إذا شككت ألمانيا في قواعد الاتحاد الأوروبي المالية التي تفاوضت عليها بشق الأنفس أو خالفتها، فإن هناك خطراً في انفجار السد».