«داعش».. من باب الربيع العربي لمحاولة تصدير الفوضى نحو السعودية

موجة الإرهاب الجديدة على المملكة تهدف لإشعال الطائفية واستهداف رجال الأمن

«داعش».. من باب الربيع العربي لمحاولة تصدير الفوضى نحو السعودية
TT

«داعش».. من باب الربيع العربي لمحاولة تصدير الفوضى نحو السعودية

«داعش».. من باب الربيع العربي لمحاولة تصدير الفوضى نحو السعودية

عودة إلى ذاكرة مليئة بالألم، وكثير من الفخر السعودي بالإنجازات الأمنية، وتحديدا أواخر أيام عام 2004 حين استهدفت عناصر من «القاعدة» قبل أن تحزم حقائب فشلها إلى اليمن، مقر قيادة قوات الطوارئ الخاصة في شرق العاصمة الرياض، حيث تمكنت حينها قوات الأمن من إفشال اقتحام سيارة مفخخة لحواجز التفتيش، وخلّف ذلك الهجوم ردا قويا من قبل الأمن على سبعة من عناصر «القاعدة» كان أبرزهم سلطان العتيبي، وبندر الدخيل، بعد ذلك الهجوم بساعات قليلة.
حينها، لم يمنع ذلك الهجوم قوات الطوارئ الخاصة التي تعد أحد الأذرع القوية في مكافحة الإرهاب ذات ليلة الهجوم في ذلك العام من أن تنطلق من معسكراتها لتطهير العاصمة من أفراد «القاعدة».
ذاكرة السعوديين مع عناصر التطرف لم ولن تغيب، فمنذ ما يزيد على عقد من الأعوام سجل التاريخ الأمني قوة في مواجهة الفكر المتطرف، وخلايا «القاعدة» التي كانت تحاول إيجاد موقع مكاني لها في الداخل، واندمجت بعد تلك الضربات مع تنظيم القاعدة في اليمن ليصبح لاحقا تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.
وفرضت اليد الأمنية قوتها في دحر تلك الخلايا، وقتل زعمائها، خاصة عبد العزيز المقرن في عام 2004 وخلَفه صالح العوفي الذي قُتل منتحرا بحزام ناسف كان يرتديه بعد مواجهة أمنية شرسة في المدينة المنورة غرب السعودية في عام 2005.
ومنذ اندلاع الثورات العربية، وزيادة وطأتها في العراق وسوريا على وجه التحديد، وعدم وضوح الرؤية الدولية عن مواجهتها مبكرا، أصبح تنظيم داعش الإرهابي ذا تردد عال لموجة إرهابية دموية تروج فيها لشعارها الأسود وفق ما يسمى بـ«دولة الخلافة» التي تحاول ترجمة ذلك بزيادة أفرادها أو كسب المتعاطفين خاصة في الداخل السعودي المتفوق أمنيا.
وفي شهر مايو (أيار) الماضي كشف المسؤول بوزارة الداخلية السعودية العميد بسام عطية في مؤتمر صحافي بعد الإعلان عن هوية مفجر مسجد القديح بمحافظة القطيف وخلية قوامها 26 شخصا تابعة لـ«داعش» أن للتنظيم أهدافا بعيدة المدى، عسكرية واقتصادية وأمنية وغيرها، وأنه لا ينبغي النظر إلى «داعش» على أنها عصابة أو مجموعة تقوم بعمل إجرامي، بل هي جماعة تعمل في شكل استراتيجي أشبه ما يكون إلى أعمال الميليشيات، وحروب الوكالة التي هي الواجهة لدول خارجية تستهدف المملكة وأمنها واستقرارها.
وأوضح الدكتور زهير العمري لـ«الشرق الأوسط» أن «داعش» تحيط بقواعد لعبة كبرى تهدف إلى غربلة الواقع السياسي، مستفيدة من مواقف الدول ذات العلاقة معها مستخدمة إياها مطية للوصول إلى تعكير صفو السلم في الخليج العربي على وجه الخصوص.
وتتعدد التحليلات عن أهداف «داعش» تجاه المملكة، وهو ما كان جليا بعد إعلان الداخلية السعودية الكبير في 18 يوليو (تموز) الماضي بالقبض على 431 داعشيا يعملون ضمن خلايا عنقودية غالب عناصرها لم تسجل عليهم أي قضايا أمنية سابقة إضافة إلى أن عددا كبيرا منهم لم يسبق لهم السفر إلى خارج المملكة.
وما بين «القاعدة» و«داعش»، فصول من الدم ترتبطان مع بعضهما فكريا، وعلى الأرض مسارات شتى من أجل هدف استراتيجي كبير وهو أمن الخليج، وفقا لحديث طلال الشمري، الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية، مضيفا أن عددا كبيرا من توابع «القاعدة» أصبحوا ضمن تنظيم داعش رغم بعض الإشكالات في الأدبيات الآيديولوجية بينهما.
واعتبر الشمري أن «التخاذل الدولي في مكافحة تنظيم داعش ساهم في بلورة سوق له عبر الشبكات الاجتماعية الموجهة إلى أقصى النطاقات الجغرافية» وأضاف: «إن معرفة زيادة عدد منتسبيها يعود إلى الأوضاع السياسية خاصة في العراق وسوريا، وتغير المنهج الداعشي إلى تحقيق الغاية بإقامة دولة إسلامية، يزيد على ذلك وفق حديثه محاولة صنع جبهة سنية لمواجهة إرهاب شيعي على أرض العراق، وهي خطابات يدعمها الإعلام المؤدلج».
ويعد الشمري محاولة تصدير الفوضى، ناتجة عن دول ضالعة من أجل التأثير على أمن المملكة ومحاولة جرها إلى حرب طائفية وسعي كبير إلى تهديد رجال الأمن سواء بأشكالهم العسكرية المنتظمة في معسكراتها أو فردية، لتوفير أرض خصبة لكن تظل ضرباتهم محدودة في النيل من السعودية، مستشهدا بالمحاولات الإيرانية لتصدير ثورتها الخمينية وكذلك تنظيم الإخوان المسلمين الذي تصنفه المملكة كتنظيم إرهابي.
وعن المرجعية التي يتبعها تنظيم داعش في تلقيه لأوامره، قال حمود الزيادي الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية لـ«الشرق الأوسط» إن تلك الخلايا مرتبطة بقادة التنظيم في سوريا والعراق وتعمل بخلايا عنقودية كما كشفت عن ذلك الداخلية سابقا، بحيث لا تتعدى الخلية الواحدة الخمسة أشخاص وتعمل وفق منهج فردي يتلقى الأوامر من قادته دون الارتباط بالخلايا الأخرى.
واعتبر الزيادي في سياق حديثه أن منهج «داعش» أصبح يمر بالنشء والمرأة لإيصال رسالة التنظيم وخطابه وضمان وجود حاضنة له وتعزيز دور «الشجاعة التي تمر بالحالة العربية تدغدغ عواطفهم وتنتج مثل هذا الإرهاب».
الجرائم الكبرى لتنظيم داعش تكشفت عبر بيانات ومؤتمرات صحافية للداخلية السعودية، حيث أثبتت التحقيقات بعد إعلان الداخلية الشهر الماضي الكشف عن الخلية الداعشية الأكبر رغم ما يعتري طبيعة هذه الخلايا غير المرتبطة من صعوبات في معرفة كل خلية بالأخرى؛ محاولة من قبل التنظيم الإرهابي إلى استهداف مقر قوات الطوارئ واستهداف الجامع التابع له الذي يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف مصل وكانت تخطط لتزامنها في ذات اليوم الذي وقعت فيه تفجيرات الكويت وتونس وفرنسا، فيما تستمر الإجراءات السعودية لحماية منشآتها مستمرة وعلى نطاق محكم.



«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)
يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)
TT

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)
يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية، وحاجياتهم الحيوية الملموسة»، متهماً «التصورات المتطرفة» بالمراهنة على تطلعات آيديولوجية تبرر التضحية بطموحات الشعوب في سبيل مشروعات ترى التدمير إنجازاً والتنمية تهمة.

وأشار «اعتدال»، الذي يتّخذ من الرياض مقرّاً له، في تقرير نشر عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، الأربعاء، إلى عدد من الأسباب التي تدفع الفكر المتطرّف إلى مهاجمة الدول المستقرة، لافتاً إلى اعتبارات متطرّفة عدة مقابل ما يقدّمه الاستقرار للتنمية والأمن والمستقبل.

الأزمات «لحظات عابرة»

الدول المستقرّة، وفقاً للتقرير، تعدّ كل أزمة «لحظةً عابرة» ينبغي تجاوزها للعودة إلى مهامها الأساسية القائمة على العناية بجودة الحياة وضمان الأمن، بينما تُعدّ الأزمات «جزءاً من عقيدة التطرف بمختلف مشاربه»، وبيّن أن الاستقرار «محك واقعي لمدى صدق الوعود والعهود التي يطلقها المتطرفون عبر خطابهم الترويجي والاستقطابي»، وللاستدلال على أن «المتطرّفين» لا يملكون أي مشروع حقيقي غير الدعوة إلى التدمير والصراع، أوضح «اعتدال» أن خُلُو العالم من الأزمات، وشيوع الاستقرار بين الدول، «سيحرمهم لا محالة من الوضع المعلق الذي تخلقه الصراعات».

وضمن الأسباب التي تدفع الفكر المتطرف إلى مهاجمة الدول المستقرة، يرى التقرير أن «الاستقرار يُمَتَّنُ حالة الولاء بين المجتمعات وبين الدول»، عادّاً أن ذلك يحول دون «تنامي المشاعر السلبية والانفعالات المريضة والحاقدة بين الناس، مما يُعدّ حرماناً للمتطرفين من مادتهم الأساسية».

ويعتقد يوسف الرميح، وهو مستشار أمني سعودي، أن الفكر المتطرّف «يحاول استهداف الدول المستقرة والدول المضطربة على حدٍّ سواء».

دوافع واختلافات

ويرى الرميح أن «الدول المستقرة ليس لديها هامش للأفكار المضطربة، مما يدفع بالمتطرفين إلى محاولة الاصطياد في الماء العكر واختراق المجتمعات عبر استهداف مواطنين، خصوصاً الشباب، ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات العامة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ بهدف خلخلة هذا النظام العام في المجتمع».

يذكر أن «اعتدال» يضطلع بمهام رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف، وحجب منافذه بمختلف أشكالها وتعطيل مصادر تغذيتها. وقد دُشّن من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وعدد من قادة الدول خلال في مايو (أيار) عام 2017 بالرياض.