ميدفيديف: أي محاولة للقبض على بوتين ستكون إعلان حرب على روسيا

«المحكمة الجنائية الدولية» توقع اتفاقاً مع كييف لإنشاء مكتب في أوكرانيا

المدعي العام الأوكراني أندريي كوستين وقّع في مقر المحكمة في لاهاي اتفاقاً لإنشاء مكتب لها في أوكرانيا (رويترز)
المدعي العام الأوكراني أندريي كوستين وقّع في مقر المحكمة في لاهاي اتفاقاً لإنشاء مكتب لها في أوكرانيا (رويترز)
TT

ميدفيديف: أي محاولة للقبض على بوتين ستكون إعلان حرب على روسيا

المدعي العام الأوكراني أندريي كوستين وقّع في مقر المحكمة في لاهاي اتفاقاً لإنشاء مكتب لها في أوكرانيا (رويترز)
المدعي العام الأوكراني أندريي كوستين وقّع في مقر المحكمة في لاهاي اتفاقاً لإنشاء مكتب لها في أوكرانيا (رويترز)

اعتبر مسؤول روسي كبير أن قيام دولة أجنبية بتوقيف الرئيس فلاديمير بوتين، في حالة سفره إليها، في ضوء المذكرة التي أصدرتها «المحكمة الجنائية الدولية» قبل أيام ضده سيكون بمثابة «إعلان حرب» على موسكو.
وقال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف، حليف بوتين المعروف بتصريحاته النارية، أمس (الخميس)، إن أي محاولة لإلقاء القبض على بوتين بعد أن أصدرت «المحكمة الجنائية الدولية» مذكرة اعتقال بحقه، ستكون بمثابة إعلان حرب على روسيا.
وتوعد ميدفيديف على «تلغرام» باستهداف لاهاي بصاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت رداً انتقامياً على مذكرة التوقيف التي صدرت بحق بوتين، وفقاً لوسائل إعلام هولندية، داعياً قضاتها إلى «النظر ملياً في السماء».
وأضاف ميدفيديف: «دعونا نتخيل الموقف، وهو بوضوح لن يحدث أبداً، لكن دعونا نتخيله: الرئيس الحالي لدولة نووية ذهب لمكان مثل ألمانيا مثلاً وتم اعتقاله». وتابع قائلاً في فيديو نشره على «تلغرام»: «ماذا سيكون ذلك؟ سيكون إعلان حرب على روسيا الاتحادية... وفي تلك الحالة كل أصولنا (الحربية) وكل صواريخنا... إلخ ستحلق صوب مكتب المستشارية ومبنى (البوندستاغ)»، في إشارة للبرلمان الألماني.
وقال ميدفيديف، وهو رئيس سابق وحليف قوي لبوتين، لوسائل إعلام روسية إن «(المحكمة الجنائية الدولية) كيان قانوني لا قيمة له» لم يفعل في أي وقت من الأوقات أي شيء مهم.
وهناك دول لا تعترف بالمحكمة، منها روسيا والصين والولايات المتحدة.
يأتي هذا التحذير بعدما أصدرت «المحكمة الجنائية الدولية» التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، الأسبوع الماضي، مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جريمة حرب، عبر «ترحيل» أطفال أوكرانيين، في إطار هجوم موسكو على أوكرانيا.
وأول من أمس (الأربعاء)، نددت المحكمة بـ«تهديدات» تتعرض لها، مصدرها موسكو، بعدما أعلن القضاء الروسي فتح تحقيق جنائي بحق العديد من قضاتها ومدعيها، كريم خان. ورفضت الإجراءات التي أعلنت ضد مدعيها وقضاتها المعنيين بإصدار مذكرة توقيف بحق بوتين، والمفوضة الروسية لحقوق الأطفال، ماريا لفوفا - بيلوفا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت موسكو الاثنين إنها فتحت تحقيقاً جنائياً بحق المدعي العام لـ«المحكمة الجنائية الدولية»، كريم خان، وعدد من القضاة، بشأن القرار «غير القانوني» الهادف إلى توقيف بوتين.
ولا تعترف موسكو بصلاحية «المحكمة الجنائية الدولية»، ووصفت مذكرة التوقيف بحق بوتين بأنها «باطلة قانوناً». وينفي مسؤولون روس ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، ويقولون إن الغرب تجاهل ما قالوا إنه جرائم حرب أوكرانية.
ووقَّعت «المحكمة الدولية» مع كييف، أمس (الخميس)، اتفاقاً لإنشاء مكتب للمحكمة في أوكرانيا، حسبما أعلنت الهيئة التي أصدرت، الأسبوع الماضي، مذكرة التوقيف بحق بوتين. وقال المدعي العام الأوكراني أندريي كوستين بشأن الاتفاق الذي وقعه باسم أوكرانيا في مقر المحكمة في لاهاي: «إنها مجرد بداية، وهي بداية جيدة». وأضاف، حسبما جاء في بيان: «أنا مقتنع بأننا لن نتوقف حتى يمثل جميع مرتكبي الجرائم الدولية، التي ارتكبت في أوكرانيا أمام القضاء (...)، وذلك بغض النظر عن منصبهم السياسي أو العسكري». ورحب بالقرار «التاريخي» الذي اتخذته المحكمة بحق بوتين بتهمة «ترحيل» أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وكان كوستين قد قال، مطلع مارس (آذار)، إن بلده يستعد لفتح مكتب لـ«المحكمة الجنائية الدولية» على أراضيه.
ولـ«المحكمة الجنائية الدولية»، التي تأسست في عام 2002، للنظر في أسوأ الجرائم المرتكبة في العالم، 7 مكاتب دول، هي مكتبان في جمهورية الكونغو الديمقراطية (كينشاسا وبونيا) ومكتب في أوغندا (كمبالا) ومكتب في جمهورية أفريقيا الوسطى (بانغي) ومكتب في ساحل العاج (أبيدجان) ومكتب في جورجيا (تبليسي) ومكتب في مالي (باماكو).
ووصف ميدفيديف العلاقات مع الغرب بأنها بالتأكيد في أسوأ أحوالها. وقال إن المخاطر النووية في تزايد، وأضاف: «كل يوم يتم فيه إمداد أوكرانيا بأسلحة من الخارج يقترب العالم من دمار نووي كامل». وأشار ميدفيديف إلى أن الغرب الآن يريد تقسيم روسيا لمجموعة من الدول الضعيفة ليسرق مواردها الطبيعية الضخمة، على حد قوله. وينفي الغرب أنه يريد تدمير روسيا، ويقول إنه يساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة استيلاء على الأراضي بالأسلوب الاستعماري.
وقال ميدفيديف: «أوكرانيا جزء من روسيا»، مضيفاً أن أغلب أوكرانيا الحالية كان جزءاً من الإمبراطورية الروسية.
وحذر ميدفيديف من أن استمرار الغرب في تزويد أوكرانيا بالأسلحة ربما يؤدي إلى نشوب حرب نووية. وذكرت وكالة أنباء «سبوتينك» الروسية أن ميدفيديف أوضح أن «كل يوم يتم فيه تسليم أسلحة أجنبية إلى أوكرانيا يزيد من احتمالية نشوب حرب نووية». وأضاف: «خطر نشوب صراع نووي لم ينتهِ بل زاد». وفي وقت سابق، أعلنت نائبة وزير الدفاع البريطاني، أنابيل جولدي، أنه إلى جانب توفير الدبابات القتالية لأوكرانيا، ستزود (بريطانيا) كييف بالذخيرة، بما في ذلك الذخيرة الخارقة للدروع التي تحتوي على اليورانيوم المنضب. وأكدت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو لن تترك عزم بريطانيا إمداد أوكرانيا بذخيرة تحتوي على اليورانيوم المنضب دون رد. وأعلن الرئيس الروسي بوتين الثلاثاء أنه إذا بدأ الغرب الجماعي باستخدام أسلحة ذات مكون نووي، فستضطر روسيا إلى الرد. ورفضت الولايات المتحدة، أول من أمس، تنديد روسيا بخطة بريطانية لتزويد أوكرانيا بذخائر خارقة للدروع تحتوي على يورانيوم منضب. ووصف جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شكاوى موسكو بأنها حجج «واهية».
وقال كيربي إن الذخائر التي تعزز قدرة القوات المسلحة الأوكرانية على اختراق دفاعات الدروع «ليست مشعة» و«ليست قريبة بأي حال من الأحوال» من عالم الأسلحة النووية. وأضاف: «هذا نوع مألوف من الذخائر يُستخدم بشكل خاص لقدرته على اختراق الدروع. لذا مرة أخرى، إذا كانت روسيا مهتمة بشكل خاص بسلامة دباباتها وجنودها... يمكنها إعادتهم عبر الحدود إلى روسيا». وتابع: «أعتقد أن ما يحدث هنا أن روسيا لا تريد أن تستمر أوكرانيا بتدمير دباباتها».
والولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات العسكرية للقوات الأوكرانية، ومع ذلك أكد كيربي: «نحن لا نزود باليورانيوم المنضب»، كما انتقد كيربي وزارة الدفاع الروسية لمنحها ميداليات للطيارين الذين شاركوا في إسقاط طائرة مسيرة عسكرية أميركية متطورة فوق البحر الأسود، وأظهر مقطع فيديو لـ«البنتاغون» ما تقول إنه طائرات روسية تصطدم بالطائرة المسيرة قبل تحطمها، لكن موسكو قالت إن الطائرة الأميركية فقدت السيطرة. وقال كيربي: «لا أعرف أي جيش آخر في العالم (...) كرَّم طياراً لتحطيمه طائرة مسيرة. إذا كانت هذه شجاعة، فأعتقد أن لديهم تعريفاً مختلفاً لها». وأضاف: «ليس لدي أدنى فكرة لماذا يمنحون طياراً جائزة شجاعة كان في أسوأ الأحوال يعرض نفسه وكذلك طائرة الولايات المتحدة بشكل خبيث لمخاطر كبيرة، وفي أحسن الأحوال كان مجرد أحمق».


مقالات ذات صلة

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية- رويترز)

ترمب عن الـ«ناتو»: يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة

حضّ ترمب أعضاء حلف «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % من إجمالي ناتجهم المحلي، مقابل «حماية الولايات المتحدة».

«الشرق الأوسط» (مارالاغو (الولايات المتحدة))

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟