التمر في وصفات الحلوى... وحتى المعكرونة

رفيق مائدة رمضان الدائم

دمج التمر في أطباق مالحة
دمج التمر في أطباق مالحة
TT

التمر في وصفات الحلوى... وحتى المعكرونة

دمج التمر في أطباق مالحة
دمج التمر في أطباق مالحة

بات للتمر مكانة خاصة في وصفات الطهي، و«ترِكات» الشيفات؛ إذ أصبح من مكونات أطباق عديدة، في العالم العربي، وسط حرص بعض الطهاة على تقديم تنوع بين المطبخين المصري والأوروبي.
تقدم الشيف هالة فهمي، تنوعاً ما بين المشروبات والمأكولات، التقليدية والجديدة، ومنها كيك التمر باللبن والموز والعسل الأسود والليمون، والآيسكريم بالتمر والفانيليا وعسل النحل، والعجوة بماء الورد والسمسم المحمص. كما تقدم طريقة البن المحوج بالبلح والقرفة والحبهان والقرنفل، إضافة إلى المشروب التقليدي للتمر مع الزبيب.

الشيف مي أمين تقدم وصفات متعددة للتمر في رمضان (مدونة «أكلات زيزي»)

وتقول الشيف هالة لـ«الشرق الأوسط»: «التمر مفيد للغاية، وخصوصاً في شهر رمضان؛ لاحتوائه على نسبة عالية من السكر والفيتامينات والمعادن، مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم، وكذلك يعد مصدراً للألياف والكربوهيدرات»، وتلفت إلى أنه «يمنح الجسد ما يحتاج إليه من طاقة وفائدة».
أما الشيف راندة المصري، التي تقدم أطباقاً من المطبخ الأوروبي تعلمتها من والدتها النمساوية، فإنها تحرص على إضافة التمر إلى كثير مما تقدمه، ودمجه في الحلوى بشكل خاص ومنها «الكريست شتولن» المخلوطة بالتمر والشوكولاتة وعين الجمل والزبيب مع توابل الشتولن. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يعتقد كثير من المصريين أن التمر يقتصر استخدامه على تناوله بشكل منفرد أو ذائب في الماء أو اللبن، في حين أنه من المكونات الرائعة المرنة التي تسمح بتطويعه في أكلات مختلفة، كما أنه يسمح بالدمج بين المطابخ المختلفة من دون عناء، سواء في أطباق مالحة أو حلوة».

تمر محشو بالمكسرات

أما الشيف مي أمين، فتكثر من إضافة التمر أيضاً إلى وصفات متنوعة، مثل الأرز البسمتي بالتمر وبذور الرمان والفستق والأعشاب كطبق جانبي لذيذ مع اللحم الضأن بالتوابل، ومن الأطباق المدهشة سلطة التمر مع اللفت والأفوكادو والكرنب والجوز الصنوبر وجبن البارميزان وخل الليمون، وذلك مع إضافة الملح الخشن والفلفل المطحون والقليل من زيت الزيتون، ومن الطرق السريعة ذات الشكل المميز على المائدة «التمر المحشي»، حيث تنزع النواة منه ومن ثم حشوه بالجبن أو المكسرات، كوجبة خفيفة أو «جانبية» لوجبة غداء صحية.
وكذلك تنزع مي أمين النواة، وتقوم بتغطيته بالشوكولاتة البنية أو البيضاء وتتركه في الثلاجة حتى يبرد وتثبت الطبقة الخارجية عليه، وتعد مي أمين كذلك فطيرة البقان الممتزجة بالتمر والشوفان وبذور الشيا والقرفة.

التمر المغطى بالشوكولاته (مدونة «أكلات زيزي»)

وتعتبر الشيف مي التمر بديلاً ممتازاً للسكر للأطفال والرضع، تقول: «هو فاكهة جافة متعددة الاستخدامات لذيذة بشكل لا يصدق بالنسبة لهم» وتضيف: «قم بإزالة البذور، وانقع نحو 3 قطع في الماء، واطحنها لعمل هريس، وقدمه لطفلك منفصلاً أو مضافاً إلى أي طعام»، وترى أن «مسحوق التمر الجاف كذلك مناسب للغاية لأغذية الأطفال، وكذلك تحلية الحلويات أو البسكويت أو الكيك به بدلاً من السكر».
وتتفنن الشيف زيزي، صاحبة مدونة «أكلات زيزي» في إعداد مخبوزات وحلويات بالتمر، ومنها تورتة الشوكولاتة ببيوريه التمر أو التمر المهروس والقرفة والكريمة المخفوقة وملح كوشير والبيض، و«بارات» أو «ألواح» التمر بالكراميل. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يتحد التمر والمكسرات بطريقة سحرية في نسيج كثير من الأطباق الحلوة، بعضها يستغرق وقتاً في الإعداد مثل تورتة الشوكولاتة الفادج، وبعضها الآخر سريع التحضير مثل بارات التمر بالكاجو، ببساطة امزج التمر واللوز والكاجو والقرفة وقليلاً من اللبن معاً في محضر الطعام، ومن ثم ضعه في وعاء واضغط على الخليط حتى يصبح ذا طبقة متساوية، وقم بتجميده في الثلاجة حتى يتماسك العجين، قبل تقطيعه».

مافن التمر بالشوكولاته من الشيف أسماء درويش

كما تقدم زيزي وصفة التمر وحليب جوز الهند المخفوق مع الشوكولاتة، وتقول: «ضع حليب جوز الهند في قالب مكعبات الثلج وقم بتجميده، ثم اخلط المكعبات مع مسحوق الكاكاو والتمر، ستحصل في دقائق على طعم غني بالشوكولاتة وفائدة كبيرة من التمر. إنه مشروب طازج وخفيف ومناسب للترطيب في رمضان في الوقت نفسه».

وصفات متنوعة من التمر

وعلى مدونتها «عندما تطبخ سو» تُدخل الشيف أسماء درويش التمر في وصفة لصينية المعكرونة في الفرن، ومافن الشوكولاتة، وكذلك تقدم البقلاوة والكنافة بالتمر المهروس، ومن الأطباق العربية تقدم «الكليجة العراقية» بالتمر والحليب. تقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «وصفات التمر لا تنتهي؛ وعلينا أن نغير ثقافتنا تجاهه؛ فهو مادة خصبة لوصفات عديدة، وقد لفت نظري أنه أصبح مكوناً لأطباق كثيرة في المطبخ الأميركي أخيراً، رغم عدم توفره بشكل كافٍ في أسواقها؛ ولذلك علينا أن نستفيد من توفره وبسعر منخفض في السوق العربية للابتكار في إعداد أطباق منه، حتى ست البيت تستطيع أن تفعل ذلك في مطبخها وفق ذوقها وميول أسرتها».



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».