كيف يمكن أن ننقذ وقتنا في زحمة الحياة المعاصرة؟

إنقاذ الوقت أحياناً يتطلب تخصيص بعضه للراحة (د.ب.أ)
إنقاذ الوقت أحياناً يتطلب تخصيص بعضه للراحة (د.ب.أ)
TT

كيف يمكن أن ننقذ وقتنا في زحمة الحياة المعاصرة؟

إنقاذ الوقت أحياناً يتطلب تخصيص بعضه للراحة (د.ب.أ)
إنقاذ الوقت أحياناً يتطلب تخصيص بعضه للراحة (د.ب.أ)

الوقت لا يمر بسرعة في هذا العصر أكثر مما كان عليه منذ الأزل، فاليوم كان ولا يزال يتكون من 24 ساعة. التغيير حدث في حياتنا وفي كيفية تعاطينا مع الوقت وفشلنا أو نجاحنا في استغلاله لصالحنا. نيوتن وآينشتاين وأفلاطون وابن خلدون، وغيرهم من عظماء وعباقرة التاريخ كلهم عاشوا 24 ساعة في اليوم، لكنهم استطاعوا أن يحوّلوا الوقت أفكاراً واختراعات ومشاريع رائدة في عصرهم، وأن يحوّلوا الوقت أداة مفيدة لم يستفيدوا منها هم فقط، لكنهم تركوا إرثاً لا يُقدّر بثمن للبشرية من بعدهم.
العبارة الإنجليزية الكلاسيكية الشهيرة «الوقت هو المال» هي العبارة التي تنطبق على الجميع، الطلاب والعمال والقادة، لكنها تكتسب معنى حرفياً بالنسبة لأولئك الذين يديرون الأعمال، حيث بإمكان كل دقيقة أن تدفع الشركة إلى الأمام أو توقف تقدمها أو حتى تعيدها إلى الوراء. المشكلة التي غالباً ما نواجهها هي أن التركيز أكثر من اللازم على نقطة معينة يمكن أن يتسبب في إهمال نقاط أخرى. السر إذن هو في إدارة الوقت بطريقة تجعل الاستفادة منه في حدها الأقصى.
في كتاب «إنقاذ الوقت: اكتشاف الحياة ما وراء الساعة» (راندوم هاوس، مارس «آذار»، 2023) تغوص الكاتبة جيني أوديل في البنية الأساسية لمجتمعنا، وتجد أن الساعات التي نمضيها خلال حياتنا اليومية صُممت بشكل مقصود من أجل تحقيق الربح لأطراف معينة، وليس من أجل سعادة الناس. هذا هو السبب في أن حياتنا، حتى في أوقات الفراغ، تبدو وكأنها سلسلة من اللحظات التي يجب شراؤها وبيعها ومعالجتها بكفاءة أكبر من أي وقت مضى. توضح لنا أوديل كيف ترتبط علاقتنا المؤلمة بالوقت ارتباطاً وثيقاً؛ ليس فقط بالظلم الاجتماعي المستمر، ولكن أيضاً بأزمة المناخ والرهبة الوجودية والقدرية المميتة.
يقدم لنا هذا الكتاب المبهر والمفعم بالأمل ويعرض طرقاً مختلفة لإعادة ترتيب الوقت وإنقاذه، وتبدو أفكار الكتاب وكأنها مستوحاة من ثقافات ما قبل الثورة الصناعية، ومن الحلول البيئية، والمقاييس الزمنية الجيولوجية، التي يمكن أن تجلب لنا طريقة حياة أكثر إنسانية ورخاءً. وباعتبار أن حياتنا مرتبطة بالكوكب الذي نعيش عليه، فإننا نعيش جنباً إلى جنب مع الحدائق التي تنمو حولنا، والطيور التي تهاجر من مكان إلى آخر. تحثنا أوديل على أن نلعب دور المضيف لهذه الإيقاعات المختلفة للحياة التي لا يمكن فيها اختزال الوقت إلى وحدات معيارية للزمن، وبدلاً من ذلك يشكل الوقت سفينة نعبر بها إلى تحقيق كل ما هو ممكن.
يعمل كتاب «إنقاذ الوقت» على إعادة ترتيب الطريقة التي نختبر بها الوقت بطريقة تختلف تماماً عن الطريقة التي نعرفها ونعيشها في واقعنا الحالي. تخيل عالماً لا يتمحور حول العمل، أو الساعات التي نقضيها في المكتب، أو دافع الربح. إذا تمكنا من «إنقاذ» الوقت من خلال تخيل حياة وهوية ومصدر للمعنى خارج هذه الأشياء، فقد ينقذنا الوقت أيضاً.
إن الحصول على عمل يعني فقط الاطمئنان إلى أن الأمور ستكون بخير في نهاية الشهر، ويتكرر الأمر في نهاية كل شهر حتى آخر العمر. لقد أصبح الوقت شيئاً يجب علينا ببساطة أن نعيشه مراراً وتكراراً. قد تتغير الفترة الزمنية ويتغير المسمى حسب طبيعة العمل الذي نقوم به، فالعامل الذي يتقاضى أجره بشكل يومي يتكرر معه الأمر كل يوم، والذي يتقاضى أجره أسبوعياً يتكرر معه الأمر كل أسبوع، أما الطالب فيتكرر معه ذلك كل فصل دراسي إلى أن ينهي دراسته، وهكذا. لكننا دائماً ما نتجه نحو أفق لا يمكننا الوصول إليه أبداً. الوقت هو المال ونحن دائماً نشعر أننا لا نملك ما يكفي من المال، ودائماً ما نجتهد في تنفيذ مشروع بعد الآخر لجمع المزيد؛ أملاً في أن نصل إلى مرحلة نكتفي بها ويصبح الوقت الذي نعيشه هو ملكنا تماماً، دونما الحاجة إلى إضاعته بحثاً عن أمور أخرى.
في حين أن هذا الوضع قد لا يكون جديداً، إلا أنه يبدو غير مستدام ولا يمكن الاستمرار عليه؛ لأننا نعيش أيضاً مع واقع تغير المناخ. البشرية مهددة بالخطر ما دامت الأرض مهددة بالخطر، ومع كل دقيقة تمر، نفقد مزيداً من الوقت، ونتقدم في السن، ونقترب من الموت. تتعقب جيني أوديل في كتابها المسار الذي أوصلنا إلى مفترق الطرق الوجودي هذا، وتحاول أن تعطينا أدوات تساعدنا على التخلي عن مفاهيم الوقت التقليدية في النهاية، ورؤية الوقت نفسه من خلال عدسات مختلفة.
مشكلة الكتاب أنه يتناول موضوع الوقت من خلال طرح أفكار مجردة، قد يجد كثير من القراء صعوبة في فهمها أو تطبيقها من الناحية العملية، خصوصاً أن هذه الأفكار التي تقترحها أوديل لـ«إنقاذ الوقت» تعتمد في الأساس على ما تسميه «المساعدة الذاتية». وربما كان من المفيد أكثر طرح أفكار عملية تساعد الإنسان المعاصر على حماية وقته من الضياع في زحمة الحياة المعاصرة.
إن مقولة «الوقت هو المال» ليست دقيقة وقد تكون خاطئة. فالوقت لا يقدّر بثمن وهو أهم من المال. الوقت لا يعود أبداً، لكن المال يمكن أن يعود. يمكن كسب المال عن طريق الاستخدام الصحيح للوقت؛ لكن لا يمكن إعادة الوقت الذي مضى بكل أموال الدنيا. لذلك؛ إذا كنت تريد أن تصبح ناجحاً في حياتك، فتعلم كيفية استخدام الوقت بكفاءة. يمكن كسب المال بمرور الوقت، لكن لا يمكنك كسب المال عن طريق إضاعة الوقت. قد يعرف المريض الذي يحتاج إلى الوصول إلى المستشفى للحصول على رعاية طبية عاجلة أن الوقت أثمن بكثير من المال، وهو مستعد لدفع أي مبلغ للوصول إلى المستشفى في الوقت المحدد؛ لأنه يعلم أنه يمكنه كسب المال بمجرد أن ينقذ حياته.
وسط الطبيعة الفوضوية لحياتنا، قد يكون من المستحيل تقريباً إنجاز كل شيء في قائمة المهام، ناهيك عن إعادة التواصل مع أنفسنا أو مع من نحبهم، إلا إذا اتبعنا الطريقة الصحيحة لإدارة الوقت. كما ذكرت سابقاً، لدى كل منا 24 ساعة في اليوم، وكل منا يعيش هذه الساعات بطريقته، لكن على الجميع التخطيط ليومهم.
يعد إعداد جدول يومي والالتزام به واتباعه الطريقة الأولى لتوفير الوقت في الحياة اليومية؛ لأن ذلك يبسط العمل ويمنع التأخير. ويفضل إعداد جداول يومية تجمع بين المسؤوليات الشخصية والمهنية للحفاظ على التوازن بين الاثنين. بالطبع، هذا يتطلب مراقبة الوقت طوال اليوم لضمان أن البرنامج يسير على ما يرام.
من ناحية ثانية، يجب تجنب أداء مهام متعددة في وقت واحد إذا أمكن؛ لأن ذلك من شأنه أن يضعف التركيز ويقلل من جودة العمل، وقد يضطر المرء إلى إعادة العمل مما يجعله يقتل مزيداً من الوقت. وفي الوقت نفسه، يجب الابتعاد عن كل ما يمكن أن يشتت الانتباه، مثل الأطفال أو التلفزيون أو حتى الهاتف الجوال، وخصوصاً إذا كان العمل يتم من المنزل؛ لأن ذلك يؤثر على الإنتاجية والنوعية ويضيع كثيراً من الوقت.
وبما أننا نعيش اليوم في عالم رقمي، فيجب أن نستفيد من جميع الفوائد التي يقدمها، مثل الإنترنت، ونحقق أقصى استفادة من إمكاناته. يمكن مثلاً دفع الفواتير أو حضور الاجتماعات أو التسوق عبر الإنترنت، وهذا يوفر كثيراً من الوقت الذي يمكن استخدامه في أداء العمل بشكل أفضل. وبما أننا نتلقى كثيراً من رسائل البريد الإلكتروني، فمن المفيد ابتكار نظام للتعامل مع هذه الرسائل وفرزها؛ لأن تلك إحدى أفضل الطرق لتوفير الوقت.
ولعل من أهم النصائح في هذا المجال: الامتناع عن التسويف؛ لأنه ينطوي على تأخير أو تعليق المهام لإكمالها؛ لأن ذلك يشكل عبئاً على إنتاجيتنا، ويؤخر المهام المهمة.
لكن إنقاذ الوقت أحياناً يتطلب تخصيص بعضه للراحة. يقسم عديد من الكتاب والعلماء والفنانين وغيرهم من الأشخاص الناجحين أيامهم إلى جزأين أو ثلاثة أجزاء صغيرة من الوقت، حيث يمكنهم تخصيص جزء للعمل المكثف، واستخدام بقية الوقت للمهام الشخصية، والمشي لمسافات طويلة، ووقت العائلة أو أمور أخرى. خسارة الوقت الظاهرية هذه ضرورية لإنقاذه؛ لأنها تفيد في أمور عدة. فمن ناحية، تساعدنا راحة الدماغ على «إعادة ضبطه». يحتاج العقل إلى إجازة لإعادة الشحن والاستعداد لإعادة التركيز. والغريب أن الحلول تأتي أحياناً خلال فترات الراحة. ويفسر العلماء ذلك بأن أدمغتنا تستمر في العمل على المشاكل العالقة، حتى عندما نقوم بنشاطات لا علاقة لها بهذه المشاكل، مثل المشي أو الركض أو غير ذلك.

* باحث ومترجم سوري



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».