العراق: بدء المسار الصعب لترسيخ سياسة المصالح المتشابكة مع الأشقاء والأصدقاء

بعد عشرين سنة من حقبة «ما بعد صدام»

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وولي عهده يستقبلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في عمّان (أ.ف.ب)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وولي عهده يستقبلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في عمّان (أ.ف.ب)
TT

العراق: بدء المسار الصعب لترسيخ سياسة المصالح المتشابكة مع الأشقاء والأصدقاء

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وولي عهده يستقبلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في عمّان (أ.ف.ب)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وولي عهده يستقبلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في عمّان (أ.ف.ب)

عندما أسقِط نظام صدام حسين في العراق، يوم 9 أبريل (نيسان) 2003 بعد أكثر من أسبوعين من القصف المتواصل الذي تبعته حرب برية كان رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني موظفاً زراعياً في مسقط رأسه، محافظة العمارة بجنوب شرقي العراق. ومع أن صدام حسين كان قد أعدم والده وعدداً من أعمامه، فإن شياع السوداني ينتمي إلى «الداخل» طبقاً للتقسيمات التي ظهرت بعد الاحتلال الأميركي. أما أهل «الخارج» فينقسمون إلى قسمين: قسم جاء مع بدء دخول الدبابات الأميركية، والقسم الآخر التحق بالأول لاحقاً. ولكن، مع هذا، فإن أبناء «الخارج» سواءً، الذين جاءوا مع الدبابات الأميركية - وبعضهم جاء راكباً على ظهورها - أو أولئك الذين تأخروا في المجيء قليلاً، هم الذين تولوا كل السلطات في ما تبقى من دولة منهارة. ولقد أيّد عدد من هؤلاء كل إجراءات الحاكم المدني الأميركي بول بريمر الهادفة إلى تدمير مؤسسات الدولة، بدءاً من حل المؤسسات الأمنية المهمة، وفي المقدمة منها الجيش والشرطة وأجهزة الأمن. في هذه الأثناء، ربما لم يكن محمد شياع السوداني، المهندس الشاب، يحلم وقتذاك بأكثر من الاقتصاص عن طريق العدالة ممن جعله يتيم الأب وهو في سن العاشرة (إذ ولد رئيس الوزراء الحالي عام 1970 ووالده أُعدِم عام 1980). وأيضاً ربما حلم بوظيفة تتناسب مع قدراته. لكن ذلك المهندس الشاب، الذي نجح في إدارة المواقع التي شغلها، وبينها: مدير زراعة وقائمقام ونائب في البرلمان، ووزير... وجد نفسه بعد عشرين سنة من تغيير النظام السابق على «رأس الدولة»، بل صار الأول من «جيل ما بعد التغيير». فحقيقة الأمر، أن العراقيين الذين وُلدوا خلال شهر أبريل عام 2003 بلغوا اليوم من العمر عشرين سنة، في حين أن من كان شاباً في سن العشرين عند سقوط صدام صار اليوم أربعينياً مقترباً من الكهولة، بقطع النظر عما إذا كان معارضاً أم موالياً. المتغير الرئيسي هو أن الجيل الشاب الذي وُلد في حقبة «ما بعد صدام» لا يزال يعيش في دولة غارقة حتى أذنيها في عقدة «ما بعد صدام».

طوال السنوات العشرين الأخيرة لم يشهد العراق استقراراً، لا على الصعيد الداخلي في سياق عمليات بناء الدولة، ولا على مستوى طبيعة علاقاته الخارجية سواء مع محيطيه العربي والإقليمي أو الدولي. ومع أن السلطات العراقية تمكنت بمساعدة «التحالف الدولي» من الانتصار على تنظيم «داعش» الإرهابي في أعقاب معارك طاحنة استمرت حتى أواخر عام 2017، فإن العراق شعباً ومجتمعاً ودولة، واجه قبلها حرباً أهلية استمرت نحو سنتين (2006 - 2008) دفع خلالها ثمناً باهظاً على كل المستويات، بما في ذلك النسيج الاجتماعي.
رغم كل ذلك، انطلقت الخطوات الأولى لعلاقات عراقية متوازنة مع الخارج خلال منذ العام 2018 وما تلاه. ولكن تلك الخطوات ظلت خجولة ومتعثرة لأسباب تتعلق بطبيعة الخلافات السياسية... سواءً بين المكوّنات الفئوية العراقية (الشيعة والسنة والكرد) أو حتى داخل المكوّن الواحد. وفي حين بقيت الحكومات العراقية تتشكّل طوال أربع دورات برلمانية على وفق طريقة التوافق، أو «الديمقراطية التوافقية» - التي هي مجرّد مصطلح ملطّف لـ«المحاصصة» العرقية والطائفية -، شهدت الدورة البرلمانية الخامسة التي نتجت من انتخابات أواخر عام 2021، محاولة تحالف سياسي قاده زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر إلى كسر قاعدة «المحاصصة»، وذلك بتشكيل حكومة غالبية وطنية. والصدر هو الآخر، مثل السوداني، من أبناء «الداخل»، وهو أيضاً رجل أقدم صدام حسين على اغتيال والده المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر عام 1999. غير أن القوى التقليدية، وفي المقدمة منها تلك التي كانت في الخارج عندما سقط نظام صدام حسين، وجاءت عبر شراكة مع الأميركيين، لم تمكّن لا الصدر ولا حليفيه السني والكردي من تحقيق هذا الهدف.

مقتدى الصدر (أ.ف.ب)

- للدولة إدارة
من ناحية أخرى، المتغيّر اللافت اليوم هو أن الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني تكاد تختلف عن الحكومات التوافقية السابقة. فهي في حين ليس بالإمكان القول إنها حكومة غالبية عابرة، فإنها في المقابل، ليست توافقية بالكامل. إذ إن السوداني في آن معاً، من جهة مرشح قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، ومن جهة أخرى مدعوم من ائتلاف كبير اسمه «ائتلاف إدارة الدولة». ثم إن ثمة طرفاً رئيسياً في المعادلة السياسية في العراق، هو التيار الصدري، خارج السلطة. وصحيح أنه لم يعلن معارضة صريحة للحكومة فهو ليس مؤيداً للقوى التي تدعمها. وانسجاماً مع هذا الوضع، يبذل السوداني، الذي شكّل حكومته طبقاً لهذه القاعدة، جهوداً كبيرة لإشراك «التيار الصدري» في الحكومة من دون أن ينجح في إقناع الصدر، يجد نفسه في وضع شبه مريح من أجل البدء في تنفيذ برنامجه الحكومي.
كان السوداني قد اجتاز مع حكومته الأيام المائة الأولى له ولها في الحكم. ثم تخطى تلك العتبة ليبدأ الآن، مع اقتراب الذكرى العشرين لسقوط صدام حسين يوم 9 أبريل 2003، الشهر السادس من عمر حكومته. وفي سياق أي «جردة حساب» لما خطط له السوداني وما بدأ تنفيذه، فإنه يعدّ نفسه قد وفّق بتحريك المياه الراكدة في علاقات العراق الإقليمية والدولية. وعمل على استئناف ما بدا أنه «تأسيس» صحيح قام به من قبله أسلافه في رئاسة الوزراء، فضلاً عن البدء بخطوات تبدو قوية لجهة عقد اتفاقات وتوقيع مذكرات مع دول وشركات لتطوير القطاعات الرئيسة في العراق، التي تحتاج بالفعل إلى عمل متواصل.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه رئيس الحكومة راهناً، سواءً من جانب الذين يُعدّون داعمين له، وفي مقدمتهم قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، أو الائتلاف الأكبر الداعم له وهو «ائتلاف إدارة الدولة» الذي يضم ممثلين عن الكرد والسنّة، أو من جانب قوى المعارضة. وللعلم، فإن قوى المعارضة هي اليوم نوعان أيضاً: الأول هو المعارضة الصامتة حتى الآن، وهي الأهم والأقوى وتتمثل في «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، والآخر هو المعارضة المتمثلة بالقوى المدنية و«حراك تشرين» وهي معارضة رافضة للنظام السياسي وباحثة عن التغيير مع أنها دفعت عام 2019 ثمناً باهظاً عندما أطلقت شرارة «انتفاضة تشرين» حينذاك. ولكن، على الرغم من كل ما سبق، لا بد من القول إن السوداني ركز كثيراً على العلاقات الخارجية للعراق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في محاولة منه لترسيخ مبدأ المصالح المشتركة مع الأشقاء والأصدقاء.

- زيارة أوستن وكلامه
على صعيد آخر، فيما يخص العلاقات العراقية - الأميركية، فإن العراق يحاول دائماً البقاء على مسافة محسوبة تماماً في سياق طبيعة علاقته مع الولايات المتحدة وكل الآخرين من أكثر من منطلق. فأميركا هي التي احتلت العراق وأسقطت نظامه السياسي عام 2003، وهي التي وقّعت مع العراق «اتفاقية الإطار الاستراتيجي» التي يصار إلى تجديدها وتفعيلها بين فترة وأخرى. ثم إن أميركا تملك أكبر سفارة في العالم، موجودة في العاصمة العراقية بغداد، فضلاً عن وجود قوات كبيرة بصفة مستشارين في قاعدة عين الأسد غربي العراق.
وقبل أقل من أسبوعين زار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بغداد، وكتب عن أهداف زيارته على «تويتر» مغرداً «أنا هنا لإعادة التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، بينما نمضي قدماً نحو عراق أكثر أمناً واستقراراً وسيادةً». وفي المطار، حيث عقد أوستن مؤتمراً صحافياً، فإنه أبلغ الحاضرين بأن زيارته التي لم تكن معلنة حتى لحظة وصوله «جاءت تلبية لدعوة من الحكومة العراقية». وهنا نذكر أوستن، الجنرال المتقاعد، الذي عمل في العراق قائداً عسكرياً ورقص «الجوبي» في محافظة الأنبار غربي العراق، قبل أن يتولى منصبه الحالي وزيراً للدفاع، أكد أن محور زيارته ولقائه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هي «مناقشة مهمة القضاء على بقايا تنظيم (داعش) الإرهابي».
من جهته، الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أكد، بالتزامن مع زيارة أوستن، أن الزيارة «تهدف إلى التأكيد للتعاون المشترك بين البلدين في محاربة الإرهاب، وآفاق التعاون في هذا الملف المهم الذي يشكل الأولوية بالنسبة لأغلب زيارات القادة العسكريين للعراق، وبحث برامج التطوير والتدريب للقوات». وأضاف الناطق، أن «رئيس الوزراء العراقي أكد على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وتوطيدها على مختلف الصعد». وأكد أيضاً أن «نهج الحكومة هو في اتباع علاقات متوازنة مع المحيطين الإقليمي والدولي تستند إلى المصالح المشتركة وسيادة العراق».
هذه السياسة العراقية التي تحاول الإمساك العصا من الوسط، بينما يتكلّم أوستن عن «شراكة استراتيجية» مع بغداد، تحتاج - بلا شك - إلى جهود جبارة من قِبل السوداني وفريقه الحكومي كي يتمكن من عبور المزيد من حقول الألغام التي تتناثر في طريقه. إذ إن تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري - وهو أحد أطراف «الإطار التنسيقي» الشيعي و«إدارة الدولة» - الذي يفترض أنه داعم للحكومة، أعلن رفضه لتصريحات أوستن بشأن بقاء القوات الأميركية في بغداد. ودعا الحكومة إلى رد قوي على تلك التصريحات عن طريق وزير الدفاع ووزير الخارجية واستدعاء السفيرة الأميركية لتقديم مذكرة احتجاج. وقال علي تركي، النائب في البرلمان العراقي عن «الفتح»: إن «تصريحات وزير الدفاع لويد أوستن خلال وجوده في العراق بتعزيز بقاء القوات العسكرية الأميركية مرفوضة جملة وتفصيلاً؛ كونها تمثل تدخلاً سافراً بالشأن العراقي، وإثبات حقيقة تواجد قوات عسكرية لا استشارية كما تزعم الإدارة الأميركية». وأضاف، أن «الإدارة الأميركية ما زالت وعلى مختلف المستويات مصرّة على التدخل في الشأن العراقي من خلال تصريحات وزرائها، أو تدخلات السفيرة الأميركية في بغداد من خلال عقد لقاءات مع مختلف الشخصيات التنفيذية والسياسية خارج مهامها الدبلوماسية». ومن ثم دعا تركي الحكومة لإصدار رد قوي على تلك التصريحات عن طريق وزير الدفاع ووزير الخارجية واستدعاء السفيرة الأميركية لتقديم مذكرة احتجاج».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
TT

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

بعد 12 عاماً على صورته بطريقة «السيلفي» مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، يبدو اللاجئ السوري الأكثر شهرة في ألمانيا، أنس معضماني، مُرتاحاً في وطنه بالتبني.

ورغم أنه لم يكن يعرف من هي ميركل حينما التقط معها الصورة وهي تزور مركز اللجوء الذي كان فيه؛ فإنه بات اليوم معلقاً بألمانيا قدر ارتباطه بوطنه الأم سوريا.

مثل باقي السوريين الذين وصلوا لاجئين إلى ألمانيا بعد شرارة الثورة في بلادهم عام 2011، يواجه أنس وغيره من أبناء جيل اللجوء، قراراً صعباً: هل نعود إلى سوريا أم نبقى في ألمانيا؟

وخلال فترة ما بعد سقوط الأسد، يبدو أن خطط أنس بدأت تتضح معالمها: يريد الشاب المتحدر من داريا في ريف دمشق، العودة إلى سوريا لزيارة أهله، ومساعدتهم على إعادة بناء منزلهم كخطوة أولى.

بعدها، يقول أنس لـ«الشرق الأوسط»، إنه يريد أن يُقسّم وقته بين ألمانيا وسوريا، ويفتح مشاريع في البلدين. وكما لو أنه يبرر ذنباً ارتكبه يستدرك: «دمشق أجمل مدينة على الأرض، ولكني أحب ألمانيا وبرلين أصبحت مدينتي الثانية».

في ألمانيا، بات أنس مثالاً للاجئ السوري المندمج؛ فهو تعلم اللغة، وحصل على الجنسية ودخل سوق العمل، حتى إنه تعرف على فتاة أوكرانية تُدعى آنا، ويخططان لمستقبلهما معاً.

ولعل مسألة حصول أنس على جواز سفر ألماني هي ما يسهل قراره بالعودة وإن كانت جزئية إلى سوريا؛ فهو يعلم أنه يمكنه التحرك بحرّية بين الجانبين من دون أن يخشى خسارة أوراقه أو إقامته.

أنس معضماني (الشرق الأوسط)

وأنس واحد من قرابة 260 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية الألمانية، فيما يتبقى أكثر من 700 ألف من مواطنيه يعيشون بإقامات لجوء، أو إقامات حماية مؤقتة يمكن أن تُسحب منهم عندما يستقر الوضع في سوريا.

الارتباك للجميع

غير أن الارتباك لم يكن من نصيب اللاجئين السوريين فقط؛ فالتغيير السريع للوضع في دمشق أربك أيضاً سلطات الهجرة في ألمانيا، ودفعها إلى تعليق البت في 47 ألف طلب لسوريين راغبين في الهجرة... الجميع ينتظر أن تتضح الصورة.

ولقد كان الأساس الذي تعتمد عليه سلطات اللجوء لمنح السوريين الحماية، الخوف من الحرب أو الملاحقة في بلادهم. وبعد انتفاء هذه المخاوف بسبب سقوط النظام، ربما سقط السند القانوني.

وامتد هذا الإرباك بشأن وضع اللاجئين السوريين إلى السياسيين الذين سارعوا بالحديث عن «ترحيل السوريين» إلى بلادهم بعد ساعات قليلة على سقوط الأسد.

ولم تصدر تلك الدعوات من الأحزاب اليمينية فقط، بل أيضاً من الحزب الاشتراكي الذي يقود الحكومة، ووزيرة الداخلية نانسي فيزر المنتمية للحزب، والتي تحدثت عن المساعي لتغيير قواعد اللجوء للسوريين، والعمل على إبقاء «المندمج ومن يعمل» وترحيل المتبقين.

سورية ترتدي علم المعارضة السورية ضمن مظاهرات في شوارع برلين 10 ديسمبر احتفالاً بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

ولكن الترحيل ليس بهذه البساطة. والكثير مما يتردد عن ترحيل السوريين قد تكون أسبابه انتخابية قبل أسابيع قليلة عن الانتخابات العامة المبكرة التي ستجري في 23 فبراير (شباط) المقبل.

وصحيح أنه من حيث المبدأ، يمكن سحب الإقامات المؤقتة من حامليها؛ لكن ذلك يتطلب أن تصنف وزارة الخارجية سوريا «دولة آمنة ومستقرة»، وهو ما قد يستغرق سنوات.

نيات البقاء والمغادرة

وحتى مع تأخر التصنيف الألماني لسوريا آمنة ومستقرة، لا يبدو أن الكثير من اللاجئين متشجعون للعودة. وبحسب «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» الذي يجمع معلومات دورية حول نيات اللاجئين بالبقاء أو المغادرة، فإن 94 في المائة من السوريين قالوا قبل سقوط الأسد إنهم يريدون البقاء في ألمانيا.

ورغم أنه ليست هناك إحصاءات جديدة منذ سقوط الأسد بعد، فإن المكتب يشير إلى أنه في العادة تزداد نيات البقاء مع زيادة فترة وجود اللاجئ في البلاد. وكلما طالت فترة وجوده، ازدادت إرادة البقاء.

وصل معظم السوريين إلى ألمانيا قبل أكثر من 5 سنوات، جزء كبير منهم قبل عقد من الزمن، وهذا يعني، حسب المركز، أن تعلقهم بألمانيا بات قوياً.

وتنعكس هذه الدراسة فعلاً على وضع اللاجئين السوريين في ألمانيا.

سيامند عثمان مثلاً، لاجئ سوري كردي، وصل إلى ألمانيا قبل 11 عاماً، يتحدر من القامشلي، وهو مثل مواطنه أنس، تعلم اللغة، وحصل على جواز ألماني، وما زالت معظم عائلته في القامشلي. ومع ذلك، لا يفكر بالعودة حالياً.

سيامند عثمان سوري كردي يعيش بألمانيا لا يفكر في العودة حالياً (الشرق الأوسط)

يقول عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع في مناطق الأكراد «صعب في الوقت الحالي، وما زال غير مستقر»، ولكنه يضيف: «أنا أحب العودة وهذه أمنيتي، فأهلي هناك، ولكن أتمنى أولاً أن تتفق كل الأطراف في سوريا، ويصبح هناك أمان في منطقتنا».

أكثر ما يخيف سيامند هو عودة الحرب في سوريا، يقول: «تخيلي أن أترك بيتي هنا وأسلم كل شيء وأبيع ممتلكاتي وأعود إلى سوريا لتعود معي الحرب بعد أشهر وأضطر للنزوح مرة جديدة». ومع ذلك فهو مصرّ على أنه سيعود عندما تستقر الأمور.

ماذا عن الاقتصاد؟

المخاوف من عدم الاستقرار ليست وحدها التي تجعل السوريين مترددين في العودة. فالوضع الاقتصادي يلعب دوراً أساسياً، وفق ما تُقدر آلاء محرز التي وصلت عام 2015 إلى ألمانيا.

تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها «بنت نفسها من الصفر»؛ تعلمت اللغة، وعادت وتدربت على مهنتها (المحاسبة)، وهي الآن تعمل في هذا المجال، وحصلت على الجنسية الألمانية.

آلاء محرز لاجئة سورية تعمل في ألمانيا (الشرق الأوسط)

ورغم تفاؤلها الكبير بمستقبل سوريا، فإن آلاء المتحدرة من حمص ما زالت تحمل تحفظات حول الوضع هناك، والمسار الذي قد تسلكه سوريا في السنوات المقبلة، وتخشى أن تترك وظيفتها ومنزلها في برلين وتعود من دون أن تجد عملاً مناسباً.

مصاعب العائلات

وإذا كان قرار فرد المغادرة أو البقاء صعباً، فإنه قد يكون أكثر صعوبة للعائلات السورية التي وصلت مع أبنائها الذين نسوا اللغة العربية وأضاعوا سنوات لتعلم الألمانية.

يقول أنس فهد، المتحدر من السويداء، الذي وصل إلى ألمانيا قبل 3 أعوام تقريباً مع عائلته وابنه المراهق، إنه «ما زال يحمل إقامة حماية مؤقتة، ويعمل مهندساً كهربائياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الوقت مبكر الآن لاتخاذ قرار بالعودة»، شارحاً أن ابنه أمضى عاماً من الدراسة يتعلم اللغة الألمانية، وهو يحقق نتائج جيدة جداً في المدرسة ببرلين، ومن الصعب إعادته إلى مدارس سوريا حيث سيضطر لإضاعة عام آخر لدراسة اللغة العربية.

«وصلت يوم سقط الأسد»

وحتى الواصلون الجدد لا يخططون للعودة. لعل أحدثهم باسل حسين الذي وصل إلى برلين يوم سقوط الأسد، بعد أن دفع أكثر من 13 ألف يورو ليدخل عن طريق التهريب، والذي يقول إنه لن يعود الآن وقد وصل للتوّ.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع ما زال غير واضح، وهناك قرارات جديدة كل يوم». يفضل باسل أن يستكشف مستقبله في ألمانيا حتى ولو كان ذلك يعني أن عليه البدء من الصفر، على أن يعود إلى مستقبل غير معروف.

باسل حسين لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا يوم سقوط الأسد (الشرق الأوسط)

وليس فقط السوريون هم المترددين حيال العودة، بل إن الألمان يخشون خسارة كثير منهم دفعة واحدة، خصوصاً أولئك الذين دخلوا سوق العمل ويملأون فراغاً في مجالات كثيرة.

ويعمل أكثر من 5 آلاف طبيب سوري في مستشفيات ألمانيا، ويشكلون بذلك الشريحة الأكبر من بين الأطباء الأجانب في ألمانيا. ويعمل المتبقون في مهن تعاني من نقص كبير في العمال؛ كالتمريض والبناء وقطاع المطاعم والخدمات.

وبحسب معهد أبحاث التوظيف، فإن معدل دخول السوريين سوق العمل هو 7 سنوات لتعلم اللغة وتعديل الشهادات. ويشير المعهد إلى أن السوريين يملأون شغوراً في وظائف أساسية في ألمانيا، ومع ذلك فإن معدل البطالة مرتفع بينهم، خصوصاً بين النساء اللواتي تعمل نسبة قليلة منهن فقط.

وقد حذرت نقابات الأطباء والعمل من الدعوات لتسريع ترحيل السوريين، لما قد يحمله ذلك من تأثيرات على سوق العمل في ألمانيا.

وحذر كذلك مانفريد لوشا، وزير الصحة في ولاية بادن فورتمبيرغ في غرب ألمانيا التي يعمل بها عدد كبير من الأطباء السوريين، من النقاشات حول تسريع الترحيل، وقال: إذا غادر العاملون السوريون في قطاع الصحة «فستكون هناك ثغرة هائلة».

وقالت نقابة المستشفيات في الولاية نفسها، إن «مغادرة كل طبيب أو عامل صحة سوري ستشكل خسارة لنا».