أجواء رمضان الجمالية: رؤية فلسفية معاصرة

مسلمون يحتلفون بحلول شهر رمضان في القدس (د.ب.أ)
مسلمون يحتلفون بحلول شهر رمضان في القدس (د.ب.أ)
TT

أجواء رمضان الجمالية: رؤية فلسفية معاصرة

مسلمون يحتلفون بحلول شهر رمضان في القدس (د.ب.أ)
مسلمون يحتلفون بحلول شهر رمضان في القدس (د.ب.أ)

في العقود الثلاثة الأخيرة تزايد الاهتمام بـ«صناعة الأجواء» الجمالية، وبرز اسم الفيلسوف الألماني جيرنوت بوهمه (1937 – 2022) ومفهومه الجديد عن ماهية الغلاف الجوي، حيث يمزج في مؤلفاته بين الفلسفة والهندسة المعمارية وتصميم المناظر الطبيعية والسينوغرافيا والموسيقى والفنون المرئية، فيما يشبه نزعة إنسانية جديدة تعزز «ديمقراطية الثقافة»، ومشاركة الجميع في الفن وأعماله.
«الغلاف الجوي» يتوسط كل شيء في حياتنا، ما في الفضاء وما على الأرض، يؤثر فينا ويتأثر بنا، وصار اليوم إحدى التيمات الأساسية في مجال الجماليات والفنون أيضاً، خصوصاً مع انتشار العوالم الافتراضية والتكنولوجيا الرقمية.
ورغم صعوبة أفكار بوهمه الفلسفية، فإن أصحاب الثقافة العربية والإسلامية هم الأقرب إلى استيعابها وفهمها، بمجرد أن يستحضروا أيام وليالي شهر رمضان المبارك، ويتأملوا: كيف تلعب «الثقافة» بالجغرافيا؟ وكيف تلون الأجواء الرمضانية وجداننا، وتؤثر على تصوراتنا وتفاعلاتنا؟
(1)
يعترف بوهمه بأن «صناعة الأجواء» عنوان متناقض: لأن الصنع يتعلق بشيء ملموس، بينما الغلاف الجوي ليس كذلك. المثال الذي يسوقه لشرح فكرته هو «فن المسرح» الذي تتجلى فيه المفاهيم الرئيسية للغلاف الجوي، وكيف يتم التلاعب الفني بالأجواء (عن قصد) للتأثير على مزاجنا ومواقفنا وعواطفنا، من خلال استخدام الديكور والإضاءة ودرجة الحرارة والصوت والعناصر الحسية الأخرى التي تتّحد معاً لتمارس تأثيراً معيناً.
ولا غرابة في ذلك، فقد انتقلت مفردات الغلاف الجوي من الأرصاد الجوية إلى قاموسنا اللغوي منذ القرن الثامن عشر، ولم تعد الآن مجرد «استعارات» أو صيغ بلاغية نستخدمها في وصف الحالات الإنسانية المزاجية والعاطفية، في مجال: الجماليات والسياسة والعلاقات الاجتماعية، مثل: تلطيف الأجواء، والمناخ السياسي، وجو المفاوضات، وأجواء من التوتر ملبّدة بالغيوم، وأجواء ودّية، وسحابة صيف، وفجر جديد في العلاقات الدولية... إلخ.
ما يعني أن «الأجواء» في حضارتنا المعاصرة ليست غلافاً خارجياً محايداً أو خلفية سلبية ساكنة، بل قوة حيوية ديناميكية تشكّل فهمنا للعالم من حولنا.
وفي السنوات الأخيرة، انتشرت أفكار بوهمه وامتدت إلى المعارض الفنية العالمية التي تداعب الحواس الخمس، وتبتلع الجمهور داخل الأعمال الفنية الشهيرة لفان جوخ ودافنشي وبيكاسو وغيرهم، عبر دوامات من الألوان والأنغام والعطور التي تغمر الزوار، وتتحدى الحدود التقليدية السابقة بين الفن والتكنولوجيا بطرق جديدة ومعقدة.
وألهمت أدوات الذكاء الصناعي –في ديسمبر (كانون الأول) 2022– أجواء أسواق الكريسماس وأعياد الميلاد في الغرب عبر الجمع بين المكونات المادية والعوالم الافتراضية: الضوء الدافئ المنبعث من الشموع، وتألق العرض الرقمي المبهر للبضائع، مع الإحساس بالدفء المنبعث من الحشود البشرية في الشوارع ومراكز التسوق، وتصاعد روائح اللوز المحمص، وكعكة التفاح، والنقانق، وطعم المخبوزات الطازجة.
فيما يشبه تقريباً الأجواء الرمضانية المتلألئة في ليالي الرياض والقاهرة وبيروت وغيرها، حيث تتزين الشوارع بالفوانيس والأهلّة والنجوم والزخارف والمنمنمات الإسلامية والأقمشة الخيامية، وتحتضن روائح البخور والعود والمسك والعنبر الشموع الملونة العطرية، وتتراص التمور وقمر الدين والكركديه والخرنوب حول القطائف والكنافة والياميش والمشاوي، على وقع دقات المسحراتي ومدفع الإفطار وأصوات الابتهالات والإنشاد الديني.
(2)
الأجواء ليست مجرد ظواهر طبيعية وجمالية فقط، ولكنها تتأثر أيضاً بالعوامل الثقافية والتاريخية والاجتماعية، كما يشير بوهمه، ذلك أن أماكن العبادة، على سبيل المثال، ليست مجرد مبانٍ مادية مثل غيرها، وإنما تكتسب ماهيتها أساساً من أهميتها الروحية والثقافية.
الشيء نفسه ينسحب على الأماكن التاريخية والتراثية، ذلك أن الغلاف الجوي هو وسيط (غير ملموس) بين الذات والموضوع، ومن ثم يقترح بوهمه دارسة الأجواء من الجانبين، لأن: «الأجواء مساحات تحتضن حالات مزاجية فريدة ومتباينة»، وأفضل ترجمة لهذه العبارة هي «قهوة الفيشاوي» في خان الخليلي بالقاهرة، ورغم تجاوز عمرها أكثر من مائتي عام، وأنها هُدمت وأُعيد بناؤها أكثر من مرة، فإنها ظلت على عهدها الأول كمساحة مكانية متميزة تحتكر فنون السرد والسمر واللعب والصحبة والذكريات، وتحتضن في نفس الوقت الحالات المزاجية والسمات الشخصية والنماذج البشرية شديدة التباين والتفرد: من العامة والدهماء والبسطاء، والمشاهير والكتاب والفنانين، والحرافيش والدراويش والحكام والباشوات والبكوات.
لقد منحها الموقع الجغرافي –إضافةً للعمق التراثي– هـذه المكانة. حيث يقع «مسجد الحسين» على يسار البوابة الرئيسية لعبور خان الخليلي، وعلى اليمين يوجد الأزهر الشريف، إضافة إلى تصميمها على الطراز العربي الإسلامي القديم: المشربيات والزجاج المعشّق الملوّن والمرايات والثريّات وخشب الأرابيسك المطعّم بالصدف.
وتكاد تشم عبق التاريخ في ربوعها، فلونها البنّي المحروق وحوائطها الصفراء الداكنة بفعل دخان الشيشة وآثار الزمان، جعلت منها مزاراً لعشاق الأصالة والتراث على مر العصور.
وهي مقسمة إلى حجرات، لكل منها تاريخ خاص و«أجواء خاصة»: حجرة «الباسفور» مبطنة بالخشب المطعم بالأبانوس، تمتلئ بالتحف والثريّات النادرة والكنب العربي المكسو بالجلد الطوبي، أدواتها من الفضة والكريستال والصيني، وكانت مخصصة للملك فاروق في رمضان، وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب.
أما «التحفة» فهي من أقدم حجرات القهوة، وهي اسم على مسمى؛ حيث الصَّدَف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسوّ بالجلد الأخضر، وهي خاصة بالفنانين.
وتوجد حجرة ثالثة تسمى «القافية»، وهي أشبه بموسوعة كاملة لأجمل القفشات واللعب الساخر بالكلمات، إذ كانت الأحياء الشعبية في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في فن القافية، عن طريق زعيم يمثلها، من سماته خفّة الظل وسرعة البديهة واللماحية وطلاقة اللسان والقفشة اللاذعة، فكان يبدأ ثم يرد عليه زعيم آخر (إشمعنى)... وهكذا حتى يُفحم أحدهما الآخر، وسط ضحكات وقهقهات الحاضرين.
(3)
الانغماس في الأجواء الجمالية والترفيهية أدى إلى تحول الجماليات إلى نظام من الانعكاسات المعرفية، كما أفرز بدوره إشكاليات معرفية جديدة طالت مفهوم «الزمان» و«المكان»، ومن ثم أصبح السؤال الراهن: أين تقع الحدود بالضبط بين الفضاء والأرض؟ لا سيما مع حالة التماهي بين مستخدمي العوالم الافتراضية في «الفضاء السيبراني» ورواد الأسواق والمعارض الفنية والحفلات الترفيهية على «الأرض».
وأُشير هنا إلى «موسم الرياض» في المملكة العربية السعودية بمختلف فعالياته وأنشطته، كنموذج عالمي تطبيقي لنظرية الأجواء الجمالية عند بوهمه وكيفية صناعتها بمهارة في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر.
الجديد هنا أن هذا النموذج الخاص من «نظرية الأجواء الجمالية» جاء ضمن تخطيط علمي مدروس لتحقيق حزمة من الأهداف الطموحة، في مقدمتها: «جودة الحياة» داخل رؤية وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (للمملكة 2030)، من خلال هيئة الترفيه التي يُبدع في إدارتها المستشار تركي آل الشيخ.
وكلما شاهدت كمَّ الإبهار والمتعة في ليالي الرياض الفنية ومدى تفاعل النجوم وتألقهم فضلاً عن انغماس الجمهور في الأجواء الجمالية الترفيهية، أقارن بشكل آليٍّ بين: كيف كنا في الماضي وكيف أصبحنا في الألفية الثالثة، من حيث الإمكانيات الحديثة والعوالم الافتراضية والوسائط التكنولوجية والنظريات الجمالية والتخطيط والتنفيذ والاستراتيجيات الجديدة؟
وتحضرني هذه الواقعة التاريخية التي تكشف عن مدى حب الجمهور العربي للفن والفنانين، وشغفه بالأجواء الجمالية الترفيهية على مر العصور، حتى ولو كانت الإمكانيات المادية والتكنولوجية متواضعة، فما بالك بما نمتلكه اليوم!
ففي إحدى ليالي شهر رمضان اعتلى عبده الحامولي (1836 - 1901) ألمع المطربين في عصره، مئذنة «مسجد الحسين» لينقذ بصوته الجميل حي الجمالية في القاهرة من كارثة محققة.
كان الحامولي جالساً على قهوة «الخان» يدندن لمجموعة من أصدقائه (يهوداً ومسلمين ومسيحيين ولا دينيين) في ضيافة الخواجة إسكندر، أشهر تاجر منيفاتورة بالمغربلين، وما إن علم رواد القهاوي المجاورة بوجوده حتى تدافعوا داخل القهوة وخارجها، ليشاهدوا الحامولي، إذ لم تكن وسائل الإعلام والميديا في ذلك الزمان كما هي اليوم، ومن شدة الزحام والاختناق وخشية نشوب معركة كبيرة بين أصحاب القهاوي والفتوات في هذا الشهر الكريم، نصح أحد المقربين الحامولي بحل عبقري يُرضي جميع الأطراف، خصوصاً جمهوره الذي لا يملك المال لسماع صوته في الحفلات، وتَمثل هذا الحل في اعتلائه مئذنة المسجد لينشد بعض المدائح النبوية.
وجرت العادة على أن تُنشَد المدائح والتسابيح عقب أذان العشاء وصلاة التراويح من أعلى المنابر، لا سيما في العشر الأواخر من رمضان وتسمى بـ«التواحيش» في توديع الشهر الكريم، وبث ما لفراقه من الوحشة في النفوس.
وما إن بدأ الحامولي إنشاده الديني بصوته الجميل المنحدر إلى المسامع، حتى اكتظت ساحة الميدان وأسطح المنازل بالناس، وعلى أثر كل وقفة من وقفاته كان الجو يمتلئ تهليلاً وتكبيراً:
يا من تُحلّ بذكره
عُقد النوائب والشدائد
يا من لديه الملتقى
وإليه أمر الخلق عائد
وترتفع الآهات من الصدور كدويّ البحر الهادر: الله الله الله
واستمر الحامولي على هذه الحال لساعات من دون انقطاع.
بقي أن تعرف عزيزي القارئ أن رواية هـذه الواقعة –التي لا أملّ من تكرراها والكتابة عنها- على عُهدة الخواجة إسكندر، جدّ كاتب هذه السطور، الذي دوّن في مذكراته الكثير عن «أجواء رمضان العالمية» في ذلك الزمن الجميل.
* باحث مصري



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.