انتقادات واسعة لقرار حكومة الدبيبة بإعادة تفعيل السجل العقاري

تحذيرات من تعديات على أملاك المواطنين والدولة

رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة (تويتر)
رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة (تويتر)
TT

انتقادات واسعة لقرار حكومة الدبيبة بإعادة تفعيل السجل العقاري

رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة (تويتر)
رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة (تويتر)

تفادت حكومة «الوحدة الوطنية» في ليبيا التعليق على ما يجري تداوله منذ عدة أيام على مواقع التواصل الاجتماعي من نسخة قرار مذيلة بتوقيع رئيسها عبد الحميد الدبيبة، بشأن منح الإذن لمصلحة التسجيل العقاري بـ«إعادة تفعيل تسجيل الممتلكات على نحو جزئي».
الصمت الحكومي على هذا القرار المتداول، وتعارضه بدرجة ما مع قرار المجلس الوطني الانتقالي السابق «بتعليق جميع التصرفات الناقلة للملكية لحين انتهاء المراحل الانتقالية»، دفعا بعض النخب السياسية والحقوقية الليبية للمسارعة بتوجيه الانتقادات الواسعة له، والتحذير من تداعياته، خصوصاً أن تاريخ إصداره يعود لديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو ما يعني من وجهة نظر المنتقدين أنه قد «تم إخفاؤه عمداً عدة أشهر».
عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء، وصف القرار بـ«الخطير، والذي قد يترتب عليه كثير من التداعيات السلبية»، مشيراً لتقدمه ومجموعة من النواب بطلب لرئاسة البرلمان لتخصيص جلسة لمناقشته.
وأوضح الزرقاء لـ«الشرق الأوسط»، «أن هناك من قام في وقت سابق بتزوير عقود نقل ملكية لحسابه وآخرين، واستطاع في غياب الملاك الأصليين بفعل الهجرة والوفاة، إقامة الدعاوى القضائية، والحصول على أحكام نهائية تختص بتلك العقود، ومع سماح قرار حكومة الدبيبة بتسجيل الأحكام القضائية النهائية بمصلحة التسجيل العقاري سنكون أمام عملية شرعنة دائمة لا يجوز الطعن بها لعقود مزورة بالأساس، وبالطبع إضاعة حقوق الملاك الأصليين».
وشدد البرلماني على أن «هذا القرار لا يراعي بأي حال واقع المجتمع الليبي بالسنوات العشر الأخيرة»، موضحاً «أن هناك حالات كثيرة لم يكن بمقدور أصحاب الأملاك متابعة أوضاعها والتصدي لمحاولة الاستيلاء عليها بعقود تزوير أو وضع اليد بقوة السلاح، الذي يعرف الجميع مدى انتشاره وقوة سطوته بالبلاد، فهناك من أنصار النظام السابق الذين هاجروا وماتوا بالمنفى، وهاجر أغلب ورثتهم، وهناك من اضطرته الصراعات للنزوح من مدينة لأخرى، ولم يستطع ليومنا هذا العودة لمسقط رأسه».
ويرى الزرقاء أن التخوف الرئيسي ينصب على محاولات البعض «الاستيلاء على أملاك الدولة»، موضحاً «للأسف قد يسهل هذا القرار لبعض صغار النفوس من المسؤولين بالأجهزة والوزارات المعنية بالأراضي والعقارات الاستيلاء على مساحات واسعة مملوكة للدولة خصوصاً أراضي الأوقاف، وتحديداً بالعاصمة طرابلس التي ترتفع الأسعار بها بشكل خيالي».
وبدوره، انتقد رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي» أسعد زهيو، قرار حكومة الدبيبة، مؤكداً أنه «يصطدم بدرجة ما بقرار المجلس الوطني الانتقالي (السلطة التشريعية بعد ثورة فبراير (شباط)) بتعليق إجراءات نقل الملكية لحين انتهاء المراحل الانتقالية».
وأوضح زهيو لـ«الشرق الأوسط»: «القرار يأذن لمصلحة التسجيل العقاري بتفعيل العمل العقاري جزئياً ببعض الخدمات، منها تسجيل قرارات نزع الملكية للمنفعة العامة، وفضلاً عن أن حكومة الوحدة الوطنية، حكومة مؤقتة ولا تتصل صلاحياتها بالأساس بقضايا استراتيجية مثل نزع الملكية، فمطالبة المصلحة بتسجيل قرارات نزع الملكية هي بحد ذاتها تسجيل حق عيني جديد، وبالتالي هو يتعارض مع قرار المجلس الانتقالي رقم (102) لعام 2011، والذي لا يزال سارياً، وحكومة الدبيبة نفسها تعترف بسريانه، وتطالب بعدم مخالفة أحكامه».
وحذر زهيو من أنه «في ظل حالة الانقسام السياسي والأمني التي تسود البلاد وتداعيات ذلك من انتشار للفساد الإداري، لا يمكن توقع إلا أن تكون آثار مثل هذا القرار كارثية، وهو ما سيتضح بالمستقبل».
ودعا لضرورة تأجيل مثل هذا القرار وغيره من القرارات المصيرية لحين استقرار البلاد، خصوصاً في ظل عدم وجود أضرار يتعرض لها المواطنون جراء إيقاف السجل العقاري، موضحاً: «هناك شهادات تمنح من مصلحة السجل العقاري تفيد بملكية هذا الشخص لعقار ما إذا رغب بالتصرف فيه».
أما رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد عبد الحكيم حمزة، فسلط الضوء على توقيت إصدار القرار نهاية العام الماضي، وكيف جرى حجب نشره حينذاك. وقال، في منشور له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «تم إخفاؤه بعد تسرب معلومات عن رغبة رئيس الحكومة في إصدار هذا القرار، وبعد رفض واسع في الرأي العام والمختصين»، مشيراً إلى أنه قد تم الآن إخراجه «بعد مرور مدة الطعن فيه».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.