الطائرة التي أخذت سرّها معها

«نتفليكس» تفتح صندوق اختفاء الرحلة الماليزية وتغرق فيه

«الطائرة التي اختفت» وثائقي من 3 حلقات على «نتفليكس»
«الطائرة التي اختفت» وثائقي من 3 حلقات على «نتفليكس»
TT

الطائرة التي أخذت سرّها معها

«الطائرة التي اختفت» وثائقي من 3 حلقات على «نتفليكس»
«الطائرة التي اختفت» وثائقي من 3 حلقات على «نتفليكس»

لا غرابة في أن تلتفت الأنظار إلى عنوان مثل «الطائرة التي اختفت»، ولا عجب في أن يتصدّر «وثائقي» عن الرحلة الماليزية MH370 المختفية منذ 9 سنوات، أرقام المشاهَدات فور البدء بعرضه على منصة نتفليكس. لكن الغريب في الأمر هو خروج المُشاهد بعد الحلقة الثالثة والأخيرة من السلسلة الوثائقية، محمّلاً بعدد كبير من الأسئلة، عوض أن يكون قد نال ولو قسطاً قليلاً من الأجوبة.
يعود «الوثائقي» إلى ليلة 8 مارس (آذار) 2014 التي توقفت فيها عقارب ساعة الرحلة التابعة للخطوط الجوية الماليزية، ومعها توقف نبض 239 شخصاً كانوا على متنها متّجهين من كوالالمبور إلى بكين. في تلك الليلة، اختفت الطائرة عن الرادار ما إن غادرت المجال الجوي الماليزي، أي بعد 40 دقيقة على إقلاعها. ومنذ ذلك الحين، لم يُعثر لها على أثرٍ يُذكر ولم يتمكن أهالي الضحايا من دفن أحبّتهم. إنه أحد أكبر الألغاز في تاريخ الطيران.

يتقن معدّو العمل، على رأسهم المخرجة لويز مالكنسون، سرد الأحداث ويحترفون لعبة التواريخ. تسير الحلقات على إيقاع روزنامة وساعة لا تفوّتان لحظةً ولا تاريخاً مفصلياً من حكاية الرحلة المنكوبة. ثم تأتي الاستعانة بالأرشيف التلفزيوني لتغطية الكارثة الجوية وبالتسجيلات الصوتية التي جمعت القبطان ببرج المراقبة حتى لحظة الاختفاء، فتُضيف مزيداً من الواقعية والدقة في السرد، مما يتيح أمام المشاهد أن يعيش الحدث بكل تفاصيله من جديد.
لا يبخل «الوثائقي» كذلك بالمقابلات مع المعنيين، فيستضيف عدداً كبيراً من الأشخاص الذين تابعوا القضية، من صحافيين متخصصين ومسؤولين في الشركة الماليزية وخبراء في الطيران وغيرهم. كما أنه يفرد مساحة واسعة لذوي الضحايا، من زوجات وآباء وأبناء لم يشفوا حتى اللحظة من الكارثة التي حلّت بهم. تُثري تلك اللحظات الإنسانية العمل وتُنقذه من النظريات المعقّدة وصعبة التصديق التي يغرق فيها.


تجمّع لأهالي ركّاب الطائرة الماليزية المختفية (نتفليكس)
تنطلق الكاميرا من ماليزيا حيث تقابل زوجة أحد أفراد طاقم الطائرة، الذي رحل تاركاً شريكته حاملاً بطفلتهما الأولى. ثم تحط في أستراليا لتلتقي زوجة أحد الركاب، الذي كان مسافراً إلى الصين بداعي العمل. وفي فرنسا، تواكب الرجل المفجوع بفقدان زوجته وولدَيه. تتخلّل تلك المقابلات فيديوهات وصور مؤثرة للحظات جمعت الضحايا بعائلاتهم قبل الرحلة الأخيرة.
لكن ما إن تبتعد الكاميرا عن عيون الأهالي، وما إن يخرج النص عن سرد الأحداث، حتى يغرق «الوثائقي» في بحر من النظريات والفرضيات. الاحتمالات كثيرة، من الخطف، إلى التفجير، إلى العطل، والنتيجة واحدة: مزيد من الغموض. وما الضيوف المحللون سوى أدوات لإذكاء نار نظريات المؤامرة والاستنتاجات الصادمة وغير المنطقية في غالبية الأوقات.
يتحوّل الصحافي الأميركي الخبير في شؤون الطيران جيف وايز إلى «نجم» الوثائقي، متنقلاً بين نظريةٍ وأخرى. يبني مداخلته في الحلقة الأولى على احتمال أن يكون قائد الطائرة قد ارتكب عملية انتحارية جماعية، وأسقط الطائرة عمداً في المحيط الهندي، بعد أن قطع الأكسجين عن الركاب وظل يحلّق حتى فرغت الخزانات من الوقود. ويعزز تلك النظرية العثورُ على قمرة قيادة وهمية في منزل الربّان، تَدرّب بواسطتها على مسار مشابه لمسار الرحلة MH370.


الصحافي الأميركي جيف وايز المتخصص في شؤون الطيران (نتفليكس)
مطلع عام 2017. أي بعد 3 سنوات تقريباً على الحادثة، جرى تعليق عمليات البحث عن الحطام، التي كانت تقودها البحرية الأسترالية على امتداد 120 ألف كيلومتر تحت مياه المحيط الهندي الجنوبي. وفي التقرير النهائي الذي صدر في 2018. أعلنت السلطات الماليزية أنها لم تتمكن من تحديد السبب الحقيقي وراء اختفاء الطائرة.
في الأثناء، كثرت التحليلات الصادمة ومن بينها تلك التي ركّز عليها «الوثائقي». إذ يعود وايز في الحلقة الثانية ليطلق نظرية الاعتداء الروسي المتعمّد بهدف حرف الأنظار عن غزو موسكو لشبه جزيرة القرم خلال تلك الفترة من عام 2014. في سيناريو صعب التصديق، يصرّ وايز على أن ركاباً روسيين دخلوا إلى القمرة الإلكترونية في الطائرة وخرّبوا أجهزة الاتصال ثم أخذوا الرحلة إلى مسارها المجهول.
أما في الحلقة الثالثة، فتستفيض الصحافية الفرنسية فلورانس ده شانجي في شرح نظريتها التي تتهم الولايات المتحدة الأميركية بالوقوف وراء اختفاء الطائرة، وهي نظرية يلاقيها فيها والد الضحايا الفرنسيين. ده شانجي، التي تابعت القضية لسنوات ونشرت كتاباً عنها، تتحدث عن حمولة مشبوهة زنتُها 2.5 طن كانت على الطائرة وفي طريقها إلى الصين، وهي التي دفعت بطائرتي AWACS أميركيتين إلى تشتيت مسار الرحلة واستهدافها لاحقاً بصاروخ.
في وثائقي نتفليكس، لكل نظريةٍ نجمها. أما العثور على بعض الحطام بعد 16 شهراً على اختفاء الطائرة، فنجمه الرحّالة بلاين غيبسون. بمبادرة فردية يضفي إليها الوثائقي نكهةً بطوليّة، يجمع غيبسون نحو 20 قطعة مما يقال إنه حطام الطائرة المنكوبة. ترفض الصحافية الفرنسية وعدد من الأهالي التصديق أن القطع التي عُثر عليها على شطآن بعض جزر المحيط الهندي، تعود فعلاً إلى الرحلة MH 370. في رأس كل مَعني نظرية وتحليل، وفي ذهن وايز شكوكٌ بعلاقة تجمع بلاين بالروس.


قطعة الحطام الأساسية التي قيل إنها عائدة للطائرة المنكوبة (نتفليكس)
بعد مرور 9 سنوات على الفاجعة، كان من المتوقّع أن يخرج الوثائقي بجواب أو على الأقل باستنتاج منطقي يردّ على التساؤلات الكثيرة، إلا أنه تاهَ وسط نظريات الإثارة والسيناريوهات المتشعّبة، رغم المجهود الإنتاجي والاحترافية السردية.
في المشاهد الختامية، تعود الكاميرا إلى أهالي الركّاب الذين يطلقون دموعهم وكلماتٍ مثل «أمل» و«حقيقة». يقولون إنهم لن يجدوا السلام قبل أن يعرفوا ما حصل، وأن يعثروا على أحبتهم. لكن الحقيقة ما زالت رهينة الصندوق الأسود التائه، ولا يمكن توقّع خروجها من وثائقياتٍ تلفزيونية تستفيض في الأسئلة وتبقى بعيدة عن الأجوبة الشافية.


مقالات ذات صلة

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يوميات الشرق وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يعرفه الجميع بوصفه الرئيس الأميركي الأسبق، لكنّ قلةً تعلم أن باراك أوباما دخل مجال الإنتاج التلفزيوني وبات يسجّل الوثائقيات بصوته، أحدث أعماله على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق فيلم جديد على «نتفليكس» يروي جزءاً من سيرة مريم العذراء (نتفليكس)

«مريم» على نتفليكس... فرصة ضائعة لرواية سيرة والدة المسيح

من الاستعانة بممثلين إسرائيليين، إلى الغرق في مغالطاتٍ تاريخية ودينية، مروراً بنصٍ يعاني السطحية، أثار فيلم «Mary» السخط أكثر مما أثار الإعجاب.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
رياضة عالمية أيرتون سينا أسطورة سباقات فورمولا-1 (الشرق الأوسط)

مسلسل وثائقي يجسد حياة أسطورة الفورمولا سينا

تحولت حياة البرازيلي أيرتون سينا أسطورة سباقات السيارات فورمولا1- إلى مسلسل عالمي سيعرض للجمهور، وذلك بعد ثلاثين عاما من وفاته في حادث تصادم.

«الشرق الأوسط» (ساوباولو)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
TT

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة حتى 21 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في مركز «سوبر دوم جدة»، بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة، موزعة على نحو 450 جناحاً، مع جهات حكومية وهيئات ومؤسسات ثقافية سعودية وعربية.

ويشتمل المعرض على برنامج ثقافي ثري، يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة، تتخللها محاضرات وندوات وورش عمل، يقيمها نحو 170 متخصصاً، إضافة إلى منطقة تفاعلية مخصصة للأطفال، تقدم برامج ثقافية موجهة للنشء بمجالات الكتابة والتأليف والمسرح، وصناعة الرسوم المتحركة، وأنشطة تفاعلية مختلفة.

برنامج ثقافي ثري يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة (هيئة الأدب)

ويتضمن المعرض ركناً للمؤلف السعودي، معرِّفاً الحضور على آخر إصداراته، ومهيأ للزوار منطقة خاصة بالكتب المخفضة، التي تأتي ضمن جهوده في الحث على القراءة، وإتاحتها للجميع عبر اختيارات متعددة، معززة بمناطق حرة للقراءة.

من جانبه، أوضح الدكتور عبد اللطيف الواصل، مدير إدارة النشر بالهيئة، أن المعرض يعكس اهتمامهم بدعم وتطوير ونشر الثقافة والأدب في السعودية، مؤكداً دوره الريادي، حيث يسلط الضوء على جهود الأدب والأدباء المحليين والعرب والعالميين، عبر فعاليات وأنشطة مجتمعية بمعايير عالمية، وإيجاد فرص تفاعلية لزواره في قوالب فنية وأدبية متنوعة، وصولاً إلى تعزيز مكانة جدة بوصفها مركزاً ثقافيّاً تاريخيّاً.

المعرض يعكس الاهتمام بدعم وتطوير ونشر الثقافة في السعودية (هيئة الأدب)

ويحتفي المعرض بـ«عام الإبل 2024»، لما تُمثِّله من قيمة ثقافية في حياة أبناء الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ، حيث خصص جناحاً للتعريف بقيمتها، وإثراء معرفة الزائر عبر جداريات عدة بأسمائها، ومواطن ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقصائد شعرية تغنَّى بها العرب فيها على مر العصور.

ويستقبل «معرض جدة للكتاب» زواره يوميّاً من الساعة 11 صباحاً حتى 12 مساءً، ما عدا الجمعة من الساعة 2 ظهراً إلى 12 مساءً.

المعرض يُعزز جهوده في حث الزوار على القراءة عبر اختيارات متعددة (هيئة الأدب)

ويُعد ثالث معارض الهيئة للكتاب خلال 2024، بعد معرض «الرياض» الذي اختتم فعالياته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومعرض «المدينة المنورة» المنتهي في أغسطس (آب).