«تعثر» روسي و«استقرار» أوكراني في باخموت

تقارير استخباراتية: كييف تكبدت خسائر بشرية فادحة

وحدة عسكرية أوكرانية على خط التماس في باخموت... وجاءت تأكيدات كييف بأن موسكو قللت هجماتها في المدينة متماشية مع تقديرات وزارة الدفاع البريطانية (أ.ف.ب)
وحدة عسكرية أوكرانية على خط التماس في باخموت... وجاءت تأكيدات كييف بأن موسكو قللت هجماتها في المدينة متماشية مع تقديرات وزارة الدفاع البريطانية (أ.ف.ب)
TT

«تعثر» روسي و«استقرار» أوكراني في باخموت

وحدة عسكرية أوكرانية على خط التماس في باخموت... وجاءت تأكيدات كييف بأن موسكو قللت هجماتها في المدينة متماشية مع تقديرات وزارة الدفاع البريطانية (أ.ف.ب)
وحدة عسكرية أوكرانية على خط التماس في باخموت... وجاءت تأكيدات كييف بأن موسكو قللت هجماتها في المدينة متماشية مع تقديرات وزارة الدفاع البريطانية (أ.ف.ب)

مع دخول فصل الربيع، يتساءل الأوكرانيون عن المدة التي يمكن أن يستمر فيها الهجوم الروسي، وما إذا كان بإمكان أوكرانيا عكس دفة الحرب وشن هجوم مضاد ومتى يمكن أن يحدث ذلك؟. وقال قائد القوات البرية الأوكرانية إن الهجوم الروسي على مدينة باخموت بدأ يفقد زخمه، وإن كييف قد تشرع في الهجوم المضاد «قريباً جداً». وجاءت تأكيدات كييف أن موسكو قللت هجماتها في باخموت متماشية مع تقديرات وزارة الدفاع البريطانية. وقالت لندن إن الهجوم الروسي على باخموت تعثر إلى حد كبير. وقالت أمس السبت، حسب تقريرها الاستخباراتي اليومي، إن «من المرجح أن يكون موقف الروس تفاقم بسبب التوترات بين وزارة الدفاع ومجموعة (فاغنر)، حيث تنشر كلتاهما وحدات في هذا القطاع من الجبهة»، و«ربما جاء بالدرجة الأولى نتيجة للخسائر الكبيرة للقوات الروسية». وتمكنت القوات الأوكرانية من تحقيق «استقرار» في الوضع حول باخموت، على ما أكد قائد الجيش الأوكراني. وقال فاليري زالوجني، خلال اتصال هاتفي مع رئيس أركان الجيش البريطاني الأميرال سير توني راداكين في وقت متأخر من مساء الجمعة، إن الوضع «الأصعب» على خط التماس يتركز «حول باخموت». وكتب زالوجني على «فيسبوك»: «بفضل الجهود الرائعة لقوات الدفاع، تمكنا من تحقيق الاستقرار في الوضع».
وفي موقع للمدفعية الأوكرانية في غابات الصنوبر الخصبة خلف الجزء الشمالي من الجبهة، أطلقت القوات قذائف عيار 155 ملليمتراً من مدفع «هاوتزر تي آر إف - 1» الفرنسي باتجاه طريق سريع يستخدم لنقل الإمداد إلى معقل كريمينا الذي تسيطر عليه القوات الروسية. وقال جندي لـ«رويترز»: «لحسن الحظ نحتفظ بالموقع نفسه... لأننا نواجه عدواً قوياً جداً لديه أسلحة جيدة جداً. وهو جيش محترف: قوات محمولة جواً».
وعندما وصلت الأوامر مصحوبة بالإحداثيات، هرع أفراد الطاقم إلى مواقعهم حول المدفع وأزالوا التمويه وصوبوا ووضعوا الذخيرة وأطلقوا النار. وبعد ثلاث مرات إطلاق أنزلوا أسطوانة المدفع وغطوها مرة أخرى وعادوا إلى المخابئ في الغابة لانتظار المزيد من الأوامر. وسمع دوي نيران المدفعية والأسلحة الصغيرة من مسافة بعيدة.
ولم يتغير الوضع على الخطوط الأمامية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) رغم القتال العنيف. واستعادت أوكرانيا مساحات شاسعة من الأراضي في النصف الثاني من 2022، لكن قواتها حافظت على موقفها الدفاعي منذ ذلك الحين، بينما اتخذت روسيا موقفاً هجومياً، واستعانت بخدمات مئات الآلاف من جنود الاحتياط الجدد والمدانين في سجونها.
أفادت تقارير عسكرية أوكرانية بوقوع قتال مكثف في القطاع الشمالي من خط الجبهة الممتد من ليمان إلى كوبيانسك، وكذلك في الجنوب في أفدييفكا على أطراف مدينة دونيتسك التي تسيطر عليها روسيا. والمنطقتان ضمن الأهداف الروسية الرئيسية لهجمات شنتها خلال الشتاء للسيطرة بالكامل على منطقة دونباس الصناعية في أوكرانيا، ولم يسفر الهجوم الروسي حتى الآن سوى عن مكاسب طفيفة على الرغم من مقتل آلاف الجنود من الجانبين في المعركة الأكثر دموية في الحرب، حسب تقديرات الاستخبارات البريطانية. كما أكدت لندن أن أوكرانيا أيضاً تكبدت خسائر فادحة خلال القتال المستمر منذ شهور في باخموت. وتشهد هذه المدينة التي كان عدد سكانها نحو 70 ألف نسمة قبل الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022، أكثر المعارك شراسة وفتكاً منذ اندلاع الحرب، لكنها باتت مهجورة الآن.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الجمعة، إن نحو 10 آلاف أوكراني، من بينهم الكثير من كبار السن والمعاقين، يتشبثون بالحياة وسط ظروف مروعة داخل المدينة المحاصرة وحولها. وقال عمر خان من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إفادة صحافية عبر رابط فيديو من دنيبرو بأوكرانيا، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية: «بالنسبة للمدنيين العالقين هناك، فهم يعيشون في ظروف قاسية جداً، ويقضون الأيام بأكملها تقريباً في قصف مكثف (مختبئين) في الملاجئ».
ورأت الاستخبارات البريطانية أن روسيا ركزت حالياً أكثر على مدينة أفديفكا الواقعة جنوباً، وعلى قطاع الجبهة القريب من كريمينا وسفاتوفا إلى الشمال من باخموت، وقالت لندن إن الروس يسعون إلى تثبيت الجبهة الأمامية هناك. ورأت التقارير البريطانية أن هذا يشير إلى أن القوات الروسية ستعيد تموضعها مرة أخرى بشكل دفاعي أكثر، وذلك بعد أن فشلت محاولات شن هجوم كبير في تحقيق «نتائج حاسمة» منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وأشارت التقارير البريطانية، السبت، إلى أن «الهجوم الروسي على مدينة باخموت في منطقة دونباس متوقف إلى حد كبير». وقال البريطانيون في بيان: «من المرجح جداً أن يكون ذلك نتيجة الاستنزاف الشديد للقوات الروسية خصوصاً»، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن كييف «تكبدت خسائر بشرية فادحة» أيضاً. وكتب قائد القوات البرية الأوكرانية أولكسندر سيرسكي على «تلغرام»، الخميس، أن هجوماً مضاداً «وشيكاً» قد يبدأ ضد القوات الروسية «المنهكة» بالقرب من باخموت. وكان قد تفقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، مواقع عسكرية بالقرب من خطّ المواجهة في باخموت. وفيما أعلن رئيس مجموعة «فاغنر» الروسية يفغيني بريغوجين، الاثنين، أن مقاتليه يسيطرون على «نحو 70 في المائة» من المدينة، حققت القوات الروسية في الأسابيع الأخيرة تقدماً شمال باخموت وجنوبها، وقطعت الكثير من طرق الإمداد الأوكرانية، وسيطرت على الجزء الشرقي من المدينة.
وفي سياق متصل، يتوقع المستشار الألماني أولاف شولتز أن تستمر الحرب الروسية ضد أوكرانيا لفترة طويلة. وقال شولتز، أمس السبت، خلال نقاش عام في دائرته الانتخابية في بوتسدام: «يجب أن نكون مستعدين لحقيقة أنه سيتعين علينا ضمان الدعم لفترة طويلة... الأساس الوحيد لكل شيء هو أن روسيا تدرك أنها لا تستطيع ببساطة ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الأوكرانية، كما تحاول أن تفعل الآن»، مضيفاً أنه عندما تتوفر هذه الرؤية سيكون من الممكن حل حالة الحرب. وأضاف شولتز: «لكن هذه الخطوة ليست في ذهن الرئيس الروسي بعد... الخسائر الدموية التي يطلبها بوتين من بلده وشبابه من أجل حلمه الإمبريالي هي في الحقيقة شائنة».
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، في أوتاوا أنّ الصين «لم تُرسل» أسلحة إلى روسيا منذ أن بدأت قوّات الرئيس فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا قبل عام ونيّف. وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، قال بايدن: «على مدى الأشهر الثلاثة الماضية وأنا أسمع أنّ الصين ستزوّد روسيا أسلحة مهمّة... لم يفعلوا ذلك بعد. هذا لا يعني أنّهم لن يفعلوا ذلك، لكنهم لم يفعلوه بعد». وأضاف: «أنا لا أستخفّ بالصين. أنا لا أستخفّ بروسيا»، معتبراً أنّ التقارير عن التقارب بينهما ربما كانت «مبالغاً فيها». وشدّد بايدن في المقابل على العلاقات القويّة بين الديمقراطيّات الغربيّة، قائلاً: «إذا حدث أيّ شيء، فهو أنّ الغرب قد أصبح بشكلٍ ملحوظ أكثر اندماجاً».
وخلال زيارة أجراها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو هذا الأسبوع، أشادت روسيا وبكين بـ«الطبيعة الخاصّة» لعلاقاتهما. لكنّ الزعيم الصيني لم يعد بتوفير أسلحة للقوّات الروسيّة المستنزفة في أوكرانيا، وهي خطوة كانت ستستدعي في حال حصولها فرض عقوبات غربيّة على الصين.


مقالات ذات صلة

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

أوروبا القوات الروسية تتقدم بأسرع وتيرة بأوكرانيا منذ بدء الغزو في 2022 (تاس)

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

قال مدونون ووسائل إعلام روسية إن موسكو أقالت جنرالاً كبيراً في أوكرانيا لتقديمه تقارير مضللة عن تقدم في الحرب، بينما يحاول وزير الدفاع إقصاء القادة غير الأكفاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

الكرملين: عقيدتنا النووية المحدَّثة إشارة إلى الغرب

قال الكرملين، الأحد، إن موسكو يجب أن ترد على التصعيد غير المسبوق الذي أثارته واشنطن، بسماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى قلب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

التقى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الجمعة، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، فيما يدرس تعيين مبعوث خاص لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».