المحتوى التعليمي على «تيك توك»... بين المنافسة ونشر المعرفة

ساشا الجردي - د. مي عبد الغني (الشرق الأوسط)
ساشا الجردي - د. مي عبد الغني (الشرق الأوسط)
TT

المحتوى التعليمي على «تيك توك»... بين المنافسة ونشر المعرفة

ساشا الجردي - د. مي عبد الغني (الشرق الأوسط)
ساشا الجردي - د. مي عبد الغني (الشرق الأوسط)

يبدو أن دور منصات التواصل الاجتماعي لم يعد قاصراً على توفير مساحة للمستخدمين للتعبير عن آرائهم، أو نشر مواد ترفيهية، بل امتد لتقديم خدمات تعليمية. ولقد أثار إعلان منصة «تيك توك» عن إطلاق محتوى تعليمي، تساؤلات حول الهدف من هذه الخطوة. وفي حين ذكرت المنصة أنها تسعى إلى «ربط التعليم بالترفيه»، رأى خبراء أن «تقديم (تيك توك) محتوى تعليمياً يأتي في إطار تنافس محموم بين منصات التواصل الاجتماعي لتحقيق الأرباح».
«تيك توك» أطلقت خلال مارس (آذار) الماضي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مركز المحتوى التعليمي تحت مسمى «جاهزون للدراسة».
ويهدف المركز، وفق المنصة، إلى توفير محتوى مناسب لمرحلة التعليم الثانوي، إضافة إلى مجموعة من الدورات، وتقديم النصائح لمساعدة الطلاب على الاستعداد للامتحانات. ويتيح المركز لمستخدمي المنصة الوصول إلى عدد من منصات التعليم الإلكتروني الشريكة في البرنامج. كما ستتولى المنصات الشريكة «نشر مقاطع فيديو تعليمية وتحديثات متعلقة بالمناهج بانتظام على (تيك توك)»، حسب بيان صحافي صادر عن «تيك توك». ومن جهة ثانية، فإن «المحتوى التعليمي المنشور ضمن برنامج (جاهزون للدراسة) سيغطي مجموعة واسعة من المواضيع والقضايا، من بينها نصائح وحيل متعلقة بالرياضيات، ودروس اللغة، والاختراعات العلمية، ونصائح واستراتيجيات إدارة الوقت، إضافة إلى كيفية التعامل مع القلق من الامتحانات».
وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، قالت ساشا الجردي، رئيسة برمجة المحتوى في «تيك توك» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن المنصة تعمل على تعزيز المحتوى التعليمي، الذي يجمع بين التعلم والترفيه لإشراك طلاب المدارس الثانوية بشكل إيجابي، وتعزيز تبادل الأفكار داخل المجتمع.
ثم أوضحت أن «الهدف من إطلاق مركز التعليم على المنصة School Ready أو (جاهزون للدراسة)، هو دعم طلاب المدارس الثانوية بمجموعة واسعة من المواضيع والمعلومات من قبل منصات تعليمية موثوق بها، تُوفر محتوى التعليم المدرسي، والدروس حول مواضيع مختلفة لطلاب الصف العاشر إلى الصف الثاني عشر (أي المرحلة من الصف الأول الثانوي وحتى الصف الثالث الثانوي)». ولفتت الجردي إلى أن «المركز يقدم أيضاً نصائح من خبراء الصحة العقلية حول التحضير للامتحانات في التعليم العام، وكيفية الاستعداد للاختبار، بهدف تحفيز الطلاب على تحقيق أهدافهم الأكاديمية».
أيضاً أفادت الجردي بأن «إنشاء مركز متخصص في المحتوى التعليمي على المنصة، يأتي في إطار الجهود المستمرة لدعم التعليم على المنصة»، وأنه إضافة إلى برنامج «جاهزون للدراسة»، أطلقت المنصة في وقت سابق برامج مثل: «تعلم على تيك توك» الذي يهدف إلى تشجيع المجتمع على مشاركة المحتوى المتعلق بالحياة اليومية، والمحتوى التعليمي حول العلوم الإنسانية والعلوم والفن والتصوير الفوتوغرافي والأعمال. وأردفت أن وسم «تعلم على تيك توك» حقق حتى الآن 9.6 مليار مشاهدة على «تيك توك» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتابعت رئيسة برمجة المحتوى في «تيك توك» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كلامها فقالت إنه في إطار جهود دعم العملية التعليمية، أطلقت المنصة من قبل وسم «بوك توك »BookTok، وفيه يجمع المستخدمون ما بين المتعة التي ترافق قراءة الكتب، وإمكانية التفاعل مع المحتوى الموجود على «تيك توك». وأضافت أن «بوك توك» حقق حتى الآن 1.9 مليار مشاهدة على «تيك توك» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنه «لضمان التعليم المناسب والمحتوى المفيد للطلاب، تعاونت (تيك توك) مع المنصات التعليمية الأكثر شهرة في المملكة العربية السعودية ومصر، ومنها (أبواب)، و(أكاديمية نون) و(نفهم)، إضافة إلى العمل مع شركاء آخرين، والاعتماد المحتوى المعتمد من منشئي المحتوى التربويين الموثوق بهم الذين يقدمون مادة مفيدة للمجتمع».
ما يستحق الذكر أن اهتمام «تيك توك» بالمحتوى التعليمي يأتي في وقت تتعرض فيه المنصة للحظر على الهواتف الحكومية في بعض الدول، بينها الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب اتهامات للمنصة بـ«التأثير على الصحة النفسية للمراهقين، ونشر محتوى خطر».
وحول هذا الجانب قالت ساشا الجردي: «فيما يتعلق بالمستخدمين الأصغر سناً على المنصة، فإنه يجري العمل بشكل منتظم على تحسين مزايا الأمان، وتحديث إرشادات المجتمع لحماية المستخدمين بشكل أفضل... ولقد حدّثت المنصة أخيراً ميزة الاقتران العائلي لتشمل حدود وقت الشاشة اليومية المخصصة، ولوحة معلومات وقت الشاشة وكتم الإشعارات».
وعلى صعيد آخر، ووفق بيان لـ«تيك توك»، وتزامناً مع إطلاق برنامج «جاهزون للدراسة» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أعلن عن إطلاق محتوى تعليمي متخصص في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية، جارية مراجعته، والتأكد من ملاءمته للمراهقين، من خلال مجموعة من الشركاء بينهم «معهد بوينتر» الأميركي.
وأعرب نيل براون، رئيس المعهد في بيان صحافي حول إطلاق المحتوى العلمي «عن سعادته للشراكة بين المعهد و(تيك توك)، للعمل على تحسين جودة المحتوى التعليمي المتخصص في العلوم والرياضيات، وتقديم تجربة آمنة للمستخدمين».
وأضاف أن الإبداع في المحتوى الذي تقدمه «تيك توك» يجعلها مصدراً مهماً للترفيه والمعرفة في آن واحد.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أرجعت الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، «اهتمام (تيك توك) بالمحتوى التعليمي إلى 3 أهداف... الأول هو محاولتها تحسين صورتها الذهنية المرتبطة لدى كثيرين بالترفيه والرقص والغناء، ومتابعة التحديات غير المجدية، وهو ما حدا ببعض الدول إلى حظر هذا التطبيق على أراضيها». وأوضحت عبد الغني أن «هذه ليست الخطوة الأولى في هذا المجال، إذ أعلنت المنصة أخيراً عن عدد من التحديثات التي تتضمن تحديد وقت محدد للمراهقين لا يزيد على 60 دقيقة يومياً لمشاهدة المحتوى على المنصة، وإضافة 3 خصائص جديدة إلى إعدادات ربط الحسابات بالعائلة».
ثم تابعت: «أما الهدف الثاني من نشر المحتوى التعليمي فهو المنافسة... إذ كانت منصة (يوتيوب) قد أدخلت أخيراً الكثير من المزايا لدعم المحتوى التعليمي. وفي إطار المنافسة أطلقت (تيك توك) (جاهزون للدراسة)، بالتعاون مع بعض المنصات التعليمية الأكثر شعبية في المنطقة... وبالإضافة للهدفين السابقين، فإن هدف (تيك توك) الثالث هو زيادة أرباح المنصة عبر زيادة عدد المتابعين، وفتح آفاق جديدة لإنتاج محتويات تعليمية». وترهن عبد الغني نجاح «تيك توك» في تحقيق أهدافها بجودة المحتوى التعليمي، وقدرته على المنافسة، إضافة إلى فاعلية سياسات الخصوصية والسلامة الرقمية.


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».