فرقة «مشروع ليلى» تختتم مهرجانات «أعياد بيروت» لتضخ الشباب في شرايين العاصمة

خاطبت جمهورها الغفير بلغة مباشرة فحاكت معاناته حول الحب والوطن

فرقة «مشروع ليلى» تختتم مهرجانات «أعياد بيروت» لتضخ الشباب في شرايين العاصمة
TT

فرقة «مشروع ليلى» تختتم مهرجانات «أعياد بيروت» لتضخ الشباب في شرايين العاصمة

فرقة «مشروع ليلى» تختتم مهرجانات «أعياد بيروت» لتضخ الشباب في شرايين العاصمة

هي لغّة فنيّة مختلفة لا تشبه بمضمونها أو أسلوبها المباشر أي لغة أخرى، خاطبت بها فرقة «مشروع ليلى» الغنائية جمهورها، مختتمة بذلك مهرجانات «أعياد بيروت» لصيف 2015.
ففي أجواء شبابية بامتياز سادها الحماس والتفاعل المباشر ما بين أعضاء الفرقة الخمسة وجمهورها العريض، استهلّت حفلة الختام للمهرجانات المذكورة، مشهد تلوّن بوقوف المئات من الحضور أمام المسرح مباشرة، بينما جلس عدد آخر منه على مقاعده ليتابع واحدة من السهرات الغنائية النابضة بالحياة، فضخّت في شرايين بيروت المتعبة بفعل مشكلاتها السياسية والبيئية دم الشباب وأنعشتها من جديد.
«على بابه» هي الأغنية الأولى التي بدأ فيها أعضاء الفرقة الخمسة برنامجهم الفني على المسرح. وعلى وقع تصفيق حار من قبل الحضور، وصراخ حماسي لم يتوقّف طيلة الحفل من حناجر الشباب، وقف مغنّيها حامد سنّو وسط المسرح مرتديا بنطال صيادي السمك، المرفوع قليلاً عن مستوى القدمين، يرافقه كل من العازفين إبرهيم بدر وكارل جرجس وهيغ بابازيان وفراس أبو فاكر.
ومن بعد موّال طويل أطلقه حامد سنّو بصوته العريض، أكمل هذه الأغنية الرومنسية التي يتوجّه بها إلى الحبيب، والتي تقول: «قلبي بدق على بابه وبيشتهي غيابه قلبي بدق على بابه وبيتلهّف عذابه». ومن ثم توجّه للحضور قائلاً: «شكرًا لأنكم هنا، شكرًا لمنظمي مهرجانات أعياد بيروت، في هذه الحفلة سنغني لآخر مرة أغاني البومنا الثالث، لأنكم في المرة المقبلة ستستمعون إلى البومنا الرابع والجديد الذي سيرى النور قريبًا». هنا هاج الحضور حماسًا وراح يصفّق بحرارة لهذا الخبر السعيد، وليتبعه محمد سنّو بأغنية «بحر» التي يتوجّه بها إلى شخص فقده بعد أن ابتلعته مياه البحر وأسماه «أخوي»، «يا بحر رجعلي أخوي.. الموج سرقلي أخوي.. أخذته حدّ البحر خلّ المياه تطهّره أخذته حدّ البحر دبغت الموج بدمه».
وبعدها كرّت سبحة أغاني هذه الفرقة الغنائية التي تعدّ الوحيدة في لبنان التي طالت العالمية، رغم أنها تؤدّي أغانيها بالعربية على وقع موسيقى غربية (فوك/ أندي روك).
«أم الجاكيت» و«عبدو» و«الحلّ رومنسي» و«فساتين» و«إسكندر معلوف» و«شمّ الياسمين» وغيرها، شكّلت أغاني القسم الأول من هذه الحفلة. اتسّمت معظم هذه الأغاني بصور قاسية ورومانسية حينًا، ونقدية ساخرة أحيانًا أخرى. وبغضّ النظر، إن استطعت فهم كلمات الأغنيات أو لا، أو إذا ما أعجبك أسلوب أدائها الملوّن بالعبثية والسخرية، فهي كانت بمثابة العصا السحرية التي ما أن تتحرّك نوتاتها الموسيقية الصاخبة في الأجواء، حتى يتحوّل الجمهور المتعطّش لسماعها، إلى أداة شغوفة بوقعها على آذانهم، تجعله يقفز ويرقص ويصرخ ويلوح بيديه للدلالة على انسجامه الكبير معها.
اعتمد استعراض فرقة «مشروع ليلى» الذي قدّم على مسرح مركز بيال للمعارض وسط بيروت، على المؤثّرات البصرية التي رافقت معظم أغانيه. فكانت تتحكّم بلوحاتها الغنائية إضاءة قوية تارة وخافتة تارة أخرى، طالت بأشعتها الملوّنة (الأحمر والأخضر والليلكي)، جمهورًا غفيرًا ملأ المقاعد والمساحة الكاملة للمكان التي تجري فيه. كما لجأت الفرقة في معظم الأحيان إلى عرض الكليبات المصوّرة الخاصة بكل أغنية من أغنياتها، على شاشة عملاقة ثبّتت خلفها مباشرة على المسرح.
وعندما بدأ أداء أغنية «ونعيد» قدّم لها حامد سنّو قائلاً: «هذه الأغنية كتبتها في المرة الأولى لتحكي عن تفاؤلنا بأوضاع لبنان، عندما اجتاحتنا خطابات السياسيين المشيرة إلى مستقبل جميل، ولكن عندما لمست أنها كانت مجرّد وهم حاولوا أن يعيّشونا في صندوقه، أعدت كتابتها من جديد لتنبع من الواقع». وتقول الأغنية: «فينا نزعزع لينهار القفص اللي صرناه قللي من شو خايفين؟ فينا نقاوم ليهلك الخيال اللي حاربناه قل لهم لسّه صامدين.. قل لهم لسّه صامدين قل لهم مش جوعانين».
وقد تكون أغنية «للوطن» التي قدّمتها الفرقة مباشرة بعد «ونعيد»، هي الوحيدة التي ركّبت كلماتها بأسلوب طبيعي تفهمه. «غيرنا روّض أعاصير ليتحكّم بالمصير، ونحنا من النسيم منطير ومنرتد على التدمير وبس تتجرّأ بسؤال عن تدهور الأحوال، بسكّتوك بشعارات عن كل المؤامرات.. علّموك النشيد قالوا صراعك مفيد للوطن، خدّروك بالوريد قالوا خمولك مفيد للوطن».
حرصت الفرقة على التواصل مع جمهورها طيلة الحفلة، فكان مغنيها حامد سنو يسأل مرة عن جودة الصوت، ومرة أخرى يطلب منه تقليده بنفس طريقة التصفيق التي يقوم بها على أنغام أغنية ما. كما آثر مرات أخرى مطالبة الجمهور بالرقص والتقيّد بإشارات الفوكاليز التي يتبعها في الأداء. أما الصورة الفوتوغرافية التقليدية التي تلتقطها الفرقة مجتمعة للذكرى في كل حفلة تقدّمها، وهي تدير بظهرها لجمهورها الملوّح لها، فأخذت حيّزًا من حماسه الذي كما بدا كان ينتظر هذه اللحظة بشغف.
وفي القسم الأخير من الحفلة الذي استهلّ بتقديم أغنية الفرقة الجديدة «3 دقائق»، لحقت بها أغانٍ أخرى مثل «رقصة ليلى» و«إم بم بللح»، التي ألهبت الأجواء بإيقاعها السريع، خصوصًا وأنها تشكّل أشهر أعمالها منذ بدايتها حتى اليوم. وبعد أن ودّعت الجمهور خاتمة هذه السهرة، عادت الفرقة مرة أخرى إلى المسرح بعد إلحاح كبير من جمهورها، وغنّت «إني منيح» و«get lucky» و«تاكسي».
استعراض غنائي غريب قلبًا وقالبًا جذب شباب اليوم من كل أطيافه بموسيقاه ولوحاته الفنية، اختتم مهرجانات «أعياد بيروت» لصيف 2015. هذه المهرجانات التي قدّمت 9 حفلات متتالية، شارك فيها 32 فنانًا من لبنان والعالم مفتتحًا إياها المطرب وائل كفوري، وكانت الحفلة الأقوى والأهم حسب قول أحد منظميها أمين أبي ياغي صاحب «ستار سيستيم»، وهي واحدة من الشركات الثلاث المشاركة فيها (2u2c وproducion factory)، مشيرًا إلى أنها استقطبت 50 ألف شخص وبأنها من الأنجح في المهرجانات المقامة هذا الصيف إن من ناحية التنظيم أو عدد الناس الذين استقطبتهم.
تجدر الإشارة إلى أن فرقة «مشروع ليلى» التي ولدت عام 2008 في بيروت، سبق وشاركت في مهرجانات لبنانية أخرى على مدى السنوات الماضية، كـ«مهرجانات بيبلوس» في عام 2010، و«مهرجانات بعلبك» في عام 2012. كما أطلّت عالميًا عبر محطات عدة بينها على غلاف مجلة «رولينغ ستونز» عام 2014، فكانت أول فرقة عربية تظهر على صفحاتها، كما أدت أغنيتي «توكسيك» لبريتني سبيرز و«غدًا يوم أفضل» المستوحاة من أغنية «كلينت استوود» بعد أن عرّبتهما.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».