تركيا تلغي منصب «الوالي».. وتتجه للتعامل المباشر مع مؤسسات المعارضة السورية

مؤشرات المنطقة الآمنة تتزايد ومسؤول تركي لـ {الشرق الأوسط}: نسعى إليها «من دون مخاطر»

مقاتلون من «الجبهة الشامية» وصلوا إلى قرية أم القرى بريف حلب قرب الحدود التركية استعدادا لمحاربة «داعش» (الأناضول)
مقاتلون من «الجبهة الشامية» وصلوا إلى قرية أم القرى بريف حلب قرب الحدود التركية استعدادا لمحاربة «داعش» (الأناضول)
TT

تركيا تلغي منصب «الوالي».. وتتجه للتعامل المباشر مع مؤسسات المعارضة السورية

مقاتلون من «الجبهة الشامية» وصلوا إلى قرية أم القرى بريف حلب قرب الحدود التركية استعدادا لمحاربة «داعش» (الأناضول)
مقاتلون من «الجبهة الشامية» وصلوا إلى قرية أم القرى بريف حلب قرب الحدود التركية استعدادا لمحاربة «داعش» (الأناضول)

توقعت مصادر تركية رسمية اقتراب اكتمال صورة الواقع الميداني في شمال سوريا مع تزايد الضغط العسكري التركي - الأميركي على «التنظيمات المتطرفة» في المنطقة، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا تسعى لإنشاء منطقة «من دون مخاطر» لا منطقة آمنة بالتوصيف المتعارف عليه. وقال المصدر إن المناطق التي تخلو من المخاطر «سوف تصبح آمنة تلقائيا في وقت لاحق».
وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا اتخذت قرارا استراتيجيا بدعم مؤسسات المعارضة السورية المعترف بها تركيا - ودوليا على أنها ممثلة للشعب السوري، وتمكين هذه المؤسسات من إدارة المناطق بعد تشكلها. وقال المصدر إن تعميما صدر من رئاسة مجلس الوزراء ومن ثم وزارة الخارجية التركية يقضي بحصر التعاون مع مؤسسات «الحكومة السورية المؤقتة» فيما يتعلق بالنشاط الإغاثي وغيره، موضحا أن تركيا تتعهد بتأمين كل الظروف المناسبة لهذه المؤسسات لإدارة المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وجعلها نواة للحكم المحلي الرشيد، مشيرا إلى أن قدرات الحكومة التركية سوف توضع بتصرف الحكومة السورية المؤقتة عند انتقالها إلى الداخل السوري لتمكينها من النجاح.
وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أيضا أن عدم تعيين وال تركي جديد للتنسيق مع المعارضة السورية، بعد انتهاء مهام الوالي فيصل يلماز، وتعيين خلف له بالوكالة اضطر بدوره للمغادرة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة على لوائح حزب «العدالة والتنمية»، «ليس أمرا سلبيا»، مشيرا إلى أن الحكومة التركية تنظر في دعوات لإلغاء هذا المنصب، وهي ستعمد إلى ذلك في حال توفرت سبل التنسيق المباشر بين إدارات الحكومة السورية المؤقتة والإدارات الرسمية التركية.
أما في الجانب الميداني، فقد أبلغت مصادر ميدانية في جنوب البلاد أن الجيش التركي استقدم المزيد من التعزيزات إلى المنطقة. وأوضحت المصادر أن المدفعية التركية التي استقدمت إلى المنطقة الحدودية «من شأنها توفير غطاء ناري مناسب يغني عن سلاح الجو، في المعركة ضد الإرهابيين».
وفي خطوة لافتة، تراجعت «جبهة النصرة»، أمام التحذيرات التركية والضغوط العسكرية الأميركية، فعمدت إلى إخلاء مناطق حدودية مع تركيا وسلمتها إلى فصائل سورية أخرى مصنفة معتدلة، ما قد يؤشر إلى إمكانية قبولها دخول وحدات معارضة إلى المنطقة الحدودية. فقد بدأت «جبهة النصرة» في الساعات الماضية انسحابا وصفته مصادر في المعارضة السورية بـ«التكتيكي» من نقاط خاضعة لسيطرتها بريف حلب الشمالي، كخطوة أولى باتجاه الانطلاق في عملية إنشاء المنطقة الآمنة التي يسعى إليها الأتراك في الجهة السورية المقابلة لحدودهم.
وقال ناشطون إن الجبهة سلّمت بعضًا من النقاط الخاضعة لسيطرتها بريف حلب الشمالي إلى فصائل في المعارضة، وبالتحديد لـ«الجبهة الشامية». ونقل «مكتب أخبار سوريا» عن الناشط الإعلامي فيصل الحلبي، أن «جبهة النصرة» اجتمعت مساء الأربعاء مع فصائل عسكرية كبرى، منها «الجبهة الشامية» و«حركة أحرار الشام» لمناقشة وضع الجبهات العسكرية والمعارك الدائرة مع تنظيم داعش في ريف حلب الشمالي. وأوضح الحلبي أن عناصر الجبهة أخلوا بعد الاجتماع، ووفقًا لشهود عيان من المنطقة، مواقعهم في ريف حلب الشمالي كما سلموا تلك النقاط القريبة من الحدود التركية بريف حلب الشمالي، للواء «سلطان محمد مراد» التابع لـ«الجبهة الشامية»، المصنّفة كفصيل معتدل.
ونقلت وكالة «مسار برس» عن «جبهة النصرة» موافقتها على تسليم النقاط التي تسيطر عليها على الحدود السورية - التركية لكتائب الثوار، وذلك بعد اجتماع ضم الفصائل العسكرية الكبرى في حلب. وأشارت الوكالة إلى أن «النصرة» قامت بتسليم قرية حور كلس لـ«لواء السلطان مراد» التابع لفصائل المعارضة المعتدلة عقب الاتفاق. كما تعهدت بإخلاء جميع مواقعها على جبهات تنظيم داعش، وتسليم جميع مقراتها في مدينة أعزاز الواقعة بريف حلب الشمالي لـ«الجبهة الشامية».
لكن مصادر في المعارضة السورية وصفت انسحاب «النصرة» من مواقعها في ريف حلب الشمالي بـ«التكتيكي والاحتيالي»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّها «أوكلت النقاط لقادة موالين لها في (الجبهة الشامية) نزولا عند رغبة الطرف التركي الذي أعلن أخيرا أنّه لن يقبل بوجود عناصر (جبهة النصرة) في المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها».
وكانت «الشرق الأوسط» نقلت في وقت سابق عن مصادر تركية رسمية تأكيدها أن تركيا لن تدخل إلى الأراضي السورية «مبدئيا» بهدف إقامة المنطقة الآمنة، مشددة على أنها سوف تحقق المنطقة الآمنة بقوة النار، على أن تستغل المعارضة السورية الغطاء الناري التركي لتحرير المدن والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
ولا يزال حتى الساعة مصير العناصر الـ13 من الفرقة الـ30 الذين اختطفتهم «جبهة النصرة» نهاية الأسبوع الماضي والذين خضعوا لتدريبات في تركيا بإطار برنامج التدريب الأميركي للمعارضة السورية المعتدلة، مجهولا. وأوضحت المصادر أن 3 عناصر من هذه الفرقة، قتلوا أيضا، علما بأن عددهم لا يتخطى الـ54 عنصرا.
وبينما تحدثت المصادر عن نحو 200 عنصر من الكتائب المقاتلة في حلب يخضعون لتدريبات بإطار البرنامج الأميركي، أشارت إلى أنّه «تم تجهيز نحو 1500 مقاتل تركماني ينتظرون الأوامر التركية للدخول إلى الأراضي السورية لفرض إقامة المنطقة الآمنة بالتعاون مع فصائل أخرى موجودة في الداخل السوري وأبرزها الجبهة الشامية».
ويعتبر الأكراد أن المنطقة الآمنة المنوي إنشاؤها موجهة ضدهم، وهو ما أشار إليه مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، متسائلا عن عدد العمليات التي نفذها الأتراك ضد «داعش» في وقت تركزت فيه كل هذه العمليات على الأكراد في سوريا وتركيا. وقال خليل لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن وحدات حماية الشعب لن تتدخل لمنع إقامة هذه المنطقة التي لا نؤيدها ولا نريدها، لكن موقفنا سيتبدل في حال تمت مواجهتنا في مناطق سيطرتنا عندها سنكون ملزمين بالتصدي والمقاومة».
وتزامنت عملية انسحاب «النصرة» من مراكزها في ريف حلب الشمالي مع قصف طائرة أميركية من دون طيار هدفا لتنظيم داعش في سوريا، في أول عملية جوية لطائرة أميركية تقلع من تركيا. وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو بدء وصول طائرات أميركية إلى قاعدة «إنجرليك»، مضيفا: «سنبدأ معا خلال فترة قريبة مكافحة شاملة ضد داعش».
وأعلنت تركيا يوم أمس أنها أقرت قيام «منطقة عسكرية أمنية مؤقتة» في 3 مناطق تابعة لبلدة أقجه قلعة على الحدود السورية، وذلك لمدة 15 يوما، اعتبارا من يوم الخميس. وذكر بيان صادر عن ولاية شانلي أورفة، أنها أعلنت بعض المناطق الأمنية الخاصة على الحدود السورية، لـ«الحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين فيها، وللوقوف ضد التهديدات والمخاطر المحتملة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.