«فرص ومخاوف» في طريق تشكيل قوة عسكرية بين أفرقاء ليبيا

عقب اجتماع لجنة «5+5» بالعاصمة

قادة عسكريون وأمنيون ليبيون في اجتماعهم السابق بتونس (البعثة الأممية)
قادة عسكريون وأمنيون ليبيون في اجتماعهم السابق بتونس (البعثة الأممية)
TT

«فرص ومخاوف» في طريق تشكيل قوة عسكرية بين أفرقاء ليبيا

قادة عسكريون وأمنيون ليبيون في اجتماعهم السابق بتونس (البعثة الأممية)
قادة عسكريون وأمنيون ليبيون في اجتماعهم السابق بتونس (البعثة الأممية)

يراهن محللون وعسكريون على المساعي التي تبذلها الأطراف الليبية لتشكيل قوة عسكرية مشتركة، ويعتبرونها «فرصة» لتعزيز مسار الحل السياسي، وإنجاح محاولات إجراء انتخابات عامة، خلال العام الجاري؛ لكنهم لا يستبعدون وجود مخاوف قد تعترض تشكيلها.
وتساءلت مصادر ليبية عن مدى قبول قوى شرق ليبيا وغربها، دخول قوات عسكرية في مناطق كل منهما، بمشاركة عناصر من الفريق الآخر، بعد سنوات من الصراع الدامي بين قطبي الاستقطاب الحاد في البلد الغني بالنفط.
وعلى وقع الاجتماع الذي شهدته طرابلس، بمشاركة قادة عسكريين من الشرق والغرب، يصف وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي، الخطوة بـ«الجيدة». ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن مهمة هذه القوات «ستكون المحافظة على حماية الحدود، والسيطرة على الهجرة غير المشروعة، وخصوصاً في الجنوب الليبي، وكذلك حماية الأهداف الحيوية المشتركة، مثل حراسة آبار النفط والغاز والمواني النفطية، والسيطرة على عمليات التهريب وانتشار السلاح».
وتشمل تلك المساعي توحيد المؤسسات التعليمية العسكرية العليا، مثل كلية القيادة والأركان، والكليات والأكاديميات العليا في الأسلحة الفرعية، من بينها البحرية، والجوية، والدفاع الجوي، حسب البرغثي. ويشدد المسؤول العسكري السابق، على «الأهمية الكبيرة لدعم إيطاليا والولايات المتحدة، لأي خطوة للسيطرة على الهجرة غير المشروعة، وحل مشكلة المرتزقة»؛ مشيراً إلى أن «قوات الشرق والغرب في ليبيا بحاجة إلى تجهيز للقيام بمهام حراسة الحدود والأهداف الحيوية، وتعقب الهجرة غير الشرعية، ومكافحة التهريب».
وعن طبيعة الدعم الذي يمكن أن يقدمه الشركاء الغربيون للقوات الوطنية، يوضح: «إن هذا الدعم يجب أن يشمل تزويد القوات الليبية بمنظومات استطلاع بري، وجوي، بواسطة أجهزة المراقبة على الحدود، وطيران»، مضيفاً أن أفرقاء الصراع من المعسكرين: «متفقون على رفض وجود الجماعات المسلحة والمتمردة، القادمة من تشاد والسودان، في مدن الجنوب الليبي».
وبالمثل، يراهن عبد الحفيظ غوقة، المحلل السياسي ونائب رئيس «المجلس الوطني الانتقالي» الليبي السابق، على تشكيل القوة العسكرية المشتركة، قائلاً: «هذا أمر ممكن، ولا توجد معوقات كثيرة أمام توحيد المؤسسة العسكرية؛ لكن للأسف الشديد، فإن لجنة (5+5)، مثل غيرها من اللجان، فشلت في أهم ما جاءت من أجله، وهو توحيد المؤسسة العسكرية، وحل الجماعات المسلحة، وتسريح أو دمج أعضائها في هذه المؤسسة».
ويضيف -في تصريح لـ«الشرق الأوسط»- أن اللجنة «تأخرت في تلك المهمة كثيراً، بعد مضي نحو 3 سنوات على انطلاق عملها في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020»؛ لكنه يقر بما حققته في «ملف الحفاظ على وقف إطلاق النار في المنطقة الوسطى من البلاد، وحلحلة بعض الإشكاليات فيما يتعلق بفتح الطريق الدولية، وبين المدن الليبية شرقاً وغرباً، وإطلاق سراح بعض المعتقلين في هذا الجانب، أو ذاك».
ويشدد غوقة على أن الأهم في عمل اللجنة العسكرية، والذي من أجله اجتمعت: «هو حصر كل الجماعات المسلحة، ومعرفة مقراتها وعتادها، وأمرائها، تمهيداً لبرنامج وطني كامل، يكون معنياً بالتأهيل والتسريح والدمج في المؤسسة العسكرية، وهو ما لم تفلح فيه من قبل».
ورداً على سؤال حول مستقبل الاجتماعات الرامية إلى تشكيل القوة المشتركة، يجيب غوقة: «لا يوجد أي عائق على الإطلاق أمام هذا الهدف، وأعتقد أن الاجتماعات الأخيرة، سواء في تونس أو داخل ليبيا، في مدينة سرت، بحضور البعثة الأممية من قبل، أجابت عن كثير من الأسئلة، وطالما بدأت اجتماعات اللجنة فأعتقد أننا سنرى تشكيل هذه القوة المشتركة، وهو ما نعول عليه لضمان أي حل سياسي».
وحول الربط بين الملفين العسكري والسياسي، يقول: «شاهدنا كثيراً من المبادرات ومحاولات حل الأزمة، وجميعها اصطدمت بالسلاح والجماعات المسلحة التي تشعل فتيل الحرب كلما قاربت الأزمة على الانتهاء. وبتشكيل القوة المشتركة، وتوحيد المؤسسة العسكرية شرقاً وغرباً، سنكون قادرين على إنجاح أي مساعٍ لحل الأزمة السياسية».
ويعتقد المحلل الليبي أن الحل يكمن «في توحيد المؤسسة العسكرية أولاً، أو أن يتزامن المساران: المسار العسكري، ومسار الحل السياسي بقيادة الأمم المتحدة وبخريطة طريق بآليات واضحة، وبجدول زمني محدد، لإجراء الانتخابات من دون إسناد أي مهام أو عمل لقاعدة دستورية أو قوانين الانتخابات لأي من أطراف الصراع»، مع تكليف اللجنة التوجيهية رفيعة المستوى التي تحدث عنها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي بهذه المهمة، وبضمانات دولية، في ظل قوة عسكرية وأمنية موحدة تشرف على الانتخابات، وتنهي هذه الأزمة.
وبينما تسود نبرة متفائلة إزاء تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين الشرق والغرب، لا تخفي مصادر ليبية مخاوفها. ويتساءل أحد هذه المصادر: «هل سيقبل الفاعلون في شرق ليبيا دخول قوة مشتركة، تضم عناصر من المنطقة الغربية، لتأمين المواني النفطية؟ وبالمثل: هل سيقبل الفاعلون في غرب ليبيا دخول قوة عسكرية، تضم عناصر من شرق البلاد، لتأمين مجمع مليتة للنفط والغاز في طرابلس؟ أم أن الأمر سيقتصر على الجنوب وحده؟». ويتابع المصدر نفسه بأن البداية ستكون بالجنوب «لكن هذا لا يكفي»، مضيفاً أن الاجتماعات الجارية يجب أن تتبعها اجتماعات لمجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مؤتمر برلين، بالتعاون مع لجنة «5+5».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.