البحث عن الخبز الصحي... محاولات طبية وعلمية متواصلة

إضافات صحية تعزز هرمونات الشبع

البحث عن الخبز الصحي... محاولات طبية وعلمية متواصلة
TT

البحث عن الخبز الصحي... محاولات طبية وعلمية متواصلة

البحث عن الخبز الصحي... محاولات طبية وعلمية متواصلة

الخبز من دون شك أقدم أنواع الأطعمة المعمولة من دقيق القمح، بتاريخ طويل يتجاوز 8 آلاف عام. والبشر؛ إضافة إلى تطوير إنتاجهم أنواعاً كثيرة من الخبز، طوروا أنواعاً وأشكالاً وهيئات أكثر من الأطعمة المعمولة من دقيق القمح، مثل أنواع «باستا المعكرونة» وأنواع معجنات الحلويات المختلفة باختلاف مناطق العالم... وغيرها. ولذا؛ وبلغة الأرقام، يظل الخبز اليوم، مع بقية أنواع الأطعمة المعمولة من دقيق القمح، من المنتجات الغذائية الأعلى تناولاً في العالم.
ونتيجة لهذا الارتفاع العالمي في التناول بين الناس في الأعمار كافة، فإن دقيق القمح، والأطعمة المعمولة منه، هي بالفعل الأعلى «إمكانية» في تقديم «فوائد صحية» متى ما توفرت فيها ظروف ذلك، والأعلى «إمكانية» في التسبب في «تداعيات صحية سلبية» متى ما توفرت أيضاً فيها ظروف ذلك.
ولذا؛ لا تتوقف ماكينات البحث العلمي العالمية عن البحث في أفضل الطرق لتحسين الجوانب الصحية المتعلقة بتأثيرات تناول الخبز في العموم، وبقية أنواع الأطعمة المعمولة من دقيق القمح. واتخذت تلك البحوث الإكلينيكية مسارات متعددة، بهدف الحيلولة دون أن يكون تناول الخبز سبباً في السمنة أو أي أمراض مزمنة أخرى.

- إضافات صحية
وفي سياق أحد تلك المسارات، وهو مسار الإضافات الصحية إلى دقيق القمح، قدمت مجموعة باحثين بريطانيين دراسة علمية جديدة حول إحدى الطرق المقترحة لتحسين تأثيرات تناول الخبز في تعزيز إنتاج الأمعاء هرمونات الشبع، وهي إضافة «دقيق الحمص (Chickpea)» إلى دقيق القمح في إعداد «عجين الخبز (Dough)».
ونشرت الدراسة تحت عنوان: «زيادة إفراز هرمونات الأمعاء المعززة للشبع لدى البشر الأصحاء بعد تناول الخبز الأبيض المخصب بدقيق الحمص» ضمن عدد مارس (آذار) الحالي من «المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية (Am J Clin Nutr)».
وفي مسار آخر، وهو مسار تطوير عمليات العجن والتخمير، قدم باحثون من فرنسا وبلجيكا والسويد دراستهم عن تأثيرات التخمير لعجين دقيق القمح عند إعداد الخبز. وكانت دراستهم؛ المنشورة ضمن العدد الأخير من مجلة «التقدم في التغذية (Advances In Nutrition)»، (لسان حال الجمعية الأميركية للتغذية American Society for Nutrition)، تحت عنوان: «الفوائد الغذائية للعجين المتخمر (Sourdoughs): مراجعة منهجية».
وللتوضيح؛ فإنه وبخلاف «عجين الخبز الشائع (Yeast Bread)» الذي يجري تصنيعه باستخدام خميرة الخباز العادية (Baker›s Yeast) المكونة من أنواع معينة من الفطريات، والشائع منها خميرة البيرة (Saccharomyces Cerevisiae)، فإن «العجين المتخمر» يجري تصنيعه باستخدام مزيج مكون من خميرة الخباز العادية مع إضافة أنواع من البكتيريا العصوية اللبنية (Lactobacilli). ولذا؛ فإن الخبز المصنوع من «العجين المتخمر (Sourdough Bread)» له طعم حامضي نسبياً. كما أن خبز العجينة المتخمرة أطول عمراً في التخزين المنزلي، مقارنة بأنواع أخرى من الخبز. وسبب ذلك تكون حمض اللبنيك فيه، بفعل إضافة البكتيريا اللبنية وحدوث عملية التخمير اللاهوائي.

- دقيق الحمص
وبالعودة إلى الدراسة البريطانية؛ أفاد باحثون من «كلية علوم الحياة والطب» في «كينغس كوليدج لندن»، ومن قسم «ابتكار الغذاء والصحة» في «معهد كوادرام للعلوم البيولوجية» في المملكة المتحدة، بما ملخصه: «يرتبط تناول البقول بآثار مفيدة على إدارة وزن الجسم وصحة القلب. وهدفت هذه الدراسة إلى تحديد تأثير إضافة دقيق الحمص (المُعد بطريقة لا تفتت بها خلايا بقول الحمص) إلى دقيق القمح، على هرمونات الأمعاء بعد الأكل. وبعد تناول 3 أنواع من هذا الخبز الأبيض المُخصب بدقيق الحمص بنسب متفاوتة؛ أي إما بنسبة صفر في المائة، أو 30 في المائة، أو 60 في المائة، جرى جمع عينات الدم بعد الأكل (Postprandial) من المشمولين في الدراسة للمقارنة بين نسبة الغلوكوز، ومستوى إفراز الإنسولين، واستجابات الشبع في الدماغ».
وأفاد الباحثون في النتائج بأن ارتفاع تركيز الحمص في نوع الخبز أثر بشكل كبير في ارتفاع إفراز هرمونات خفض الشهية (Anorexigenic Hormones)، خصوصاً الببتيد الشبيه بالغلوكاجون (GLP - 1) والببتيد واي واي (PYY). علاوة على ذلك، أثر نوع الخبز بشكل كبير في انخفاض نسبة سكر الغلوكوز والإنسولين في الدم.
وقال الباحثون في استنتاجاتهم: «الاستخدام الجديد لخلايا الحمص السليمة، لتحل محل الدقيق المكرر في الخبز الأبيض، يحفز الاستجابة لهرمون القناة الهضمية الذي يسبب فقدان الشهية، ولديه القدرة على تحسين الاستراتيجيات الغذائية للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية وعلاجها».

- العجين المتخمر
وضمن عدد يناير (كانون الثاني) - فبراير (شباط) الأخير من «مجلة التقدم في التغذية (Advances in Nutrition)»، قدمت مجموعة باحثين من فرنسا وبلجيكا والسويد دراستهم العلمية بعنوان: «الفوائد الغذائية للعجين المتخمر: مراجعة منهجية». وقالوا: «يرتفع استخدام العجين المُخمر بشكل متزايد بين الناس نتيجة فوائده الغذائية». وكان الهدف من هذه الدراسة هو المراجعة المنهجية للأدلة الاكلينيكية المتعلقة بتأثير تناول خبز العجين المخمر على الصحة.
وأفاد الباحثون بأن أنواع خبز العجين المُخمر تختلف عن أنواع خبز الخميرة (Yeast Bread) الشائع التناول، وذلك من جوانب التركيب الميكروبي للعجين المخمر، ومعايير التخمير، ونوعية الحبوب المستخدمة. وتحديداً؛ ففي الخبز المُخمر تُستخدم توليفة من اتحادات بكتيريا اللاكتيك (Lactic Bacteria) وخمائر الفطريات (Yeasts)، بخلاف خبز الخميرة العادي الذي تُستخدم في تخميره الفطريات فقط.
وفي نتائجهم، قال الباحثون: «في الدراسات لوحظت تحسينات كبيرة في مؤشرات استجابة نسبة السكر في الدم (Glycemic Response)، وسرعة الشعور بالشبع، وراحة الجهاز الهضمي، بعد تناول الخبز المُخمر».
وقال الباحثون: «هناك اهتمام متجدد بالمنتجات الغذائية التقليدية البسيطة، مثل خبز العجين المخمر. والعجين المخمر يعزز كثيراً من الفوائد الصحية، مثل تحسين الهضم وتحسين المحتوى الغذائي. والدراسات العلمية؛ قد أبرزت بالفعل أن تخمير العجين المخمر يمكن أن يحسن إمكانية الوصول البيولوجي للمغذيات، ويقلل من المؤشر السكري (GI) للخبز».
وللتوضيح؛ فإن تحسين إمكانية الوصول البيولوجي للمغذيات (Nutrient Bioaccessibility) يُقصد به ارتفاع احتمالات حصول الجسم على العناصر الكيمائية الحيوية الموجودة في الطعام الذي نتناوله. والتخمير والخبز وسيلتان لتحرير عدد من تلك المغذيات المغمورة في دقيق القمح، وارتفاع إمكانية امتصاص الأمعاء لها. مثل المواد المضادة للأكسدة وعدد من الفيتامينات والمعادن. والمؤشر السكري لأي منتج غذائي هو رقم يُشير إلى مدى سرعة تسببه في ارتفاع نسبة سكر الغلوكوز في الدم. وكلما كان منخفضاً كان أفضل في العموم.

- الدقيق الأبيض... تفادي التأثيرات الصحية السيئة
> إشكالية مدة الصلاحية (العمر التخزيني)، هي التي صنعت الفرق بين دقيق حبوب القمح الكاملة من جهة؛ والدقيق الأبيض لحبوب القمح المنزوع منها جزء الرشيم (الجنين) وطبقة القشرة من جهة أخرى. وتتمثل تداعيات ذلك في 3 جوانب؛ هي:
- جزء الرشيم يحتوي على أحماض دهنية صحية للغاية.
- طبقة القشرة تحتوي على طيف واسع من المعادن والفيتامينات الصحية للغاية أيضاً.
- طبقة اللب البيضاء (السويداء) عامرة بالنشويات ومعدلات منخفضة من البروتينات (وفق نوع حبوب القمح).
وللتوضيح؛ فإن طحن حبوب القمح الكاملة يعني تحرير الأحماض الدهنية (الموجودة في جزء الرشيم) وتحرير المعادن والفيتامينات (الموجودة في طبقة القشرة)، وامتزاجها مع كامل الدقيق، وهذا من شأنه تهيئة الظروف التي تُسهل سرعة حصول عملية التزنيخ (تستغرق هذه العملية من 6 إلى 9 أشهر). وذلك نتيجة تفاعل الأحماض الدهنية مع الأكسجين في الهواء لحظة التقائهما، مما يجعل الدقيق الأسمر قصير عمر الصلاحية. وكان الحل «الصناعي» لهذه المشكلة هو إزالة جزء الرشيم وإزالة طبقة القشرة، والإبقاء على اللب النشوي.
ومع ملاحظة الأوساط الطبية ارتفاع معدلات انتشار السمنة، جرى التوجه نحو خبز الدقيق الأبيض في احتمال مساهمة تناوله في انتشار السمنة. وطُرحت فرضيات عدة؛ من أهمها:
- إعداد الدقيق الأبيض للقمح بإزالة طبقة القشرة يحرم تزويد الجسم بكم كبير من الفيتامينات والمعادن، والأهم؛ من الألياف. وهي العناصر الغذائية التي تتركز في طبقة القشرة. ورغم إضافة بعض هذه المعادن والفيتامينات بصفتها تعزيزاً للدقيق الأبيض للقمح، فإنه لا يتحقق صحياً تعويض الألياف الطبيعية وكذلك تعويض الفيتامينات بهيئتها وتركيبها الطبيعي، وتجانسها مع المكونات الأخرى في تراكيب دقيق القمح.
- التسبب في زيادة الوزن وسرعة ارتفاع نسبة السكر في الدم بُعيد تناول خبز الدقيق الأبيض للقمح، نظراً إلى أن المؤشر السكري (GI) له يفوق «75»، مما يجعله من أقرب الأطعمة لتناول السكر الصافي. والمؤشر السكري لأي نوع من الأطعمة هو مقياس لمدى تأثير تناوله في رفع نسبة السكر في الدم. ووفقاً لأطباء جامعة هارفارد، فإن ارتفاع السكر في الدم المتكرر نتيجة تناول الأطعمة التي ترتفع فيها نسبة السكر في الدم، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وأمراض القلب والسمنة.
- استمرار الشعور بالجوع والحاجة إلى تناول مزيد من الطعام لإرضاء الشهية: حيث إن الخبز الأبيض خال من الدهون الصحية، وكمية البروتين فيه منخفضة (مقارنة مع دقيق القمح القاسي المُستخدم في صناعة أنواع باستا المعكرونة)، ولا يحتوي الألياف، مما يعني عدم توفيره الشعور بامتلاء الشبع وعدم توفيره إيقاف إفراز هرمونات الجوع، بُعيد تناوله.
ولوضع الخبز الأبيض في السياق، يمكننا أن ننظر في دراسة أخرى أجريت لتحدد مدى الرضا بالشبع الذي يمكن أن يصنعه الطعام بعد تناوله. وبوضع الخبز الأبيض هو الأساس بنسبة 100 في المائة، حصل البيض على 150 في المائة، والتفاح 197 في المائة، ودقيق الشوفان 209 في المائة. ووجدت دراسة أخرى نُشرت في مجلة «الشهية (Appetite)» أن المشاركين الذين تناولوا الخبز الأبيض استهلكوا 500 سعرة حرارية إضافية في وجبتهم التالية، مقارنة بأولئك الذين تناولوا خبز الحبوب الكاملة.

- 9 مسارات لتناول الخبز بطريقة صحية
> في شأن خبز دقيق القمح، وعلى مر العصور الماضية، كان البشر يتناولون الخبز المصنوع من دقيق حبوب القمح الكاملة، وبكميات معتدلة وفق مدى توفره. ولكن تناول خبز الدقيق الأبيض للقمح انتشر على نطاق واسع عالمياً نتيجة كل من:
- الطعم الشهي لخبز دقيق القمح الأبيض.
- طول مدة صلاحية تخزين الدقيق الأبيض مقارنة بالدقيق الأسمر لحبوب القمح الكاملة.
- تفنن الخبازين في إعداد أنواع مختلفة من هيئات الخبز وزيادة إمكانية حفظه لفترات أطول.
- اعتماد نمط التغذية الحديثة على هيئات مختلفة للسندويشات أو الشطائر (الشاورما والفلافل والبيرغر والهوت دوغز والتاكو)، وظهور الوجبات الخفيفة والمقرمشات وانتشار أنواع لا حصر لها من حلويات المعجنات.
والجهود الطبية وغيرها في محاولات جعل تناول الخبز طريقة صحية في التغذية اليومية، تتخذ مسارات متعددة؛ من أهمها:
* الحث على تناول خبز دقيق القمح الكامل، وإثبات الفوائد الصحية لذلك مقارنة بخبز الدقيق الأبيض للقمح.
* تعزيز الدقيق الأبيض للقمح بالفيتامينات والمعادن، والبحث عن طرق لإضافة الألياف إليه، دون تغيير خصائص الدقيق الأبيض في الليونة والتماسك والطعم، التي يفتقدها خبز دقيق حبوب القمح الكاملة.
* خفض إضافات الملح والدهون المُصنعة والدهون المُشبعة إلى عجين الدقيق الأبيض للقمح عند إعداد الخبز أو معجنات الحلويات والكعك وغيرها.
* إضافة أنواع من المنتجات الغذائية لمزيج عجين الدقيق الأبيض، كالحليب والدهون الصحية وغيرهما.
* إضافة أنواع مختلفة من البذور والحبوب عند إعداد عجين الخبز، مثل لب بذور دوار الشمس واليقطين والحبة السوداء وشرائح حبوب الشوفان والزبيب والسمسم وبذور الكتان... وغيرها.
* إثبات الفوائد الصحية المحتملة لمزج الدقيق الأبيض للقمح بدقيق أنواع مختلفة من البقول أو الحبوب الأخرى. كإضافة دقيق الحمص أو الصويا أو الترمس أو الشوفان... وغيرها.
* تطوير طريقة تخمير عجين الدقيق الأبيض للقمح باستخدام أنواع من خمائر الفطريات مع أنواع من البكتيريا الصحية.
* تطوير مدة وطريقة التخمير لعجين الدقيق الأبيض للقمح، للبحث عن أفضلها عند استخدام أنواع الخمائر، بغية المساهمة في تسهيل الهضم وفي إبطاء امتصاص السكريات وفي تحرير مزيد من المعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة الموجودة في الخبز.
* استكشاف الطرق الصحية لعملية الخبز؛ بما يضمن حصول أكبر قدر من التفاعلات الكيميائية الصحية لإتمام النضج، وذلك بفعل الحرارة. كتأثيرات «تقمير» الطبقة الخارجية للخبز في تحرير مزيد من المواد المضادة للأكسدة كي يمتصها الجسم. وكمحاولات الدراسات الصينية تسويق الخبز المطهو عن طريق حرارة بخار الماء، وعرضها كثيراً من الفوائد الصحية لذلك.


مقالات ذات صلة

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

صحتك بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية

7 نصائح للرجال للياقة بدنية تتجاوز العمر

القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية ليتمتعوا بصحة أفضل يوماً بعد يوم وفي أي عمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الرمان يزود الجسم بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام (غيتي)

تحسين الكولسترول والوقاية من السرطان... فوائد هائلة لتناول الرمان يومياً

بتناول حبات الرمان يومياً تضمن أن تزود جسمك بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بسرطان الثدي (رويترز)

تقرير: النساء الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الرجال

تمثل حالة الأختين رورك ظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، وهي تشخيص المزيد من النساء الشابات بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك 8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

ربما تكون مثل كثير من الناس الذين من أوائل الأشياء التي يقومون بها كل صباح هو النظر من النافذة لمعرفة حالة الطقس

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك
TT

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

ربما تكون مثل كثير من الناس الذين من أوائل الأشياء التي يقومون بها كل صباح هو النظر من النافذة لمعرفة حالة الطقس، أو مراجعة «مجموعة معلومات عناصر حالة الطقس» التي يقدمها لهم الهاتف الجوال. وهذا طبيعي لأن النظر إلى الخارج ومراجعة توقعات الطقس لا تساعدك فقط في تحديد الملابس التي سترتديها، بل ربما حتى ما ستفعله طوال اليوم من أنشطة عملية وترفيهية.

إن حالة الطقس تؤثر على جوانب عدة من حياتنا اليومية بدرجات متفاوتة وبعدة طرق، ولكن يظل تأثيرها الأعمق على صحتنا في الجوانب البدنية والنفسية. وحتى المرضى الذين لديهم أمراض حادة أو مزمنة، سواء بدنية أو نفسية، تتأثر لديهم الحالات المرضية تلك باختلاف حالة الطقس أيضاً.

مؤشرات الطقس

والطقس هو في الواقع مجموعة من الأحداث الجوية المختلفة المعبر عنها بقيم (أرقام) محددة في مكان معين وفي وقت معين. وهذه «المجموعة من العناصر» هي التي توفر لنا معلومات مختلفة ومهمة عن حالة الطقس التي نعيش فيها ونتفاعل معها. وتتكون «معلومات الطقس» من عدة عناصر رئيسة. ومنها مقدار درجة الحرارة، ودرجة الحرارة الظاهرية، ومقدار الضغط الجوي، وسرعة الرياح، ودرجة الرطوبة، ومدى احتمالات هطول الأمطار، ونوعية الغيوم، ومؤشر جودة الهواء AQI، ومؤشر الأشعة فوق البنفسجية UN Index، وغيرها من المؤشرات. ولذا فإن معرفة الإنسان بمعنى أهم العناصر فيها، ودلالات تأثيراتها الصحية، تُمكّنه من التعامل بطريقة «احترافية» مع متغيرات عناصر الطقس للحفاظ على حالته الصحية.

وإليك العناصر التالية:

1. درجة الحرارة

إحساسنا الحقيقي بالبرودة أو الحرارة لا يعتمد بشكل مطلق على مقدار «درجة الحرارة» Temperature كرقم نقرأه عادة، بل يعتمد على عاملين آخرين هما درجة الرطوبة وسرعة الرياح. ولهذا السبب هناك كل من «مؤشر الحرارة» Heat Index و«برودة الرياح» Wind Chill.

و«مؤشر الحرارة» يهمنا في أجواء الصيف الحارة. وهو مؤشر يوضح كيف يؤثر مستوى رطوبة الهواء على درجة الحرارة التي نشعر بها في الطقس الحار. وكلما زادت الرطوبة، بدت درجة الحرارة المحسوسة أعلى من درجة الحرارة الفعلية، وزادت صعوبة القيام بالأنشطة الخارجية. والسبب أن ارتفاع نسبة الرطوبة يُعيق تبخر العرق عن أجسامنا، وبالتالي يُعيق تبريد العرق للجسم. وسنشعر ونتأثر حينئذ بالحرارة بشكل أعلى. وبالتالي يُعاني من الحرارة بشكل أعلى ضرراً كل من كبار السن وصغار السن ومرضى السكري والمصابين بعدد من الأمراض العصبية.

وعلى العكس، ففي الأجواء الباردة ومع وجود الرياح وتواجد الشخص خارج المنزل، يهمنا عنصر مدى شعورنا بالبرودة. ولذا هناك ما يُعرف بـ«درجة الحرارة الظاهرية» Feels Like Temperature كرقم آخر. وهي درجة البرودة التي «يشعر بها الشخص» في الخارج. وعلى سبيل المثال، فإن تعرض الجلد للرياح الباردة سيجعل الشخص يشعر بأن الجو في الخارج أكثر برودة مما هو عليه بالفعل، لأن زيادة سرعة الرياح تزيل طبقة الهواء الدافئة الملاصقة للجلد بمعدل أسرع.

وفي مثال آخر، تكون الأجواء الباردة في المناطق الصحراوية البعيدة عن البحار أشد، حيث يتسبب انخفاض الرطوبة في تسهيل تبخر العرق عن الجلد. ولذا يشعر الشخص بالبرودة بمقدار أكبر في المناطق الداخلية مقارنة بتواجده في منطقة ساحلية عالية الرطوبة ودرجة حرارتها نفس تلك التي في المنطقة الداخلية أو الصحراوية. وهذا ضار بشكل أكبر على كبار السن والأشخاص الذين يعانون من حالات صحية مزمنة. وقد يعاني الأشخاص المصابون بأمراض القلب أو مشكلات الجهاز التنفسي من أعراض أسوأ أثناء موجة البرد ولعدة أيام بعد عودة درجات الحرارة إلى طبيعتها.

تغيرات الضغط الجوي والرياح

2.مقدار الضغط الجوي. الضغط الجوي هو قوة وزن الغلاف الجوي الذي يوجد فوق سطح الأرض في منطقة ما، أي فوق الإنسان الساكن فيها. ويكون الضغط الجوي أقل بكثير في المناطق الجبلية المرتفعة من مقدار ضغط الهواء عند مستوى سطح البحر.

ومن الناحية الصحية، يمكن أن يؤثر انخفاض الضغط الجوي على الصحة البدنية والنفسية بطرق مختلفة. ومن ذلك ما يُعرف طبياً بـ«مرض المرتفعات» Altitude Sickness. ويحدث هذا بشكل خاص عندما يصعد الشخص إلى منطقة مرتفعة بسرعة كبيرة، مما لا يسمح لجسده بالتكيف أو التأقلم مع انخفاض الضغط وانخفاض مستويات الأكسجين مع زيادة الارتفاع. وقد تشمل الأعراض كلاً من الصداع والغثيان والشعور بعدم الارتياح وضيق التنفس والدوخة. وتحدث هذه الأعراض لأن انخفاض الضغط الجوي يتسبب في توسع الأوعية الدموية الصغيرة في الرئتين (في محاولة للحصول على المزيد من الأكسجين)، ثم تسرب السوائل منها إلى أنسجة الرئة وحويصلاتها الهوائية. وتُعرف هذه الحالة باسم الوذمة الرئوية في الارتفاع HAPE.

وقد تتسبب الأوعية الدموية المتوسعة بالدماغ في صداع شديد، وارتباك، وخمول، ونقص في التنسيق الذهني، وتهيج، وقيء، ونوبات، وغيبوبة، وفي النهاية الموت إذا لم يتم علاجه. ومرضى القلب ومرضى الأعصاب ومرضى الجهاز التنفسي وكبار السن هم أشد تأثراً.

كما قد يتفاقم الشعور بآلام التهاب المفاصل بسبب التغيرات في سائل المفصل مع تغير الضغط الجوي. وهو ما يتجلى في شكل مفاصل مؤلمة ومتورمة ومتصلبة. ويزداد هذا التأثير السلبي مع انخفاض حرارة الطقس إلى البرودة الشديدة. وهنا تُصبح الإشكالية مُضاعفة.

كما قد يُبلغ بعض الأشخاص عن تفاقم الصداع الناجم عن التهاب الجيوب الأنفية والصداع النصفي، عندما ينخفض الضغط الجوي. وهذا هو نفس السبب الذي يجعل الأذنين «تطقطقان» أحياناً عندما تصعد الطائرة ما يسبب اختلافاً في ضغط الهواء على جانبي طبلة الأذن.

3. سرعة الرياح

سرعة الرياح شأن معقد في عناصر مؤشرات الطقس، ومع ذلك هي واحدة من أكثر القوى الطبيعية التي يتم الاستخفاف بها. وهناك خاصيتان رئيستان للرياح ليس من الصعب تخمينهما أو اكتشافهما وهما السرعة والاتجاه. وتؤثر هذه القوة غير المرئية بشكل كبير على بيئتنا ومزاجنا وأنشطتنا.

وهناك كثير من الدراسات الطبية عن تأثير الرياح على الحالة المزاجية والصحة العقلية. وتشير الأبحاث إلى أن الرياح القوية يمكن أن تزيد من مشاعر القلق أو الانفعال، وأن الرياح العاتية المستمرة يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر والأرق وصعوبة التركيز. والأهم، زيادة الشعور بالصداع.

وفي التفسير العلمي، يُعتقد أن الرياح تخلط الأيونات في الهواء، ما قد يؤثر على أدمغتنا عن طريق تغيير مستويات السيروتونين. ولذا في أماكن مثل المدن الساحلية أو السهول، غالباً ما يبلغ السكان عن مستويات توتر أعلى. وحتى على مستوى اللاوعي، يمكن أن يولد وجود الرياح عدم الارتياح، حيث تتفاعل حواسك باستمرار مع الحركة والصوت واللمس. وبالنسبة لعشاق الرياضة، يمكن للرياح الخلفية أن تمنح الرياضيين دفعة ضرورية للغاية، وتدفعهم إلى الأمام بأقل جهد. ومع ذلك، يمكن للرياح المعاكسة أن تجعل نفس النشاط يبدو أكثر صعوبة، ما يقلل من القدرة على التحمل ويزيد من الإرهاق بشكل أسرع.

الرطوبة والأمطار

4.درجة الرطوبة. درجة الرطوبة تعكس درجة تركيز بخار الماء الموجود في الهواء، اعتماداً على درجة الحرارة والضغط الجوي. وتشير إلى احتمالية هطول الأمطار أو نقطة الندى أو الظواهر مثل الضباب. ودون الخوض في الكثير من التفاصيل، فكلما زادت أو تدنت رطوبة الهواء، كان من الصعب على الشخص التنفس والحفاظ على مرونة الجلد، مقارنة بشخص يعيش في منطقة متوسطة ومريحة من الرطوبة. ويمكن أن تؤدي المستويات العالية من الرطوبة المصحوبة بالحرارة إلى ظهور أعراض مثل الجفاف وتشنجات العضلات وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة مثل الإجهاد الحراري أو ضربة الشمس، لأن التعرق غير الفعال في تبريد الجسم في ظل الرطوبة العالية يمكن أن يجعل الناس يشعرون بحرارة أعلى من درجة الحرارة الفعلية.

وصحيح أن انخفاض الرطوبة يُسهم في جفاف الجلد، ولكن أيضاً ارتفاع الرطوبة قد يتسبب في تهيج الجلد، مثل الطفح الجلدي الناتج عن الحرارة وحتى العدوى الفطرية، وقد تجعل الجلد دهنياً وتزيد من تفاقم حالات مثل حب الشباب. والهواء كثيف الرطوبة يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في التنفس وتفاقم أعراض حالات أمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو والحساسية. وذلك من خلال تعزيز نمو العفن وعث الغبار والبكتيريا.

5. هطول الأمطار

الأمطار هي الرطوبة الجوية التي «تسقط» على الأرض في شكل مطر. ولكنها قد تكون أيضاً رذاذاً أو ثلجاً أو العديد من أنواع الأمطار الأخرى. وهي تنتج عن تفاعلات مع عناصر الطقس الأخرى: درجة الحرارة والرطوبة والرياح وغيرها. وفي بعض الأحيان يتم التعبير عن توقعات هطول الأمطار أيضاً بنسبة مئوية. في هذه الحالة قد ترى عبارة «احتمال هطول الأمطار» في التوقعات. يبدو هذا الأمر بسيطاً للفهم، ولكن بشكل عام، يعد حساب احتمال هطول الأمطار أمراً معقداً. وعادةً ما يتم قياس المطر بالملليمترات (مم) ويتم قياس الثلج بالسنتيمتر (سم). وبشكل عام، يبلغ هطول الأمطار الغزيرة 15-50مم في 12 ساعة، ويبلغ تساقط الثلوج الكثيفة 7-20سم في 12 ساعة.

الإشعاع والتلوث

6. مدى الرؤية. بوصفه عنصراً من عناصر الطقس، فإنه يشير إلى درجة الشفافية الجوية، أي ما إذا كنا سنرى بعض الأجسام على مسافة بعيدة أم قريبة، أم لا.

وعلى سبيل المثال، فإن الضباب الأكثر شيوعاً يشكل عقبة خطيرة للسائقين وراكبي الدراجات وحتى المشاة. ومن بين عناصر الطقس الأخرى التي تقلل من الرؤية كل من العواصف الثلجية والعواصف الرملية أو الغبارية وغيرها. ولهذا السبب تعد الرؤية أحد العناصر الحاسمة في مؤشرات الطقس، والتي يتم تضمينها في جميع التوقعات تقريباً. ويتم قياس الرؤية بنفس وحدات المسافة التي يصبح عندها الجسم المرصود غير مرئي للعين ويتم التعبير عنها بالكيلومترات والأميال.

7. الأشعة فوق البنفسجية

التعرض «المفرط» للأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس، ولو لمدة قصيرة، يُؤدي إلى حروق الشمس وتغير لون الجلد نحو الأغمق، والتعرض لها لمدد زمنية أطول وبشكل متكرر يُؤديان إلى شيخوخة الجلد وترهله والإصابات بسرطان الجلد. ويُمكن بسهولة قياس كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تتعرض لها منطقة جغرافية ما عبر استخدام مؤشر قياس الأشعة ما فوق البنفسجية Ultraviolet Index (UVI).

وتتراوح قيم المؤشر ما بين 1 إلى 11. وتتبنى منظمة الصحة العالمية نظاماً من الألوان للإشارة إلى مستوى الأشعة فوق البنفسجية. واللون الأخضر يرمز لنسبة 0 إلى 2، أي منخفض. والأصفر لنسبة 3 إلى 5، أي متوسط. والبرتقالي لنسبة 6 إلى 7، أي مرتفع. والأحمر لنسبة 8 إلى 10، أي عالٍ جداً. والبنفسجي لنسبة ما فوق 11، أي مرتفع بشكل مطلق.

8. مؤشر جودة الهواء

مؤشر جودة الهواء AQI يوضح لك مدى نظافة الغلاف الجوي من حولك في مكان معين، أي الهواء الذي نتنفسه. والملوثات الرئيسة للهواء هي مجموعة كاملة من المواد الضارة والخطرة التي لا نراها. ووفقاً لوكالة حماية البيئة «EPA» في الولايات المتحدة، فإن الملوثات الخمسة الأولى للهواء التي تؤخذ في الاعتبار لحساب مؤشر جودة الهواء على مستوى الأرض هي الأوزون، وتلوث الجسيمات (بما في ذلك PM2.5 وPM10)، وأول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، وثاني أكسيد النيتروجين.

التعامل بطريقة «احترافية» مع متغيرات عناصر الطقس للحفاظ على الصحة

وتقول منظمة الصحة العالمية: «المسار الرئيس للتعرض لتلوث الهواء هو من خلال الجهاز التنفسي. إذ يؤدي استنشاق هذه الملوثات إلى الالتهاب والإجهاد التأكسدي وقمع المناعة والطفرات في الخلايا في جميع أنحاء الجسم، ما يؤثر على الرئتين والقلب والدماغ من بين أعضاء أخرى ويؤدي في النهاية إلى المرض».

وتفيد عدة مصادر طبية بما ملخصه أن قيم مؤشر جودة الهواء عند أو أقل من 100 تعتبر مرضية بشكل عام. عندما تكون قيم مؤشر جودة الهواء أعلى من 100 تكون جودة الهواء غير صحية: في البداية بالنسبة لمجموعات معينة من الأشخاص الحساسين، ثم بالنسبة للجميع مع ارتفاع قيم مؤشر جودة الهواء.

ينقسم مؤشر جودة الهواء إلى ست فئات. وقد يبدأ الجميع في التعرض لتأثيرات صحية عندما تكون قيم مؤشر جودة الهواء بين 151 و200. قد يعاني أعضاء المجموعات الحساسة من تأثيرات صحية أكثر خطورة. غير صحي للغاية. تؤدي قيم مؤشر جودة الهواء بين 201 و300 إلى تشغيل تنبيه لتحذير صحي، ما يعني أن الجميع قد يعانون من تأثيرات صحية أكثر خطورة.