الإعلام المصري في افتتاح قناة السويس.. بين الإشادة والاتهام بالمبالغة

خبراء أعربوا عن رضاهم وآخرون تحدثوا عن «شحوب إعلامي»

الإعلام المصري في افتتاح قناة السويس.. بين الإشادة والاتهام بالمبالغة
TT

الإعلام المصري في افتتاح قناة السويس.. بين الإشادة والاتهام بالمبالغة

الإعلام المصري في افتتاح قناة السويس.. بين الإشادة والاتهام بالمبالغة

في مرآة الأحداث الكبرى تنجرف وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة لتدخل دائرة الضوء ضمن مشهد أكبر، وتوضع تحت مجهر الفحص، وقد بدا أن الإعلام المصري على موعد للتقييم خلال حفل افتتاح قناة السويس الجديدة نهاية الأسبوع الماضي. وبينما أشاد خبراء في مجال الإعلام بتغطية الإعلام المصري للحدث، قال آخرون إن «شحوبًا إعلاميًا» رافق الحدث الأهم في البلاد.
وتنوعت طرق احتفاء الصحف اليومية الحكومية والخاصة بتدشين القناة الجديدة، غير أنها أجمعت تقريبًا على عكس حجم الإنجاز بمانشيتات مثل «مصر تصنع التاريخ»، و«اليوم ساعة الصفر على شط القناة»، لكن صحيفة «الأخبار» الحكومية فاجأت الجميع تقريبًا بوضع صورة للرئيس عبد الفتاح السيسي ساجدًا مع مانشيت «الحمد لله» كما لو كان ساجدًا شكرًا لله على إتمام حفر القناة التي تعول عليها الحكومة المصرية كثيرًا لإنعاش الاقتصاد.
صحيفة «الأهرام» العريقة وضعت عنوان «شمس 30 يونيو (حزيران)»، كما وزعت مع العدد ملحقًا باللغة الإنجليزية بعنوان «عالمنا.. مصر» من إعداد موقع «وورلد فوليو» العالمي والمعني بالاقتصادات وفرص ارتفاع النمو والاستثمار، تناول الملحق المنجزات الاقتصادية في السنة الأولى من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمتمثلة في المؤتمر الاقتصادي الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ في مارس (آذار) الماضي، وتم خلاله توقيع عقود استثمار مع شركات عالمية بقيمة 130 مليار دولار، بالإضافة لمشروع إقامة عاصمة جديدة للبلاد شرق القاهرة، علاوة على الجدوى الاقتصادية المتوقعة من مشروع قناة السويس التي تصل إلى مائة مليار دولار، وتوفير مليون فرصة عمل للشباب المصري.
ويقول الدكتور سامي عبد العزيز، أستاذ الإعلام وعضو اللجنة المنظمة لحفل افتتاح قناة السويس الجديدة، إن «التغطية الإعلامية سواء من الإعلام المطبوع أو المسموع والمرئي كانت بحجم الحدث»، مشيرًا إلى أن «كل وسائل الإعلام لم تتقاضَ مليمًا واحدًا مقابل تغطيتهم التي قدمت كل التفاصيل وعرضت أكبر قدر ممكن منها»، مشيرًا إلى أنها «عكست أجواء الفرحة والبهجة التي خيمت على الاحتفال في كل ربوع مصر».
وآثر التلفزيون المصري واللجنة المنظمة للحفل القيام ببث مشترك لمراسم افتتاح من الصباح وحتى منتصف ليل الخميس، وشارك فيه مقدمون من معظم القنوات الفضائية المصرية الخاصة، كما تم منح حقوق البث دون أي مقابل مادي تحصل عليه الدولة.
وأوضح عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»، أن «مبادرة البث المشترك جاءت من غرفة صناعة الإعلام المسموع والمرئي»، مضيفًا أن «القنوات الفضائية المشاركة هي التي تحملت تكاليف البث كاملة». كما أشاد بالمجهود المبذول من جانب وسائل الإعلام على مدار يومي الأربعاء والخميس، وانتظارهم الحصول على التصاريح الأمنية لتغطية الافتتاح. وأثنى على الإعلاميين الذين قدموا التغطية دون صراع أو غيرة.
وقامت شركة فرنسية بإخراج حفل الافتتاح، بعدما وصل وفد منها يضم 14 شخصًا من كبار الفنيين في الأعمال الفنية والإعلامية قبل يومين من الحفل، بينما كانت كاميرات التلفزيون المصري حاضرة أيضًا للمعاونة في أعمال البث وجاهزة لنقل فعاليات الافتتاح في حالة الطوارئ.
لكن صحيفة «المصري اليوم» الخاصة قالت إن «البث المشترك للقنوات الفضائية شابته عوائق نتيجة تأخر إصدار التصاريح الأمنية من جانب منظمي الحفل. وتسبب الارتباك التنظيمي الذي شاب الحدث الكبير غياب عدد من نجوم الإعلام المصري، منهم وائل الإبراشي، وعمرو الليثي، وخيري رمضان، وأسامة كمال، ولبنى عسل، وعمرو الكحكي، وإبراهيم عيسى»، بحسب الصحيفة.
في المقابل، انتقد الإعلامي المصري إبراهيم حمودة التناول الإعلامي سواء الحكومي أو الخاص للحدث المهم، وقال إن «أحدًا من الناس قد شعر بأهمية الحدث على اختلاف موقفهم منه، كما تباينت درجة حماس الناس سواء لوجود مذيعين أو بث مشترك أو غيره، رغم المجهود الهائل الذي بذل لإنجاز هذا العمل».
وتساءل حمودة، الذي ترأس عددًا من القنوات التلفزيونية، عن السبب وراء «فقدان الآلة الإعلامية القديمة بريقها كاملاً، رغم كونه يوم نجاح مجاني، وفي ظل سعادة الناس الكبيرة واستعدادهم لتلقي الكثير من القنوات الناقلة للحدث»، مشيرًا إلى أنه كان هناك «شحوب طاغ بشكل مفاجئ»، وهو ما فسره بأن «الصورة على الأرض كانت أقوى من صوت الإعلاميين»، أو بمعنى أوضح «الناس شاهدت واطمأنت أن هناك مشروعًا وفرحت به، فما الحاجة للإعلام، هل ليس هناك ما يقال؟».
لكن الدكتور عبد العزيز، العميد السابق لكلية إعلام جامعة القاهرة، يرى أن المصريين كانوا في «اشتياق للفرحة»، وأن الإعلام «عكس الفرحة التي لم تكن وهمية بل متوهجة وبريئة وصادقة بعد أربع سنين عجاف مليئة بالكآبة»، لافتًا إلى أن مشروع قناة السويس الجديدة يضع مزيدًا من المسؤولية على كاهل الدولة، وأن الشعب لن يقبل في المستقبل بإنجازات أقل حجمًا وأهمية.
وعلقت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على تناول الإعلام المصري للاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة. وقالت في تقرير لها إن «وسائل الإعلام الموالية للحكومة المصرية وصفت توسعة القناة بأنها نصر قومي ونقطة تحول بعد سنوات من انعدام الاستقرار».
وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء رصدت هي الأخرى احتفاء الإعلام في مصر بالافتتاح الذي تم اعتباره «إنجازًا تاريخيًا»، مشيرة إلى «إعادة إحياء الولع بالشخصية القومية حول الرئيس السيسي البالغ 60 عامًا». كما ذكرت الوكالة أن الإعلام الموالي للحكومة المصرية اعتبر إنجاز المشروع في سنة واحدة ً من ثلاث سنوات بأمر من السيسي، كدليل على حسم وجدية الرئيس. ولفتت الوكالة أيضًا إلى مقارنة الإعلام المصري للرئيس السيسي بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أمم قناة السويس في يوليو (تموز) 1956.
ويقول الخبير الإعلامي الدكتور فاروق أبو زيد لـ«الشرق الأوسط»، إن التغطية الإعلامية من خلال البث المشترك كانت «شاملة وطبيعية لحدث كبير، التي استعانت بها ليس القنوات المصرية فحسب، وإنما الكثير من القنوات العربية والعالمية، بغض النظر عن توجهاتها».
وأشاد أبو زيد بالتغطية الهادئة للحفل أيضًا، لافتًا إلى أن المطلوب ليس الإبهار. وقال: «مصر سخرت كل إمكاناتها ليخرج الحفل بهذه الصورة، كما استعانت بشركة أجنبية لإخراجه»، وتابع: «الحفل كان في المستوى المناسب للحدث، فلم يكن مبالغًا فيه أو لا يليق بحجم افتتاح قناة السويس الجديدة». واختتم بقوله إن الحفل جاء بلا أخطاء تقريبًا ومتوازنًا في فترة الاحتفال النهاري التي لم تتجاوز الثلاث ساعات أو الحفل الساهر في المساء الذي استمر لنحو ساعتين فقط، مشيدًا بكل من قاموا على إنجاز هذا العمل.
وبينما سادت حالة من البهجة والاحتفاء بافتتاح قناة السويس الجديدة بين كثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كان هناك شعور من جانب البعض بالمبالغة في الاحتفال وطريقة تناول أغلب وسائل الإعلام المصرية له، رغم تقدير هؤلاء لحجم الإنجاز ومردوده الاقتصادي.
كما انتقد البعض طول فترة الاحتفال التي بدأت قبل نحو أسبوعين من يوم الافتتاح، سواء في وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية، مما خلق حالة من الملل لدى البعض، الذي عبّروا عنه على «تويتر» و«فيسبوك»، وهو أيضًا ما جعل يوم الافتتاح وكأنه يوم عادي وليس استثنائيًا في تاريخ مصر والمصريين.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».