ما السبب الحقيقي وراء موقف الصين من أوكرانيا؟

يقول محللون ان بكين تريد استغلال الصراع لاختبار قوتها النارية العسكرية قبل غزو تايوان

الرئيس الصيني شي جينبينغ يتبادل وثائق اتفاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 21 مارس (آذار) في موسكو (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يتبادل وثائق اتفاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 21 مارس (آذار) في موسكو (رويترز)
TT

ما السبب الحقيقي وراء موقف الصين من أوكرانيا؟

الرئيس الصيني شي جينبينغ يتبادل وثائق اتفاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 21 مارس (آذار) في موسكو (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يتبادل وثائق اتفاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 21 مارس (آذار) في موسكو (رويترز)

شهدت الفترة الأخيرة تكثيفا لعلاقات التعاون بين الصين وروسيا، وتُوج ذلك بزيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لروسيا أخيراً، ليبرز تساؤل واضح عن مغزى هذا التعاون المكثف في الفترة الحالية.
يقول المحلل والباحث البريطاني كون كوفلن في تقرير نشره «معهد جيتستون الأميركي» إنه على الرغم من كل تصريحات الرئيس الصيني عن دعم روسيا خلال زيارته الرسمية لموسكو، من الواضح أن الدافع الحقيقي للصين في السعي إلى علاقات أوثق هو استغلال الصراع الأوكراني لاختبار قوتها النارية العسكرية. وكما استخدمت إيران حرب أوكرانيا لاختبار فعالية تكنولوجيا الطائرات المسيرة والصواريخ، يقال إن المجمع الصناعي العسكري الناشئ في الصين يبحث عن فرص لإجراء تقييم دقيق لأنظمة أسلحته الجديدة.
ويقال أيضاً إن مصنعي الأسلحة الصينيين حريصون على اختبار فعالية أنظمة أسلحتهم الجديدة في أوكرانيا. ويوضح كوفلن أنه بعد عام من شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه ضد أوكرانيا، يجد الجيش الروسي نفسه في مأزق كبير، بعد أن فقد ما يقدر بـ 200 ألف رجل ونحو 90 في المائة من مدرعاته الثقيلة، بما في ذلك نحو 50 في المائة من أسطول دباباته قبل الحرب. وأرغم حجم الخسائر الروس على سحب دبابات «تي -54» و«تي-55»، التي تعود إلى خمسينات القرن الماضي، من المخازن لاستخدامها في الصراع الأوكراني، وهي علامة واضحة على أن القوات الروسية تعاني من نقص خطير في المدرعات الثقيلة. ويساعد هذا النقص المزمن في كل من الأفراد والمعدات في تفسير سبب سعي القادة الروس جاهدين للاحتفاظ بالأراضي التي ضمتها القوات الروسية بشكل غير قانوني في أوكرانيا، ناهيك بشن هجمات جديدة ضد المدافعين الأوكرانيين.
وإذا أرادت القوات الروسية إحراز أي تقدم هذا العام، فستحتاج إلى إمدادات كبيرة من الأسلحة من دول أخرى، بعدما ثبت أن قطاع صناعة الدفاع في روسيا غير قادر على توفير أسلحة ومعدات بديلة بالمستويات التي يطلبها الجيش الروسي. ومن شأن هذا أن يفسر سبب تقديم روسيا لطلبات متكررة للصين لتزويدها بالأسلحة لدعم حملتها العسكرية في أوكرانيا.
وحتى الآن، يتمثل الموقف الرسمي لبكين في أنها مستعدة فقط لتزويد موسكو بالمساعدات غير الفتاكة، مثل الخوذات والمواد ذات الاستخدام المزدوج مثل قطع غيار الطائرات. ومع ذلك، يقول مسؤولون أميركيون إن لديهم معلومات استخباراتية تظهر أن الصين تدرس بجدية ما إذا كانت ستزود روسيا بأسلحة. وذكرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية في فبراير (شباط) أن الجيش الروسي كان منخرطا في مفاوضات مع شركة تصنيع الطائرات المسيرة الصينية «شيان بينجو إنتليجنت أفييشن تكنولوجي» حول الإنتاج الضخم لطائرات الكاميكازي المسيرة لروسيا.
مدمّرة صينية حاملة صواريخ في خليج عُمان (أ.ف.ب)
وتستخدم روسيا طائرات مسيرة إيرانية الصنع لتنفيذ هجمات ضد البنية التحتية الأوكرانية وأهداف أخرى، كما أن توريد الطائرات الصينية المسيرة، التي تقول التقارير إنه من المقرر تسليمها إلى وزارة الدفاع الروسية الشهر المقبل، سيمكن الروس من استخدام رؤوس حربية يتراوح وزنها بين 35 و 50 كيلوغراما. وتستخدم القوات الروسية في أوكرانيا بالفعل طائرات تجارية مسيرة صينية الصنع، قدمتها شركة «دا-جيانغ إنوفيشنز ساينس آند تكنولوجي» وفقا لتحليل السجلات الجمركية. ومن الواضح أن تزويد روسيا بطائرات عسكرية مسيرة صينية الصنع من شأنه أن يعزز بشكل كبير القدرات الهجومية للقوات الروسية.
ويعتقد مسؤولو استخبارات غربيون أن احتمال زيادة بكين دعمها العسكري لموسكو ارتفع بشكل كبير بعد قمة شي مع بوتين في موسكو هذا الشهر.
ويرى كوفلن أن الجيش الصيني في خضم إجراء حشد عسكري ضخم، يهدف إلى جعل الصين القوة العسكرية المهيمنة في العالم بحلول منتصف القرن. وفيما انخفض الإنفاق الدفاعي العالمي بنسبة 1.7 في المائة عام 2021، نما الإنفاق الدفاعي الصيني بنسبة 5.1 في المائة ليصل إلى 293 مليار دولار. وكجزء من حشدها العسكري الذي بدأ عام 2013، تهدف بكين إلى دمج الذكاء الصناعي في هياكل القيادة والتحكم بحلول عام 2035. وبالإضافة إلى ذلك، فهي تستثمر بكثافة في أساطيل جديدة من السفن والطائرات الحربية.
ويشكل التقدم الذي حققته الصين مؤخرا في مجال الأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ والأسلحة الموجهة مصدر قلق خاص للغرب. وتصنَّف شركات الدفاع الصينية الآن على أنها من أكبر الشركات في العالم، مما يعكس الوضع الذي كانت تعتمد فيه بكين قبل عقد واحد فقط على روسيا في إمداداتها من الأسلحة، بعد أن وقعت صفقة أسلحة بقيمة 7 مليارات دولار مع موسكو مؤخرا عام 2015. والآن انقلبت الأمور.
ولا يخفي شي، الذي حصل مؤخرا على ولاية رئاسية ثالثة مدتها خمس سنوات، رغبته في إعادة السيطرة على تايوان. والإجماع العام بين مسؤولي الأمن الغربيين هو أنه سيحاول ضم تايوان بحلول نهاية العقد على أبعد تقدير. ويقال إن الجيش الصيني يستعد بنشاط لشن هجوم عسكري للاستيلاء على الجزيرة، وسيكون ذلك على الأرجح قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أو أثناءها، بينما لا تزال الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جو بايدن، الذي يُنظر إليه في جميع أنحاء العالم على أنه ضعيف بشكل مذهل.
ووفقا للتعليقات الأخيرة التي أدلى بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، تهدف بكين إلى أن تكون جاهزة للحرب بحلول عام 2027. ويقول كوفلن في نهاية تقريره إن هذه بالتأكيد هي الرسالة التي نقلها شي إلى القادة العسكريين الصينيين خلال زيارة إلى مركز قيادة العمليات في البلاد في نهاية العام الماضي عندما حذر من أن «الجيش بأكمله يجب أن يركز كل طاقته على خوض الحرب، والإسراع لبناء القدرة على الفوز».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.