كم من الوقت يحتاجه البشر لاستعمار كوكب آخر؟

كم من الوقت يحتاجه البشر لاستعمار كوكب آخر؟
TT
20

كم من الوقت يحتاجه البشر لاستعمار كوكب آخر؟

كم من الوقت يحتاجه البشر لاستعمار كوكب آخر؟

في حين أنه لا يوجد إجماع علمي على استعمار المريخ بحلول عام 2050 قدم علماء آخرون آراء أقل تفاؤلاً مثل لويس فريدمان مهندس الملاحة الفضائية المؤسس المشارك لمنظمة «The Planetary Society» غير الربحية، على Gizmodo عام 2019، الذي يقول «إن استعمار المريخ غير مرجح في المستقبل المنظور». بينما يقول راشيل سيدلر عالم الأعصاب بجامعة فلوريدا الذي عمل مع رواد فضاء بوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) «ان الناس يحبون أن يكونوا متفائلين بشأن استعمار المريخ. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تصل البشرية إلى المريخ في غضون عقود. إذ تخطط الصين لبدء إرسال أطقم بشرية إلى المريخ عام 2033. وتهدف ناسا إلى إرسال رواد فضاء الى هناك بحلول أواخر 2030 أو أوائل 2040. وانه بمجرد وصول البشر إلى هناك يمكن أن تكون الخطوة التالية هي بناء مستعمرة».
وفيما يخص الإجابة على الأسئلة التي تدور عن الوقت الذي يستلزم البشر لاستعمار كوكب آخر، يقول سيركان سايدام نائب مدير المركز الأسترالي لأبحاث هندسة الفضاء الأستاذ بجامعة نيو ساوث ويلز بسيدني «ان الإجابات على هذه الأسئلة تعتمد بشكل كبير على الكوكب الذي تتحدث عنه. فبالنسبة إلى كوكب المريخ فإن العقود ليست بالضرورة إطارًا زمنيًا غير واقعي؛ فالاستعمار البشري للمريخ ممكن في غضون عقود»، وفق ما نشر موقع «لايف ساينس» العلمي المتخصص.
والاستعمار يعني درجة معينة من الاكتفاء الذاتي ولكن ليس بالضرورة الاستقلال التام عن الأرض.
ويقارن سايدام المريخ بجزيرة نائية لا تزال بحاجة إلى مواد أساسية تستوردها من حين لآخر. موضحا «سيتم إرسال معظم المعدات والأدوات من الأرض. لكني لا أعتقد أنه يمكن تصنيع شاحنة على سطح المريخ».
من جهة أخرى، سيحتاج المريخ إلى إنتاج شيء ما من أجل مستعمرة طويلة الأجل لتكون قابلة للحياة. ومن الناحية المالية السياحة الفضائية هي أحد الخيارات، لكن سيدام يشير إلى استخراج المعادن كمفتاح لنجاح هذا الاستعمار. فعلى سبيل المثال، يمكن للتعدين الفضائي على الكويكبات القريبة للحصول على مواد ثمينة مثل البلاتين أن يخلق اقتصادات فضائية جديدة، وبالتالي يدفع المزيد من الاستثمار والاستكشاف.
وعلى الرغم من أن المريخ هو الخيار الأكثر واقعية للاستعمار خارج كوكب الأرض، إلا أن جارنا الأحمر ليس بالضبط الكوكب الأكثر ملاءمة للبشر؛ فالغلاف الجوي للمريخ يحتوي على أكثر من 95 % من ثاني أكسيد الكربون؛ والجو بارد حقًا بمتوسط درجة حرارة يصل لحوالى 80 درجة فهرنهايت تحت الصفر (ناقص 60 درجة مئوية)؛ وتستغرق المركبة الفضائية من الأرض الى هناك لحوالى 8.5 شهر للوصول مع التعرض للإشعاعات الضارة.
وفي هذا الاطار، فمن شبه المؤكد أن هناك المزيد من المنازل الجديدة المضيافة التي يمكن العثور عليها على كواكب خارج نظامنا الشمسي تسمى «الكواكب الخارجية». غير ان مشكلة الكواكب الخارجية هي أنها بعيدة جدًا جدًا. ولم نرسل حتى مركبة فضائية إلى كوكب خارج المجموعة الشمسية. وكانت المجسات الوحيدة التي غادرت نظامنا الشمسي هي «فوييجر 1 و 2»؛ والتي استغرقت 35 عامًا و 41 عامًا للذهاب ما بين النجوم. أما الكواكب الخارجية فهي أبعد من ذلك بكثير.
من جهته، يقول فريدريك مارين عالم الفيزياء الفلكية للثقب الأسود في المرصد الفلكي لستراسبورغ بجامعة ستراسبورغ بفرنسا «سيستغرق أقرب كوكب خارج المجموعة الشمسية عدة عشرات آلاف السنين للوصول إلى تقنيتنا الحالية».
وفي حين أن وقت السفر لاستعمار كواكب خارجية يعد أمرا مستحيلا، إلّا ان مارين الذي يدير عمليات محاكاة حاسوبية للسفر بين النجوم من خلال فضوله العلمي يتوقع أن ينهار في المستقبل القريب بفضل المركبات الفضائية الأسرع. مرجحا «كل مائة عام وكل قرن تزداد سرعة وسائل الدفع بمقدار 10 أضعاف. وبعبارة أخرى، بينما يتعلم البشر كيفية السفر بشكل أسرع في الفضاء مع مرور كل قرن، يمكن أن ينخفض وقت السفر المحتمل إلى الكواكب الخارجية من عشرات الآلاف من السنين إلى آلاف السنين، ثم إلى مئات السنين».
ووضع مارين سيناريو افتراضيًا للوصول إلى كوكب خارج المجموعة الشمسية يكون على الأقل مضيافًا للبشر في غضون 500 عام. علما انه لا تزال الرحلة التي تستمر لقرون تتطلب مركبة فضائية تقودها أجيال متعددة من البشر، ومعظمهم لن يروا أبدًا الكوكب الخارجي الذي تم استعماره في النهاية.
وتشير محاكاة مارين إلى أن حوالى 500 شخص هم مجموعة انطلاق مناسبة لسفينة مستعمرة متعددة الأجيال. لكن كيف سيتعامل البشر مع قضاء بقية حياتهم على مركبة فضائية وكيف سيتعامل نسلهم مع الولادة في حياة السفر بين النجوم تثير أسئلة وشكوكًا أخلاقية.
ومع تغير المناخ والتحديات الأرضية الأخرى التي تهدد بدفع البشر إلى الانقراض قبل أن نكسر السفر بين النجوم، ليس هناك ما يضمن أننا سنستعمر الكواكب الخارجية على الإطلاق، وفق مارين.


مقالات ذات صلة

 «سبايس إكس» تفقد الاتصال بـ«صاروخ ستارشيب» العملاق بعيد إطلاقه

الولايات المتحدة​ مركبة الفضاء « سبايس إكس ستارشيب» تستعد للإقلاع من منصة الإطلاق في ثامن رحلة تجريبية (ا.ف.ب)

 «سبايس إكس» تفقد الاتصال بـ«صاروخ ستارشيب» العملاق بعيد إطلاقه

أعلنت شركة «سبايس إكس» المملوكة لإيلون ماسك، أنها فقدت الاتصال بالطبقة الثانية من صاروخها الذي أطلق يوم أمس (الخميس) فوق خليج المكسيك في ثامن رحلة تجريبية له.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم لقطة من بث حي لمحاكاة هبوط المركبة «أثينا» على القمر

مسبار قمري يهبط بنجاح على القمر وحالته غير معروفة

هبط مسبار قمري مملوك للقطاع الخاص بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، ولكن بعد مرور دقائق لم يتمكن مراقبو الرحلة من تأكيد حالته.

«الشرق الأوسط» (كيب كانافيرال (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق علماء في أستراليا يكتشفون أقدم حفرة معروفة في العالم ناجمة عن اصطدام نيزك بالأرض (رويترز)

علماء في أستراليا يعلنون اكتشاف أقدم حفرة معروفة في العالم لاصطدام نيزك بالأرض

أعلن علماء في أستراليا أنهم اكتشفوا أقدم حفرة معروفة في العالم ناجمة عن اصطدام نيزك بالأرض، في حدث قد يُغيّر فهم أصول الحياة والأرض.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
تكنولوجيا صاروخ «ستارشيب» (رويترز)

«سبايس إكس» ترجئ مجدداً إطلاق صاروخها العملاق «ستارشيب»

أرجأت شركة «سبايس إكس» المملوكة لإيلون ماسك مجدداً الرحلة التجريبية الثامنة لصاروخها العملاق «ستارشيب»، وهو الأقوى من نوعه على الإطلاق إلى غد (الخميس).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة أرسلتها مركبة «بلو غوست ميشن 1» لشروق الشمس كما شوهد من القمر (ناسا)

مركبة فضائية أميركية ترسل صورة مذهلة لشروق الشمس من القمر

أرسلت مركبة الهبوط «بلو غوست ميشن 1» Blue Ghost Mission 1، التابعة لشركة «فايرفلاي إيروسبايس» Firefly Aerospace، صورة مذهلة لشروق الشمس كما شوهد من القمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».