الرؤية الأوروبية «الثلاثية» للصين والمخاوف من قيام جبهة روسية ـ صينية

(تحليل إخباري)

ماكرون يعود إلى الأضواء من الصين (إ.ب.أ)
ماكرون يعود إلى الأضواء من الصين (إ.ب.أ)
TT

الرؤية الأوروبية «الثلاثية» للصين والمخاوف من قيام جبهة روسية ـ صينية

ماكرون يعود إلى الأضواء من الصين (إ.ب.أ)
ماكرون يعود إلى الأضواء من الصين (إ.ب.أ)

معروف عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شغفه بالسياسة الخارجية، ورغبته بأن يلعب فيها دوراً رئيسياً، وجاءت الزيارة الرسمية التي سيقوم بها إلى الصين ترافقه فيها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لتعيده إلى واجهة الأضواء العالمية، نظراً إلى أهميتها بالنسبة للحرب الروسية على أوكرانيا، ودور بكين فيها، والمبادرة السلمية التي أطلقتها والتي بقيت حتى اليوم دون أي ترجمة فعلية. وبحلوله في بكين، سيكون ماكرون ثالث مسؤول غربي كبير يزور الصين منذ اندلاع وباء «كوفيد-19» قبل ثلاثة أعوام. وسبقه إليها المستشار الألماني الذي زراها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ورئيس الوزراء الإسباني هذا الأسبوع. ومن نتائج مشاركة فون دير لاين فيها أنها ستخرجها إلى حد ما من إطار العلاقات الثنائية الفرنسية - الصينية ليتسع إطارها وتصبح في إطار العلاقات الأوروبية - الصينية.
تقول مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية إن الصين «أصبحت مادة إلزامية» في الاجتماعات الأوروبية، وذلك من زاويتين: الأولى، الدور النشط الذي تلعبه على الصعيد الدبلوماسي وفي المنظمات الإقليمية والدولية كمنظمة «شنغهاي للتعاون» أو «مؤتمر بواو» الاقتصادي الذي ينهي أعماله اليوم في جزيرة هانيان جنوب الصين، ومنظمات أخرى عديدة. وللتوضيح، فإن منظمة «شنغهاي» تضم 42 في المائة من سكان العالم وتتمتع بـ25 في المائة من الناتج المحلي العالمي الإجمالي، الأمر الذي يبين أهميتها خصوصاً أنها تضم دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن «روسيا والصين»، و4 دول نووية «الصين وروسيا والهند وباكستان».
وآخر تجليات دور بكين نجاحُها في التقريب بين السعودية وإيران. والثانية، أداء الصين فيما يخص الحرب في أوكرانيا وموقفها «الغامض» من الغزو الروسي لبعض أراضيها، وخطة السلام التي طرحتها، وذلك على ضوء زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي جينبينغ إلى موسكو الأسبوع الماضي. وقال تان كيفي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية: «الجيش الصيني على استعداد لتعميق التواصل الاستراتيجي والتنسيق مع نظيره الروسي»، فيما سيقوم الجيشان بتدريبات عسكرية واسعة في الأيام القليلة المقبلة.
كانت الصين موضوعاً رئيسياً في القمة الأوروبية الأخيرة يومي 23 و24 مارس (آذار). ولا شك أن زيارة شي إلى موسكو، والدعم الذي عبر عنه للرئيس الروسي، والاتفاقيات التي توصل إليها الطرفان، والتخوف من قيام تحالف أوثق روسي - صيني بمواجهة الغرب وتبعاته، جعل منها ملفاً يفرض نفسه بقوة على الدبلوماسية الأميركية والأوروبية. وبحسب المصادر الأوروبية، فإن الأوروبيين ينظرون في الحاجة لعقد قمة مخصصة كلياً للملف الصيني في شهر مايو (أيار) المقبل. ومشكلة الأوروبيين أن مقاربتهم للصين ليست موحدة وهم منقسمون بين من يتبنى الموقف الأميركي المتشدد، ومن لا يريد الانقطاع عن الصين. وأعلن رئيس لاتفيا، آرثور كارينز بمناسبة القمة الأوروبية، أن قمة بوتين - شي «سبب لكي تفتح أوروبا أعينها؛ إذ إن كثيرين كانوا يتوقعون أن تلعب الصين ورقة الوساطة. إلا أنها لم تفعل، بل إنها وقفت بشكل واضح إلى جانب روسيا؛ ما يمثل تحدياً وصعوبة كبيرين بالنسبة لأوروبا». وذهب رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو في الاتجاه عينه بقوله: «لقد رأينا أن الصين قادرة على التأثير على روسيا، وكنا نأمل أن تستخدم تأثيرها للتشديد على احترام سلامة وسيادة أوكرانيا على أراضيها».
أضحى واضحاً اليوم أن الاتحاد الأوروبي يربط تعاطيه بالصين بموقفها من الحرب الأوكرانية. وقد عبرت فون دير لاين بوضوح عن ذلك أمس بقولها: «علينا أن نكون صريحين: الطريقة التي ستستمر فيها الصين بالتصرف حيال حرب بوتين ستشكل عاملاً حاسماً في مستقبل علاقاتنا معها». وأضافت المسؤولة الأوروبية: «على الصين واجب القيام بدور بنّاء في تعزيز سلام عادل. لكن هذا السلام لا يمكن أن يكون عادلاً إلا إذا كان قائماً على احترام سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها». وخلاصة قول فون دير لاين أن «أي خطة سلام تكرس الضم الروسي هي ببساطة غير قابلة للتطبيق»، مشيرة بذلك إلى الخطة التي طرحتها بكين في شهر فبراير (شباط) الماضي، والتي واجهها الأوروبيون بفتور واضح. ودأب مسؤولون أميركيون وأوروبيون على انتقادها؛ لأنها لم تنص على إدانة لاحتلال روسيا لأراض أوكرانية وضمها، كما لم تتضمن دعوة لخروجها من كافة الأراضي الأوكرانية المحتلة. كذلك عارض الغربيون، بمستويات متفاوتة، الدعوة الصينية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، معتبرين أن ذلك يصب في مصلحة روسيا التي ستستخدمه لتعزيز مواقعها أو لتبريد الجبهات مع الإبقاء على النزاع قائماً.
تقول المصادر المشار إليها إن قلق الغرب عنوانه قيام تحالف عميق بين بكين وموسكو. من هنا، فإن إحدى المهام التي ستكون على عاتق ماكرون - فون دير لاين دفع بكين للامتناع عن الانخراط في تحالف من هذا النوع. وأعلن الرئيس ماكرون من بروكسل، الأسبوع الماضي، أنه يتعين «دفع الصين إلى الانخراط لجانبنا من أجل ممارسة ضغوط على روسيا» في الملف الأوكراني. وقد سبق له أن أعرب عن هذا الموقف. لكن ما يتخوف منه الأوروبيون رغم قربهم من واشنطن في الملف الأوكراني، من أن السياسة الأميركية القائمة على المواجهة الرأسية والشاملة مع الصين لا تسهل الحوار مع بكين، ولا تساعد الأوروبيين في مساعيهم لمنع مزيد من الانخراط الصيني – الروسي، حيث إن الطرفين الأخيرين يريان في الولايات المتحدة الخصم المشترك الواجب مواجهته متحدين. وترى الولايات المتحدة في الصين المنافس المنهجي الشامل والرئيسي لها والخطر الذي يهدد النظام العالمي والسعي لإحداث تغييرات جيو-سياسية في آسيا والمحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي... ومناطق أخرى من العالم. ولا يريد بعض الأوروبيين، وعلى رأسهم ألمانيا وفرنسا، السير وراء هذه الرؤية الأميركية، وأن يجعل من الصين عدواً رغم الخلافات بين الطرفين. ويريد الأوروبيون طرح كافة هذه المسائل في إطار القمة الأوروبية - الصينية التي تنتظرها دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن بكين لم تعرض حتى اليوم موعداً محدداً. ومن المنتظر أن تكون أحد الموضوعات التي ستطرح بمناسبة الزيارة الثنائية للصين.
ثمة نقاط تلاقٍ عديدة بين الرؤيتين الأوروبية والأميركية للصين. ففي الرؤية الأوروبية، ينظر إلى الصين من ثلاث زوايا: الأولى، اعتبارها شريكاً تجارياً رئيسياً وجهة فاعلة يتعين التعامل معها في الموضوعات الشاملة مثل ملف البيئة وتتماته. والثانية، اعتبارها منافساً اقتصادياً وتكنولوجياً. والثالثة اعتبارها خصماً منهجياً بسبب تبنيها قيماً تناقض القيم الأوروبية «كالديمقراطية على الطريقة الغربية والليبرالية...». وأثنى أولاف شولتس، الأسبوع الماضي، على هذه القراءة، داعياً الأوروبيين للمحافظة عليها، ومؤكداً أنها «ثلاثية فاعلة ويتيعن علينا أن نبقى أوفياء لها».
عديدة هي الملفات الأخرى التي ستطرح خلال زيارة ماكرون - فون دير لاين، وليس أقلها الملفات الاستثمارية والتجارية والاقتصادية والبيئية، فضلاً عن ملفات حقوق الإنسان ووضع أقلية الإيغور، وبالتالي سيكون لقاء بكين ممهداً للقمة الأوروبية - الصينية المرتقبة التي يريد الأوروبيون التئامها قريباً لحاجتهم للتعاون الصيني.


مقالات ذات صلة

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.