هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

سهَّل عمليات البحث بموازاة التشجيع على «الغش»

«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)
«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)
TT

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)
«تشات جي بي تي» أقرب نموذج ذكاء صناعي للمخ البشري (adobe stock)

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي. الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن استخدام الذكاء الصناعي في التعليم والبحث العلمي، أم لا؟
من بين 20 طالباً في أحد الفصول الدراسية بمدرسة تابعة لنظام «البكالوريا الدولية» بدولة أستراليا، قدم خمسة طلاب محتوى متشابهاً، عند كتابة أحد الأبحاث التي تم تكليف الفصل الدراسي بها؛ وهو ما ساعد مدرس اللغة الإنجليزية مارتن فنسنت، على اكتشاف استخدام الطلاب الخمسة برنامج «تشات جي بي تي» في الكتابة.
هذه هي إحدى الطرق البسيطة التي نصح بها فنسنت زملاءه، حتى يتمكنوا من اكتشاف النصوص المكتوبة بآلية الذكاء الصناعي التي يتيحها «تشات جي بي تي»، وذلك خلال نقاش بموقع «رديت»، الذي يستخدمه مدرسو وطلاب «البكالوريا الدولية» في التواصل.
لكن المدرس نفسه قال لـ«الشرق الأوسط»، عندما طلبت منه التعليق على استخدام الطلاب لهذه الأداة، إنه «لا يمانع استخدامها، كأداة توجيهية للطالب ترشده إلى مصادر يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً في البحث عنها».

يوفر «تشات جي بي تي» طريقة للتفاعل مع الذكاء الصناعي عن طريق المحادثة (غيتي)

هذا الحد الفاصل بين أن يكون «تشات جي بي تي» داعماً للتعليم، يُسهل عمليات البحث، وبين مهدد للعملية التعليمية، إذا ما عمد مستخدموه إلى «الغش». أشار إليه فنسنت في تعليقه، وأكدت عليه دراسات في مجالات مختلفة، رأت في هذا البرنامج «نعمة كبيرة»، يجب حمايتها من سوء الاستخدام الذي يحولها إلى «نقمة»، تهدد ما يعرف بـ«النزاهة الأكاديمية».
ويستطيع هذا البرنامج الذي طورته شركة أبحاث الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي» بمدينة سان فرانسيسكو، استخدام كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر العامة، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى أشبه بذلك الذي ينتجه البشر، من خلال «خوارزميات» تقوم بتحليل عدد هائل من البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النص الذي يوفره البرنامج «سرقة أدبية» بالمعنى التقليدي، لأن البرنامج «لم ينسخ عملاً سابقاً»، ما يعني أنه لا يمكن لبرامج كشف الانتحال التي تستخدمها المدارس والجامعات، اكتشافه.

تشخيص أمراض العيون

ويدعم مايكل بالاس، الباحث بكلية الطب بجامعة تورونتو بكندا، والذي قاد فريقاً لدراسة استخدام البرنامج في تشخيص أمراض العيون، استخدام «تشات جي بي تي». ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن تكون نماذج لغة الذكاء الصناعي أداة قوية للمساعدة في مختلف جوانب كتابة البحث، ولكن لا ينبغي أن تحل محل الخبرة والتفكير النقدي للباحثين، الذين يجب عليهم استخدام المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الصناعي كنقطة انطلاق، ومراجعة المحتوى وتعديله بعناية لضمان دقته وجودته».
ووجّه النصيحة نفسها للمرضى الذين قد يلجأون إلى «دكتور تشات جي بي تي»، الذي حقق دقة عالية في التشخيص، كما كشفت دراسة منشورة في عدد مارس (آذار) الحالي بدورية «طب العيون».
وحدد «تشات جي بي تي» التشخيص الصحيح في 9 من 10 حالات تم عرضها عليه، وهو ما يفوق «دكتور غوغل»، كما يؤكد بالاس؛ لأن «البرنامج مصمم لفهم وتحليل استفسارات اللغة الطبيعية، وتقديم معلومات أكثر دقة، كما يمكنه أيضاً مراعاة التاريخ الطبي الفريد للمريض، وعوامل نمط الحياة، والمعلومات الأخرى ذات الصلة، لتقديم توصيات أكثر دقة».
ورغم ذلك، ينصح بالاس المرضى بالنصيحة التي وجهها للباحثين، وهي أن يكون البرنامج «أداة مساعدة وليس بديلاً للطبيب». ويقول إنه «لا ينبغي استخدام نماذج لغة الذكاء الصناعي بديلاً للاستشارة الطبية عند اختصاصي رعاية صحية مرخص».
تشديد بالاس على هذه النصيحة، رغم اعتراف الدراسة التي قادها بدقة تشخيص «تشات جي بي تي»، يشير بوضوح إلى وجود نسبة من الخطأ في إجابات البرنامج، وهذه النسبة، تظهر عند استخدام البرنامج في إعداد الأبحاث والواجبات المدرسية، ويستطيع المدرس المحترف اكتشافها، وتكون دليلاً على الاستخدام «غير الأمين» للبرنامج، حال لم تجد الطريقة التي أوضحها، مدرس اللغة الإنجليزية مارتن فنسنت، في البداية.

الأخطاء الأسلوبية

واعتمدت الطريقة التي أوضحها فنسنت على قيام أكثر من طالب في الفصل الدراسي باستخدام البرنامج لإعداد نفس البحث. ولكن، إذا استخدمه طالب واحد فقط، تكون الطريقة المثلى التي يوضحها ويل هيوز، وهو مدرس للغة الإنجليزية في أحد مدارس «البكالوريا الدولية» في بريطانيا، هي الأخطاء الأسلوبية.
وقال هيوز على موقع التواصل الاجتماعي «رديت»، الذي يستخدمه مدرسو وطلاب «البكالوريا الدولية»، إنه «تمكن من اكتشاف نصوص مكتوبة ببرنامج (تشات جي بي تي)؛ لأن ما يكتبه البرنامج يكون مليئاً بالأخطاء الأسلوبية».
والأخطاء الأسلوبية سمة مميزة لبرامج الكتابة بالذكاء الصناعي، وقد أشارت تجربة عملية قام بها موقع المعلومات التعليمية «EduRef» إلى هذه السمة، التي يمكن أن تكون أداة لاكتشاف النصوص المكتوبة بهذه البرامج.
وفي التجربة، التي نشر تفاصيلها موقع «نيتشر إنديكس» في 17 أغسطس (آب) 2021، تم تكليف مجموعة من الخريجين الجدد والطلاب الجامعيين المهام نفسها التي تم تكليف «جي بي تي 3» بها، وهو برنامج أنتجته الشركة المنتجة لـ«تشات جي بي تي».
وتم تقييم المهام من قِبل مدرسين لا يعرفون الأعمال المكتوبة من قِبل الخريجين والطلاب، وتلك المكتوبة بالذكاء الصناعي، فتمت الإشادة بالبرنامج لكتابته افتتاحية وتحولات ممتازة، ولكن تم انتقاده لاستخدامه لغة مربكة، ولإخفاقه في صياغة سرد قوي.
وكانت الميزة الواضحة للذكاء الصناعي، هي «عامل الوقت»، فبينما استغرق ما بين ثلاث إلى 20 دقيقة لكتابة ورقة، احتاج الطلاب إلى ثلاثة أيام.

عابد حليم الأستاذ بقسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الإسلامية في نيودلهي بالهند (الجامعة الإسلامية)

وقبل تلك التجربة بشهر واحد، نشر باحثون متخصصون في علوم الكمبيوتر بالمعهد الجامعي الفرنسي، دراسة على موقع ما قبل طباعة الأبحاث (أركايف)، تشير إلى اكتشافهم العديد من الدراسات في مجال تخصصهم تمت كتابتها باستخدام الذكاء الصناعي؛ وذلك لوقوع أصحابها في أخطاء أسلوبية، تمثلت في استخدام «عبارات غريبة».
وقال غيوم كاباناك، الباحث الرئيسي بالدراسة، في تقرير نشره موقع «نيتشر» في 5 أغسطس 2021، إنه «في أبريل (نيسان) 2021، لفتت انتباهه سلسلة من العبارات الغريبة في مقالات المجلات الخاصة بعلوم الكمبيوتر»، ولم يستطع فهم سبب استخدام الباحثين مصطلحات «الوعي المزيف»، و«التنظيم العصبي العميق» و«المعلومات الهائلة»، بدلاً من المصطلحات المعروفة على نطاق واسع مثل «الذكاء الصناعي»، و«الشبكة العصبية العميقة»، و«البيانات الضخمة».
وكشفت المزيد من التحقيقات، عن أن هذه المصطلحات الغريبة، التي أطلق عليها ورفاقه في البحث «عبارات مشوهة»، تنتشر في أوراق علوم الكمبيوتر، حيث وجدوا أكثر من 860 بحثاً تضمنت واحدة على الأقل من العبارات، وتم نشر 31 منها في مجلة واحدة، وهي «ميكروبروسيسور آند ميكروسيستمز».
والعبارات «المشوهة»، كما عرفها كاباناك، هي «ما يحدث للكلمات التي تُترجم من الإنجليزية إلى لغة أجنبية أخرى، ثم تعود إلى اللغة الإنجليزية، ربما بواسطة جهاز كمبيوتر يحاول إنشاء منشور علمي لمجموعة من المؤلفين عديمي الضمير».

تفادي الأخطاء

ويعتقد عابد حليم، الأستاذ بقسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الإسلامية في نيودلهي بالهند، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «(شات جي بي تي)، سيعمل على تفادي الأخطاء الأسلوبية في نسخته المحدثة، التي تفهم التفاصيل الدقيقة للغة الطبيعية التي ينتجها الإنسان، باستخدام كميات هائلة من البيانات من الإنترنت».
ويقول حليم، الذي قاد دراسة نُشرت في أكتوبر (تشرين الأول) عن البرنامج بدورية (TBench)، إنه «إذا لم يكن المدرس أو البروفسور المشرف على الباحث الجامعي، مدركاً للمستوى الحقيقي للطالب، فقد ينجح في خداعه بأوراق بحثية كتبها الذكاء الصناعي، ما لم توجد برامج أخرى تستخدم أيضاً الذكاء الصناعي لاكتشاف الأوراق البحثية المكتوبة به».
وتبشر الشركة المسؤولة عن موقع «تيرن إت إن Turnitin»، وهو موقع أميركي يستخدمه طلاب «البكالوريا الدولية» والباحثون في الجامعات والمشرفون عليهم، للتأكد من أصالة البحث، ومنع السرقات العلمية، بما طالب به حليم.
ويقول إريك وانج، نائب رئيس الذكاء الصناعي في الشركة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «بينما تتطور أدوات الكتابة بالذكاء الصناعي مثل (تشات جي بي تي)، يتطور (تيرن إت إن) بسرعة معها، وتوجد الآن تقنية لاكتشاف أشكال متعددة من الكتابة بالذكاء الصناعي، سواء تلك المكتوبة باستخدام (جي بي تي 3)، و(تشات جي بي تي)».
ويشرح وانج، الآلية المستخدمة في (تيرن إت إن) لاكتشاف النصوص المكتوبة بالذكاء الصناعي، ويقول: إن «(تشات جي بي تي)، و(جي بي تي 3)، يقومان بإنشاء نص عن طريق وضع الكلمة الأكثر احتمالاً في المكان الأكثر احتمالية، ويؤدي هذا إلى إنشاء توقيع إحصائي يمكن اكتشافه، لأن هذا التوقيع الإحصائي، يبدو مختلفاً تماماً عن الكتابة البشرية، حيث تميل الكتابة البشرية إلى أن تكون شخصية وغير متسقة، وتم تدريب التقنية على اكتشاف هذه الاختلافات في احتمالية الكلمات».

إريك وانج نائب رئيس الذكاء الصناعي في شركة «تيرن إت إن» (تيرن إت إن)

ويرفض وانج «شيطنة أدوات الذكاء الصناعي»، ويقول «من المهم إدراك أن وجود قدرات الكتابة بالذكاء الصناعي، لا يشير إلى نهاية الفكر الأصلي أو التعبير الأصلي، إذا تم تحديد المعايير الصحيحة لاستخدامها». ودعا المدرسين إلى الحديث مع طلابهم بشأن معايير استخدام برامج الذكاء الصناعي، والاستخدام المقبول له.
وما أشار إليه وانج في حديثه عن «الاستخدام المقبول» للذكاء الصناعي، هو ما أكدت عليه أيضاً دراسة نشرت في 25 فبراير (شباط) الماضي بدورية «كريتيكال كير»، تحت عنوان «هل يمكن للذكاء الصناعي أن يساعد في الكتابة العلمية؟».

حوار مع «تشات جي بي تي»

وذهب الباحثون في تلك الدراسة التي قادها ميشيل سالفانو، من قسم العناية المركزة بمستشفى «إيراسمي» بجامعة بروكسل، إلى أن «تشات جي بي تي»، هو برنامج ذكاء صناعي قادر على المساعدة في عملية كتابة ورقة علمية، ويمكن أن يساعد في مراجعة الأدبيات، وتحديد أسئلة البحث، وتقديم نظرة عامة على الحالة الحالية في مجال طب الرعاية الحرجة، والمساعدة في المهام، مثل التنسيق والمراجعة الإملائية، لكنه لا يجب أن يصبح كاتباً للمحتوى».
وأجرى الباحثون تجربة «ساخرة» تم تضمينها في دراستهم لتوصيل هذه الرسالة، حيث طلبوا من برنامج «تشات جي بي تي»، مراجعة ورقتهم البحثية، وسألوه «إذا كان مؤلفاً مشاركاً بها، هل يوافق على إرسالها إلى دورية (كريتيكال كير)؟» فجاء الرد من البرنامج، كالآتي «بصفتي نموذجاً للذكاء الصناعي، لا يمكنني مراجعة أو إرسال الأوراق إلى المجلات، لأنني لست باحثاً أو مؤلفاً، ومع ذلك، يمكنني أن أقدم لك بعض التعليقات على الورقة التي قدمتها، حيث تقدم الورقة لمحة عامة واضحة وشاملة عن الاستخدامات المحتملة لـ(تشات جي بي تي) في الكتابة العلمية، وتحديداً في مجال طب الرعاية الحرجة، وتوفر المقدمة خلفية جيدة عن (تشات جي بي تي) وكيف يمكن استخدامه في مهام مختلفة، وتستمر الورقة في مناقشة الاستخدامات المحتملة لـ(تشات جي بي تي) في الكتابة العلمية، مثل إنشاء المسودة والبحث الأدبي ومراجعة اللغة، وتتطرق الورقة أيضاً إلى الاهتمامات الأخلاقية وقيود استخدام (تشات جي بي تي) في الكتابة العلمية، وأوصي بمراجعة الورقة مرة أخرى، والتحقق من الأخطاء النحوية والإملائية، والتأكد من تنسيق الاستشهادات والمراجع بشكل صحيح، وسيكون من المهم أيضاً الحصول على استنتاج مناسب يلخص الأفكار الرئيسية للورقة ووجهات النظر المستقبلية، ومن المهم أن تضع في اعتبارك أنه يجب دائماً استخدام (تشات جي بي تي) جنباً إلى جنب مع خبرة الخبراء البشريين وحكمهم، ويجب التحقق من مخرجاتها قبل استخدامها في الممارسة السريرية».

الاستخدام بشروط

هذه الإجابة التي أوردها «تشات جي بي تي»، تشير إلى الحدود المسموح بها لاستخدام البرنامج، والتي تلخصها عبارة «نوافق على استخدامه في دعم صناعة المحتوى، وليس تقليد المحتوى»، والتي جاءت في تعليق استقبلته «الشرق الأوسط»، من ماثيو جلانفيل، رئيس مبادئ وممارسات التقييم بمنظمة «البكالوريا الدولية»، والناطق الرسمي باسم المنظمة. ويقول جلانفيل، إنه «أثناء تطوير البرامج التي يمكن أن تكتشف النص المكتوب بواسطة الذكاء الصناعي، يمكن أن تتحسن تقنيات الذكاء الصناعي، وتصبح أكثر تعقيداً، بحيث لا يمكن التعرف على إنتاجها بشكل موثوق».
ويضيف «التركيز في البكالوريا الدولية هو على التطلع إلى المستقبل؛ ما يعني أن تطبيع استخدام الذكاء الصناعي في الأعمال وفي العديد من الأماكن الأخرى، يجب أن يستتبعه تصميم التعليم المناسب للطلاب الذين سيعيشون في هذا العالم».
وانطلاقاً من تلك الرؤية للمنظمة، يؤكد الناطق الرسمي باسم المنظمة، أن «البكالوريا الدولية لا تمانع من استخدام (تشات جي بي تي) أو أي أداة أخرى للذكاء الصناعي، طالما يتماشى الاستخدام مع سياسة النزاهة الأكاديمية للمنظمة».
والنزاهة الأكاديمية، كما يوضح جلانفيل، جانب أساسي من جوانب التدريس والتعلم في برامج البكالوريا الدولية، ويقول إنه «منذ الصغر، تتم مساعدة طلاب البكالوريا الدولية على تعلم القدرة على التمييز بين التصرف بنزاهة (القيام بعملهم الخاص) وعدم النزاهة (تقليد الآخرين)؛ ولهذا السبب، يُتوقع من جميع الطلاب المشاركين في برامج البكالوريا الدولية أن يختاروا التصرف بأمانة وشفافية ومسؤولية وأخلاقية».

إيكل بالاس الباحث بكلية الطب بجامعة تورونتو بكندا (جامعة تورونتو)

وبالإضافة إلى الاعتماد على استيعاب الطلاب لسياسة المنظمة، يشير جلانفيل أيضاً، إلى أن «لدى البكالوريا الدولية مجموعة متنوعة من العمليات، والسياسات الصارمة التي تقلل من مخاطر انتحال الطالب، أو سوء السلوك المدرسي، وتتحقق من صحة عمل الطلاب، حيث تعمل المنظمة بشكل وثيق مع مدارس البكالوريا الدّوليّة والمدرّسين، حتى يتمكنوا من التأكد أن الطالب أنتج عملاً كاملاً من لا شيء».
ويضيف «على سبيل المثال، تركز جميع دورات البكالوريا الدولية مع المعلمين على ضرورة مقابلة الطلاب بانتظام، أثناء مرحلة البحث والكتابة لمنع الممارسات الخاطئة، ويوفر ذلك للمعلمين الفرصة لسؤال الطلاب عن أفكارهم وحججهم للتأكد من أن عمل الطالب هو انعكاس حقيقي لما يفهمه، وأنه متسق مع العمل أو أسلوب الكتابة السابق».
وطالما أن المدرس والطالب يدركان سياسة المنظمة، فلا يوجد مشكلة في رأي جلانفيل من استخدام «تشات جي بي تي» أو أي برنامج من برامج الذكاء الصناعي، ولكن في إطار كونه أداة مساعدة أشبه بالتحدث مع زملائه الطلاب، والمناقشات مع المعلمين، وفي هذه الحالة فهو «لا يضر بأي حال من الأحوال بعملية التعلم».
ويوضح، أنه «لا يجب أن يتعدى استخدام (تشات جي بي تي)؛ كونه مصدراً، تماماً مثل استخدام الأفكار المأخوذة من أشخاص آخرين أو الإنترنت، وكما هو الحال مع أي اقتباس من مصدر آخر، يجب أن يكون ذلك واضحاً في متن النص، ويُشار إليه بشكل مناسب في الببليوغرافيا، الخاصة بالبحث».
ويتوقع جلانفيل، أن «يكون توظيف الطلاب للبرنامج بهدف دعم صناعة المحتوى، وليس تقليد المحتوى، وذلك لإنتاج أعمال أصيلة وأصلية تعبر عن قدراتهم الخاصة».


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شمال افريقيا الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم المصري في اجتماعه مع برافين أجراوال ممثل برنامج الأغذية العالمي (صفحة مجلس الوزراء على «فيسبوك»)

مصر: فرص «للمتسربين من التعليم» للالتحاق بالمدارس المجتمعية

أكدت الحكومة المصرية «التزامها بالحد من ظاهرة تسرب الطلاب من التعليم؛ بهدف سد منابع الأمية». وأعلنت عن «فرص للمتسربين من التعليم للالتحاق بمدارس التعليم المجتمعي»، في إطار جهود حكومية لمجابهة الأمية، تستهدف «مصر بلا أمية عام 2023». وأكد الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم المصري، خلال لقائه مع برافين أجراوال، ممثل برنامج الأغذية العالمي، «أهمية تعزيز التعليم داخل المدارس».

نادية عبد الحليم (القاهرة)

أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

TT

أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)
مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)

في الحروب يحرص عادة كل طرف على نصب الكمائن للطرف الآخر. أما اليوم، في الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله»، فيبدو أن كل طرف يوقع نفسه في الكمائن. فعلى رغم أن كلا الطرفين يؤكد أنه غير معني بتوسيع نطاق الحرب، فإنهما يندفعان بشكل جارف إلى توسعتها. وعلى الجانب الإسرائيلي، تجري تدريبات حربية متواصلة على كيفية توسيعها، في حين تشير الاستطلاعات إلى أن الجمهور يؤيد هذه التوسعة. قبل شهرين فقط كان 64 في المائة من المستطلعين الإسرائيليين يؤيدون حرباً مع «حزب الله» حتى لو كان الثمن حرباً إقليمية واسعة. وفي الشهر الأخير هبطت هذه النسبة إلى 46 في المائة وهي لا تزال نسبة مرتفعة إلى حد بعيد. هذا التأييد أفزع القيادات العسكرية في تل أبيب، وجعلها تشعر بأن الجمهور لا يدرك تماماً ما قد تعنيه هذه الحرب.

أيال حولتا، المستشار الأسبق للأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، يقول إن حرباً كهذه ستؤدي إلى تدمير مناطق شاسعة من لبنان، ولكنها أيضاً ستلحق أضراراً كبيرة في إسرائيل، وقد توقع نحو 15 ألف قتيل فيها.

فتاة تعبر قرب دكان مغلق كتب عليه "لقد مات 4 من رفاقي. منطقة حرب" في تل أبيب (رويترز)

معهد أبحاث الإرهاب في جامعة رايخمان، أجرى دراسة حول سيناريوهات حرب مع «حزب الله» بمشاركة 100 خبير عسكري وأكاديمي، خرجوا فيها باستنتاجات مفزعة؛ إذ قالوا إن من شأن حرب كهذه أن تتسع فوراً لتصبح متعددة الجبهات، بمشاركة ميليشيات إيران في سوريا والعراق واليمن وقد تنضم إليها حركتا «حماس» و«الجهاد» في الضفة الغربية.

ورجّحت الدراسة أن يطلق «حزب الله» طيلة 21 يوماً كمية هائلة من الصواريخ بمعدل 2500 إلى 3000 صاروخ في اليوم ويركز هجومه على إحدى القواعد العسكرية أو المدن في منطقة تل أبيب، وكذلك على مناطق حساسة أخرى، مثل محطات توليد الكهرباء وآبار الغاز ومفاعل تحلية المياه والمطارات ومخازن الأسلحة. وبالإضافة إلى الدمار الذي سيحدثه هذا القصف، ستنفجر فوضى لدى الجمهور الإسرائيلي.

كذلك، سيحاول «حزب الله» الدفع بخطته القديمة، في إرسال فرق «الرضوان» لتخترق الحدود الإسرائيلية وتحتل بلدات عدة، كما فعلت «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وأكثر.

تدمير على نسق غزة

هذا السيناريو المخيف، جاء أولاً وبالأساس لكي يصبّ بعض الماء البارد على الرؤوس الحامية التي راحت تمارس ضغوطاً على الجيش لكي يجتاح الأراضي اللبنانية. والجيش، إذ يدرك بأن القيادات السياسية اليمينية الحاكمة تحرّض عليه وتظهره متردداً وخائفاً من الحرب، ينشر في المقابل خططاً تظهر أنه جاد في الإعداد للحرب. وبحسب التدريبات والتسريبات التي يمررها، يتضح أنه يعدّ لاجتياح بري واسع يحتل فيه الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني، وربما حتى نهر الزهراني أيضاً. وهو يقول إنه في حال رفض «حزب الله» اتفاقاً سياسياً يبعده عن الحدود، فإن الجيش سيسعى لفرض هذا الابتعاد بالقوة.

ويوضح أنه سيبدأ توسيع الحرب بقصف جوي ساحق يدمر عدداً من البلدات اللبنانية على طريقة غزة، وبعدها يأتي الاجتياح. وبحسب مصادر عسكرية، فإن إسرائيل استعادت الأسلحة المتأخرة من الولايات المتحدة، بما فيها القنابل الذكية، وستستخدمها في قصف الضاحية الجنوبية في بيروت ومنطقة البقاع على الأقل.

طائرة إطفاء إسرائيلية تلقي مواد لإخماد النيران المشتعلة في الجليل الأعلى جراء صواريخ أطلقها «حزب الله» (أ.ف.ب)

ويبعد نهر الليطاني عن الحدود 4 كيلومترات في أقرب نقطة و29 كيلومتراً في أبعد نقطة، ليشكل شريطاً مساحته 1020 كيلومتراً مربعاً يشمل ثلاث مدن كبيرة، صور (175 ألف نسمة) وبنت جبيل ومرجعيون. ويعيش في تلك المنطقة نصف مليون نسمة، تم تهجير أكثر من 100 ألف منهم، حتى الآن. لذا؛ فإن الحديث عن احتلال هذه المنطقة كلها لن يكون سهلاً. فـ«حزب الله» أقوى بكثير من «حماس» ولديه أنفاق أكبر وأكثر تشعباً من أنفاق غزة، كما أنه يملك أسلحة أفضل وأحدث وأكثر فتكاً، وهو مستعد لهذه الحرب منذ فترة طويلة. وإذا كانت إسرائيل تخطط لحرب قصيرة من 21 يوماً، فإن أحداً لن يضمن لها ذلك وقد تغرق في الوحل اللبناني مرة أخرى.

جدوى الحرب ومستوطنات الشمال

بدأ الجيش الإسرائيلي في إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة حرب طويلة، فجرى إنعاش أوامر الاحتياط الأمني في أوقات الطوارئ في المستشفيات والمصانع والمؤسسات الحكومية والرسمية والملاجئ. وهو يضع في الحسبان احتمال أن يستطيع «حزب الله» إطلاق آلاف الصواريخ والمسيّرات وضرب البنى التحتية من محطات توليد كهرباء وتحلية مياه وآبار غاز. وفي التدريبات التي جرت في الشهرين الماضيين، وضع في الحسبان أيضاً احتمال أن تتدخل إيران مباشرة. عندها ستتفاقم فوضى الملاحة في البحر الأحمر وقد يتم ضرب قبرص. وهذا يعني أن الأراضي الإسرائيلية، كلها، ستتحول إلى جبهة مشتعلة.

ويقول معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في دراسته: «حتى الآن أطلق (حزب الله) أكثر من 5000 ذخيرة مختلفة، معظمها من لبنان، على أهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل؛ ما أدى إلى مقتل 33 مدنياً وعسكرياً، وإحداث أضرار جسيمة. فهناك شعور قوي بعدم جدوى الحرب بالنسبة لمستقبل المنطقة الشمالية، والمستوطنات الـ28 التي تم إخلاؤها ومدينة كريات شمونة وسكانها، الذين يتساءلون متى وتحت أي ظروف سيتمكنون من العودة إلى بيوتهم».

يهود متدينون يؤدون صلاة الصباح عند هضبة في الضفة الغربية بعد وعود حكومية بضمن مزيد من الاراضي الفلسطينية (أ ب)

ترسانة «حزب الله»

بحسب التقارير ومنذ حرب لبنان الثانية، يشكّل «حزب الله» التهديد العسكري الرئيسي لإسرائيل؛ نظراً لضخامة قواته المدعومة إيرانياً وبصفته «رأس الحربة في محور المقاومة». وتتكون الترسانة الرئيسية للحزب مما لا يقل عن 150 ألف صاروخ وقذيفة وأسلحة إحصائية أخرى، بالإضافة إلى مئات الصواريخ الدقيقة الموجهة، والمتوسطة والطويلة المدى، التي تغطي المنطقة المأهولة بالسكان في إسرائيل. يكمن الضرر الرئيسي المحتمل لهذا المخزون في الصواريخ الدقيقة، والتي تشمل صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والصواريخ الدقيقة القصيرة المدى المضادة للدبابات، والصواريخ الساحلية المتقدمة وآلاف الطائرات والمروحيات المُسيّرة. وفي حرب 2006، عندما خاض الجانبان حرباً استمرت 34 يوماً، كان لدى «حزب الله» نحو 15 ألف صاروخ وقذيفة، غالبيتها العظمى لم تكن موجهة ومداها أقل من 20 كيلومتراً؛ مما يعني أنها لم تكن قادرة على الوصول لمدينة حيفا شمالي إسرائيل. وقد أطلق الحزب نحو 120 صاروخاً يومياً في تلك الحرب؛ ما أسفر عن مقتل 53 إسرائيلياً وإصابة 250 وإلحاق أضرار مادية جسيمة.

أما اليوم، فإلى جانب ما ذُكر، هناك أيضاً المنظومات السيبرانية المتقدمة، القادرة على التسبب بأعمال قتل جماعي وأضرار مدمرة للأهداف المدنية والعسكرية، بما في ذلك البنية التحتية الوطنية الحيوية. الموارد العسكرية التي يملكها «حزب الله» كبيرة كمّاً ونوعاً، بما يضاهي عشرات أضعاف القدرات العسكرية لـ«حماس» قبل اندلاع الحرب. والأهمية الاستراتيجية هي أن «حزب الله» يمتلك البنية التحتية والقدرات العسكرية اللازمة لشنّ حرب طويلة، ربما لأشهر عدة، وإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل.

عناصر من «حزب الله» يشيعون في بيروت القيادي في الحزب محمد نعمة ناصر الذي قتل في غارة إسرائيلية (د.ب.أ)

ويضيف التقرير أنه «في حرب واسعة النطاق ضد (حزب الله)، سيتعين على أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي أن تتعامل، مع مرور الوقت - وخاصة في الأسابيع الأولى من الحرب - مع وابل من الأسلحة يصل إلى آلاف يومياً، ولن يكون من الممكن اعتراضها كلها. هذه الهجمات، بما في ذلك من جبهات أخرى، مثل إيران والعراق وسوريا واليمن، يمكن أن تسبب التشبع لطبقات الدفاع الجوي الإسرائيلية، بل وربما نقصاً في وسائل الاعتراض. وهذا تهديد عسكري ومدني لم تعش مثله إسرائيل. في مثل هذا السيناريو، سيكون مطلوباً من الجيش الإسرائيلي تحديد الأولويات، سواء بين ساحات القتال المختلفة أو فيما يتعلق بتوزيع الموارد للدفاع الفعال عن الجبهة الداخلية. من المتوقع أن تعمل القوات الجوية كأولوية أولى لحماية الأصول العسكرية الأساسية، وكأولوية ثانية لحماية البنى التحتية الأساسية، وكأولوية ثالثة فقط لحماية الأهداف المدنية، التي سيكون لسلوك الجمهور فيها، أهمية كبيرة في مواجهة تحذيرات الجبهة الداخلية والحماية السلبية بمختلف أنواع الملاجئ، والتي تعدّ قليلة».

آثار صدمة 7 أكتوبر

ويحذر الدكتور العميد (احتياط) أريئيل هايمان من أن «إسرائيل، في معظمها، لا تزال تعاني صدمة جماعية مستمرة، من جراء هجوم (حماس) في 7 أكتوبر، تضر بشدة بقدرتها على الصمود. ويتجلى هذا الوضع في تقلص مؤشرات الصمود، كما تظهرها استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي. فهناك تراجع كبير في الصمود الوطني للمجتمع الإسرائيلي، مقارنة بالأشهر الأولى للحرب. ويتجلى ذلك في انخفاض واضح في مستوى التضامن والثقة في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، وفي مستوى التفاؤل والأمل لدى غالبية الجمهور. كل هذا، أيضاً في مواجهة ما يُعدّ «تباطؤاً» في الحرب على غزة، والتي كان ينظر إليها في البداية، على أنها حرب مبررة، وأدت في البداية إلى «التقارب حول العلم الوطني». من المشكوك الآن، إلى أي مدى سيكون المجتمع الإسرائيلي مستعداً ذهنياً لحرب صعبة وطويلة الأمد في الشمال أيضاً».

جندي إسرائيلي يتفقد الأضرار في منزل أُصيب بصاروخ أطلقه «حزب الله» على كريات شمونة (أ.ف.ب)

ويقول البروفسور بوعز منور، رئيس جامعة رايخمان، الذي ترأس البحث حول الحرب مع لبنان: «لا تخافوا، إسرائيل لن تُهزم في حرب كهذه. لكن 7 أكتوبر سيبدو صغيراً أمام ما سيحل بنا في حرب مع لبنان. سيحصل ضرر استراتيجي كبير. لكن لن يكون هناك خطر وجودي علينا. وأنا لا أريد أن أخفف وطأة هذه الحرب إلا أنني أضع الأمور في نصابها. والحقيقة أننا لا نحتاج إلى حرب كهذه؛ إذ إنه في حال التوصل إلى اتفاق في غزة سينسحب الأمر على الشمال».

وحذّر البروفسور شيكي ليفي، الباحث في اتخاذ القرارات ورئيس دائرة التمويل في الجامعة العبرية، من حرب لبنان ثالثة عالية، مؤكداً أن «الجميع يتفق على أن مثل هذه الحرب، إذا ما نشبت، ستكون حرباً وجودية، مع إصابات في الأرواح وفي الممتلكات على نطاق لم تشهده دولة إسرائيل أيضاً. هذه حرب ستضع مجرد وجود الدولة في خطر حقيقي». ويضيف، في مقال نشرته «معاريف» أخيراً أن «انعدام ثقة أغلبية الجمهور في إسرائيل بالقيادة السياسية غير مسبوق، كما ينعكس في استطلاع إثر استطلاع. الجيش متآكل حتى الرمق الأخير من الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر. يوجد حد لما يمكن أن نطلبه من رجال الاحتياط الذين انفصلوا عن عائلاتهم، جمّدوا حياتهم المهنية والتعليمية ويقاتلون منذ أشهر طويلة في غزة وفي الشمال».

على رغم كل ذلك، هناك احتمال كبير في أن تختار إسرائيل فتح هذه الحرب، أو الانجرار إليها على طريق الكمائن الذاتية. فهي تواصل سياسة الاغتيالات لقادة «حزب الله»، مع علمها اليقين بأن مع كل اغتيال يأتي رد تصعيدي. في الوقت الحاضر، يحافظ «حزب الله» على السقف الذي حددته الولايات المتحدة وإيران في بداية الحرب، بمنع الانفجار الأوسع، ملتزماً بسياسة الرد وعدم المبادرة إلى عمليات كبيرة. لكن استمرار هذا الانضباط ليس مضموناً. فيكفي أن يقع أحد الأطراف في خطأ ما حتى تنفجر الأمور وتخرج عن السيطرة. وعندها لا يبقى من كلام سوى ذلك المثل القائل: «مجنون ألقى حجراً في البئر».