أعاد الحديث عن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي في إنتاج المحتوى الإعلاني، واستهداف الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي، إثارة مسائل أخلاقية ومخاوف بشأن «الخصوصية». هذا ما حدث بعدما أعلنت شركة «ميتا» مالكة منصات «فيسبوك»، و«واتساب»، و«إنستغرام»، نجاح جهودها في تطوير تكنولوجيا الإعلان اعتماداً على الذكاء الصناعي، وبذا يتجدد الصراع بين عمالقة التكنولوجيا، وعلى رأسهم «أبل»، و«ميتا»، بشأن حماية بيانات المستخدمين.
طوال الشهور الأخيرة، كثفت «ميتا» جهودها في تطوير تكنولوجيا الإعلان، واستهداف الجمهور على منصتها، في إطار أداتها الجديدة «أدفانتدج بلس»، التي أعلنت عنها في أغسطس (آب) الماضي. وتعتمد هذه الأداة على الذكاء الصناعي في إنشاء عدد من الإعلانات بشكل تلقائي وفقاً للأهداف المحددة للمعلن، واختبارها، وتحديد الإعلان «الأكثر فاعلية» في تحقيق الهدف.
وجاء الإعلان عن هذه الأداة، بهدف التغلب على القيود التي فرضتها «أبل» في منتصف عام 2021 بشأن خصوصية بيانات المستخدمين. وتضمنت القيود الاعتماد على تقنية الذكاء الصناعي في التحكم في ظهور التنبيهات وإشعارات الأخبار، ومنع تتبع بيانات مستخدمي النشرات البريدية. هذا الأمر أثّر في قدرة «ميتا» على استهداف الجمهور بالإعلانات، لا سيما أنها كانت تسمح للمعلنين باستهداف الجمهور على المنصات التابعة لها، استناداً لتتبع سلوكيات المستخدمين، ونشاطاتهم على شبكة الإنترنت.
وبالفعل، أفادت «ميتا» بأنها «استثمرت بشكل كبير في توسيع قدرتها الحاسوبية، وتدريب نماذج الذكاء الصناعي على قواعد أكبر من البيانات. ومع توافر بيانات أقل دقة عن المستخدمين، اعتمدت (ميتا) على إنشاء أشكال لا حصر لها من الإعلانات، واختبار قدرتها على الوصول للجمهور»، وهذا حسب تقرير نشرته صحيفة الـ«فايننشال تايمز» البريطانية في نهاية الشهر الماضي. ونقلت الصحيفة البريطانية عن عدد من المعلنين، وأيضاً المصادر داخل «ميتا» قولهم إن «أداة (أدفانتدج بلس) عزّزت بشكل كبير أداء الحملات الإعلانية، وسمحت باستعادة المساحة المفقودة منذ تغيير (أبل) سياسات الخصوصية».
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال براد بيست، الأستاذ في كلية الصحافة بجامعة ميزوري الأميركية، معلقاً: «إن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي أمر جيد إذا ما جرى توظيفه للهدف الذي ابتكرت هذه التقنيات من أجله، إلا أنها تثير مشكلات أخلاقية مختلفة منها التحيز وانتهاك الخصوصية والقدرة على الخداع، والتزييف العميق، إضافة إلى إمكانية أن تحل محل البشر في بعض الوظائف».
ويضيف بيست أن «هناك الكثير من القضايا الأخلاقية المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، منها على سبيل المثال، الاعتماد على المؤثرين (الإنفلوينسرز) في عملية التسويق للمنتجات والعلامات التجارية». ويحمّل بيست «هؤلاء المؤثرين مسؤولية الكشف عن حصولهم على أموال مقابل الحديث عن منتج أو علامة تجارية معينة، الأمر الذي لا يحدث في حالات كثيرة، ما يثير مخاوف أخلاقية، ويؤثر على المصداقية».
مع هذا، ورغم هذه المشكلات الأخلاقية، يتوقع بيست «تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الصناعي في إنتاج المحتوى، واستهداف الجمهور، وزيادة استخدام تقنيات الواقع المعزز، والواقع الافتراضي، إلى جانب تزايد الاعتماد في الفترة المقبلة على المؤثرين كأداة تسويقية»، إلا أن الأكاديمي الأميركي يشير إلى آليات تتيح الآن للجمهور اختيار مشاهدة الإعلانات أم لا، عن طريق دفع رسوم أعلى لمشاهدة المحتوى من دون إعلانات، كما هي الحال في «نتفليكس» و«أمازون برايم» و«ديزني» و«يوتيوب بيريميوم»، ويوضح أن «هذه الآليات تشكل تحدياً أمام المعلنين ومنتجي المحتوى بشأن القدرة على الوصول للشريحة الأكثر ثراءً القادرة على دفع رسوم إضافية مقابل تخطي الإعلانات». ثم يتابع أن هذا التحدي قد يدفع إلى «مزيد من الاعتماد على المؤثرين في التسويق، إلى جانب محاولة وضع العلامات التجارية والإعلان داخل المحتوى الرقمي على المنصات، ليغدو، على سبيل المثال، جزءاً من العمل الدرامي».
بيست يرى أن «وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، كان لها تأثير كبير على صناعة الإعلانات بعدة طرق... ونظراً لأن لدى وسائل التواصل الاجتماعي القدرة على جمع المعلومات عن المستخدمين، فإنها سهلت عملية استهدافهم، ومنحت خيارات متعددة في هذا الشأن أكثر من تلك الموجودة في الإعلانات الرقمية التقليدية». ثم يضيف: «من الناحية المثالية، فإن القدرة على الاستهداف من شأنها التقليل من إهدار الميزانيات الإعلانية، حيث تستطيع العلامات التجارية توجيه دعايتها للعملاء المحتملين، ما جعل وسائل التواصل الاجتماعي من الأدوات المفضلة لدى المعلنين».
أيضاً يرى بيست أن «وسائل التواصل الاجتماعي تتيح أيضاً خيارات تفاعل متعددة، بين الإعجاب والمشاركة والتعليق وإعادة التغريد، إضافة إلى تسهيل القدرة على الوصول للشباب، والأجيال الأصغر سناً، لا سيما أن الوصول لهم كان صعباً قبل الثورة الرقمية». ويعتقد أن «وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت في متناول الجميع، كون النشاط الاجتماعي لمعظم الناس أصبح متربطاً بالهواتف الجوالة وتطبيقاتها المختلفة».
ومن ناحية أخرى، ورغم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صناعة الإعلام، لا يؤمن بيست، «بأنها يمكن أن تحقق إيرادات إعلانية مستدامة لوسائل الإعلام... فوسائل التواصل الاجتماعي مجرد نافذة لترويج الأخبار والمحتوى الإعلاني، على أمل أن يدفع نشرها في تلك الوسائل إلى توجيه الجمهور للمواقع الإلكترونية للصحف، بحيث تشكل جزءاً من حركة الزيارات للمواقع الإلكترونية... وهو جزء غير كافٍ للاعتماد عليه بشكل كامل في تمويل نشاط غرف الأخبار».
في المقابل، يبدو أن تقنيات الذكاء الصناعي قد «حققت هدفها»، إذ يقول روبرتو ميندوزا، المدير المساعد لوكالة التسويق العالمية «آي بروسبكت» في هذا الصدد إن «الأمر كان مربحاً جداً، فمقابل كل دولار أنفق عبر ميزة (أدفانتدج بلس) أمكن تحقيق 7 دولارات من العائدات، وهذا رقم أعلى مما كان يتحقق قبل تغيير (أبل) سياسات الخصوصية»، وهذا حسب ما نشرته صحيفة الـ«فايننشال تايمز». ويجدد هذا النجاح مخاوف قديمة بشأن حماية بيانات المستخدمين، ومدى خصوصيتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يثير تساؤلات إزاء تأثير ذلك على شعبية هذه المواقع، ومدى إقبالهم عليها.
هنا يقول يوتام أوفير، أستاذ الإعلام بجامعة ولاية نيويورك، في حوار مع «الشرق الأوسط» إن «قضايا الخصوصية وحماية بيانات المستخدمين، رغم أهميتها، لن تؤثر على شعبية مواقع التواصل الاجتماعي... ولا بد من تقييم المنافع مقابل الأضرار، وفي كل الأحوال فإن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً رئيسياً من الحياة اليومية، ما يعني أن المواطن قد يتخلى عن جزء من حقه في الخصوصية مقابل البقاء على اتصال مع المجتمع المحيط عبر تلك الوسائل».
ويلفت أوفير إلى «زيادة ارتباط الناس بمواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، خصوصاً، مع قيود الإغلاق التي فرضتها جائحة (كوفيد - 19)، ما جعلها الأداة الرئيسية للتواصل بين الناس»، ويستطرد: «في كل فترة تشهد توجهاً (ترنداً) جديداً على الساحة الإعلامية، يسحب البساط قليلة من سابقه، والذكاء الصناعي من الأدوات التي يقبل عليها لاستكشاف فوائدها وسلبياتها. وحتى إذا انتهك الذكاء الصناعي خصوصية المستخدمين، فلن يحدث ذلك تأثيراً على استخدامه، لأن الناس عادة ما يقبلون على أي وسيلة تمنحهم نوعاً من المزايا».