هبة طوجي تتقمص أم كلثوم وبيونسيه على مسرح مهرجانات بيبلوس

أولاد منصور الرحباني في عرض غنائي لا يشبه غيره

هبة طوجي مع عازف البيانو أسامة علي أثناء العرض الغنائي ({الشرق الأوسط})
هبة طوجي مع عازف البيانو أسامة علي أثناء العرض الغنائي ({الشرق الأوسط})
TT

هبة طوجي تتقمص أم كلثوم وبيونسيه على مسرح مهرجانات بيبلوس

هبة طوجي مع عازف البيانو أسامة علي أثناء العرض الغنائي ({الشرق الأوسط})
هبة طوجي مع عازف البيانو أسامة علي أثناء العرض الغنائي ({الشرق الأوسط})

أقل من استعراض وأكثر من حفل عادي، هو الذي قدمته هبه طوجي في «مهرجانات بيبلوس الدولية». أراد الإخوة أسامة وغدي ومروان الرحباني، الأول باللحن والثاني بالكلمة والثالث بالإخراج، تقديم الفنانة الصاعدة على مستوى رفيع، في حفل يليق بمواهبهم، وكان لهم ما أرادوا.
البداية جاءت مع ثلاث مقطوعات موسيقية لأسامة، لتطل بعدها هبة، مفتتحة بأغنية «ماشي وما بعرف لوين». الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، يرافقها أسامة على البيانو، عزفت ببراعة، وأكملت هبة مع «يمكن حبيتك»، ومن ثم أغنيتها الشهيرة «لازم غير النظام»، و«يا حبيبي» لمنصور الرحباني، قبل أن تقدم بالفرنسية أغنية جاك بريل المعروفة «نو مو كيت با» وبعدها «أولاد الشوارع».
لم يتوان أسامة عن قيادة الأوركسترا في بعض اللحظات التي بدا فيها ذلك ضروريًا له. إيمانه بموهبة هبة لا حدود لها.
الشاشة العملاقة التي غطت خلفية المسرح بأكمله لعبت دورًا حاسمًا. إخراج مروان الرحباني الذي اعتمد على غرافيكس شديد الإتقان، وعدد قليل جدًا من الأشخاص، بينهم راقصان اثنان، فقط، جاء خلابًا حقًا. مع أغنية «خلص» بدا أن الفنانة التي أنهكها الحر الشديد، كما أضنى الجمهور على المدرجات الغاطسة في البحر، قد بدأت تتحرر من ضغط اللهيب.
مع نهاية الجزء الأول من الحفل، وبمزيج جمع أغنيات ثلاث من كلمات منصور الرحباني، «بتضلك سيفي»، و«حياة اللي راحو» مقرونة بصور شهداء كبار وآخرين أقل شهرة متوجة بـ«لمعت أبواق الثورة» مع صور أشجار الأرز المهابة ومن ثم العلم اللبناني، بدأ الحماس يدب قويًا في المدرجات، خاصة وأن هذه الأغاني محببة للجمهور ويعرفها عن ظهر قلب.
خبأ أولاد منصور الرحباني الثلاثة، غالبية مفاجآتهم للجزء الثاني من الحفل. موسيقى أغنية أم كلثوم «أنت عمري» أطربت وجعلت الآهات تخرج من الحناجر عذبة. إطلالة هبة بفستان جديد ثالث، لتؤدي الأغنية لم يكن منتظرًا. كان الأمر يحتاج جرأة من هذه الفنانة الصاعدة ابنة الـ(27 ربيعًا)، لا سيما وأن أداءها توقف للحظات لنسمع صوت أم كلثوم، ونشاهدها حية على الشاشة، لتكمل هبة من بعدها. أكثر من أغنية شهيرة بالإنجليزية والفرنسية، قدمت على المسرح، لداليدا وبيونسه وستينغ والشاب مامي. ما بين الأجنبي واللبناني والفصحى والعامية، والشعبي والكلاسيكي، بدت الفنانة اللبنانية التي قطفت نجاح «ذا فويس» بنسخته الفرنسية، في نهائياته، قادرة على الإدهاش لمواهبها المتعددة. المسرح الرحباني التي كانت بطلته في «دون كيشوت» عزز قدرتها الاستعراضية.
أثبت الإخوة، أسامة، غدي ومروان الرحباني، أولاد المؤلف والملحن الموسيقي منصور الرحباني، أنهم لا يقبلون بأقل من إتقان ما يقدمونه لجمهورهم. مع أغنية «بلد التناقض» بلغ الحفل ذروته. الأشخاص الذين ظهروا بكل اختلافاتهم، من لابسة الحجاب، إلى جانب مرتدية الشورت، والفلاح بقرب المتفرنج، جميعهم سرعان ما انفصلوا عن الشاشة ليصبحوا جزءًا من المسرح، رقصوا جميعهم مع هبة التي صارت أقرب إلى شخصية بنت البلد الشعبية بأدائها التعبيري، وهي تغني «الأسواق إلى عم تعاني والملاهي الولعانة» وكذلك السوشي الياباني والأراجيل و«في عنا 18 طايفه والديون عنا طايفه» و«بلدنا مش طبيعي ونحنا مش طبيعيين». وكي تكتمل اللوحة انضم أسامة وهو يرقص الدبكة إلى الجمع وهو يلوح بمسبحة في يده تاركًا العزف على البيانو. لعلها المرة الأولى التي يخرج فيها عن طوره الجدي الصارم ليضفي جوًا حميمًا على المسرح. قد تكون تجربة أسامة وهبة في باريس وفي برنامج «ذا فويس» بالتحديد جعلتهما أكثر حساسية لأهمية التنوع اللبناني، وقيمة الشعبي حين يقدم رفيعًا وحيويًا في آن معًا.
مشاركة جيلبير جلخ، صاحب الصوت الجميل والظل الخفيف بأغنية «قطيشة ومية قطيشة، قاعدين ندفّش تدفيش، كنا نعيش من الحشيشة صرنا عم ناكل حشيش» إضافة رائعة لحفل أريد له أن يكون لكل الأذواق.
سعد الجمهور بالأغنيات الأجنبية، أعجب بالأداء المتقن لنجمته المتعددة اللغات، لكن الأغنيات العربية تبقى الأقرب إلى القلب. أغنيات منصور الرحباني، تألقت، وأطربت، «لا بداية ولا نهاية» التي مرت كلماتها على الشاشة مختلطة بأوراق الخريف جاءت نابضة وعفية، بينما أغنية «أول ما شفتو» تميزت بغرافيكس خلاّب، ظهرت هبة على الشاشة بصور عدة تمشي في كل الاتجاهات، تطالب بأن تكمل المشوار، تغني على الخلفية كما تفعل على المسرح.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».