ملحمة بوندارتشوك الفريدة
War and Peace ****
لم تكن السينما وُلدت بعد عندما وضع ليو تولستوي روايته الشهيرة «الحرب والسلام» سنة 1869 حول الغزو الفرنسي لروسيا سنة 1812 لذلك لا يمكن القول إنه وضعها متمنياً أن يشاهدها على الشاشة الكبيرة، لكنه لو عاش إلى عام 1965 لهاله ما صنع منها المخرج سيرغي بوندارتشوك ناسجاً من الكلمات 453 دقيقة (قرابة ثماني ساعات علماً بأن هناك نسخة معدّلة في ست ساعات) من المشاهد المبهرة التي قارعت ما أنتجته السينما الأميركية من أفلام تاريخية ومن بينها نسخة المخرج كينغ فيدور عن الرواية ذاتها التي وضعها سنة 1956.
لم تكن الرواية كلها عن المعارك والحرب، التي شنّها نابليون بونابرت حين قاد جيوشه صوب روسيا طامعاً في نصر صعب. الفصول الأخيرة من الرواية تنضح بالأفكار الفلسفية عن الإنسان والمجتمعات وبنقاشات سردية خالية من الحكايات. هذا، مبدئياً، ساعد المخرج بوندارتشوك في عمله على احتواء معظم الكتاب وتجسيد محتوياته من دون خلل أو ضعف في السياق، مركّزاً على تنفيذ نقل كامل إنما بجهد بصري مذهل وبإنتاج فني كبير.
هذا لا يعني أن المخرج لم يستوعب كذلك الجوانب الإنسانية والفكرية التي نضحت بها الرواية. المساحة الشاسعة التي خصصها لسرد فيلمه (زمنياً وإنتاجياً) سمحت له بوضع فيلم شامل يستوعب كل ما ذهب إليه تولستوي من طروحات. في الوقت ذاته كان بوندارتشوك يعلم أنه إنما ينجز أضخم فيلم تاريخي ملحمي في التاريخ والعدد الأكبر من نقاد السينما في الغرب يعتبر هذا الفيلم بالفعل كذلك.
بوندارتشوك كان الابن المدلل للسينما السوفياتية وهي رضيت بشروطه وضخّت ما يوازي 100 مليون دولار (وهذا رقم مذهل لبلد اشتراكي) كميزانية للفيلم وأمدّت المخرج بآلاف الجنود الروس لكي يلعبوا الأدوار المرسومة لهم في تلك المشاهد الطاحنة. صرف المخرج أربع سنوات سابقة للتصوير في التخطيط والتصاميم العامة وملاحقة التفاصيل.
سنة 1970 عاد بوندارتشوك لسينما التاريخ والحروب عندما حقق «ووترلو» في إنتاج إيطالي من بطولة الأميركي رود ستايغر، لكن ذلك الفيلم، على حسناته، يبدو نسخة متواضعة من «حرب وسلم».