«شبكة عناكب» لاصطياد آفات المحاصيل الزراعية

«شبكة عناكب» لاصطياد آفات المحاصيل الزراعية
TT

«شبكة عناكب» لاصطياد آفات المحاصيل الزراعية

«شبكة عناكب» لاصطياد آفات المحاصيل الزراعية

يمكن استخدام مجموعات العناكب كطريقة صديقة للبيئة لحماية المحاصيل من الآفات الزراعية، وفق دراسة جديدة نُشرت بالعدد الأخير من دورية «الحشرات» Insects. ووجد الباحثون من جامعة بورتسموث البريطانية، أن العناكب يمكن أن تأكل «العثة»، وهي حشرة مدمرة لمحاصيل مهمة، مثل الطماطم والبطاطس، في جميع أنحاء العالم.
وطورت عثة الطماطم «توتا أبسولوتا» مقاومة للمبيدات الحشرية الكيميائية التي تسبب أضراراً بشرية وبيئية، لذلك هناك حاجة إلى منهج مختلف، مثل استخدام الحيوانات المفترسة الطبيعية كالعناكب، لمكافحة الإصابة.
واستكشف الباحثون استخدام عناكب شبكة الخيام الاستوائية (سيرتوفورا سيتريكولا)، كأدوات لمكافحة الآفات؛ حيث تنشئ هذه العناكب شبكات كبيرة لالتقاط الفريسة. وفي تجارب المختبر، تم إدخال أنواع مختلفة من الفرائس، مثل عثة الطماطم الصغيرة، وذباب الفاكهة الذي لا يطير (دروسوفيلا هيدي)، وذباب الجندي الأسود الأكبر حجماً، إلى مستعمرات العناكب بأحجام مختلفة من الجسم.
ووجد الباحثون أن العناكب الكبيرة كانت تبني شبكات أكبر وتصطاد بشكل عام مزيداً من الفرائس، واصطادت بسهولة وأكلت حشرة الطماطم وذباب الفاكهة، بينما نادراً ما تم القبض على ذباب «الجندي الأسود» الأكبر حجماً.
تقول لينا غرينستيد، كبيرة المحاضرين في علم الحيوان بكلية العلوم البيولوجية بجامعة بورتسموث، والمؤلفة الرئيسية للدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة في 16 فبراير (شباط) الماضي: «تشير نتائجنا إلى أن عناكب شبكة الخيام الاستوائية لديها القدرة على أن تكون عاملاً فعالاً للتحكم البيولوجي في الآفات الحشرية الطائرة، على الأقل بعد نموها إلى أحجام متوسطة الحجم».
وتضيف: «نظراً لأنهم طوروا القدرة على العيش في مجموعات، فقد تكون هذه العناكب أكثر ملائمة للمكافحة البيولوجية من العناكب الانفرادية الأكثر عدوانية، والتي يمكن أن تأكل أقرانها».
ويمكن للعناكب أن تشكل مجموعات من مئات أو حتى آلاف الشبكات المترابطة، بما يوفر مساحات كبيرة من شبكات الالتقاط القادرة على اعتراض أعداد كبيرة من الحشرات المحمولة جواً.
ويعمل تغير المناخ بسبب الزيادة السكانية البشرية والاعتماد على الوقود الأحفوري، على تسهيل انتشار أنواع الآفات الغازية للمحاصيل الزراعية، مثل عثة الطماطم، من خلال توسيع نطاقات بيئتها الصالحة للسكن.
وتوجد عناكب الخيام الاستوائية في المستعمرات حول العالم، ويتداخل نطاقها العالمي مع مناطق تفشي حشرة العثة، بما في ذلك أوروبا المتوسطية، وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، وبالتالي فمن غير المرجح أن يؤدي إدخال عناكب مكافحة الآفات إلى إلحاق ضرر كبير بالتنوع البيولوجي المحلي.
ودرس الباحثون أيضاً الاختلافات الموسمية في أحجام العناكب في جنوب إسبانيا، ووجدوا أن مكافحة الآفات بالعناكب ستكون أكثر فاعلية مع زراعات الطماطم وموسم النمو في مايو (أيار) ويونيو (حزيران). ومع ذلك، وجدوا أن نوعاً من الدبابير (فيلوليما بالانيشامي) موجود في المنطقة، تأكل يرقاته بيض العنكبوت، وبالتالي يمكن أن يكون ضاراً بمستعمرة العنكبوت.
تقول غرينستيد: «إذا تمت السيطرة على عدوى الدبابير، فيمكن أن تشكل هذه العناكب جزءاً مهماً من نظام متكامل لإدارة الآفات، وقد يؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على مبيدات الآفات الكيميائية، ما يؤدي إلى تقليل الملوثات في التربة والمجاري المائية والغذاء».
وبالإضافة للسيطرة على عدوى الدبابير، يرى خالد عبد الرحمن، مدرس الحشرات بكلية العلوم، جامعة أسيوط (جنوب مصر)، أن هناك حاجة للتأكد من أن هذه العناكب لن تؤثر على الملقحات الرئيسية للنباتات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بعض الملقحات المهمة مثل النحل، إذا تم اصطيادها بواسطة العناكب، فقد يؤدي ذلك لمشكلة كبيرة، وبالتالي نكون قد عالجنا مشكلة، وتسببنا في مشكلة أخرى».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟
TT

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

«جي بي تي» أم «غوغل»: أيهما أكثر فائدة للإبداع؟

ربما تتذكر وقتاً كنت فيه بحاجة إلى إجابة سريعة، لوصفة طبق للطعام، أو مشروع لتحسين بيتك.

من محرك «غوغل» إلى «جي بي تي»

قبل بضع سنوات، كانت غريزة معظم الناس الأولى هي البحث عن المعلومات على محرك «غوغل» للبحث، ومع ذلك، اليوم، مما كتب غاي يون تشونغ (*)، أصبح كثير من الناس أكثر ميلاً إلى استخدام «تشات جي بي تي (ChatGPT)»، أداة الذكاء الاصطناعي والمحادثة من شركة «أوبن إيه آي»، التي تغير الطريقة التي يبحث بها الناس عن المعلومات.

بدلاً من مجرد توفير قوائم بمواقع الويب، يُقدِّم «تشات جي بي تي» إجابات محادثة أكثر مباشرة.

مسألة الإبداع

ولكن هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يفعل أكثر من مجرد الإجابة عن الأسئلة المباشرة؟ هل يمكنه بالفعل مساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعاً؟

إني أدرس التقنيات الجديدة وتفاعل المستهلكين مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شرعت أنا وزميلي بيونغ لي في استكشاف هذا السؤال: هل يمكن لـ«تشات جي بي تي» مساعدة الناس حقاً على حل المشكلات بشكل إبداعي، وهل يؤدي هذا بشكل أفضل من محركات البحث التقليدية مثل «غوغل»؟

عبر سلسلة من التجارب في دراسة نُشرت في مجلة «نتشر-السلوك البشري (Nature Human Behaviour)»، وجدنا أن «تشات جي بي تي» يعزز الإبداع، خصوصاً في المهام العملية اليومية.

وإليك ما تعلمناه عن كيفية تغيير هذه التقنية للطريقة التي يحلُّ بها الناس المشكلات، ويتبادلون بها الأفكار ويفكرون بشكل إبداعي.

«جي بي تي» مبدع

«تشات جي بي تي» والمهام الإبداعية. تخيل أنك تبحث عن فكرة هدية إبداعية لابنة أخت في سِنِّ المراهقة. في السابق، ربما كنت تبحث على «غوغل» عن «هدايا إبداعية للمراهقين»، ثم تتصفح المقالات حتى تجد شيئاً يناسبك.

الآن، إذا سألت «تشات جي بي تي»، فإنه يولِّد استجابةً مباشرةً بناءً على تحليله للأنماط عبر الويب. قد يقترح مشروعاً مخصصاً أو تجربةً فريدةً من نوعها، وصياغة الفكرة في الوقت الفعلي.

لاستكشاف ما إذا كان «تشات جي بي تي» يتفوق على «غوغل» في مهام التفكير الإبداعي، أجرينا 5 تجارب، تعامل فيها المشاركون مع مهام إبداعية مختلفة.

توليد الأفكار

على سبيل المثال، قمنا بتعيين المشاركين بشكل عشوائي، إما لاستخدام «تشات جي بي تي» للمساعدة، أو استخدام بحث «غوغل»، أو توليد الأفكار بأنفسهم.

بمجرد جمع الأفكار، قام الحكام الخارجيون، الذين لا يدركون الشروط المخصصة للمشاركين، بتقييم كل فكرة من حيث الإبداع. قمنا بوضع متوسط ل​​درجات الحكام؛ بهدف توفير تصنيف إبداعي عام.

كانت إحدى المهام تتضمَّن تبادل الأفكار حول طرق إعادة استخدام العناصر اليومية، مثل تحويل مضرب تنس قديم وخراطيم الحديقة إلى شيء جديد. وطُلبت مهمة أخرى من المشاركين تصميم طاولة طعام مبتكرة. وكان الهدف هو اختبار ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد الناس على التوصل إلى حلول أكثر إبداعاً، مقارنة باستخدام محرك بحث على الويب أو مجرد خيالهم.

نتائج لصالح الذكاء التوليدي

وكانت النتائج واضحة: صنف الحكام الأفكار التي تم إنشاؤها بمساعدة «تشات جي بي تي» على أنها أكثر إبداعاً من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام عمليات البحث على «غوغل» أو دون أي مساعدة. ومن المثير للاهتمام أن الأفكار التي تم إنشاؤها باستخدام «تشات جي بي تي» - حتى دون أي تعديل بشري - سجَّلت درجات أعلى في الإبداع من تلك التي تم إنشاؤها باستخدام «غوغل».

وكانت إحدى النتائج البارزة هي قدرة «تشات جي بي تي» على توليد أفكار إبداعية تدريجياً: تلك التي تعمل على تحسين أو البناء على ما هو موجود بالفعل. وفي حين أن الأفكار الجذرية حقاً قد لا تزال تشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي، فقد تفوَّق «تشات جي بي تي» في اقتراح نهج عملي ومبتكر. على سبيل المثال، في تجربة تصميم الألعاب، توصَّل المشاركون الذين يستخدمون «تشات جي بي تي» إلى تصميمات خيالية، مثل تحويل مروحة متبقية وكيس ورقي إلى مروحة تعمل بطاقة الرياح.

حدود الإبداع في الذكاء الاصطناعي

تكمن قوة «تشات جي بي تي» في قدرته على الجمع بين المفاهيم غير ذات الصلة في استجابة متماسكة.

وعلى عكس «غوغل»، الذي يتطلب من المستخدمين غربلة الروابط وتجميع المعلومات معاً. يقدم «تشات جي بي تي» إجابةً متكاملةً تساعد المستخدمين على التعبير عن الأفكار وصقلها بتنسيق مصقول. وهذا يجعل «تشات جي بي تي» واعداً بوصفه أداةً إبداعيةً، خصوصاً للمهام التي تربط بين الأفكار المتباينة أو تولد مفاهيم جديدة.

من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن «تشات جي بي تي» لا يولِّد أفكاراً جديدة حقاً. إنه يتعرَّف على الأنماط اللغوية ويجمعها من بيانات التدريب الخاصة به، وبالتالي يولِّد مخرجات بتسلسلات أكثر احتمالية بناءً على تدريبه. إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين فكرة موجودة أو تكييفها بطريقة جديدة، فيمكن أن يكون «تشات جي بي تي» مورداً مفيداً. ومع ذلك، بالنسبة لشيء مبتكر، لا يزال الإبداع والخيال البشري ضروريَّين.

بالإضافة إلى ذلك، في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» توليد اقتراحات إبداعية، فإنها ليست عملية دائماً أو قابلة للتطوير دون مدخلات الخبراء. تتطلب خطوات مثل الفحص، وفحص الجدوى، والتحقق من الحقائق، والتحقق من السوق خبرة بشرية. ونظراً لأن استجابات «تشات جي بي تي» قد تعكس تحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها، فيجب على الأشخاص توخي الحذر في السياقات الحساسة مثل تلك التي تنطوي على العرق أو الجنس.

كما اختبرنا ما إذا كان «تشات جي بي تي» يمكن أن يساعد في المهام التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها تتطلب التعاطف، مثل إعادة استخدام العناصر العزيزة على أحد الأحباء. ومن المدهش أن «تشات جي بي تي» عزَّز الإبداع حتى في هذه السيناريوهات، حيث أدى إلى توليد أفكار وجدها المستخدمون ذات صلة، ومدروسة.

وتتحدى هذه النتيجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه المساعدة على المهام التي تحركها العواطف.

مستقبل الذكاء الاصطناعي والإبداع

مع ازدياد إمكانية الوصول إلى «تشات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، فإنها تفتح إمكانات جديدة للمهام الإبداعية. سواء في مكان العمل أو في المنزل، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الشحذ الذهني وحل المشكلات وتعزيز المشروعات الإبداعية.

ومع ذلك، يشير بحثنا أيضاً إلى الحاجة إلى الحذر: في حين يمكن لـ«تشات جي بي تي» تعزيز الإبداع البشري، فإنه لا يحلُّ محلَّ القدرة البشرية الفريدة على التفكير الجذري حقاً خارج الإطار المألوف.

يمثل هذا التحول من البحث على «غوغل» إلى سؤال «تشات جي بي تي»، أكثرَ من مجرد طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. إنه يمثل تحولاً في كيفية تعاون الناس مع التكنولوجيا للتفكير والإبداع والابتكار.

* أستاذ مساعد في إدارة الأعمال بجامعة رايس الأميركية - مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً